رد العلامة الدجوي على مسألة تقسيم التوحيد .
رد العلامة الدجوي على مسألة تقسيم التوحيد .
رد العلامة الدجوي على مسألة تقسيم التوحيد .
بسم الله الرحمن الرحيم
قال العلامة أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن أحمد الدجوي المالكي الأزهري المتوفى سنة 1365هـ :
جاءتنا رسائل كثيرة يسأل مرسلوها عن توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ما معناهما ؟
وما الذي يترتب عليهما ؟
ومن ذا الذي فرق بينهما؟
وما هو البرهان على صحة ذلك أو بطلانه ؟
فنقول وبالله التوفيق :
إن صاحب هذا الرأي هو ابن تيمية الذي شاد بذكره ، قال :
" إن الرسل لم يبعثوا إلا لتوحيد الألوهية وهو إفراد الله بالعبادة ، وأما توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله رب العالمين المتصرف في أمورهم فلم يخالف فيه أحد من المشركين والمسلمين بدليل قوله تعالى : { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله } .
ثم قالوا : إن الذين يتوسلون بالأنبياء والأولياء ويتشفعون بهم وينادونهم عند الشدائد هم عابدون لهم قد كفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان والملائكة والمسيح سواء بسواء ، فإنهم لم يكفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان وما معها بل بتركهم توحيد الألوهية بعبادتها ، وهذا ينطبق على زوار القبور المتوسلين بالأولياء المنادين لهم المستغيثين بهم الطالبين منهم ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى .. بل قال محمد بن عبد الوهاب :
" إن كفرهم أشنع من كفر عباد الأوثان " !! .. وإن شئت ذكرت لك عبارته المحزنة الجريئة ، فهذا ملخص مذهبهم مع الإيضاح ، وفيه عدة دعاوى ، فلنعرض لها على سبيل الاختصار ، ولنجعل الكلام في مقامين فنتحاكم إلى العقل ثم نتحاكم إلى النقل ، فنقول :
قولهم : إن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية . تقسيم غير معروف لأحد قبل ابن تيمية ، وغير معقول أيضا كما ستعرفه ، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد دخل في الإسلام : إن هناك توحيدين وإنك لا تكون مسلما حتى توحد توحيد الألوهية ، ولا أشار إلى ذلك بكلمة واحدة ، ولا سمع ذلك عن أحد من السلف الذين يتبجحون باتباعهم في كل شيء ، ولا معنى لهذا التقسيم ، فإن الإله الحق هو الرب الحق ، والإله الباطل هو الرب الباطل ، ولا يستحق العبادة والتأليه إلا من كان ربا ، ولا معنى لأن نعبد من لا نعتقد فيه أنه رب ينفع ويضرو، فهذا مرتب على ذلك كما قال تعالى : { رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا } .
فرتب العبادة على الربوبية ، فإننا إذا لم نعتقد أنه رب ينفع ويضر فلا معنى لأن نعبده - كما قلنا - ويقول تعالى : { ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض } يشير إلى أنه لا ينبغي السجود إلا لمن ثبت اقتداره التام ، ولا معنى لأن نسجد لغيره ، هذا هو المعقول ، ويدل عليه القرآن والسنة .
أما القرآن فقد قال : { ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا } .
فصرح بتعدد الأرباب عندهم ، وعلى الرغم من تصريح القرآن بأنهم جعلوا الملائكة أربابا يقول ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب : إنهم موحدون توحيد الربوبية وليس عندهم إلا رب واحد وإنما أشركوا في توحيد الألوهية !!
ويقول يوسف عليه السلام لصاحبي السجن وهو يدعوهما إلى التوحيد : { أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار } ويقول الله تعالى أيضا : { وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي } . وأما هم فلم يجعلوه ربا ..
ومثل ذلك قوله تعالى : { لكنا هو الله ربي } خطابا لمن أنكر ربوبيته تعالى ،
وانظر إلى قولهم يوم القيامة : { تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين } أي في جعلكم أربابا - كما هو ظاهر - وانظر إلى قوله تعالى : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا .. }
فهل ترى صاحب هذا الكلام موحدا أو معترفا ؟؟!!
ثم انظر إلى قوله تعالى :
{ وهم يجادلون في الله }
إلى غير ذلك وهو كثير لا نطيل بذكره ، فإذا ليس عند هؤلاء الكفار توحيد الربوبية - كما قال ابن تيمية - ، وما كان يوسف عليه السلام يدعوهم إلا إلى توحيد الربوبية ، لأنه ليس هناك شيء يسمى توحيد الربوبية وشيء آخر يسمى توحيد الألوهية عند يوسف عليه السلام ، فهل هم أعرف بالتوحيد منه ويجعلونه مخطئا في التعبير بالأرباب دون الآلهة ؟؟!!
ويقول الله في أخذ الميثاق : { ألست بربكم قالوا بلى } فلو كان الإقرار بالربوبية غير كاف وكان متحققا عند المشركين ولكنه لا ينفعهم - كما يقول ابن تيمية - ما صح أن يؤخذ عليهم الميثاق بهذا ، ولا صح أن يقولوا يوم القيامة : { إنا كنا عن هذا غافلين }
وكان الواجب أن يغير الله عبارة الميثاق إلى ما يوجب اعترافهم بتوحيد الألوهية حيث إن توحيد الربوبية غير كاف - كما يقول هؤلاء - ، إلى آخر ما يمكننا أن نتوسع فيه ، وهو لا يخفى عليك ، وعلى كل حال فقد اكتفى منهم بتوحيد الربوبية ، ولو لم يكونا متلازمين لطلب إقرارهم بتوحيد الألوهية أيضا .
ومن ذلك قوله تعالى : { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله }
فإنه إله في الأرض ولو لم يكن فيها من يعبده كما في آخر الزمان ، فإن قالوا : إنه معبود فيها أي مستحق للعبادة ، قلنا : إذن لا فرق بين الإله والرب ، فإن المستحق للعبادة هو الرب لا غير .
[و] ما كانت محاورة فرعون لموسى عليه الصلاة والسلام إلا في الربوبية وقد قال : { أنا ربكم الأعلى } ثم قال : { لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين } .
ولا داعي للتطويل في هذا .
وأما السنة فسؤال الملكين للميت عن ربه لا عن إلهه ، لأنهم لا يفرقون بين الرب والإله ، فإنهم ليسوا بتيميين ولا متخبطين ، وكان الواجب على مذهب هؤلاء أن يقولوا للميت : من إلهك لا من ربك !! أو يسألوه عن هذا وذاك .
وأما قوله : { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله }
فهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم إجابة لحكم الوقت مضطرين لذلك بالحجج القاطعات والآيات البينات ، ولعلهم نطقوا بما لا يكاد يستقر في قلوبهم أو يصل إلى نفوسهم ، بدليل أنهم يقرنون ذلك القول بما يدل على كذبهم ، وأنهم ينسبون الضر والنفع إلى غيره ، وبدليل أنهم يجهلون الله تمام الجهل ويقدمون غيره عليه حتى في صغائر الأمور ، وإن شئت فانظر إلى قولهم لهود عليه الصلاة والسلام :
{ إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء } .
فكيف يقول ابن تيمية : إنهم معتقدون أن الأصنام لا تضر ولا تنفع إلى آخر ما يقول ؟؟!! ثم انظر بعد ذلك في زرعهم وأنعامهم : { هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا ، فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم } فقدموا شركاءهم على الله تعالى في أصغر الأمور وأحقرها .
وقال تعالى في بيان اعتقادهم في الأصنام : { وما نرى معكم من شفعائكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء } .
فذكر أنهم يعتقدون أنهم شركاء فيهم ، ومن ذلك قول أبي سفيان يوم أحد : "زأعل هبل " ، فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله : ( الله أعلى وأجل ) .
فانظر إلى هذا ثم قل لي ماذا ترى في ذلك من التوحيد الذي ينسبه إليهم ابن تيمية ويقول : إنهم فيه مثل المسلمين سواء بسواء وإنما افترقوا بتوحيد الألوهية ؟؟!!
وأدل من ذلك كله قوله تعالى : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } إلى غير ذلك مما يطول شرحه ، فهل ترى لهم توحيدا بعد ذلك يصح أن يقال فيه إنه عقيدة ؟؟!!
أما التيميون فيقولون بعد هذا كله : إنهم موحدون توحيد الربوبية ، وإن الرسل لم يقاتلوهم إلا على توحيد الألوهية الذي لم يكفروا إلا بتركه !! ولا أدري ما معنى هذا الحصر ، مع أنهم كذبوا الأنبياء وردوا ما أنزل عليهم واستحلوا المحرمات وأنكروا البعث واليوم الآخر وزعموا أن لله صاحبة وولدا وأن الملائكة بنات الله ؛
{ ألا إنهم من إفكهم ليقولون : ولد الله . وإنهم لكاذبون } .
وذلك كله لم يقاتلهم عليه الرسل - في رأي هؤلاء - وإنما قاتلوهم على عدم توحيد الألوهية - كما يزعمون - وهم بعد ذلك مثل المسلمين سواء بسواء !! أو المسلمون أكفر منهم في رأي ابن عبد الوهاب !!
وما علينا من ذلك كله ، ولكن نقول لهم بعد هذا : على فرض أن هناك فرقا بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية - كما يزعمون - فالتوسل لا ينافي توحيد الألوهية فإنه ليس من العبادة في شيء لا لغة ولا شرعا ولا عرفا ، ولم يقل أحد إن النداء أو التوسل بالصالحين عبادة ، ولا أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك ، ولو كان عبادة أو شبه عبادة لم يجز بالحي ولا بالميت .
فإن تشبث متشبث بأن الله أقرب إلينا من حبل الوريد فلا يحتاج إلى واسطة ، قلنا له: حفظت شيئا وغابت عنك أشياء ، فإن رأيك هذا يلزمه ترك الأسباب والوسائط في كل شيء ، مع أن العالم مبني على الحكمة التي وضعت الأسباب والمسببات في كل شيء ، ويلزمه عدم الشفاعة يوم القيامة - وهي معلومة من الدين بالضرورة - فإنها - على هذا الرأي - لا حاجة إليها ، إذ لا يحتاج سبحانه وتعالى إلى واسطة فإنه أقرب من الواسطة .
ويلزم خطأ عمر بن الخطاب في قوله : ( إنا نتوسل إليك بعم نبيك العباس .. إلخ ) .
وعلى الجملة يلزم سد باب الأسباب والمسببات والوسائل والوسائط ، وهذا خلاف السنة الإلهية التي قام عليها بناء هذه العوالم كلها من أولها إلى آخرها .
ولزمهم على هذا التقدير أن يكونوا داخلين فيما حكموا به على المسلمين ، فإنه لا يمكنهم أن يدعوا الأسباب أو يتركوا الوسائط بل هم أشد الناس تعلقا بها واعتمادا عليها .
ولا يفوتنا أن نقول : إن التفرقة بين الحي والميت في هذا المقام لا معنى لها فإن المتوسل لم يطلب شيئا من الميت أصلا ، وإنما طلب من الله متوسلا إليه بكرامة هذا الميت عنده أو محبته له أو نحو ذلك ، فهل في هذا كله تأليه للميت أو عبادة له ؟؟!! أم هو حق لا مرية فيه ؟ ولكنهم قوم يجازفون ولا يحققون ، كيف وجواز التوسل بل حسنه معلوم عند جميع المسلمين .
وانظر كتب المذاهب الأربعة ، حتى مذهب الحنابلة في آداب زيارته صلى الله عليه وسلم تجدهم قد استحبوا التوسل به إلى الله تعالى ، حتى جاء ابن تيمية فخرق الإجماع وصادم المركوز في الفطر مخالفا في ذلك العقل والنقل اهـ .
انتهى جواب العلامة حجة الإسلام يوسف الدجوي المالكي الأزهري رحمه الله تعالى .
مواضيع مماثلة
» التكفير من تقسيم التوحيد
» بدعة تقسيم التوحيد
» ابن تيمية يبطل تقسيم التوحيد
» نقد تقسيم التوحيد إلى ألوهية وربوبية
» منظومة شنقيطية في مسألة سدل اليدين في الصلاة
» بدعة تقسيم التوحيد
» ابن تيمية يبطل تقسيم التوحيد
» نقد تقسيم التوحيد إلى ألوهية وربوبية
» منظومة شنقيطية في مسألة سدل اليدين في الصلاة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى