القاعدة 60-61-62-63-64-65-66-67-68-69
الصالحين :: التصوف :: قواعد التصوف
صفحة 1 من اصل 1
القاعدة 60-61-62-63-64-65-66-67-68-69
قاعدة 60
تعدد وجوه الحسن، يقضي بتعدد الاستحسان
تعدد وجوه الحسن، يقضي بتعدد الاستحسان [وحصول الحسن لكل مستحسن]، فمن ثم كان لكل فريق طريق: فللعامي تصوف حوته كتب المحاسبي، ومن نحا نحوه، وللفقيه تصوف رحاه ابن الحاج في مدخله، وللمحدث تصوف حام حوله ابن العربي في سراجه، وللعابد تصوف دار عليه الغزالي في منهاجه، وللمتريض تصوف نبه عليه القشيري في رسالته، وللناسك تصوف حواه القوت والإحياء، وللحكيم تصوف أدخله الحاتمي في كتبه، وللمنطقي تصوف نحا إليه ابن سبعين في تآليفه، وللطبائعي تصوف جاء به البوني في أسراره. وللأصولي تصوف قام الشاذلي بتحقيقه، فليعتبر كل بأصله من محله، وبالله التوفيق.
قاعدة 61
لا حظّ للعامي فيما سوى الحذر والإشفاق، والأخذ بأيسر المسالك وأبينها
لا حظّ للعامي فيما سوى الحذر والإشفاق، والأخذ بأيسر المسالك وأبينها لديه، وذلك بالتزام التقوى في البداية قبل وقوع الذنب والاستدراك بالتوبة لما وقع منه بعد تدقيق النظر في ذلك دون ما سواه. وقد اعتنى بذلك المحاسبي وحرره أتم تحرير، إلا أنه شدد غاية التشديد، وذلك في البداية وتعين المقصد به عند النهاية، سيما رعايته ونصائحه. فقد قال أوحد زمانه علماً وعبادة وأفضلهم ورعاً وزهادة، سيدي أحمد بن عاشر رضي الله عنه: (لا يعمل بما فيه [إلا ولي]، أو كلاماً هذا معناه، كذا نقله سيدي أبو عبد الله بن عباد [في تنبيهه] رضي الله عن جميعهم بمنه.
قاعدة 62
إنما يؤخذ علم كل شيء من أربابه
إنما يؤخذ علم كل شيء من أربابه، فلا يعتمد صوفي في الفقه، إلا أن يعرف قيامه عليه، ولا فقيه في التصوف، إلا أن يعرف تحقيقه له، ولا محدث فيهما، إلا أن يعلم قيامه بهما. فلزم طلب الفقه من قبل الفقهاء لمريد التصوف. وإنما يرجع لأهل الطريقة، فيما يختص بصلاح باطنه من ذلك، ومن غيره. ولذلك كان الشيخ أبو محمد المرجاني رضي الله عنه، يأمر أصحابه بالرجوع للفقهاء في مسائل الفقه، وإن كان عارفاً بها، فافهم.
قاعدة 63
يعتبر اللفظ بمعناه، ويؤخذ المعنى من اللفظ
يعتبر اللفظ بمعناه، ويؤخذ المعنى من اللفظ. فكل طالب اعتنى باللفظ أكثر من المعنى، فاته تحصيل المعاني، وكل طالب أهمل اللفظ كان المعنى بعيداً عنه. ومن اقتصر على فهم ما يؤديه اللفظ من غير تعمق ولا تتبع كان أقرب لإفادته واستفادته، فإن أضاف لفهم المعنى أجزاء النظر في حقيقته بأصوله اهتدى للتحقيق إذ العلوم إن لم تكن منك ومنها، كنت بعيداً عنها. فمنك بلا منها فساد وضلال، ومنها بلا منك مجازفة وتقليد، ومنها ومنك توقف وتحقيق، ولذا قيل: (قف حيث وقفوا ثم سر)، والله أعلم.
قاعدة 64
غاية اتباع التقوى التمسك بالورع، وهو ترك ما يحيك في الصدر
غاية اتباع التقوى التمسك بالورع، وهو ترك ما لا بأس به، مما يحيك في الصدر، حذراً مما به بأس، كما صح: (لا يبلغ الرجل درجة المتقين حتى يدع ما حاك في الصدر). وشك بلا علامة وسوسة، وورع بلا سنة بدعة. ومنه التورع عن اليمين في الحق بالحق من غير إكثار. فلا يصح قول من قال: (من الديانة إلا تحلف بالله صادقاً ولا كاذباً). لما استفاض من آثار السلف وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بل [قد] قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن يحلف به، فاحلفوا بالله وبروا واصدقوا).
ونهى الله تعالى عن أن يجعل عرضة للأيمان، فليتق وقوعه غاية، ولا يجتنب بالكلية، والله أعلم.
قاعدة 65
من كمال التقوى وجود الاستقامة، وهي حمل النفس على أخلاق القران والسنة
من كمال التقوى وجود الاستقامة، وهي حمل النفس على أخلاق القرآن والسنة، كقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً}، وقال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}، إلى غير ذلك. ولا يتم أمرها إلا بشيخ ناصح، أو أخ صالح يدل العبد على اللائق به لصالح حاله، إذ رُبّ شيخ ضره ما انتفع به غيره، ويدل على ذلك اختلاف أحوال الصحابة في أعمالهم ووصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ومعاملته معهم. فنهى عبد الله بن عمر عن سرد الصوم، وأقر عليه حمزة بن عمر الأسلمي. وقال في ابن عمر: (نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)، وأوصى أبا هريرة بأن لا ينام إلا على وتر، وأمر أبا بكر برفع صوته في صلاته، وعمر بالإخفاء، وتفقد علياً وفاطمة لصلاتهما من الليل، وعائشة تعترض بين يديه اعتراض الجنازة فلم يوقظها، وأعلم معاذ بن جبل بأن من قال: (لا إله إلا الله وجبت له الجنة)، وأمر بإخفاء ذلك عن كل الناس. وخص حذيفة بالسرّ، وأسرّ لبعض الصحابة أذكاراً مع ترغيبه في الخير عموماً.
وهذه كلها تربية منه صلى الله عليه وسلم في مقام الاستقامة، والله أعلم.
قاعدة 66
أخذ العلم والعمل عن المشايخ والإفادة من همتهم وحالهم
أخذ العلم والعمل عن المشايخ أتم من أخذ دونهم، بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، واتبع سبيل من آب إليّ.
فلزمت المشيخة، سيما والصحابة أخذوا عنه صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ عن جبريل، واتبع إشارته في أن يكون: نبياً عبداً، [لا نبياً ملكاً]. وأخذ التابعون عن الصحابة، فكان لكل أتباع يختصون به كابن سيرين، وابن المسيب، والأعرج في أبي هريرة، وطاووس، ووهب، ومجاهد لابن عباس إلى غير ذلك. فأما العلم والعمل، فأخذه جلي فيما ذكروا، وكما ذكروا. وأما الإفادة بالهمة والحال فقد أشار إليها أنس بقوله: (ما نفضنا التراب عن أيدينا من دفنه عليه الصلاة والسلام حتى أن كرنا قلوبنا)، فأبان أن رؤية شخصه الكريم، كان نافعاً لهم في قلوبهم، والعلماء ورثة الأنبياء حالاً ومالاً وإن لم يدانوا المنزلة وهو الأصل في طلب القرب من أهل الله في الجملة. إذ من تحقق بحالة لم يخل حاضروه منها، فلذلك أمر بصحبة الصالحين، ونهى عن صحبة الفاسقين، فافهم.
قاعدة 67
ضبط النفس بالاقتداء بشيخ لازم لمنع التشعب والتشعث
ضبط النفس بأصل، يرجع إليه في العلم والعمل [لأنه] لازم لمنع التشعب والتشعث، فلزم الاقتداء بشيخ، قد تحقق أتباعه للسنة، تمكنه من المعرفة ليرجع إليه فيما يريد أو يراد، مع التقاط الفوائد الراجعة لأصله من خارج، إذ الحكمة ضالة المؤمن، وهو كالنحلة ترعى من كل طيب ثم لا تبيت في غير جبحها، وإلا لم ينتفع بعسلها.
وقد تشاجر فقراء الأندلس من المتأخرين، في الاكتفاء بالكتب عن المشايخ ثم كتبوا للبلاد، فكل أجاب على حسب فتحه. وجملة الأجوبة دائرة على ثلاث:
أولها:
النظر للمشايخ، فشيخ التعليم تكفي عنه الكتب للبيت حاذق الذي يعرف موارد العلم.
وشيخ التربية تكفي عنه الصحبة لذي دين عاقل ناصح.
وشيخ الترقية يكفي عنه اللقاء والتبرك. كل ذلك من وجه واحد أتم.
الثاني:
النظر لحال الطالب، فالبليد لا بد له من شيخ يربيه، واللبيب تكفي الكتب في ترقيه، لكنه لا يسلم من رعونة نفسه، وإن وصل لابتلاء العبد برؤية نفسه.
الثالث:
النظر للمجاهدات. فالتقوى لا تحتاج إلى شيخ لبيانها وعمومها. والاستقامة تحتاج إلى شيخ في تمييز الأصلح منها، وقد يكتفي دونه اللبيب بالكتب ومجاهدة الكشف، والترقية لا بد فيها من شيخ يرجع إليه في فتوحها، كرجوعه عليه السلام للعرض على ورقة [بن نوفل] لعلمه بأخبار النبوة ومبادئ ظهورها، حين فاجأه الحق. وهذه الطريقة قريبة من الأولى والسنة معهما، والله أعلم.
قاعدة 68
الأخذ بما قبلته القواعد وإن لم يصح متنه مادام له أصل من الدين
الفقيه يعتبر الحكم بأصله ومعناه، وقاعدة بابه، إلا لنص في عينه، بنفي أو ثبوت. فهو يأخذ بما قبلته القواعد وإن لم يصح متنه، ما لم يكن له معارض، فمن ثم قبل ابن حبيب وغيره من الأئمة ما له أصل من الدين في الجملة، ولا معارض له ولا ناقض، كسائر الفضائل من المندوبة والرغائب التي ليس فيها زيادة كيفية، ولا معارضة أصل، ولا إشعار بالابتداع كصوم الأيام السبعة، والقراءة عند رأس الميت، سورة (يس) وتفاضل الجماعات بالكثرة ونحو ذلك مما رغب في أصله في الجملة وضعف الترغيب في عينه ونحوه لابن عربي في الأذكار، والله أعلم.
قاعدة 69
المحدث يعتبر الحكم بنصه ومفهومه إن صح نقله
المحدث يعتبر الحكم بنصه ومفهومه إن صح نقله. فهو يقف عند ما انتهى إليه صحيحاً أو حسناً، أو ضعيفاً إن تساهل لا موضوعاً، وإن اقتضته القواعد. بل قال الشيخ البلالي رحمه الله: (تحرم رواية الموضوع مع العلم به إلا مبيناً، والعمل به مطلقاً). ومنه صلاة الرغائب، والأسبوع، وما يروى عن أبي بن كعب في فضائل السور، سورة سورة. وأخطاء من ذكره من المفسرين، وبالمنع في صلاة الرغائب أفتى النووي، وابن عبد السلام وغيرهما من الشافعية، والطرطوشي من أهل مذهب مالك، وصرح به ابن العربي، وهو مقتضى المذهب على ما قاله ابن الحاج وغيره، والله أعلم.
تعدد وجوه الحسن، يقضي بتعدد الاستحسان
تعدد وجوه الحسن، يقضي بتعدد الاستحسان [وحصول الحسن لكل مستحسن]، فمن ثم كان لكل فريق طريق: فللعامي تصوف حوته كتب المحاسبي، ومن نحا نحوه، وللفقيه تصوف رحاه ابن الحاج في مدخله، وللمحدث تصوف حام حوله ابن العربي في سراجه، وللعابد تصوف دار عليه الغزالي في منهاجه، وللمتريض تصوف نبه عليه القشيري في رسالته، وللناسك تصوف حواه القوت والإحياء، وللحكيم تصوف أدخله الحاتمي في كتبه، وللمنطقي تصوف نحا إليه ابن سبعين في تآليفه، وللطبائعي تصوف جاء به البوني في أسراره. وللأصولي تصوف قام الشاذلي بتحقيقه، فليعتبر كل بأصله من محله، وبالله التوفيق.
قاعدة 61
لا حظّ للعامي فيما سوى الحذر والإشفاق، والأخذ بأيسر المسالك وأبينها
لا حظّ للعامي فيما سوى الحذر والإشفاق، والأخذ بأيسر المسالك وأبينها لديه، وذلك بالتزام التقوى في البداية قبل وقوع الذنب والاستدراك بالتوبة لما وقع منه بعد تدقيق النظر في ذلك دون ما سواه. وقد اعتنى بذلك المحاسبي وحرره أتم تحرير، إلا أنه شدد غاية التشديد، وذلك في البداية وتعين المقصد به عند النهاية، سيما رعايته ونصائحه. فقد قال أوحد زمانه علماً وعبادة وأفضلهم ورعاً وزهادة، سيدي أحمد بن عاشر رضي الله عنه: (لا يعمل بما فيه [إلا ولي]، أو كلاماً هذا معناه، كذا نقله سيدي أبو عبد الله بن عباد [في تنبيهه] رضي الله عن جميعهم بمنه.
قاعدة 62
إنما يؤخذ علم كل شيء من أربابه
إنما يؤخذ علم كل شيء من أربابه، فلا يعتمد صوفي في الفقه، إلا أن يعرف قيامه عليه، ولا فقيه في التصوف، إلا أن يعرف تحقيقه له، ولا محدث فيهما، إلا أن يعلم قيامه بهما. فلزم طلب الفقه من قبل الفقهاء لمريد التصوف. وإنما يرجع لأهل الطريقة، فيما يختص بصلاح باطنه من ذلك، ومن غيره. ولذلك كان الشيخ أبو محمد المرجاني رضي الله عنه، يأمر أصحابه بالرجوع للفقهاء في مسائل الفقه، وإن كان عارفاً بها، فافهم.
قاعدة 63
يعتبر اللفظ بمعناه، ويؤخذ المعنى من اللفظ
يعتبر اللفظ بمعناه، ويؤخذ المعنى من اللفظ. فكل طالب اعتنى باللفظ أكثر من المعنى، فاته تحصيل المعاني، وكل طالب أهمل اللفظ كان المعنى بعيداً عنه. ومن اقتصر على فهم ما يؤديه اللفظ من غير تعمق ولا تتبع كان أقرب لإفادته واستفادته، فإن أضاف لفهم المعنى أجزاء النظر في حقيقته بأصوله اهتدى للتحقيق إذ العلوم إن لم تكن منك ومنها، كنت بعيداً عنها. فمنك بلا منها فساد وضلال، ومنها بلا منك مجازفة وتقليد، ومنها ومنك توقف وتحقيق، ولذا قيل: (قف حيث وقفوا ثم سر)، والله أعلم.
قاعدة 64
غاية اتباع التقوى التمسك بالورع، وهو ترك ما يحيك في الصدر
غاية اتباع التقوى التمسك بالورع، وهو ترك ما لا بأس به، مما يحيك في الصدر، حذراً مما به بأس، كما صح: (لا يبلغ الرجل درجة المتقين حتى يدع ما حاك في الصدر). وشك بلا علامة وسوسة، وورع بلا سنة بدعة. ومنه التورع عن اليمين في الحق بالحق من غير إكثار. فلا يصح قول من قال: (من الديانة إلا تحلف بالله صادقاً ولا كاذباً). لما استفاض من آثار السلف وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بل [قد] قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن يحلف به، فاحلفوا بالله وبروا واصدقوا).
ونهى الله تعالى عن أن يجعل عرضة للأيمان، فليتق وقوعه غاية، ولا يجتنب بالكلية، والله أعلم.
قاعدة 65
من كمال التقوى وجود الاستقامة، وهي حمل النفس على أخلاق القران والسنة
من كمال التقوى وجود الاستقامة، وهي حمل النفس على أخلاق القرآن والسنة، كقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً}، وقال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}، إلى غير ذلك. ولا يتم أمرها إلا بشيخ ناصح، أو أخ صالح يدل العبد على اللائق به لصالح حاله، إذ رُبّ شيخ ضره ما انتفع به غيره، ويدل على ذلك اختلاف أحوال الصحابة في أعمالهم ووصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ومعاملته معهم. فنهى عبد الله بن عمر عن سرد الصوم، وأقر عليه حمزة بن عمر الأسلمي. وقال في ابن عمر: (نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)، وأوصى أبا هريرة بأن لا ينام إلا على وتر، وأمر أبا بكر برفع صوته في صلاته، وعمر بالإخفاء، وتفقد علياً وفاطمة لصلاتهما من الليل، وعائشة تعترض بين يديه اعتراض الجنازة فلم يوقظها، وأعلم معاذ بن جبل بأن من قال: (لا إله إلا الله وجبت له الجنة)، وأمر بإخفاء ذلك عن كل الناس. وخص حذيفة بالسرّ، وأسرّ لبعض الصحابة أذكاراً مع ترغيبه في الخير عموماً.
وهذه كلها تربية منه صلى الله عليه وسلم في مقام الاستقامة، والله أعلم.
قاعدة 66
أخذ العلم والعمل عن المشايخ والإفادة من همتهم وحالهم
أخذ العلم والعمل عن المشايخ أتم من أخذ دونهم، بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، واتبع سبيل من آب إليّ.
فلزمت المشيخة، سيما والصحابة أخذوا عنه صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ عن جبريل، واتبع إشارته في أن يكون: نبياً عبداً، [لا نبياً ملكاً]. وأخذ التابعون عن الصحابة، فكان لكل أتباع يختصون به كابن سيرين، وابن المسيب، والأعرج في أبي هريرة، وطاووس، ووهب، ومجاهد لابن عباس إلى غير ذلك. فأما العلم والعمل، فأخذه جلي فيما ذكروا، وكما ذكروا. وأما الإفادة بالهمة والحال فقد أشار إليها أنس بقوله: (ما نفضنا التراب عن أيدينا من دفنه عليه الصلاة والسلام حتى أن كرنا قلوبنا)، فأبان أن رؤية شخصه الكريم، كان نافعاً لهم في قلوبهم، والعلماء ورثة الأنبياء حالاً ومالاً وإن لم يدانوا المنزلة وهو الأصل في طلب القرب من أهل الله في الجملة. إذ من تحقق بحالة لم يخل حاضروه منها، فلذلك أمر بصحبة الصالحين، ونهى عن صحبة الفاسقين، فافهم.
قاعدة 67
ضبط النفس بالاقتداء بشيخ لازم لمنع التشعب والتشعث
ضبط النفس بأصل، يرجع إليه في العلم والعمل [لأنه] لازم لمنع التشعب والتشعث، فلزم الاقتداء بشيخ، قد تحقق أتباعه للسنة، تمكنه من المعرفة ليرجع إليه فيما يريد أو يراد، مع التقاط الفوائد الراجعة لأصله من خارج، إذ الحكمة ضالة المؤمن، وهو كالنحلة ترعى من كل طيب ثم لا تبيت في غير جبحها، وإلا لم ينتفع بعسلها.
وقد تشاجر فقراء الأندلس من المتأخرين، في الاكتفاء بالكتب عن المشايخ ثم كتبوا للبلاد، فكل أجاب على حسب فتحه. وجملة الأجوبة دائرة على ثلاث:
أولها:
النظر للمشايخ، فشيخ التعليم تكفي عنه الكتب للبيت حاذق الذي يعرف موارد العلم.
وشيخ التربية تكفي عنه الصحبة لذي دين عاقل ناصح.
وشيخ الترقية يكفي عنه اللقاء والتبرك. كل ذلك من وجه واحد أتم.
الثاني:
النظر لحال الطالب، فالبليد لا بد له من شيخ يربيه، واللبيب تكفي الكتب في ترقيه، لكنه لا يسلم من رعونة نفسه، وإن وصل لابتلاء العبد برؤية نفسه.
الثالث:
النظر للمجاهدات. فالتقوى لا تحتاج إلى شيخ لبيانها وعمومها. والاستقامة تحتاج إلى شيخ في تمييز الأصلح منها، وقد يكتفي دونه اللبيب بالكتب ومجاهدة الكشف، والترقية لا بد فيها من شيخ يرجع إليه في فتوحها، كرجوعه عليه السلام للعرض على ورقة [بن نوفل] لعلمه بأخبار النبوة ومبادئ ظهورها، حين فاجأه الحق. وهذه الطريقة قريبة من الأولى والسنة معهما، والله أعلم.
قاعدة 68
الأخذ بما قبلته القواعد وإن لم يصح متنه مادام له أصل من الدين
الفقيه يعتبر الحكم بأصله ومعناه، وقاعدة بابه، إلا لنص في عينه، بنفي أو ثبوت. فهو يأخذ بما قبلته القواعد وإن لم يصح متنه، ما لم يكن له معارض، فمن ثم قبل ابن حبيب وغيره من الأئمة ما له أصل من الدين في الجملة، ولا معارض له ولا ناقض، كسائر الفضائل من المندوبة والرغائب التي ليس فيها زيادة كيفية، ولا معارضة أصل، ولا إشعار بالابتداع كصوم الأيام السبعة، والقراءة عند رأس الميت، سورة (يس) وتفاضل الجماعات بالكثرة ونحو ذلك مما رغب في أصله في الجملة وضعف الترغيب في عينه ونحوه لابن عربي في الأذكار، والله أعلم.
قاعدة 69
المحدث يعتبر الحكم بنصه ومفهومه إن صح نقله
المحدث يعتبر الحكم بنصه ومفهومه إن صح نقله. فهو يقف عند ما انتهى إليه صحيحاً أو حسناً، أو ضعيفاً إن تساهل لا موضوعاً، وإن اقتضته القواعد. بل قال الشيخ البلالي رحمه الله: (تحرم رواية الموضوع مع العلم به إلا مبيناً، والعمل به مطلقاً). ومنه صلاة الرغائب، والأسبوع، وما يروى عن أبي بن كعب في فضائل السور، سورة سورة. وأخطاء من ذكره من المفسرين، وبالمنع في صلاة الرغائب أفتى النووي، وابن عبد السلام وغيرهما من الشافعية، والطرطوشي من أهل مذهب مالك، وصرح به ابن العربي، وهو مقتضى المذهب على ما قاله ابن الحاج وغيره، والله أعلم.
الصالحين :: التصوف :: قواعد التصوف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى