باب الاجتهاد والتّقليد (المفتي والمستفتي)
الصالحين :: الفقه :: الفقه المالكي
صفحة 1 من اصل 1
باب الاجتهاد والتّقليد (المفتي والمستفتي)
باب الاجتهاد والتّقليد (المفتي والمستفتي)
سبق أن ذكرنا في أوّل أبواب أصول الفقه أنّ علم الأصول يبحث في حال المستفيد وهو المجتهد، وفي هذا الباب مباحث مهمّة من خلالها يتمّ معرفة أحكام الاجتهاد والتّقليد.
ونلحظ أنّ النّاظم رحمه الله بدأ بذكر شروط الاجتهاد قبل تعريف الاجتهاد، وقبل معرفة حُكْمِ الاجتهاد، والصّواب تقديم التّعريفات والأحكام على ذكر الشّروط.
أوّلا: الاجتهاد.
• المبحث الأوّل: التّعريف به.
لغة: مأخوذ من الجُهد - بضمّ الجيم وفتحها -،ومعناه الطاقة، فيكون الاجتهاد هو: افتعال الطّاقة، أي: بذلها، ومنه سمّي الجهاد.
اصطلاحا: هو استفراغ الوُسع والجهد في معرفة الأحكام واستنباطها من الأدّلة الشّرعية.
فعرّفه رحمه الله بعد أبيات بقوله:
وَحَدُّهُ أَنْ يَبْذُلَ الّذِي اجْتَهَد***مَجْهُودَهُ فيِ نَيْلِ أمْرٍ قَدْ قَصَدْ
• المبحث الثّاني: مشروعية الاجتهاد.
الاجتهاد: ( مصدر مهمّ من مصادر الشّريعة الإسلامية، ودليل على حيويّتها وصلاحها لكلّ زمان ومكان، وذلك لأنّ حوادث الحياة كثيرة متجدّدة غير محصورة، بينما نصوص الشّريعة محصورة، ولذلك كان من حكمة الله عزّ وجلّ أن يشرع لعباده الاجتهاد في الأمور الّتي لم ينصّ عليها، وذلك بقيامها على الأمور التي نصّ عليها إذا اشترك النّوعان في العلّة، وقد أشار القرآن الكريم إلى مشروعية الاجتهاد بقوله سبحانه:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلىِ الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الّذينَ يَسْتّنْبِطُونَهُ مَنْهُمْ}.
وبَدَهيّ أنَه لا يُخاطَب بهذا العوامّ والجهّال؛ لأنّهم ليسوا أهلا لذلك، وإنّما المخاطب به هم العلماء ).
[" بدعة التعصب المذهبيّ " للشّيخ محمّد عيد عبّاسي (15- 16)].
وقد ابتُليت الأمّة الإسلاميّة على مدى العصور بطرفين متناقِضين في هذا الباب:
طائفة رفعت راية تعطيل الاجتهاد، فقالوا: إنّ باب الاجتهاد قد أغلق منذ القرن الخامس للهجرة ! ومن تأمّل هذا القول لألفاه أنّه هو نفسَه ضربٌ من الاجتهاد.
وطائفة قابلت هؤلاء، فأمسكوا بمراكب الاجتهاد من دون خطام ولا زمام.
والحقّ وسط بين طرفي الإفراط والتّفريط، فالاجتهاد مشروع إذا توفّرت الشّروط.
• المبحث الثّالث: شروط الاجتهاد:
" وقد ذهب المتأخرون إلى التشديد والتزمّت، والتعسير والتعنّت، بل والتعجيز أحيانا، وهم ينظرون إلى الاجتهاد على أنّه ( بعبع ) ! وشيء مخيف ! لا يمكنهم أن يتصوّروه أو يتخيّلوا رؤيته " [" بدعة التعصّب المذهبيّ " (ص 16)].
لذلك قد احتال بعضهم لتصحيح القول بإغلاق باب الاجتهاد، فراحوا يضعون شروطا تعجيزيّة للاجتهاد، والصّواب: أنّ من تلك الشّروط ما هو صواب، ومنها ما هو مردود.
لذلك قال النّاظم رحمه الله تعالى مبيّنا لشروط الاجتهاد المقبولة:
[img][/img]
وأحسن من تكلّم عن شروط الاجتهاد هو الغزالي رحمه الله تعالى في " المستصفى " (101- 103)، حيث قال:
" يشترط للمجتهد شرطان:
الأوّل: أن يكون عدلا مجتنبا للمعاصي القادحة في العدالة، وهذا شرط لجواز الاعتماد على فتواه فقط وقبولها، وليس شرطا لصحّة الاجتهاد فلو كان فاسقا واجتهد لنفسه صحّ.
والشّرط الثاني: وهو الأساسي للاجتهاد: أن يكون محيطا بمدارك الشّرع متمكّنا من استثارة الظن بالنظر فيها، وهذا يكون بمعرفة المدارك المثمرة للأحكام ومعرفة كيفية الاستثمار، ويكون ذلك كلّه بمعرفة علوم ثمانية هي: الكتاب، والسنّة، والإجماع، والعقل أو القياس، ومعرفة أصول الفقه، واللّغة، والنّحو، والناسخ والمنسوخ، ومصطلح الحديث.
ثمّ شرع رحمه الله يفصّل ذلك، ونحن سنلخّص ما ذكره مع زيادة بعض الفوائد.
1- أمّا كتاب الله:
فهو عمدة الاجتهاد، ولا يشترط حفظه، بل الّذي يشترط هو معرفة آيات الأحكام، ومع ذلك فمن أهمّ آداب طالب العلم حفظ القرآن، بَلْهَ المجتهد.
2- أماّ السنّة: فيشترط أن يعلم علومها، وأهمّها أحاديث الأحكام، وعلوم المصطلح للتمييز بين الصّحيح والضّعيف.
" ولا يقولنّ قائل: من لم يعرف الأحاديث كلّها لم يكن مجتهدا ! لأنّه إن اشتُرِط في المجتهد علمُه بجميع ما قاله النبيّ صلى الله عليه وسلم وفعَلَه فيما يتعلق بالأحكام، فليس في الأمّة مجتهد، وإنّما غاية العالِم أن يعلم جمهور ذلك ومعظمه، بحيث لا يخفى عليه إلاّ القليل من التّفصيل، ثمّ إنّه قد يخالف ذلك القليل من التّفصيل الّذي يبلغه " [" مجموع الفتاوى " (20/239)].
3- أماّ الإجماع: فينبغي للمجتهد معرفة مواقع الإجماع حتّى لا يفتي بخلافه، ولا يلزمه حفظ جميع مواقع الإجماع والخلاف، بل كلّ مسألة يفتي فيها فينبغي أن يعلم أنّ فتواه ليست مخالفة للإجماع:
إمّا بأن يعلم أنّه موافق مذهبا من مذاهب العلماء أيّهم كان.
أو يعلم أنّ هذه واقعة جديدة، لم يكن لأهل الإجماع خوض فيها [انظر " المستصفى "].
4- وأمّا القياس والنّظر الصّحيح: وهو الّذي سمّاه الغزاليّ ( العقل )، وهو ما يشترطه العلماء أن يكون عنده صفاء ذهن، ونفاذ بصيرة، وحدّة ذكاء، وملكة للنّظر والاستدلال، بحيث تكون أقيسته صوابا في الأغلب.
5- القواعد الأصولية والفقهية العامّة: فواجب عليه أن يكون عالما بأصول الفقه وقواعده؛ حتى يتسنّى له بناء فروعه الاجتهادية على أصول صحيحة، فكم من الناس من يصرف الأمر للندب والنهي للكراهة بلا قرينة، وكم منهم من يخصص العام ويقيّد المطلق بلا دليل، وكم منهم من يقول بالنسخ مع انعدام شروطه، وهكذا.
كما عليه أن يعرف قواعد الفقه الكلّية، كقولهم: ( لا ضرر ولا ضرار )، و( إذا اجتمع ضرران قُدّم أخفّهما )، وهكذا..
وهل يشترط معرفة خلاف العلماء في الفروع ؟ ظاهر كلام النّاظم كذلك، وهو الصّحيح إن كانت الفروع الفقهيّة المختلف فيها ناتجة عن دليل، أمّا الفروع الدّقيقة التي توجد في الحواشي والمختصرات وشروحها، فالمجتهد غير مكلّف بالنظر فيها، وإن فعل فزيادة خير.
6- وأمّا علوم اللّغة العربية: من نحو، وصرف، وبيان، ومعانٍ، وأدب، فضروري جدّا، ( وقد أشرنا إلى فائدة ذلك في باب الكلام ).
لكن لا يشترط أن يبلغ درجة الخليل والمبرّد، وإنّما عليه معرفة ما يتسنّى له به فهم خطاب العرب وعاداتهم في الاستعمال، ليميّز بين صريح الكلام وظاهره، وحقيقته ومجازه، وعامّه وخاصّه.
7- وأمّا الناسخ والمنسوخ: فكان الأولى به أن يعمّم، ويقول علوم القرآن: من تفسير، وناسخ ومنسوخ، وأسباب النّزول، والمكّي والمدنيّ، وهذا العلم جليل القدر عظيم النّفع.
هذا تلخيص ما ذكره الغزالي والنّاظم رحمهما الله تعالى.
أمّا علم الكلام وتفاريع الفقه فلا حاجة إليهما. [" المستصفى "].
• المبحث الرّابع: أنواع الاجتهاد:
المجتهد أنواع:
1- المجتهد المستقلّ: وهو الّذي استقلّ بقواعدَ لنفسه يبني عليها الفقه، وهذا النّوع كان في الصدر الأوّل من هذه الأمّة.
2- المجتهد المطلق: وهو الذي وُجدت فيه شروط الاجتهاد إلاّ أنّه لم يبتكر لنفسه قواعد بل سلك طريقة أئمة المذاهب جميعهم، بحيث تراه دائما مستدلاّ بأحدهم.
3- المجتهد المقيّد: وهو الّذي وجدت فيه شروط الاجتهاد، إلاّ أنّه يجتهد داخل مذهبه، يرجّح رواية على أخرى، وأقوال علماء المذهب بعضها على بعض، ثمّ يستدلّ لمذهبه.
4- المجتهد اجتهادا جزئيّا:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" والاجتهاد ليس هو أمرا واحدا لا يقبل التجزّء والانقسام، بل قد يكون الرّجل مجتهدا في فنّ، أو باب، أو مسألة، دون فنّ أو باب أو مسألة "اهـ [" مجموع الفتاوى " (20/240)].
وختم الغزالي رحمه الله كلامه في شروط الاجتهاد بتنبيه مهمّ تحت عنوان:" دقيقة في التخفيف يغفل عنها الأكثرون"، فقال:
" اجتماع هذه العلوم الثّمانية إنّما يشترط في حقّ المجتهد المطلق الّذي يفتي في جميع الشّرع، وليس الاجتهاد عندي منصبا لا يتجزّأ، بل يجوز أن يقال للعالم بمنصب الاجتهاد في بعض الأحكام دون بعض؛ فمن عرف طريق النّظر القياسي فله أن يفتي في مسألة قياسيّة، وإن لم يكن ماهرا في علم الحديث:
فمن ينظر في مسألة المشتركة يكفيه أن يكون فقيه النّفس، عارفا بأصول الفرائض ومعانيها، وإن لم يكن قد حصّل الأخبار التي وردت في مسألة تحريم المسكرات أو في مسألة النّكاح بِلا وليّ، فلا استمداد لنظر هذه المسألة منها، ولا تعلّق بتلك الأحاديث بها، فمن أين تصير الغفلة عنها أو القصور عن معرفتها نقصا ؟
ومن عرف أحاديث قتل المسلم بالذمّي، وطريق التصرّف فيه، فما يضرّه قصوره عن علم النّحو الذي يعرّف قوله تعالى:"{وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلىَ الكَعْبَيْنِ} وقسْ عليه ما في معناه ". [" المستصفى "].
سبق أن ذكرنا في أوّل أبواب أصول الفقه أنّ علم الأصول يبحث في حال المستفيد وهو المجتهد، وفي هذا الباب مباحث مهمّة من خلالها يتمّ معرفة أحكام الاجتهاد والتّقليد.
ونلحظ أنّ النّاظم رحمه الله بدأ بذكر شروط الاجتهاد قبل تعريف الاجتهاد، وقبل معرفة حُكْمِ الاجتهاد، والصّواب تقديم التّعريفات والأحكام على ذكر الشّروط.
أوّلا: الاجتهاد.
• المبحث الأوّل: التّعريف به.
لغة: مأخوذ من الجُهد - بضمّ الجيم وفتحها -،ومعناه الطاقة، فيكون الاجتهاد هو: افتعال الطّاقة، أي: بذلها، ومنه سمّي الجهاد.
اصطلاحا: هو استفراغ الوُسع والجهد في معرفة الأحكام واستنباطها من الأدّلة الشّرعية.
فعرّفه رحمه الله بعد أبيات بقوله:
وَحَدُّهُ أَنْ يَبْذُلَ الّذِي اجْتَهَد***مَجْهُودَهُ فيِ نَيْلِ أمْرٍ قَدْ قَصَدْ
• المبحث الثّاني: مشروعية الاجتهاد.
الاجتهاد: ( مصدر مهمّ من مصادر الشّريعة الإسلامية، ودليل على حيويّتها وصلاحها لكلّ زمان ومكان، وذلك لأنّ حوادث الحياة كثيرة متجدّدة غير محصورة، بينما نصوص الشّريعة محصورة، ولذلك كان من حكمة الله عزّ وجلّ أن يشرع لعباده الاجتهاد في الأمور الّتي لم ينصّ عليها، وذلك بقيامها على الأمور التي نصّ عليها إذا اشترك النّوعان في العلّة، وقد أشار القرآن الكريم إلى مشروعية الاجتهاد بقوله سبحانه:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلىِ الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الّذينَ يَسْتّنْبِطُونَهُ مَنْهُمْ}.
وبَدَهيّ أنَه لا يُخاطَب بهذا العوامّ والجهّال؛ لأنّهم ليسوا أهلا لذلك، وإنّما المخاطب به هم العلماء ).
[" بدعة التعصب المذهبيّ " للشّيخ محمّد عيد عبّاسي (15- 16)].
وقد ابتُليت الأمّة الإسلاميّة على مدى العصور بطرفين متناقِضين في هذا الباب:
طائفة رفعت راية تعطيل الاجتهاد، فقالوا: إنّ باب الاجتهاد قد أغلق منذ القرن الخامس للهجرة ! ومن تأمّل هذا القول لألفاه أنّه هو نفسَه ضربٌ من الاجتهاد.
وطائفة قابلت هؤلاء، فأمسكوا بمراكب الاجتهاد من دون خطام ولا زمام.
والحقّ وسط بين طرفي الإفراط والتّفريط، فالاجتهاد مشروع إذا توفّرت الشّروط.
• المبحث الثّالث: شروط الاجتهاد:
" وقد ذهب المتأخرون إلى التشديد والتزمّت، والتعسير والتعنّت، بل والتعجيز أحيانا، وهم ينظرون إلى الاجتهاد على أنّه ( بعبع ) ! وشيء مخيف ! لا يمكنهم أن يتصوّروه أو يتخيّلوا رؤيته " [" بدعة التعصّب المذهبيّ " (ص 16)].
لذلك قد احتال بعضهم لتصحيح القول بإغلاق باب الاجتهاد، فراحوا يضعون شروطا تعجيزيّة للاجتهاد، والصّواب: أنّ من تلك الشّروط ما هو صواب، ومنها ما هو مردود.
لذلك قال النّاظم رحمه الله تعالى مبيّنا لشروط الاجتهاد المقبولة:
[img][/img]
وأحسن من تكلّم عن شروط الاجتهاد هو الغزالي رحمه الله تعالى في " المستصفى " (101- 103)، حيث قال:
" يشترط للمجتهد شرطان:
الأوّل: أن يكون عدلا مجتنبا للمعاصي القادحة في العدالة، وهذا شرط لجواز الاعتماد على فتواه فقط وقبولها، وليس شرطا لصحّة الاجتهاد فلو كان فاسقا واجتهد لنفسه صحّ.
والشّرط الثاني: وهو الأساسي للاجتهاد: أن يكون محيطا بمدارك الشّرع متمكّنا من استثارة الظن بالنظر فيها، وهذا يكون بمعرفة المدارك المثمرة للأحكام ومعرفة كيفية الاستثمار، ويكون ذلك كلّه بمعرفة علوم ثمانية هي: الكتاب، والسنّة، والإجماع، والعقل أو القياس، ومعرفة أصول الفقه، واللّغة، والنّحو، والناسخ والمنسوخ، ومصطلح الحديث.
ثمّ شرع رحمه الله يفصّل ذلك، ونحن سنلخّص ما ذكره مع زيادة بعض الفوائد.
1- أمّا كتاب الله:
فهو عمدة الاجتهاد، ولا يشترط حفظه، بل الّذي يشترط هو معرفة آيات الأحكام، ومع ذلك فمن أهمّ آداب طالب العلم حفظ القرآن، بَلْهَ المجتهد.
2- أماّ السنّة: فيشترط أن يعلم علومها، وأهمّها أحاديث الأحكام، وعلوم المصطلح للتمييز بين الصّحيح والضّعيف.
" ولا يقولنّ قائل: من لم يعرف الأحاديث كلّها لم يكن مجتهدا ! لأنّه إن اشتُرِط في المجتهد علمُه بجميع ما قاله النبيّ صلى الله عليه وسلم وفعَلَه فيما يتعلق بالأحكام، فليس في الأمّة مجتهد، وإنّما غاية العالِم أن يعلم جمهور ذلك ومعظمه، بحيث لا يخفى عليه إلاّ القليل من التّفصيل، ثمّ إنّه قد يخالف ذلك القليل من التّفصيل الّذي يبلغه " [" مجموع الفتاوى " (20/239)].
3- أماّ الإجماع: فينبغي للمجتهد معرفة مواقع الإجماع حتّى لا يفتي بخلافه، ولا يلزمه حفظ جميع مواقع الإجماع والخلاف، بل كلّ مسألة يفتي فيها فينبغي أن يعلم أنّ فتواه ليست مخالفة للإجماع:
إمّا بأن يعلم أنّه موافق مذهبا من مذاهب العلماء أيّهم كان.
أو يعلم أنّ هذه واقعة جديدة، لم يكن لأهل الإجماع خوض فيها [انظر " المستصفى "].
4- وأمّا القياس والنّظر الصّحيح: وهو الّذي سمّاه الغزاليّ ( العقل )، وهو ما يشترطه العلماء أن يكون عنده صفاء ذهن، ونفاذ بصيرة، وحدّة ذكاء، وملكة للنّظر والاستدلال، بحيث تكون أقيسته صوابا في الأغلب.
5- القواعد الأصولية والفقهية العامّة: فواجب عليه أن يكون عالما بأصول الفقه وقواعده؛ حتى يتسنّى له بناء فروعه الاجتهادية على أصول صحيحة، فكم من الناس من يصرف الأمر للندب والنهي للكراهة بلا قرينة، وكم منهم من يخصص العام ويقيّد المطلق بلا دليل، وكم منهم من يقول بالنسخ مع انعدام شروطه، وهكذا.
كما عليه أن يعرف قواعد الفقه الكلّية، كقولهم: ( لا ضرر ولا ضرار )، و( إذا اجتمع ضرران قُدّم أخفّهما )، وهكذا..
وهل يشترط معرفة خلاف العلماء في الفروع ؟ ظاهر كلام النّاظم كذلك، وهو الصّحيح إن كانت الفروع الفقهيّة المختلف فيها ناتجة عن دليل، أمّا الفروع الدّقيقة التي توجد في الحواشي والمختصرات وشروحها، فالمجتهد غير مكلّف بالنظر فيها، وإن فعل فزيادة خير.
6- وأمّا علوم اللّغة العربية: من نحو، وصرف، وبيان، ومعانٍ، وأدب، فضروري جدّا، ( وقد أشرنا إلى فائدة ذلك في باب الكلام ).
لكن لا يشترط أن يبلغ درجة الخليل والمبرّد، وإنّما عليه معرفة ما يتسنّى له به فهم خطاب العرب وعاداتهم في الاستعمال، ليميّز بين صريح الكلام وظاهره، وحقيقته ومجازه، وعامّه وخاصّه.
7- وأمّا الناسخ والمنسوخ: فكان الأولى به أن يعمّم، ويقول علوم القرآن: من تفسير، وناسخ ومنسوخ، وأسباب النّزول، والمكّي والمدنيّ، وهذا العلم جليل القدر عظيم النّفع.
هذا تلخيص ما ذكره الغزالي والنّاظم رحمهما الله تعالى.
أمّا علم الكلام وتفاريع الفقه فلا حاجة إليهما. [" المستصفى "].
• المبحث الرّابع: أنواع الاجتهاد:
المجتهد أنواع:
1- المجتهد المستقلّ: وهو الّذي استقلّ بقواعدَ لنفسه يبني عليها الفقه، وهذا النّوع كان في الصدر الأوّل من هذه الأمّة.
2- المجتهد المطلق: وهو الذي وُجدت فيه شروط الاجتهاد إلاّ أنّه لم يبتكر لنفسه قواعد بل سلك طريقة أئمة المذاهب جميعهم، بحيث تراه دائما مستدلاّ بأحدهم.
3- المجتهد المقيّد: وهو الّذي وجدت فيه شروط الاجتهاد، إلاّ أنّه يجتهد داخل مذهبه، يرجّح رواية على أخرى، وأقوال علماء المذهب بعضها على بعض، ثمّ يستدلّ لمذهبه.
4- المجتهد اجتهادا جزئيّا:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" والاجتهاد ليس هو أمرا واحدا لا يقبل التجزّء والانقسام، بل قد يكون الرّجل مجتهدا في فنّ، أو باب، أو مسألة، دون فنّ أو باب أو مسألة "اهـ [" مجموع الفتاوى " (20/240)].
وختم الغزالي رحمه الله كلامه في شروط الاجتهاد بتنبيه مهمّ تحت عنوان:" دقيقة في التخفيف يغفل عنها الأكثرون"، فقال:
" اجتماع هذه العلوم الثّمانية إنّما يشترط في حقّ المجتهد المطلق الّذي يفتي في جميع الشّرع، وليس الاجتهاد عندي منصبا لا يتجزّأ، بل يجوز أن يقال للعالم بمنصب الاجتهاد في بعض الأحكام دون بعض؛ فمن عرف طريق النّظر القياسي فله أن يفتي في مسألة قياسيّة، وإن لم يكن ماهرا في علم الحديث:
فمن ينظر في مسألة المشتركة يكفيه أن يكون فقيه النّفس، عارفا بأصول الفرائض ومعانيها، وإن لم يكن قد حصّل الأخبار التي وردت في مسألة تحريم المسكرات أو في مسألة النّكاح بِلا وليّ، فلا استمداد لنظر هذه المسألة منها، ولا تعلّق بتلك الأحاديث بها، فمن أين تصير الغفلة عنها أو القصور عن معرفتها نقصا ؟
ومن عرف أحاديث قتل المسلم بالذمّي، وطريق التصرّف فيه، فما يضرّه قصوره عن علم النّحو الذي يعرّف قوله تعالى:"{وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلىَ الكَعْبَيْنِ} وقسْ عليه ما في معناه ". [" المستصفى "].
الصالحين :: الفقه :: الفقه المالكي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى