الشيخ محي الدين بن عربي و حل الإشكالات حوله
الشيخ محي الدين بن عربي و حل الإشكالات حوله
دراسة لإشكالات أثيرت حول الشيخ محي الدين بن عربي قدس سره:
إن الحقائق عندما تعالج ينبغي أن لا تعالج بالعواطف بل بالتجرد والعقل الذي يكون رائده الحق فنحن إزاء أي مشكلة لا ينبغي أن نعالجها حسب ميولنا ومصالحنا وأهوائنا بل نناقشها مناقشة من يبحث عن الحق ليظفر به فالحق أحق أن يتبع ذلك لأنه الميزان الجديد الذي توزن به الاعتبارات وميزان الحق لا يعول: وكثيرون هم الذين تكلموا عن الشيخ الأكبر وخاضوا في أحواله وتناولوه بالدراسات المختلفة ولكن هل كان رائد كل أولئك أن ينصفوه؟
فمن تجرد من بحثه عن المؤثرات والأهواء رأى الشيخ عالما جليلا ووليا قائما على حدود الشرع ملتزما بالكتاب والسنة فيما يأتي ويذر ورأى عذهر في الشطحات ورآها أحوالا خارجة عن إرادته تطرأ عليه كظل سحابة ما يلبث أن يمر ثم يعود إلى صحوه فينكر ما قاله أثناء الغيبوبة ولا خلاف في أن حال الصحو أفضل من حال الشطح ولا يجوز لمن في حال الصحو أن يقتدي بأهل الشطح ولا اعتبار لأقوالهم هذه ولا يؤاخذون عليها في ذلك الحال بسبب الذهول الذي يرافقهم في ذلك الحال ويسلبهم الإرادة وسيمر بك الآن شيء من كلام الشيخ عده منكروه من عظائم الأمور لكنه حينما يؤول يزول إشكاله ويسقط عنه حجاب الغموض والاستنكار.
فمن ذلك البيت الذي مر بك في ترجمته آنفا:
يا من يراني مذنبا ولا أراه آخذا
كما ذا أراه منعما ولا يراني لائذا
فينبغي أن لا نبادر بالإنكار على أصحاب هذه الحالات بل علينا ان نلتمس لهم الأعذار ما دام كلامهم ممكن التأويل فمن هذا القبيل ما سئل عنه أبو عثمان الخيري النيسابوري رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (أعوذ بك منك)( [7]) فقال: استعمل الصدق في اللفظتين يبلغ فهمك إلى هذه الكلمة وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم (أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك)( [8]).
ومن ذلك دعوى أن الشيخ يقول في كتبه (لا موجود إلا الله) والجواب أن معنى ذلك بتقدير صحة القول عنه: أنه لا موجود قائم بنفسه إلا هو تعالى وما سواه قائم بغيره كما أشار إليه بيت لبيد المشهور (ألا كل شيء ما خلا الله باطل)( [9])، ومن كانت حقيقته كذلك فهو إلى العدم أقرب غذ هو وجود مسبوقبعدم وفي حال وجود تردد بين وجود وعدم لا تخلص لأحد الطرفين فإن صح أن الشيخ قال: (لا موجود إلا الله) فإنما قال ذلك عندما تلاشت عنده الكائنات حين شهوده الحق تعالى بقلبه كما قال أبو القاسم الجنيد رضي الله عنه : (من شهد الحق تعالى بقلبه لم يهد الخلق) وقد ذكر الشيخ في الباب السابع والخمسين وخمس مائة من الفتوحات المكية بعد كلام طويل ما نصه: وهذا يدللك صريحا على ان العالم ما هو عين الحق تعالى ، إذ لو كان عين الحق تعالى ما صح كون الحق تعالى بديعا.
ومن ذلك
دعوى المنكر أن الشيخ يقول بقبول إيمان فرعون وذلك كذب وافتراء عليه فقد صرح الشيخ في الباب الثاني والستين من الفتوحات: بان فرعون من أهل النار الذين لا يخرجون منها أبد الآبدين والفتوحات آخر مؤلفاته فإنه فرغ منها قبل موته بنحو ثلاث سنين .
قال شيخ الإسلام الخالدي رحمه الله تعالى : والشيخ محي الدين بتقدير صدور ذلك عنه لم ينفرد به بل ذهب جمع كثير من السلف إلى قبول إيمانه لما حى الله عنه أنه قال: ﴿آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين﴾( [10]) ، وكان ذلك آخر عهده بالدنيا وقال أبو بكر الباقلاني قبول إيمانه هو الأقوى من حيث الاستدلال ولم يردنا نص صريح أنه مات على كفره ودليل جمهور السلف والخلف على كفره انه آمن عند اليأس وإيمان أهل اليأس لا يقبل.
ومن ذلك دعوى المنكر أن الشيخ رحمه الله تعالى يقول بجواز إباحة المكث( [11]) للجنب في المسجد فإن صح ذلك عن الشيخ فهو موافق فيه لمولانا عبدالله بن عباس رضي الله عنه والإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وهو مذهب المزني وجماعة من التابعين والفقهاء فقول المنكر إن الشيخ محي الدين خالف في ذلك الشريعة وأقوال الأئمة مردود.
ومن ذلك دعوى المنكر أن الشيخ يقول: الولي أفضل من الرسول والجواب أن الشيخ لم يقل ذلك وإنما قال: اختلف الناس في رسالة النبي وولايته أيهما أفضل والذي أقول به: إن ولايته أفضل لشرف المتعلق ودوامها في الدنيا والآخرة بخلاف الرسالة فإنها تتعلق بالخلق وتنقضي بانقضاء التكليف ووافقه على ذلك عز الدين بن عبدالسلام فإن الكلام في رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع ولايته لا في رسالته ونبوته مع ولاية غيره ذلك لأن الولاية نسبة ذاتية بين الله وبين عبده أي أنه اصطنعه لنفسه وأعده مظهرا لأسمائه وصفاته واصطفاه لمعرفته وتولاه بمحبته أما النبوة فهي نسبة إضافية بمعنى أنه سبحانه كلف هذا العبد أن يبلغ دعوته لخلقه فلو فرض عدم المرسل إليهم ما حدث لهذا العبد اسم نبي ولا رسول ولكان يدعي بالولي فالنسبة الأولى أصل لا يمكن انفكاكها والنسبة الثانية فرع عارض ترتفع بارتفاع التكليف عند الانقلاب إليه تعالى فولاية كل نبي بهذا الاعتبار أفضل من نبوته لا أن مطلق الولاية أفضل من النبوة وكيف يذهب السادة الصوفية إلى تفضيل الأولياء على الأنبياء وفيهم (محمد) صلى الله عليه وآله وسلم وهم يعتقدون أنه أفضل الأنبياء وأشرف المخلوقات( [12])، وفي (قوانين الاستشراق)ص (59) أن الشيخ الحسن الشاذلي رحمه الله تعالى نقل عنه أنه لما سئل : هل يصل الولي إلى رتبة يزول عنه فيها كلفة التكليف؟ فأجاب بقوله: (قلنا يكون الولي أولا يجد كلفة التعب فإذا وصل وجد بالتكليف الراحة والطرب من باب قوله صلى الله عليه وآله وسلم «أرحنا بها يا بلال»( [13]) وخلاصة الكلام أن ما نراه في كتب الصوفية من الأمور التي يخالف ظاهرها نصوص الشريعة واحكامها هي إما أن تكون مدسوسة عليهم من قبل الزنادقة والحسدة أعداء الإسلام كما بينا وإما أن تكون قابلة للتأويل كما في كثير من الكلام العربي فمن جملة التأويل الذي لا محيد عنه ما فيه هذه الآية الشريفة : ﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾( [14]) فإما أن نستعمل الصفات في معانيها المجازية وإما القول بهلاك ما أثبته الله لذاته من الصفات سوى وجهه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا( [15]) وكما في تاويل هذا الحديث الشريف : «إن الله خلق آدم على صورته»( [16]) . فإن عاد الضمير في (صورته) إلى الله وجب التأويل على ما هو معروف من مذهب الخلف وهناك غير هذه الاعتراضات موجودة في مظانها كاليواقيت والجواهر للإمام الشعراني أجوبتها وسيمر معنا الكلام عن هذا امفصلا في باب السنة والبدعة وباب التأويل وإثبات المجاز عند السلف إن شاء الله تعالى ولعمري إن قام المنكرون والمعترضون في وجه هذا العالم الجليل والولي الكامل فأنكروا كلامه وتعرضوا له بالأذى والنكران وضروب التشويش والإزعاج وإثارة الجهلة والمغرضينعليه فقد حدث مثل ذلك للأنبياء والصالحين على مدى الدهور وقد قال الله تعالى ﴿وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون﴾( [17]) وقد نقل الجلال السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه (التحدث بالنعمة) ومما أنعم الله به علي أن أقام لي عدوا يؤذيني ويمزق عرض لتكون لي أسوة بالأنبياء والأولياء وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم العلماء ثم الصالحون»( [18]) فلا يخفى مقدار ما تحمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المنكرين والكافرين والأقرباء المقربين قال الجلال السيوطي رحمه الله تعالى : (ما كان كبير في عصر إلا كان له عدو من السفلة) إذ الأشراف لم تزل تبتلى بالأطراف فكان لآدم إبليس ولنوح حام ولداود جالوت ولسليمان صخر ولإبراهيم النمرود ونسبوا عبدالله بن الزبير رضي الله عنه إلى الرياء والنفاق في صلاته فصبوا على رأسه ماء حميما فزلع( [19]) وجهه ورأسه وهو لا يشعر فلما سلم من صلاته قال: ما شأني؟ فذكروا له القصة فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل ومكث زمانا وهو يتألم من رأسه ووجهه وكان لابن عباس رضي الله عنهما نافع الأزرق وكان يؤذيه أشد الأذى ويقول: إنه يفسر القرآن بغير علم وكان لسعد بن أبي وقاص جهلة من جهال الكوفة يؤذونه مع أنه مشهود له بالجنة وأما الأئمة المجتهدون فلا يخفى ما قاساه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه من الضرب والحبس وما قاساه الإمام البخاري حين اخرجوه من بخارى إلى خرتنك ( [20])، ونفوا أبا يزيد البسطامي سبع مرات وشيعوا ذا النون المصري من مصر إلى بغداد مقيدا مغلولا وكذلك سمنون وسهل التستري واسعد لخراز والجيند ورويم وابن عطاء وآخرون لقوا عظائم الأمور من المنكرين من الهزء والسخرية والتنكير والإيذاء ومهما يكن فهذه سنة الكون التي لم يسلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها لأننا لو استعرضنا سيرته نجدكم لقي من قومه وأهله المقربين وصحابته أيضا نالهم حظهم من الإيذات والابتلاء ولقد لقي القوم ما لقوا حين نظر الناس في ظاهر عباراتهم ولم يستعينوا بهم على فهم معانيها وإدراك مراميها فلكل قوم لغة ولكل فئة اصطلاح والمتصوفة حين يكتبون إنما يفعلون ذلك تخاطبا فيما بينهم باصطلاحهم حسبما درجوا عليه وهم في هذا كما يكتب منطقي لمنطقي أو عروضي لعروضي فإذا جاء غير المنطقي فربما ضحك حينما يجدهم يسمون الإنسان حيوانا ناطقا ويسمون أحقر الأشياء جوهرا ويشاهد العروضي يستعمل البيت والوتد والإقواء والتكاوس والتواتر فيأخذه العجب من هذه الكلمات ويبقى مدهوشا مستنكرا فهل يستقيم لنا ان نعترض عليهم لأنهم يتفاهمون فيما بينهم بهذه الاصطلاحات التي لا يفهمها غير المختص وفي الجملة فإن هذا الوضع أحوال ومنازل واصطلاحات وتعابير لا تنال بقراءة الأوراق بل بصحبة أهل الأذواق ولابد لمن يريد الفهم من صحبتهم لمعرفة إشاراتهم وإدراك مصطلحاتهم لتتضح له مقاصدهم وتستنير سبلهم مثلما فعل إمامنا حجة الإسلام الغزالي رحمه الله تعالى .
عقيدة الشيخ محي الدين بن عربي قدس سره:
إن الذين رموا الشيخ الأكبر قدس سره بالحلولية تارة وبالزندقة تارة أخرى لو نظروا بعين الإنصاف في كل ما كتب لخرجوا من ذلك بما لا مجال فيه للشك أن الشيخ من أكابر الموحدين وان عقيدته واضحة لا لبس فيها وأن المعروف من حاله يخالف ما رمي به من عظائم الأمور مما قيل عنه من اتحاد وحلول إن الشيخ وإن كان قد قال شيئا من هذه الأٌول ففي حال سكر وذهول عن الوعي والحالة السوية وسرعان( [21]) ما يتبرأ من ذلك كما سيمر بك إن شاء الله والمعروف من اعتقاده أن الله لا يحل في شيء فهو مباين عن الحوادث بقدمه لكن الذي دفع أولئك إلى م قالوا عن هذا الموحد الجليل والعالم الذ كلمات دست عليه وعلى غيره من العلماء الأعلا فاعتبروا لازم هذه الأقوال حالا مصاحبا لكنهم لو أنصفوا لفرقوا بين حالي الصحو والسرك ، ولقد ثبت من أقوال العارفين إن إحساسهم بشدة القرب من الحظيرة الإلهية يحجبهم عما حولهم تغمرهم انوار الفيوضات مستغرقين في الواردات استغراقا يسلبهم اليقظة والوعي لكن الله جلت قدرته لا يديم عليهم هذا الحال فاستغراقهم في هذه المواجيد ومضات وجيزة يعودون بعدها إلى حالهم الأول ولولا ذلك لما خلفوا لنا مما كتبوا هذه الأسفار الجليلة من الآداب والسلوك والحكم وما كانوا أشدوا الناس بالحجة والبرهان أما أقوالهم تلك فيمكن تأويلها بكل يسر إن كان ثمة تجرد وإنصاف فإذا بها أقوال ليس فيها ما يخالف الشرع أو يستغرب أو يستنكر وفي الجملة فهذه عقيدة الشيخ بين يديك وأمام ناظريك فانظر فيها تشاهد التنزيه من أجلى مظاهره والتوحيد من أنقى معانيه اقرأ قوله في عقيدته الصغرى( [22]) : تعالى الحق ان تحله الحوادث او يحلها ) وقال في عقيدته الوسطى : (اعلم أن الله تعالى واحد بالإجماع ومقام الواحد يتعالى أن يحل فيه شيء أو يحل في شيء أو يتحد بشيء ) وقال في الباب الثامن من الفتوحات (اعلم أنه ليس في أحد شيء من الله ولا يجوز ذلك بوجه من الوجوه ) وقال في باب الأسرار (لا يجوز لعارف أن يقول: (أنا الله) ولو بلغ أقصى درجات القرب وحاشا العارف من هذا وحاشاه إنما يقول: (أنا العبد الذليل في المسير والمقيل) وقال في باب المائة والتاسع والستين (القديم لا يكون قط محلا للحوادث ولا يكون حالا في المحدث وإنما الوجود الحادث والقديم مربوط ببعض ربط إضافة وحكم لا بط وجود عين بعين فإن الرب لا يجتمع مع عبده في مرتبة واحدة( [23]) هذه هي أيها القارئ عقيدة الشيخ مع ما مر معنا من اقواله التي اتخذناها شاهدا في باب الشطح والحلول والاتحاد فهي كاشفة عن حقيقة هذا الموحد الجليل ومظهرة أنه رضي الله عنه يتمتع بعقيدة طاهرة هي في أعلى مراتب التنزيه والتوحيد الخالص بعيدا عن التشبه والتعطيل وقد مر بك في ترجمته انه كان متخصصا في علم التوحيد بل إماما من ابرز أعلامه فإن غلبه الوجد في لحظة عابرة عند إحساسه بمقام القرب فسرعان ما يعود إلى وعيه وصفائه ويعود إليه حاله الطبيعي لذلك فالإنصاف والأدب أن نغض الطرف عن هذه الحالات الطارئة إزاء هذا الرسوخ الإيماني في تنزيه واجب الوجود مما يستحيل عليه من صفات الحوادث وأعراضها).
واليك رأي كبار الشيوخ والعلماء في الشيخ محي الدين بن عربي وما دس عليه من كلام.
فقد تناول العالم الجليل الشيخ عبدالوهاب الشعراني رحمه الله ما ورد من الفتوحات المكية للشيخ محي الدين بن عربي قدس سره من أقوال مستغربة لدى من لم يدرك معناها ممن لم يذق حميا القوم ولم تهبط على أفئدتهم الفيوضات وتغمرهم الواردات فعاغلج هذه الأقوال وناقشها بتؤدة العالم المنصف والباحث المطلع والناقد الموضوعي القدير بعيدا عن سطوة الهوى وتحكم العاطفة كما أورد الشيخ آراءهم فيه فأدرى الناس بالمرء معاصروه ممن هم في أحواله فقال: إني طالعت من كلام أهل الكشف ما لا يحصى من ا لرسائل فما رأيت أوسع عبارة من الشيخ محي الدين بن عربي رحمه الله تعالى لكني رأيت في كتابه (الفتوحات المكية) مواضع لم أفهمها فذكرتها لينظر فيها علماء الإسلام فلا تظن يا أخي أني ذكرتها لكني أعتقد صحتها فمعاذ الله أن أخالف جمهور المتكلمين (أما التفسير المزعوم والمنسوب إلى ابن عربي فقد وضعه عليه أحد الملاحدة وهو القاشاني الباطني الشهير فقد أقامه على منهج وحدة الوجود القائمة على اعتبار أن كل العالم بظواهره ومظاهره ما هو إلا مجال لوجود الحق أي الله تعالى وقد نسب هذا الكتاب إلى القاشاني المؤرخ حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون وكان شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى يقول (لا يخلو كلام الأئمة عن ثلاثة أحوال لأنه إما أن يوافق صريح الكتاب والسنة فهذا يجب اعتقاده جزما وإما أن لا يظهر لنا موافقته ولا مخالفته فأحسن أحواله الوقف وإما أن يخالف الكتاب والسنة ولا يمكن تأويله فمرفوض مردود لا يصح قبوله وقد أخبرني العارف بالله الشيخ أبو الطاهر المزني الشاذلي رضي الله عنه أن جميع ما في كتب الشيخ محي الدين مما خالف ظاهر الشريعة مدسوس عليه لأنه رجل كامل بإجماع المحققين والكامل لا يصح في حقه شطح عن ظاهر الكتاب والسنة فمن كلامه يعني الشيخ محي الدين بن عربي أن (من رمى ميزان الشريعة من يده لحظة هلك) وجميع ما عارض من كلامه ظاهر الشريعة وما عليه الجمهور فهو مدسوس عليه ولقد كانت عند الشيخ أبي طاهر المغربي نسخة من الفتوحات كان قد قابلها على نسخة الشيخ التي بخطه فلم أر فيها مما كنت قد توقعت فيه وإن هذا الإمام إن كان قد دُسَّ عليه فقد دس الزنادقة تحت وسادة الإمام أحمد بن حنبل في مرض موته عقائد زائفة ولولا أن أصحابه يعلمون منه صحة الاعتقاد لافتتنوا بما وجدوه تحت وسادته فهذا هو ابن الفراء يقول في طبقاته نقلا عن أبي بكر المرزوي ومسد وحرب: أنهم رأوا الكثير من المسائل ونسبوها إلى الإمام أحمد بن حنبل ويضيق رجلين صالحين بليا بأصحاب سوء : وهما جعفر الصادق وأحمد بن حنبل أما جعفر الصادق فقد نسبت إليه أقوال كثيرة دونت في فقه بعض الفئات الإسلامية على أنها له وهو منها بري وأما أحمد بن حنبل فقد نسب إليه بعض الحنابلة آراء في العقائد لم يقل بها( [24]) ، كما قال الإمام ابن حجر في فتاويه الحديثية( [25]): (إن عقيدة الإمام أحمد بن حنبل موافقه لعقيدة أهل السنة والجماعة وكل ما نسب إليه مما يخالفها كذب وافتراء وبهتان) وكذلك دسوا على مجد الدين الفيروز آبادي صاحب القاموس المحيط كتابا في الرد على أبي حنيفة رضي الله عنه وتكفيره فأعلن الفيروز آبادي براءته من هذا الكتاب وأنه يجب حرقه وكذلك دسوا عليَّ انا( [26]) في كتابي المسمى بالبحر المورود، وأنا منه بريء : من جملة ما دس على الإمام الشعراني في كتابه الطبقات الكبرى (2/135) في ترجمة سيدي علي بن وحيش مالا أطيق كتابته من الفاحشة المنسوبة إلى هذا الرجل الصالح ولابد أن هذا الدس قد حصل بعد وفاة الإمام الشعراني رحمه الله والوضع في هذه الفرية ظاهر وأراد مختلقها أن يحتال لها فيجعلها في حالة قد تنطلي على البسطاء والمغفلين فقال: إن هؤلاء يخيلون للناس هذه الأفعال وليس لها حقيقة وإننا إزاء هذا القول المختلق وأمثاله يكفينا ردا ما هم عليه من الأحوال السامية والقمامات الشريفة المستنيرة بضوء الكتاب والسنة.
ويتابع الشيخ الشعراني رضي الله عنه عنه فيقول: ولقد قال المجد الفيروز آبادي: والذي أقوله وأتحققه وأدين الله به أن الشيخ محي الدين كان شيخ الطريقة حالا وعلما وإمام التحقيق حقيقة ورسما الخ.
وكان سراج الدين المخزومي شيخ الإسلام بالشام يقول: إياكم والإنكار على شيء من كلام الشيخ محي الدين فإن لحوم الأولياء مسمومة وقد أثنى عليه العلماء امثال الشيخ قطب الدين الحموي وممن أثنى عليه الحافظ أبو عبدالله الذهبي والشيخ قطب الدين الشيرازي وكان مؤيد الدين الخجنيدي يقول: ما سمعنا بأحد من أهل الطرق اطلع على ما اتطلع عليه الشيخ محي الدين وكذلك كان يقول الشيخ شهاب الدين السهروري والشيخ كمال الدين الكاشي مع أن هؤلاء الأشياخ كانوا من اشد الناس إنكارا على من يخالف ظاهر الشريعة وممن أثنى عليه أيضا الشيخ فخر الدين الرازي وقال كان الشيخ محي الدين وليا عظيما وسئل الإمام محي الدين النووي عن الشيخ محي الدين بن عربي فقال: تلك أمة قد خلت ولكن الذي عندنا أنه يحرم على كل عاقل أن يسيء الظن بأحد من أولياء الله عز وجل ويجب عليه أن يؤول أقوالهم وأفعالهم ما دام لم يلحق بدرجتهم ولا يعجز( [27]) عن ذلك إلا قليل التوفيق قال في شرح المهذب : (ثم إذا أوَّل فليؤول كلامهم إلى سبعين وجها ولا نقبل تأويلا واحدا) وممن أثنى عليه الشيخ محمد المغربي الشاذلي شيخ الجلال السيوطي وقد صنف الشيخ سراج الدين المخزومي كتابا في الرد عن الشيخ محي الدين وأما قاضي القضاة المالكي فقد ترك القضاء وتبع طريقة الشيخ وانقطع لخدمته وبالجملة فما أنكر على الشيخ إلا الفقهاء الذين لا حظ لهم في شرب المحققين( [28]) ونحن إزاء موضوع الدس لابد أن نعلم ان كثيرا من العلوم لم تسلم من آفة الدس والتحريف فلا يخفى أن بعض تفاسير القرآن يكاد ينوء بالاسرائليات ومله الحديث الشريف حين دسوا على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث جمة لم يقلها وهي الأحاديث المعروفة بـ الموضوعة كأحاديث إسناد الجهة إلى الله تعالى مثل الفوقية وأحاديث التجسيم والتشبيه ونحو ذلك من العقائد الزائفة لكن الله تعالى قيض للرد على هؤلاء علماء مخلصين أزالوا كل شائبة عن هذين العلمين وإن الدس وإن يكن قد نال من هذين العلمين فإن التاريخ الإسلامي أيضا قد سرى إليه هذا الداء قديما كقصص ألف ليلة وليلة وما فيها عن هارون الرشيد رحمه الله تعالى وحديثا ككتابات المستشرقين الحاقدين أمثال فيليب حتي وبركلمان وجرجي زيدان أما جرجي زيدان فقد شوه التاريخ الإسلامي حين صاغه في أسلوب روايات غرامية جردها من دوافعها الإيمانية وكذلك دس على أمير المؤمنين سيدنا علي رضي الله عنه كما فعل الشريف الرضي علي بن الحسين على ما ذكره الذهبي حين قال: (وهو المتهم بوضع نهج البلاغة ) ومن طالعه جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين سيدنا علي رضي الله عنه عنه ففيه السب الصريح والحط على السيدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وفيه التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين والصحابة وغيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن أكثره باطل( [29]).
وكذلك دسوا على حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالى فها هو الشيخ الشرعاني يقول: ومما دسوا على الغزالي وأشاعه بعضهم عنه أنه قال: (إن لله عبادا لو سألوه أن لا يقيم الساعة لم يقمها وإن لله عبادا لو سألوه أن يقيم الساعة الآن لأقامها) فإن مثل ذلك كذب وزور على الإمام حجة الإسلام رحمه الله وإن وجد في بعض مؤلفات الإمام فذلك مدسوس عليه من بعض الملاحدة وقد رأيت كتابا كاملا مشحونا بالعقائد المخالفة لأهل السنة والجماعة صنفه بعض الملحدين ونسبه إلى الإمام الغزالي فاطلع عليه الشيخ بدر الدين بن جماعة فكتب عليه (كذب والله وافترى من أضاف هذا الكتاب إلى حجة الإسلام)( [30]).
ورابعة العدوية رضي الله عنها لم تسلم من التقول عليها فقالوا بأنها قالت عن الكعبة (الصنم المعبود في الأرض) وقد كذب ابن تيمية هذا القول وقال إنه مدسوس عليها لما سألوه عنها فقال: (وأما ما ذكر عن رابعة العدوية من قولها عن البيت إنه الصنم المعبود في الأرض فهو كذب على رابعة العدوية المؤمنة التقية ولو قال هذا من قال لكان كافرا يستتاب فإن تاب وإلا قتل وهو كذب فإن البيت لا يعبده المسلمون ولكنهم يعبدون رب البيت بالطواف والصلاة إليه )( [31]).( [32])
وقد سبق أن ذكرنا أن الشيخ الأكبر رضي الله عنه تناول أحواله بالدراسة كثيرون لكن لم يجعل كل أولئك نصب أعينهم أن ينصفوه فلم يلتمسوا له الأعذار فيا أيها القراء الكرام: أما وقد اطلعنا على جانب مهم من جوانب حياة هذا الشيخ الكبير والعالم الجليل والمرشد الرباني الكامل وعلمنا مقدار رسوخه في علم التوحيد ووقوفه عند النصوص التي أجمع عليها جمهور المتكلمين فينبغي أن لا نغدو أسارى دعاوى أضاليل قيلت من غير بهان وثيق او بناء على قناعات سابقة من غير تمحيص شأن المغرضين فعلى القارئ الذي يسعى نحو معرفة حقيقة هذا الحبر الجليل أن يسلك في دراسته طريقة التحقيق العلمي مع التماس الأعذار كما ورد بذلك الأثر: (التمس لأخيك سبعين عذرا) بعيدا عن دائرة جاذبية العاطفة أو الارتجال وما لم نعتق أنفسنا من تأثيرات الظنون الآثمة والعواطف الآسرة فلن نهتدي إلى سواء السبيل.
وحسبنا في هذا رادعا قول الله جل وعلا ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا﴾( [33]).
إن الحقائق عندما تعالج ينبغي أن لا تعالج بالعواطف بل بالتجرد والعقل الذي يكون رائده الحق فنحن إزاء أي مشكلة لا ينبغي أن نعالجها حسب ميولنا ومصالحنا وأهوائنا بل نناقشها مناقشة من يبحث عن الحق ليظفر به فالحق أحق أن يتبع ذلك لأنه الميزان الجديد الذي توزن به الاعتبارات وميزان الحق لا يعول: وكثيرون هم الذين تكلموا عن الشيخ الأكبر وخاضوا في أحواله وتناولوه بالدراسات المختلفة ولكن هل كان رائد كل أولئك أن ينصفوه؟
فمن تجرد من بحثه عن المؤثرات والأهواء رأى الشيخ عالما جليلا ووليا قائما على حدود الشرع ملتزما بالكتاب والسنة فيما يأتي ويذر ورأى عذهر في الشطحات ورآها أحوالا خارجة عن إرادته تطرأ عليه كظل سحابة ما يلبث أن يمر ثم يعود إلى صحوه فينكر ما قاله أثناء الغيبوبة ولا خلاف في أن حال الصحو أفضل من حال الشطح ولا يجوز لمن في حال الصحو أن يقتدي بأهل الشطح ولا اعتبار لأقوالهم هذه ولا يؤاخذون عليها في ذلك الحال بسبب الذهول الذي يرافقهم في ذلك الحال ويسلبهم الإرادة وسيمر بك الآن شيء من كلام الشيخ عده منكروه من عظائم الأمور لكنه حينما يؤول يزول إشكاله ويسقط عنه حجاب الغموض والاستنكار.
فمن ذلك البيت الذي مر بك في ترجمته آنفا:
يا من يراني مذنبا ولا أراه آخذا
كما ذا أراه منعما ولا يراني لائذا
فينبغي أن لا نبادر بالإنكار على أصحاب هذه الحالات بل علينا ان نلتمس لهم الأعذار ما دام كلامهم ممكن التأويل فمن هذا القبيل ما سئل عنه أبو عثمان الخيري النيسابوري رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (أعوذ بك منك)( [7]) فقال: استعمل الصدق في اللفظتين يبلغ فهمك إلى هذه الكلمة وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم (أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك)( [8]).
ومن ذلك دعوى أن الشيخ يقول في كتبه (لا موجود إلا الله) والجواب أن معنى ذلك بتقدير صحة القول عنه: أنه لا موجود قائم بنفسه إلا هو تعالى وما سواه قائم بغيره كما أشار إليه بيت لبيد المشهور (ألا كل شيء ما خلا الله باطل)( [9])، ومن كانت حقيقته كذلك فهو إلى العدم أقرب غذ هو وجود مسبوقبعدم وفي حال وجود تردد بين وجود وعدم لا تخلص لأحد الطرفين فإن صح أن الشيخ قال: (لا موجود إلا الله) فإنما قال ذلك عندما تلاشت عنده الكائنات حين شهوده الحق تعالى بقلبه كما قال أبو القاسم الجنيد رضي الله عنه : (من شهد الحق تعالى بقلبه لم يهد الخلق) وقد ذكر الشيخ في الباب السابع والخمسين وخمس مائة من الفتوحات المكية بعد كلام طويل ما نصه: وهذا يدللك صريحا على ان العالم ما هو عين الحق تعالى ، إذ لو كان عين الحق تعالى ما صح كون الحق تعالى بديعا.
ومن ذلك
دعوى المنكر أن الشيخ يقول بقبول إيمان فرعون وذلك كذب وافتراء عليه فقد صرح الشيخ في الباب الثاني والستين من الفتوحات: بان فرعون من أهل النار الذين لا يخرجون منها أبد الآبدين والفتوحات آخر مؤلفاته فإنه فرغ منها قبل موته بنحو ثلاث سنين .
قال شيخ الإسلام الخالدي رحمه الله تعالى : والشيخ محي الدين بتقدير صدور ذلك عنه لم ينفرد به بل ذهب جمع كثير من السلف إلى قبول إيمانه لما حى الله عنه أنه قال: ﴿آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين﴾( [10]) ، وكان ذلك آخر عهده بالدنيا وقال أبو بكر الباقلاني قبول إيمانه هو الأقوى من حيث الاستدلال ولم يردنا نص صريح أنه مات على كفره ودليل جمهور السلف والخلف على كفره انه آمن عند اليأس وإيمان أهل اليأس لا يقبل.
ومن ذلك دعوى المنكر أن الشيخ رحمه الله تعالى يقول بجواز إباحة المكث( [11]) للجنب في المسجد فإن صح ذلك عن الشيخ فهو موافق فيه لمولانا عبدالله بن عباس رضي الله عنه والإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وهو مذهب المزني وجماعة من التابعين والفقهاء فقول المنكر إن الشيخ محي الدين خالف في ذلك الشريعة وأقوال الأئمة مردود.
ومن ذلك دعوى المنكر أن الشيخ يقول: الولي أفضل من الرسول والجواب أن الشيخ لم يقل ذلك وإنما قال: اختلف الناس في رسالة النبي وولايته أيهما أفضل والذي أقول به: إن ولايته أفضل لشرف المتعلق ودوامها في الدنيا والآخرة بخلاف الرسالة فإنها تتعلق بالخلق وتنقضي بانقضاء التكليف ووافقه على ذلك عز الدين بن عبدالسلام فإن الكلام في رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع ولايته لا في رسالته ونبوته مع ولاية غيره ذلك لأن الولاية نسبة ذاتية بين الله وبين عبده أي أنه اصطنعه لنفسه وأعده مظهرا لأسمائه وصفاته واصطفاه لمعرفته وتولاه بمحبته أما النبوة فهي نسبة إضافية بمعنى أنه سبحانه كلف هذا العبد أن يبلغ دعوته لخلقه فلو فرض عدم المرسل إليهم ما حدث لهذا العبد اسم نبي ولا رسول ولكان يدعي بالولي فالنسبة الأولى أصل لا يمكن انفكاكها والنسبة الثانية فرع عارض ترتفع بارتفاع التكليف عند الانقلاب إليه تعالى فولاية كل نبي بهذا الاعتبار أفضل من نبوته لا أن مطلق الولاية أفضل من النبوة وكيف يذهب السادة الصوفية إلى تفضيل الأولياء على الأنبياء وفيهم (محمد) صلى الله عليه وآله وسلم وهم يعتقدون أنه أفضل الأنبياء وأشرف المخلوقات( [12])، وفي (قوانين الاستشراق)ص (59) أن الشيخ الحسن الشاذلي رحمه الله تعالى نقل عنه أنه لما سئل : هل يصل الولي إلى رتبة يزول عنه فيها كلفة التكليف؟ فأجاب بقوله: (قلنا يكون الولي أولا يجد كلفة التعب فإذا وصل وجد بالتكليف الراحة والطرب من باب قوله صلى الله عليه وآله وسلم «أرحنا بها يا بلال»( [13]) وخلاصة الكلام أن ما نراه في كتب الصوفية من الأمور التي يخالف ظاهرها نصوص الشريعة واحكامها هي إما أن تكون مدسوسة عليهم من قبل الزنادقة والحسدة أعداء الإسلام كما بينا وإما أن تكون قابلة للتأويل كما في كثير من الكلام العربي فمن جملة التأويل الذي لا محيد عنه ما فيه هذه الآية الشريفة : ﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾( [14]) فإما أن نستعمل الصفات في معانيها المجازية وإما القول بهلاك ما أثبته الله لذاته من الصفات سوى وجهه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا( [15]) وكما في تاويل هذا الحديث الشريف : «إن الله خلق آدم على صورته»( [16]) . فإن عاد الضمير في (صورته) إلى الله وجب التأويل على ما هو معروف من مذهب الخلف وهناك غير هذه الاعتراضات موجودة في مظانها كاليواقيت والجواهر للإمام الشعراني أجوبتها وسيمر معنا الكلام عن هذا امفصلا في باب السنة والبدعة وباب التأويل وإثبات المجاز عند السلف إن شاء الله تعالى ولعمري إن قام المنكرون والمعترضون في وجه هذا العالم الجليل والولي الكامل فأنكروا كلامه وتعرضوا له بالأذى والنكران وضروب التشويش والإزعاج وإثارة الجهلة والمغرضينعليه فقد حدث مثل ذلك للأنبياء والصالحين على مدى الدهور وقد قال الله تعالى ﴿وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون﴾( [17]) وقد نقل الجلال السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه (التحدث بالنعمة) ومما أنعم الله به علي أن أقام لي عدوا يؤذيني ويمزق عرض لتكون لي أسوة بالأنبياء والأولياء وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم العلماء ثم الصالحون»( [18]) فلا يخفى مقدار ما تحمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المنكرين والكافرين والأقرباء المقربين قال الجلال السيوطي رحمه الله تعالى : (ما كان كبير في عصر إلا كان له عدو من السفلة) إذ الأشراف لم تزل تبتلى بالأطراف فكان لآدم إبليس ولنوح حام ولداود جالوت ولسليمان صخر ولإبراهيم النمرود ونسبوا عبدالله بن الزبير رضي الله عنه إلى الرياء والنفاق في صلاته فصبوا على رأسه ماء حميما فزلع( [19]) وجهه ورأسه وهو لا يشعر فلما سلم من صلاته قال: ما شأني؟ فذكروا له القصة فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل ومكث زمانا وهو يتألم من رأسه ووجهه وكان لابن عباس رضي الله عنهما نافع الأزرق وكان يؤذيه أشد الأذى ويقول: إنه يفسر القرآن بغير علم وكان لسعد بن أبي وقاص جهلة من جهال الكوفة يؤذونه مع أنه مشهود له بالجنة وأما الأئمة المجتهدون فلا يخفى ما قاساه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه من الضرب والحبس وما قاساه الإمام البخاري حين اخرجوه من بخارى إلى خرتنك ( [20])، ونفوا أبا يزيد البسطامي سبع مرات وشيعوا ذا النون المصري من مصر إلى بغداد مقيدا مغلولا وكذلك سمنون وسهل التستري واسعد لخراز والجيند ورويم وابن عطاء وآخرون لقوا عظائم الأمور من المنكرين من الهزء والسخرية والتنكير والإيذاء ومهما يكن فهذه سنة الكون التي لم يسلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها لأننا لو استعرضنا سيرته نجدكم لقي من قومه وأهله المقربين وصحابته أيضا نالهم حظهم من الإيذات والابتلاء ولقد لقي القوم ما لقوا حين نظر الناس في ظاهر عباراتهم ولم يستعينوا بهم على فهم معانيها وإدراك مراميها فلكل قوم لغة ولكل فئة اصطلاح والمتصوفة حين يكتبون إنما يفعلون ذلك تخاطبا فيما بينهم باصطلاحهم حسبما درجوا عليه وهم في هذا كما يكتب منطقي لمنطقي أو عروضي لعروضي فإذا جاء غير المنطقي فربما ضحك حينما يجدهم يسمون الإنسان حيوانا ناطقا ويسمون أحقر الأشياء جوهرا ويشاهد العروضي يستعمل البيت والوتد والإقواء والتكاوس والتواتر فيأخذه العجب من هذه الكلمات ويبقى مدهوشا مستنكرا فهل يستقيم لنا ان نعترض عليهم لأنهم يتفاهمون فيما بينهم بهذه الاصطلاحات التي لا يفهمها غير المختص وفي الجملة فإن هذا الوضع أحوال ومنازل واصطلاحات وتعابير لا تنال بقراءة الأوراق بل بصحبة أهل الأذواق ولابد لمن يريد الفهم من صحبتهم لمعرفة إشاراتهم وإدراك مصطلحاتهم لتتضح له مقاصدهم وتستنير سبلهم مثلما فعل إمامنا حجة الإسلام الغزالي رحمه الله تعالى .
عقيدة الشيخ محي الدين بن عربي قدس سره:
إن الذين رموا الشيخ الأكبر قدس سره بالحلولية تارة وبالزندقة تارة أخرى لو نظروا بعين الإنصاف في كل ما كتب لخرجوا من ذلك بما لا مجال فيه للشك أن الشيخ من أكابر الموحدين وان عقيدته واضحة لا لبس فيها وأن المعروف من حاله يخالف ما رمي به من عظائم الأمور مما قيل عنه من اتحاد وحلول إن الشيخ وإن كان قد قال شيئا من هذه الأٌول ففي حال سكر وذهول عن الوعي والحالة السوية وسرعان( [21]) ما يتبرأ من ذلك كما سيمر بك إن شاء الله والمعروف من اعتقاده أن الله لا يحل في شيء فهو مباين عن الحوادث بقدمه لكن الذي دفع أولئك إلى م قالوا عن هذا الموحد الجليل والعالم الذ كلمات دست عليه وعلى غيره من العلماء الأعلا فاعتبروا لازم هذه الأقوال حالا مصاحبا لكنهم لو أنصفوا لفرقوا بين حالي الصحو والسرك ، ولقد ثبت من أقوال العارفين إن إحساسهم بشدة القرب من الحظيرة الإلهية يحجبهم عما حولهم تغمرهم انوار الفيوضات مستغرقين في الواردات استغراقا يسلبهم اليقظة والوعي لكن الله جلت قدرته لا يديم عليهم هذا الحال فاستغراقهم في هذه المواجيد ومضات وجيزة يعودون بعدها إلى حالهم الأول ولولا ذلك لما خلفوا لنا مما كتبوا هذه الأسفار الجليلة من الآداب والسلوك والحكم وما كانوا أشدوا الناس بالحجة والبرهان أما أقوالهم تلك فيمكن تأويلها بكل يسر إن كان ثمة تجرد وإنصاف فإذا بها أقوال ليس فيها ما يخالف الشرع أو يستغرب أو يستنكر وفي الجملة فهذه عقيدة الشيخ بين يديك وأمام ناظريك فانظر فيها تشاهد التنزيه من أجلى مظاهره والتوحيد من أنقى معانيه اقرأ قوله في عقيدته الصغرى( [22]) : تعالى الحق ان تحله الحوادث او يحلها ) وقال في عقيدته الوسطى : (اعلم أن الله تعالى واحد بالإجماع ومقام الواحد يتعالى أن يحل فيه شيء أو يحل في شيء أو يتحد بشيء ) وقال في الباب الثامن من الفتوحات (اعلم أنه ليس في أحد شيء من الله ولا يجوز ذلك بوجه من الوجوه ) وقال في باب الأسرار (لا يجوز لعارف أن يقول: (أنا الله) ولو بلغ أقصى درجات القرب وحاشا العارف من هذا وحاشاه إنما يقول: (أنا العبد الذليل في المسير والمقيل) وقال في باب المائة والتاسع والستين (القديم لا يكون قط محلا للحوادث ولا يكون حالا في المحدث وإنما الوجود الحادث والقديم مربوط ببعض ربط إضافة وحكم لا بط وجود عين بعين فإن الرب لا يجتمع مع عبده في مرتبة واحدة( [23]) هذه هي أيها القارئ عقيدة الشيخ مع ما مر معنا من اقواله التي اتخذناها شاهدا في باب الشطح والحلول والاتحاد فهي كاشفة عن حقيقة هذا الموحد الجليل ومظهرة أنه رضي الله عنه يتمتع بعقيدة طاهرة هي في أعلى مراتب التنزيه والتوحيد الخالص بعيدا عن التشبه والتعطيل وقد مر بك في ترجمته انه كان متخصصا في علم التوحيد بل إماما من ابرز أعلامه فإن غلبه الوجد في لحظة عابرة عند إحساسه بمقام القرب فسرعان ما يعود إلى وعيه وصفائه ويعود إليه حاله الطبيعي لذلك فالإنصاف والأدب أن نغض الطرف عن هذه الحالات الطارئة إزاء هذا الرسوخ الإيماني في تنزيه واجب الوجود مما يستحيل عليه من صفات الحوادث وأعراضها).
واليك رأي كبار الشيوخ والعلماء في الشيخ محي الدين بن عربي وما دس عليه من كلام.
فقد تناول العالم الجليل الشيخ عبدالوهاب الشعراني رحمه الله ما ورد من الفتوحات المكية للشيخ محي الدين بن عربي قدس سره من أقوال مستغربة لدى من لم يدرك معناها ممن لم يذق حميا القوم ولم تهبط على أفئدتهم الفيوضات وتغمرهم الواردات فعاغلج هذه الأقوال وناقشها بتؤدة العالم المنصف والباحث المطلع والناقد الموضوعي القدير بعيدا عن سطوة الهوى وتحكم العاطفة كما أورد الشيخ آراءهم فيه فأدرى الناس بالمرء معاصروه ممن هم في أحواله فقال: إني طالعت من كلام أهل الكشف ما لا يحصى من ا لرسائل فما رأيت أوسع عبارة من الشيخ محي الدين بن عربي رحمه الله تعالى لكني رأيت في كتابه (الفتوحات المكية) مواضع لم أفهمها فذكرتها لينظر فيها علماء الإسلام فلا تظن يا أخي أني ذكرتها لكني أعتقد صحتها فمعاذ الله أن أخالف جمهور المتكلمين (أما التفسير المزعوم والمنسوب إلى ابن عربي فقد وضعه عليه أحد الملاحدة وهو القاشاني الباطني الشهير فقد أقامه على منهج وحدة الوجود القائمة على اعتبار أن كل العالم بظواهره ومظاهره ما هو إلا مجال لوجود الحق أي الله تعالى وقد نسب هذا الكتاب إلى القاشاني المؤرخ حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون وكان شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى يقول (لا يخلو كلام الأئمة عن ثلاثة أحوال لأنه إما أن يوافق صريح الكتاب والسنة فهذا يجب اعتقاده جزما وإما أن لا يظهر لنا موافقته ولا مخالفته فأحسن أحواله الوقف وإما أن يخالف الكتاب والسنة ولا يمكن تأويله فمرفوض مردود لا يصح قبوله وقد أخبرني العارف بالله الشيخ أبو الطاهر المزني الشاذلي رضي الله عنه أن جميع ما في كتب الشيخ محي الدين مما خالف ظاهر الشريعة مدسوس عليه لأنه رجل كامل بإجماع المحققين والكامل لا يصح في حقه شطح عن ظاهر الكتاب والسنة فمن كلامه يعني الشيخ محي الدين بن عربي أن (من رمى ميزان الشريعة من يده لحظة هلك) وجميع ما عارض من كلامه ظاهر الشريعة وما عليه الجمهور فهو مدسوس عليه ولقد كانت عند الشيخ أبي طاهر المغربي نسخة من الفتوحات كان قد قابلها على نسخة الشيخ التي بخطه فلم أر فيها مما كنت قد توقعت فيه وإن هذا الإمام إن كان قد دُسَّ عليه فقد دس الزنادقة تحت وسادة الإمام أحمد بن حنبل في مرض موته عقائد زائفة ولولا أن أصحابه يعلمون منه صحة الاعتقاد لافتتنوا بما وجدوه تحت وسادته فهذا هو ابن الفراء يقول في طبقاته نقلا عن أبي بكر المرزوي ومسد وحرب: أنهم رأوا الكثير من المسائل ونسبوها إلى الإمام أحمد بن حنبل ويضيق رجلين صالحين بليا بأصحاب سوء : وهما جعفر الصادق وأحمد بن حنبل أما جعفر الصادق فقد نسبت إليه أقوال كثيرة دونت في فقه بعض الفئات الإسلامية على أنها له وهو منها بري وأما أحمد بن حنبل فقد نسب إليه بعض الحنابلة آراء في العقائد لم يقل بها( [24]) ، كما قال الإمام ابن حجر في فتاويه الحديثية( [25]): (إن عقيدة الإمام أحمد بن حنبل موافقه لعقيدة أهل السنة والجماعة وكل ما نسب إليه مما يخالفها كذب وافتراء وبهتان) وكذلك دسوا على مجد الدين الفيروز آبادي صاحب القاموس المحيط كتابا في الرد على أبي حنيفة رضي الله عنه وتكفيره فأعلن الفيروز آبادي براءته من هذا الكتاب وأنه يجب حرقه وكذلك دسوا عليَّ انا( [26]) في كتابي المسمى بالبحر المورود، وأنا منه بريء : من جملة ما دس على الإمام الشعراني في كتابه الطبقات الكبرى (2/135) في ترجمة سيدي علي بن وحيش مالا أطيق كتابته من الفاحشة المنسوبة إلى هذا الرجل الصالح ولابد أن هذا الدس قد حصل بعد وفاة الإمام الشعراني رحمه الله والوضع في هذه الفرية ظاهر وأراد مختلقها أن يحتال لها فيجعلها في حالة قد تنطلي على البسطاء والمغفلين فقال: إن هؤلاء يخيلون للناس هذه الأفعال وليس لها حقيقة وإننا إزاء هذا القول المختلق وأمثاله يكفينا ردا ما هم عليه من الأحوال السامية والقمامات الشريفة المستنيرة بضوء الكتاب والسنة.
ويتابع الشيخ الشعراني رضي الله عنه عنه فيقول: ولقد قال المجد الفيروز آبادي: والذي أقوله وأتحققه وأدين الله به أن الشيخ محي الدين كان شيخ الطريقة حالا وعلما وإمام التحقيق حقيقة ورسما الخ.
وكان سراج الدين المخزومي شيخ الإسلام بالشام يقول: إياكم والإنكار على شيء من كلام الشيخ محي الدين فإن لحوم الأولياء مسمومة وقد أثنى عليه العلماء امثال الشيخ قطب الدين الحموي وممن أثنى عليه الحافظ أبو عبدالله الذهبي والشيخ قطب الدين الشيرازي وكان مؤيد الدين الخجنيدي يقول: ما سمعنا بأحد من أهل الطرق اطلع على ما اتطلع عليه الشيخ محي الدين وكذلك كان يقول الشيخ شهاب الدين السهروري والشيخ كمال الدين الكاشي مع أن هؤلاء الأشياخ كانوا من اشد الناس إنكارا على من يخالف ظاهر الشريعة وممن أثنى عليه أيضا الشيخ فخر الدين الرازي وقال كان الشيخ محي الدين وليا عظيما وسئل الإمام محي الدين النووي عن الشيخ محي الدين بن عربي فقال: تلك أمة قد خلت ولكن الذي عندنا أنه يحرم على كل عاقل أن يسيء الظن بأحد من أولياء الله عز وجل ويجب عليه أن يؤول أقوالهم وأفعالهم ما دام لم يلحق بدرجتهم ولا يعجز( [27]) عن ذلك إلا قليل التوفيق قال في شرح المهذب : (ثم إذا أوَّل فليؤول كلامهم إلى سبعين وجها ولا نقبل تأويلا واحدا) وممن أثنى عليه الشيخ محمد المغربي الشاذلي شيخ الجلال السيوطي وقد صنف الشيخ سراج الدين المخزومي كتابا في الرد عن الشيخ محي الدين وأما قاضي القضاة المالكي فقد ترك القضاء وتبع طريقة الشيخ وانقطع لخدمته وبالجملة فما أنكر على الشيخ إلا الفقهاء الذين لا حظ لهم في شرب المحققين( [28]) ونحن إزاء موضوع الدس لابد أن نعلم ان كثيرا من العلوم لم تسلم من آفة الدس والتحريف فلا يخفى أن بعض تفاسير القرآن يكاد ينوء بالاسرائليات ومله الحديث الشريف حين دسوا على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث جمة لم يقلها وهي الأحاديث المعروفة بـ الموضوعة كأحاديث إسناد الجهة إلى الله تعالى مثل الفوقية وأحاديث التجسيم والتشبيه ونحو ذلك من العقائد الزائفة لكن الله تعالى قيض للرد على هؤلاء علماء مخلصين أزالوا كل شائبة عن هذين العلمين وإن الدس وإن يكن قد نال من هذين العلمين فإن التاريخ الإسلامي أيضا قد سرى إليه هذا الداء قديما كقصص ألف ليلة وليلة وما فيها عن هارون الرشيد رحمه الله تعالى وحديثا ككتابات المستشرقين الحاقدين أمثال فيليب حتي وبركلمان وجرجي زيدان أما جرجي زيدان فقد شوه التاريخ الإسلامي حين صاغه في أسلوب روايات غرامية جردها من دوافعها الإيمانية وكذلك دس على أمير المؤمنين سيدنا علي رضي الله عنه كما فعل الشريف الرضي علي بن الحسين على ما ذكره الذهبي حين قال: (وهو المتهم بوضع نهج البلاغة ) ومن طالعه جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين سيدنا علي رضي الله عنه عنه ففيه السب الصريح والحط على السيدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وفيه التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين والصحابة وغيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن أكثره باطل( [29]).
وكذلك دسوا على حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالى فها هو الشيخ الشرعاني يقول: ومما دسوا على الغزالي وأشاعه بعضهم عنه أنه قال: (إن لله عبادا لو سألوه أن لا يقيم الساعة لم يقمها وإن لله عبادا لو سألوه أن يقيم الساعة الآن لأقامها) فإن مثل ذلك كذب وزور على الإمام حجة الإسلام رحمه الله وإن وجد في بعض مؤلفات الإمام فذلك مدسوس عليه من بعض الملاحدة وقد رأيت كتابا كاملا مشحونا بالعقائد المخالفة لأهل السنة والجماعة صنفه بعض الملحدين ونسبه إلى الإمام الغزالي فاطلع عليه الشيخ بدر الدين بن جماعة فكتب عليه (كذب والله وافترى من أضاف هذا الكتاب إلى حجة الإسلام)( [30]).
ورابعة العدوية رضي الله عنها لم تسلم من التقول عليها فقالوا بأنها قالت عن الكعبة (الصنم المعبود في الأرض) وقد كذب ابن تيمية هذا القول وقال إنه مدسوس عليها لما سألوه عنها فقال: (وأما ما ذكر عن رابعة العدوية من قولها عن البيت إنه الصنم المعبود في الأرض فهو كذب على رابعة العدوية المؤمنة التقية ولو قال هذا من قال لكان كافرا يستتاب فإن تاب وإلا قتل وهو كذب فإن البيت لا يعبده المسلمون ولكنهم يعبدون رب البيت بالطواف والصلاة إليه )( [31]).( [32])
وقد سبق أن ذكرنا أن الشيخ الأكبر رضي الله عنه تناول أحواله بالدراسة كثيرون لكن لم يجعل كل أولئك نصب أعينهم أن ينصفوه فلم يلتمسوا له الأعذار فيا أيها القراء الكرام: أما وقد اطلعنا على جانب مهم من جوانب حياة هذا الشيخ الكبير والعالم الجليل والمرشد الرباني الكامل وعلمنا مقدار رسوخه في علم التوحيد ووقوفه عند النصوص التي أجمع عليها جمهور المتكلمين فينبغي أن لا نغدو أسارى دعاوى أضاليل قيلت من غير بهان وثيق او بناء على قناعات سابقة من غير تمحيص شأن المغرضين فعلى القارئ الذي يسعى نحو معرفة حقيقة هذا الحبر الجليل أن يسلك في دراسته طريقة التحقيق العلمي مع التماس الأعذار كما ورد بذلك الأثر: (التمس لأخيك سبعين عذرا) بعيدا عن دائرة جاذبية العاطفة أو الارتجال وما لم نعتق أنفسنا من تأثيرات الظنون الآثمة والعواطف الآسرة فلن نهتدي إلى سواء السبيل.
وحسبنا في هذا رادعا قول الله جل وعلا ﴿ ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا﴾( [33]).
مواضيع مماثلة
» ترجمة الشيخ محي الدين بن عربي
» الشيخ محمد خير الدين
» قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب و الشيخ ابن تيمية رحمهما الله في التوسل والاستغاثة
» ترجمة : فضيلة الشيخ محمد باي بلعالم ( الشيخ باي )
» الرد على ناصر الدين الألباني
» الشيخ محمد خير الدين
» قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب و الشيخ ابن تيمية رحمهما الله في التوسل والاستغاثة
» ترجمة : فضيلة الشيخ محمد باي بلعالم ( الشيخ باي )
» الرد على ناصر الدين الألباني
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى