القاعدة 50-51-52-53-54-56-57-58-59
الصالحين :: التصوف :: قواعد التصوف
صفحة 1 من اصل 1
القاعدة 50-51-52-53-54-56-57-58-59
قاعدة 50
تحقق الأصل لازم لكل من لزمه فرعه إن كان لا ينفك عنه
تحقق الأصل لازم لكل من لزمه فرعه إن كان لا ينفك عنه، فلا بد من تحقيق أصول الدين وجريانه على قواعدها عند الأئمة المهتدين، ومذهب الصوفي من ذلك تابع لمذاهب السلف في الإثبات والنفي.
وفصول الاعتقاد ثلاثة:
أولها: ما يعتقد في جانب الربوبية، وليس عندهم فيه إلا اعتقاد التنزيه، ونفي التشبيه مع تفويض ما أشكل بعد نفي الوجه المحال، إذ ليس ثم ألحن من صاحب الحجة بحجته.
الثاني: ما يعتقد في جانب النبوة، وليس إلا إثباتها وتنزيهها عن كل علم وعمل وحال، لا يليق بكمالها، مع تفويض ما أشكل بعد نفي الوجه المنقص، إذ ليس للسيد أن يقول لعبده ما شاء، وللعبد أن ينسب لنفسه ما يريد، تواضعاً مع ربه، وعلينا أن نتأدب مع العبد، ونعرف مقدار نسبته.
الثالث: ما يعتقد في جانب الدار الآخرة، وما يجري مجراها من الخيرات، وليس إلا اعتقاد صدق ما جاء من ذلك على الوجه الذي جاء عليه من غير خوض في تفاصيله، إلا بما صح واتضح. والقول الفصل في كل مشكل من ذلك ما قاله الشافعي رحمه الله، إذ قال: (آمنا بما جاء عن الله، على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وقال مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة). انتهى.
وهو جواب عن كل مشكل من نوعه في جانب الربوبية كما أشار إليه السهروردي، وقال: (إنه مذهب الصوفية كافة، في كل صفة سمعية) والله سبحانه أعلم.
قاعدة 51
وقوع الموهم والمبهم، والمشكل في النصوص الشرعية
وقوع الموهم والمبهم، والمشكل في النصوص الشرعية ميزان العقول والأذهان والعقود: {ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون}، الأنفال. وتظهر مراتب الإيمان لأهلها: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}، آل عمران.
ولا يقبل وضعه من غير الشارع البتة، إلا أن يكون بيّن المعنى واضح المبنى، في عرف التخاطب له لشبهة في أصول النصوص كمسألة الاستواء الذي هو في رسالة ابن أبي زيد فاختلف فيه الأصوليون، ثم هو بعد وقوعه بهذا الوجه هم مختلفون في قبوله وتأويله، أو حمل مذهب صاحبه على ظاهره.
وهذا كله إن كان إماماً معتبراً في فنه صوفياً كان أو فقيهاً لا غيره فيرد عليه مطلقاً، كما لا أصل له ولا شبهة، فيرد على الجميع بلا خلاف، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 52
الكلام في المحتمل بما يقتضيه من الوجوه السائغة فيه
الكلام في المحتمل بما يقتضيه من الوجوه السائغة فيه لا يقر على أصل التفويض بالنقض، إذا لم يعتقد أنه عين المراد به، فأما مع إيهام احتماله فلا يضر، لأنه الأصل الذي يبنى عليه، بعد نفي المحال فليس بناقض له، وإن كان مناقضاً فمن ثم تكلم القوم في التأويل بعد عقد التفويض، وإلا فلا يصح بعد اجتماعهم عليه. نعم التحقيق أن لا تفويض في الأصل، وإنما هو في تعيين المحمل للزوم طرح المحال والله أعلم.
قاعدة 53
أحكام الصفات الربانية لا تتبدل، وآثارها لا تنتقل
أحكام الصفات الربانية لا تتبدل، وآثارها لا تنتقل، فمن ثم قال الحاتمي رحمه الله: (يعتقد في أهل البيت أن الله تعالى تجاوز عن جميع سيئاتهم، لا بعمل عملوه، ولا بصالح قدموه، بل بسابق عناية من الله لهم. إذ قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، الأحزاب. فعلق الحكم بالإرادة التي لا تتبدل أحكامها، فلا يحل لمسلم أن ينتقص، ولا أن يشنأ عرض من شهد الله تعالى بتطهيره وذهاب الرجز عنه.
والعقوق لا يخرج عن النسب، ما لم يذهب أصل النسبة وهو الإيمان، وما تعين عليهم من الحقوق فأيدينا فيهم نائبة عن الشريعة وما نحن في ذلك إلا كالعبد، يؤدب ابن سيده بإذنه، فيقوم بأمر السيد، ولا يهمل فضل الولد. وقد قال تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}، الشورى. قال ابن عباس: أي إلا أن تودّوا قرابتي.
وما نزل بنا من قبلهم من الظلم ننزله منزلة القضاء الذي لا سبب له، إذ قال صلى الله عليه وسلم: (فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها).
وللجزء من الحرمة ما للكل، وقد قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً}، الكهف. فأثنى بصلاح الأب، فما ظنك بنبوته.
إذا كان هذا في أولاد الصالحين، فما ظنك بأولاد الأولياء، وإذا كان هذا في أولاد الأولياء، فما ظنك بأولاد الأنبياء، وإذا كان هذا في أولاد الأنبياء، فما ظنك بأولاد المرسلين، بل قل لي: بماذا تعبر عن أولاد سيد المرسلين، فبان أن لهم من الفضل ما لا يقدر قدره غير من خصصهم به فافهم.
ولما ذكرت أول هذه الجملة لشيخنا أبي عبد الله القوري رحمه الله، قال: (هذا في حقنا، وأما في حقهم، فليس الذنب في القرب كالذنب في البعد، وتلا: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً} الأحزاب. فمظهر التغليط، بتعجيل النوائب المكفرة في هذه الدار، كما ذكره ابن أبي جمرة في شأن أهل بدر، عند كلامه على مسطح في حديث الإفك. ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (يا عباس، عم النبي صلى الله عليه وسلم، لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة ابنة محمد، لا أغني عنك من الله شيئاً، اشتروا أنفسكم من الله).
قلت: وهذا كنهي البار عن العقوق، والبريء عن التهم، ليكون أثبت في الحجة على الغير، والله أعلم.
قاعدة 54
إثبات الحكم بالذات، ليس كإثباته بعوارض الصفات
إثبات الحكم بالذات، ليس كإثباته بعوارض الصفات. فقوله صلى الله عليه وسلم: (سلمان منا أهل البيت)، لاتصافه بجوامع النسب الدينية حتى لو كان الإيمان بالثريا لأدركه.
وقد قيل في قوله صلى الله عليه وسلم: (الأقربون أولى بالمعروف) إنه يعني إلى الله، إذ لا يتوارث أهل ملتين. فالمعتبر أصل النسب الديني وفروعه مجرداً، ثم إن اتصاف للطيني كان له مؤكداً، فلا تلحق رتبة صاحبه بحال.
وقد أجيب عن قول الشيخ أبي محمد عبد القادر رحمه الله تعالى: (قدمي هذا على رقبة كل ولي) في زمانه. لأنه جمع من علو النسب، شرف العبادة والعلم، ما لم يكن لغيره من أهل وقته. إلا ترى ما روي من احتلامه في ليلة واحدة سبعين مرة، واغتساله لكلها، وفتياه لملك حلف: ليعبدن الله بعبادة لا يشركه فيها غيره، بإخلاء المطاف بعد وقوف الكل دونه في ذلك، والله أعلم.
قاعدة 55
إنما وضعت التراجم لتعريف المناصب، فمن عرفت رتبته كانت الترجمة له تكلفا
إنما وضعت التراجم لتعريف المناصب، فمن عرفت رتبته كانت الترجمة له تكلفاً، غير مفيدة في ذاته. ومن جهلت رتبته لزم عند ذكره الإتيان بما يشعر برتبته، ومن هذه القاعدة جاز أن يقال: (روى أبو بكر، وقال عمر، وعمل عثمان، وسمع علي، وكان ابن المسيب، وأخبر ابن سيرين، وقال الحسن، وذهب مالك، وحُكِيَ عن الجنيد) إلى غير ذلك، والله أعلم.
قاعدة 56
نظر الصوفي للمعاملات، أخص من نظر الفقيه
نظرُ الصوفي للمعاملات، أخص من نظر الفقيه، إذ الفقيه يعتبر ما يسقط به الحرج، والصوفي ينظر فيما يحصل به الكمال. وأخص أيضاً من نظر الأصولي، لأن الأصولي يعتبر ما يصح به المعتقد، والصوفي ينظر فيما يتقوى به اليقين. وأخص أيضاً من نظر المفسر وصاحب فقه الحديث، لأن كلاً منهما يعتبر الحكم والمعنى ليس إلا، وهو يزيد بطلب الإشارة بعد إثبات ما أثبتناه، وإلا فهو باطني خارج الشريعة، فضلاً عن المتصوفة، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 57
تنوع الفرع بتنوع أصله، وأصل التصوف هو مقام الإحسان
تنوع الفرع بتنوع أصله، وقد تقدم أن أصل التصوف في مقام الإحسان، وهو متنوع إلى نوعين:
أحدهما: بدل من الآخر، هما أن تعبد الله كأنك تراه، وإلا فإنه يراك. فالأول رتبة العارف، والثاني: رتبة من دونه. وعلى الأول يحوم الشاذلية ومن نحا نحوهم، وعن الثاني يحوم الغزالي ومن نحا نحوه.
والأول أقرب، لأن غرس شجرتها مشير لقصد ثمرتها ومبناها على الأصول التي قد تحصل لكل مؤمن وجودها. فالطباع مساعدة عليها، والشريعة قائمة فيها، إذ مطلوبها تقوية اليقين وتحقيقه بأعمال المتقين، فافهم.
قاعدة 58
في اختلاف المسالك راحة للسالك
في اختلاف المسالك راحة للسالك، وإعانة على ما أراد من بلوغ الأرب والتوصل بالمراد. فلذلك اختلف طرق القوم ووجوه سلوكهم، فمن ناسك يؤثر الفضائل بكل حال، ومن عابد يتمسك بصحيح الأعمال، ومن زاهد يفر من الخلائق، ومن عارف يتعلق بالحقائق، ومن ورع يحقق المقام بالاحتياط ، ومن متمسك يتعلق بالقوم في كل مناط، ومن مريد يقوم بمعاملة البساط، والكل في دائرة الحق بإقامة حق الشريعة والفرار من كل ذميمة وشنيعة.
قاعدة 59
اتباع الأحسن أبدا، محبوب طبعا، مطلوب شرعا
اتباع الأحسن أبداً، محبوب طبعاً، مطلوب شرعاً {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب}.
إن الله تعالى يحب معالي الأمور، ويكره سفاسفها. (إن الله جميل يحب الجمال). ولذا بُني التصوف على اتباع الأحسن، حتى قال ابن العريف رحمه الله تعالى: (السرّ الأعظم في طريق الإرادة. الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه).
والاستحسان يختلف باختلاف نظر المستحسن، والله سبحانه أعلم.
تحقق الأصل لازم لكل من لزمه فرعه إن كان لا ينفك عنه
تحقق الأصل لازم لكل من لزمه فرعه إن كان لا ينفك عنه، فلا بد من تحقيق أصول الدين وجريانه على قواعدها عند الأئمة المهتدين، ومذهب الصوفي من ذلك تابع لمذاهب السلف في الإثبات والنفي.
وفصول الاعتقاد ثلاثة:
أولها: ما يعتقد في جانب الربوبية، وليس عندهم فيه إلا اعتقاد التنزيه، ونفي التشبيه مع تفويض ما أشكل بعد نفي الوجه المحال، إذ ليس ثم ألحن من صاحب الحجة بحجته.
الثاني: ما يعتقد في جانب النبوة، وليس إلا إثباتها وتنزيهها عن كل علم وعمل وحال، لا يليق بكمالها، مع تفويض ما أشكل بعد نفي الوجه المنقص، إذ ليس للسيد أن يقول لعبده ما شاء، وللعبد أن ينسب لنفسه ما يريد، تواضعاً مع ربه، وعلينا أن نتأدب مع العبد، ونعرف مقدار نسبته.
الثالث: ما يعتقد في جانب الدار الآخرة، وما يجري مجراها من الخيرات، وليس إلا اعتقاد صدق ما جاء من ذلك على الوجه الذي جاء عليه من غير خوض في تفاصيله، إلا بما صح واتضح. والقول الفصل في كل مشكل من ذلك ما قاله الشافعي رحمه الله، إذ قال: (آمنا بما جاء عن الله، على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وقال مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة). انتهى.
وهو جواب عن كل مشكل من نوعه في جانب الربوبية كما أشار إليه السهروردي، وقال: (إنه مذهب الصوفية كافة، في كل صفة سمعية) والله سبحانه أعلم.
قاعدة 51
وقوع الموهم والمبهم، والمشكل في النصوص الشرعية
وقوع الموهم والمبهم، والمشكل في النصوص الشرعية ميزان العقول والأذهان والعقود: {ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون}، الأنفال. وتظهر مراتب الإيمان لأهلها: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}، آل عمران.
ولا يقبل وضعه من غير الشارع البتة، إلا أن يكون بيّن المعنى واضح المبنى، في عرف التخاطب له لشبهة في أصول النصوص كمسألة الاستواء الذي هو في رسالة ابن أبي زيد فاختلف فيه الأصوليون، ثم هو بعد وقوعه بهذا الوجه هم مختلفون في قبوله وتأويله، أو حمل مذهب صاحبه على ظاهره.
وهذا كله إن كان إماماً معتبراً في فنه صوفياً كان أو فقيهاً لا غيره فيرد عليه مطلقاً، كما لا أصل له ولا شبهة، فيرد على الجميع بلا خلاف، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 52
الكلام في المحتمل بما يقتضيه من الوجوه السائغة فيه
الكلام في المحتمل بما يقتضيه من الوجوه السائغة فيه لا يقر على أصل التفويض بالنقض، إذا لم يعتقد أنه عين المراد به، فأما مع إيهام احتماله فلا يضر، لأنه الأصل الذي يبنى عليه، بعد نفي المحال فليس بناقض له، وإن كان مناقضاً فمن ثم تكلم القوم في التأويل بعد عقد التفويض، وإلا فلا يصح بعد اجتماعهم عليه. نعم التحقيق أن لا تفويض في الأصل، وإنما هو في تعيين المحمل للزوم طرح المحال والله أعلم.
قاعدة 53
أحكام الصفات الربانية لا تتبدل، وآثارها لا تنتقل
أحكام الصفات الربانية لا تتبدل، وآثارها لا تنتقل، فمن ثم قال الحاتمي رحمه الله: (يعتقد في أهل البيت أن الله تعالى تجاوز عن جميع سيئاتهم، لا بعمل عملوه، ولا بصالح قدموه، بل بسابق عناية من الله لهم. إذ قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، الأحزاب. فعلق الحكم بالإرادة التي لا تتبدل أحكامها، فلا يحل لمسلم أن ينتقص، ولا أن يشنأ عرض من شهد الله تعالى بتطهيره وذهاب الرجز عنه.
والعقوق لا يخرج عن النسب، ما لم يذهب أصل النسبة وهو الإيمان، وما تعين عليهم من الحقوق فأيدينا فيهم نائبة عن الشريعة وما نحن في ذلك إلا كالعبد، يؤدب ابن سيده بإذنه، فيقوم بأمر السيد، ولا يهمل فضل الولد. وقد قال تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}، الشورى. قال ابن عباس: أي إلا أن تودّوا قرابتي.
وما نزل بنا من قبلهم من الظلم ننزله منزلة القضاء الذي لا سبب له، إذ قال صلى الله عليه وسلم: (فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها).
وللجزء من الحرمة ما للكل، وقد قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً}، الكهف. فأثنى بصلاح الأب، فما ظنك بنبوته.
إذا كان هذا في أولاد الصالحين، فما ظنك بأولاد الأولياء، وإذا كان هذا في أولاد الأولياء، فما ظنك بأولاد الأنبياء، وإذا كان هذا في أولاد الأنبياء، فما ظنك بأولاد المرسلين، بل قل لي: بماذا تعبر عن أولاد سيد المرسلين، فبان أن لهم من الفضل ما لا يقدر قدره غير من خصصهم به فافهم.
ولما ذكرت أول هذه الجملة لشيخنا أبي عبد الله القوري رحمه الله، قال: (هذا في حقنا، وأما في حقهم، فليس الذنب في القرب كالذنب في البعد، وتلا: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً} الأحزاب. فمظهر التغليط، بتعجيل النوائب المكفرة في هذه الدار، كما ذكره ابن أبي جمرة في شأن أهل بدر، عند كلامه على مسطح في حديث الإفك. ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (يا عباس، عم النبي صلى الله عليه وسلم، لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة ابنة محمد، لا أغني عنك من الله شيئاً، اشتروا أنفسكم من الله).
قلت: وهذا كنهي البار عن العقوق، والبريء عن التهم، ليكون أثبت في الحجة على الغير، والله أعلم.
قاعدة 54
إثبات الحكم بالذات، ليس كإثباته بعوارض الصفات
إثبات الحكم بالذات، ليس كإثباته بعوارض الصفات. فقوله صلى الله عليه وسلم: (سلمان منا أهل البيت)، لاتصافه بجوامع النسب الدينية حتى لو كان الإيمان بالثريا لأدركه.
وقد قيل في قوله صلى الله عليه وسلم: (الأقربون أولى بالمعروف) إنه يعني إلى الله، إذ لا يتوارث أهل ملتين. فالمعتبر أصل النسب الديني وفروعه مجرداً، ثم إن اتصاف للطيني كان له مؤكداً، فلا تلحق رتبة صاحبه بحال.
وقد أجيب عن قول الشيخ أبي محمد عبد القادر رحمه الله تعالى: (قدمي هذا على رقبة كل ولي) في زمانه. لأنه جمع من علو النسب، شرف العبادة والعلم، ما لم يكن لغيره من أهل وقته. إلا ترى ما روي من احتلامه في ليلة واحدة سبعين مرة، واغتساله لكلها، وفتياه لملك حلف: ليعبدن الله بعبادة لا يشركه فيها غيره، بإخلاء المطاف بعد وقوف الكل دونه في ذلك، والله أعلم.
قاعدة 55
إنما وضعت التراجم لتعريف المناصب، فمن عرفت رتبته كانت الترجمة له تكلفا
إنما وضعت التراجم لتعريف المناصب، فمن عرفت رتبته كانت الترجمة له تكلفاً، غير مفيدة في ذاته. ومن جهلت رتبته لزم عند ذكره الإتيان بما يشعر برتبته، ومن هذه القاعدة جاز أن يقال: (روى أبو بكر، وقال عمر، وعمل عثمان، وسمع علي، وكان ابن المسيب، وأخبر ابن سيرين، وقال الحسن، وذهب مالك، وحُكِيَ عن الجنيد) إلى غير ذلك، والله أعلم.
قاعدة 56
نظر الصوفي للمعاملات، أخص من نظر الفقيه
نظرُ الصوفي للمعاملات، أخص من نظر الفقيه، إذ الفقيه يعتبر ما يسقط به الحرج، والصوفي ينظر فيما يحصل به الكمال. وأخص أيضاً من نظر الأصولي، لأن الأصولي يعتبر ما يصح به المعتقد، والصوفي ينظر فيما يتقوى به اليقين. وأخص أيضاً من نظر المفسر وصاحب فقه الحديث، لأن كلاً منهما يعتبر الحكم والمعنى ليس إلا، وهو يزيد بطلب الإشارة بعد إثبات ما أثبتناه، وإلا فهو باطني خارج الشريعة، فضلاً عن المتصوفة، والله سبحانه أعلم.
قاعدة 57
تنوع الفرع بتنوع أصله، وأصل التصوف هو مقام الإحسان
تنوع الفرع بتنوع أصله، وقد تقدم أن أصل التصوف في مقام الإحسان، وهو متنوع إلى نوعين:
أحدهما: بدل من الآخر، هما أن تعبد الله كأنك تراه، وإلا فإنه يراك. فالأول رتبة العارف، والثاني: رتبة من دونه. وعلى الأول يحوم الشاذلية ومن نحا نحوهم، وعن الثاني يحوم الغزالي ومن نحا نحوه.
والأول أقرب، لأن غرس شجرتها مشير لقصد ثمرتها ومبناها على الأصول التي قد تحصل لكل مؤمن وجودها. فالطباع مساعدة عليها، والشريعة قائمة فيها، إذ مطلوبها تقوية اليقين وتحقيقه بأعمال المتقين، فافهم.
قاعدة 58
في اختلاف المسالك راحة للسالك
في اختلاف المسالك راحة للسالك، وإعانة على ما أراد من بلوغ الأرب والتوصل بالمراد. فلذلك اختلف طرق القوم ووجوه سلوكهم، فمن ناسك يؤثر الفضائل بكل حال، ومن عابد يتمسك بصحيح الأعمال، ومن زاهد يفر من الخلائق، ومن عارف يتعلق بالحقائق، ومن ورع يحقق المقام بالاحتياط ، ومن متمسك يتعلق بالقوم في كل مناط، ومن مريد يقوم بمعاملة البساط، والكل في دائرة الحق بإقامة حق الشريعة والفرار من كل ذميمة وشنيعة.
قاعدة 59
اتباع الأحسن أبدا، محبوب طبعا، مطلوب شرعا
اتباع الأحسن أبداً، محبوب طبعاً، مطلوب شرعاً {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب}.
إن الله تعالى يحب معالي الأمور، ويكره سفاسفها. (إن الله جميل يحب الجمال). ولذا بُني التصوف على اتباع الأحسن، حتى قال ابن العريف رحمه الله تعالى: (السرّ الأعظم في طريق الإرادة. الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه).
والاستحسان يختلف باختلاف نظر المستحسن، والله سبحانه أعلم.
مواضيع مماثلة
» القاعدة 70-71-72-73-74-75-76-77-78-79
» القاعدة 016
» القاعدة 41-42-43-44-45-46-47-48-49
» القاعدة 017
» القاعدة 001
» القاعدة 016
» القاعدة 41-42-43-44-45-46-47-48-49
» القاعدة 017
» القاعدة 001
الصالحين :: التصوف :: قواعد التصوف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى