الورد عند اهل العلم
الورد عند اهل العلم
الورد
تعريف الورد:
الورد بالكسر كما في المصباح: الوظيفة من قراءة ونحو ذلك والجمع أوراد يطلقه الصوفية على أذكار يأمر الشيخ تلميذه بذكرها صباحا بعد صلاة الصبح ومساء بعد صلاة المغرب والوارد في اللغة: هو الطارق القادم يقال: ورد علينا فلان أي قدم وفي الاصطلاح: ما يتحفه الحق تعالى قلوب اوليائه من النفحات الإلهية فيكسبه قوة محركة وربما يدهشه أو يغيبه عن حسه ولا يكون إلا بغتة ولا يدوم على صاحبه.
والورد يضح ثلاثة صيغ من صيغ الذكر المطلوبة شرعا والتي دعا اليها كتاب الله عز وجل وبينت السنة الشريفة فضلها ومثوبتها:
1- كلمة التوحيد بصيغة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )مائة مرة مع التفكير بأنه لا خالق ولا رازق ولا نافع ولا ضار ولا قابض ولا باسط.. إلا الله وحده مع محاولة محو ما يسيطر على القلب من حب الدنيا والأهواء والشهوات والوساوس والشواغل والعلائق والعوائق الكثيرة حتى يكون القلب لله وحده لا لسواه.
ولهذا دعانا الله تعالى إلى هذا التوحيد الخالص فقال: ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾( [1]) وكذلك رغبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإكثار من ترداد كلمة التوحيد وبين أفضليتها ومثوبتها فقال: «أفضل الذكر لا إله إلا الله»( [2]).
ويقول العلامة ابن علان في شرح هذا الحديث : (إنها [أي لا إله إلا الله] تؤثر تأثير ا بينا في تطهير القلب عن كل وصف ذميم راسخ في باطن الذاكر وسببه أن (لا إله) نفي لجميع أفراد الآلهة و (إلا الله) إثبات للواحد الحق الواجب لذاته المنزه عن كل ما لا يليق بجلاله فبإدمان الذكر لهذه المقولة ينعكس الذكر من لسان الذاكر إلى باطنه حتى يتمكن فيه فيضيئه ويصلحه ثم يضيء ويصلح سائر الجوارح ولذا أمر المريد وغيره بإكثارها والدوام عليها)( [3]).
وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «جددوا إيمانكم قيل يا رسول الله كيف نجدد إيماننا قال: اكثروا من قول لا إله إلا الله»( [4]).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضا: «من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه»( [5]).
2- الاستغفار: بصيغة [استغفر الله] مائة مرة بعد محاسبة النفس على الزلات لتعود صفحة الأعمال نقية بيضاء وقد أمرنا الله تعالى بذلك بقوله ﴿وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم﴾( [6]).
وقال تعالى أيضا ﴿فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا﴾( [7]).
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من الاستغفار تعليما لأمته وتوجيها كما روى سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه قوله: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)( [8]).
وعن سيدنا عبدالله بن بسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا»( [9]).
3- الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصيغة: [اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم]( [10]) مائة مرة مع استحضار عظمته صلى الله عليه وآله وسلم وتذكر صفاته وشمائله والتعلق بجنابه الرفيع محبة وتشوقا . ولا مانع أن يصلي عليه بأي صيغة كانت.
وقد أمرنا الله تعالى بذلك بقوله ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾( [11]) .
وكذلك رغب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكثرة الصلاة والسلام عليه فقال: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا)( [12]).
وعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر سيئات ورفعت له عشر درجات»( [13]).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضا: «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة»( [14]).
مع الملاحظة أن هذا الورد يكون في الصباح والمساء في جلسة يخلو فيها العبد بربه وبذلك يكون قد افتتح نهارها بذكر الله تعالى وختمه بذكره وطاعته ولعله يكون من الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما﴾( [15]).
ولا ينبغي للسالك في طريق اهل الله أن يكون ورده مقصورا على العدد المذكور بل ينبغي له أن يزيد ذكره لله تعالى لأن قلب السالك في ابتداء سيره كالطفل الصغير فكما أن الطفل كلما كبر زيدت له كمية الغذاء كذلك كلما كبر المريد في سيره إلى الله تعالى زاد ذكره لله لأن الذكر غذاء لقلبه وحياة له . مع مراعاة إرشادات شيخه حتى يبقى دائما في حالة اطمئنان وسكينة وثبات.
والورد كله بأمر من الله عز وجل وبأمر من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الاستغفار ومن الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن قول لا إله إلا الله فليس لأحد أن ينكره أو يتركه فمن انكر فلجهله ومن حرم الأوراد في بدايته حرم الواردات في نهايته فعليك بالأوراد ولو بلغت المراد.
والذكر مع وجود الغفلة سبب قلة الذكر فلابد من كثرة الذكر حتى تنقل الى الحضور ﴿اذكروا الله ذكرا كثيرا﴾( [16]) وهذا صعب وليس بسهل فلابد من المجاهدة ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾( [17]).
ولما كان الورد منهج وسبيل السالكين إلى الله تعالى وقف الشيطان في طريقهم يصدهم عن ذكر ربهم سبحانه بمغاليط خفية وحجج شتى وتلبيسات منوعة فقد زين الشيطان لبعض الذاكرين أن يتركوا الذكر بحجة أن ذكرهم لا يسلم من الوساوس والذكر لا يفيد إلا إذا كان الذاكر حاضر القلب مع الله تعالى ، ولكن مرشدي الصوفية حذروا مريديهم من هذا المدخل الشيطاني الخطير. فقال أحد ساداتنا الإمام ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تعالى : (لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه، لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز)( [18]).
وقد يترك بعض المريدين قراءة أورادهم محتجين بكثرة أشغالهم وأعمالهم وعدم فراغهم لها ويوحي إليهم شيطانهم أن هذا عذر مشروع ومبرر مقبول وأنه لا بأس بتأجيل الأوراد لوقت الفراغ ولكن المرشدين حذروا السالكين من الإهمال والتسويف وانتظار الفراغ لأن العمر سرعان ما ينتهي والمشاغل لا تزال في تجدد قال الإمام ابن عطاء الله رحمه الله تعالى في حكمه:
(إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رعونات النفس) واقال الشارح ابن عجيبة رحمه الله تعالى : (فالواجب على الإنسان أن يقطع علائقه وعوائقه ويخالف هواه ويبادر إلى خدمة مولاه ولا ينتظر وقتا آخر إذ الفقير (الصوفي) ابن وقته( [19]).
وإقامة الورد في وقته عند إمكانه لازم لكل صادق فإذا عارضه عارض بما هو واجب من الأمور الشرعية لزم إنفاذه بعد التمسك بما هو فيه من غير إفراط مخل بواجب الوقت ثم يتعين تداركه بمثله لئلا يعتاد البطالة ولأن الليل والنهار خلفة والأوقات كلها لله فليس لك اختصاص وجه إلا من حيث ما خصص.
فمن ثم قال بعض المشايخ: ليس عند ربكم ليل ولا نهار يشير للكون بحكم الوقت لا كما يفهمه البطالون من عدم إقامة الورد وقيل لبعضهم وقد رؤيت بيده سبحة : أتعد عليه؟ قال لا ولكن له فكل مريد أهمل أوقاته فبطال وكل مريد تعلق بأوقاته دون نظر للحكم الإلهي فهو فارغ من التحقيق ومن لا يعرف موارد الأحوال عليه فغير حاذق بل هو غافل.
ولذلك قيل : من وجد قبضا أو بسطا لا يعرف له سبب فلعدم اعتنائه بقلبه وإلا فهما لا يردان دون سبب والله أعلم( [20]).
وقد رأى رجل الإمام الجنيد رضي الله عنه وفي يده سبحة فقال له: (أنت مع شرفك تأخذ في يدك سبحة؟! فقال: نعم سبب وصلنا به إلى ما وصلنا فلا نتركه أبدا).
وقال الإمام ابن عطاء الله رحمه الله تعالى : (لا يستحقر الورد إلا جهول الوارد يوجد في الدار الآخرة والورد ينطوي بانطواء هذه الدار وأولى ما يعتنى به مالا يخلف وجوده: الورد هو طالبه منك والوارد أنت تطلبه منه وأين ما هو طالبه منك مما هو مطلبك منه؟)( [21]).
وإن المريد إذا ترك ورده بسبب من الأسباب السابقة ثم عاد إلى يقظته والتزم عهده فلا يقنط من رحمة ربه نتيجة تقصيره بل عليه أن يتوب إلى الله تعالى ثم يقضي ما فاته من الأوراد لأنها تقضى كسائر العبادات والطاعات.
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى : (ينبغي لمن كان له وظيفة من الذكر في وقت من ليل أو نهار أو عقيب صلاة أو حالة من الأحوال ففاتته أن يتداركها وياتي بها إذا تمكن منها ولا يهملها فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرضها للتفويت وإذا تساهل في قضائها يسهل عليه تضييعها في وقتها).
وعن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل»( [22]).( [23])
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي المملكة العربية السعودية : الأفضل ان تقرأ بعد صلاة الفجر والمغرب التسبيح ثلاثا وثلاثين والتحميد ثلاثا وثلاثين والتكبير ثلاثا وثلاثين ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير تمام المئة ثم آية الكرسي ثم يقرأ ﴿قل هو الله أحد﴾ و ﴿قل أعوذ برب الفلق﴾ و ﴿قل أعوذ برب الناس﴾ ثلاث مرات وهذا ما نص عليه ابن باز مع أن (سورة الصمد والمعوذات ثلاثا ليس فيها نص شرعي صريح على قراءتها بعد الصلاة إنما اجتهاد منه وهكذا اجتهد العلماء وأهل السلوك نفعنا الله بهم جميعا.
تعريف الورد:
الورد بالكسر كما في المصباح: الوظيفة من قراءة ونحو ذلك والجمع أوراد يطلقه الصوفية على أذكار يأمر الشيخ تلميذه بذكرها صباحا بعد صلاة الصبح ومساء بعد صلاة المغرب والوارد في اللغة: هو الطارق القادم يقال: ورد علينا فلان أي قدم وفي الاصطلاح: ما يتحفه الحق تعالى قلوب اوليائه من النفحات الإلهية فيكسبه قوة محركة وربما يدهشه أو يغيبه عن حسه ولا يكون إلا بغتة ولا يدوم على صاحبه.
والورد يضح ثلاثة صيغ من صيغ الذكر المطلوبة شرعا والتي دعا اليها كتاب الله عز وجل وبينت السنة الشريفة فضلها ومثوبتها:
1- كلمة التوحيد بصيغة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )مائة مرة مع التفكير بأنه لا خالق ولا رازق ولا نافع ولا ضار ولا قابض ولا باسط.. إلا الله وحده مع محاولة محو ما يسيطر على القلب من حب الدنيا والأهواء والشهوات والوساوس والشواغل والعلائق والعوائق الكثيرة حتى يكون القلب لله وحده لا لسواه.
ولهذا دعانا الله تعالى إلى هذا التوحيد الخالص فقال: ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾( [1]) وكذلك رغبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإكثار من ترداد كلمة التوحيد وبين أفضليتها ومثوبتها فقال: «أفضل الذكر لا إله إلا الله»( [2]).
ويقول العلامة ابن علان في شرح هذا الحديث : (إنها [أي لا إله إلا الله] تؤثر تأثير ا بينا في تطهير القلب عن كل وصف ذميم راسخ في باطن الذاكر وسببه أن (لا إله) نفي لجميع أفراد الآلهة و (إلا الله) إثبات للواحد الحق الواجب لذاته المنزه عن كل ما لا يليق بجلاله فبإدمان الذكر لهذه المقولة ينعكس الذكر من لسان الذاكر إلى باطنه حتى يتمكن فيه فيضيئه ويصلحه ثم يضيء ويصلح سائر الجوارح ولذا أمر المريد وغيره بإكثارها والدوام عليها)( [3]).
وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «جددوا إيمانكم قيل يا رسول الله كيف نجدد إيماننا قال: اكثروا من قول لا إله إلا الله»( [4]).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضا: «من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه»( [5]).
2- الاستغفار: بصيغة [استغفر الله] مائة مرة بعد محاسبة النفس على الزلات لتعود صفحة الأعمال نقية بيضاء وقد أمرنا الله تعالى بذلك بقوله ﴿وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم﴾( [6]).
وقال تعالى أيضا ﴿فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا﴾( [7]).
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من الاستغفار تعليما لأمته وتوجيها كما روى سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه قوله: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)( [8]).
وعن سيدنا عبدالله بن بسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا»( [9]).
3- الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصيغة: [اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم]( [10]) مائة مرة مع استحضار عظمته صلى الله عليه وآله وسلم وتذكر صفاته وشمائله والتعلق بجنابه الرفيع محبة وتشوقا . ولا مانع أن يصلي عليه بأي صيغة كانت.
وقد أمرنا الله تعالى بذلك بقوله ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾( [11]) .
وكذلك رغب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكثرة الصلاة والسلام عليه فقال: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا)( [12]).
وعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر سيئات ورفعت له عشر درجات»( [13]).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضا: «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة»( [14]).
مع الملاحظة أن هذا الورد يكون في الصباح والمساء في جلسة يخلو فيها العبد بربه وبذلك يكون قد افتتح نهارها بذكر الله تعالى وختمه بذكره وطاعته ولعله يكون من الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما﴾( [15]).
ولا ينبغي للسالك في طريق اهل الله أن يكون ورده مقصورا على العدد المذكور بل ينبغي له أن يزيد ذكره لله تعالى لأن قلب السالك في ابتداء سيره كالطفل الصغير فكما أن الطفل كلما كبر زيدت له كمية الغذاء كذلك كلما كبر المريد في سيره إلى الله تعالى زاد ذكره لله لأن الذكر غذاء لقلبه وحياة له . مع مراعاة إرشادات شيخه حتى يبقى دائما في حالة اطمئنان وسكينة وثبات.
والورد كله بأمر من الله عز وجل وبأمر من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الاستغفار ومن الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن قول لا إله إلا الله فليس لأحد أن ينكره أو يتركه فمن انكر فلجهله ومن حرم الأوراد في بدايته حرم الواردات في نهايته فعليك بالأوراد ولو بلغت المراد.
والذكر مع وجود الغفلة سبب قلة الذكر فلابد من كثرة الذكر حتى تنقل الى الحضور ﴿اذكروا الله ذكرا كثيرا﴾( [16]) وهذا صعب وليس بسهل فلابد من المجاهدة ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾( [17]).
ولما كان الورد منهج وسبيل السالكين إلى الله تعالى وقف الشيطان في طريقهم يصدهم عن ذكر ربهم سبحانه بمغاليط خفية وحجج شتى وتلبيسات منوعة فقد زين الشيطان لبعض الذاكرين أن يتركوا الذكر بحجة أن ذكرهم لا يسلم من الوساوس والذكر لا يفيد إلا إذا كان الذاكر حاضر القلب مع الله تعالى ، ولكن مرشدي الصوفية حذروا مريديهم من هذا المدخل الشيطاني الخطير. فقال أحد ساداتنا الإمام ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تعالى : (لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه، لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز)( [18]).
وقد يترك بعض المريدين قراءة أورادهم محتجين بكثرة أشغالهم وأعمالهم وعدم فراغهم لها ويوحي إليهم شيطانهم أن هذا عذر مشروع ومبرر مقبول وأنه لا بأس بتأجيل الأوراد لوقت الفراغ ولكن المرشدين حذروا السالكين من الإهمال والتسويف وانتظار الفراغ لأن العمر سرعان ما ينتهي والمشاغل لا تزال في تجدد قال الإمام ابن عطاء الله رحمه الله تعالى في حكمه:
(إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رعونات النفس) واقال الشارح ابن عجيبة رحمه الله تعالى : (فالواجب على الإنسان أن يقطع علائقه وعوائقه ويخالف هواه ويبادر إلى خدمة مولاه ولا ينتظر وقتا آخر إذ الفقير (الصوفي) ابن وقته( [19]).
وإقامة الورد في وقته عند إمكانه لازم لكل صادق فإذا عارضه عارض بما هو واجب من الأمور الشرعية لزم إنفاذه بعد التمسك بما هو فيه من غير إفراط مخل بواجب الوقت ثم يتعين تداركه بمثله لئلا يعتاد البطالة ولأن الليل والنهار خلفة والأوقات كلها لله فليس لك اختصاص وجه إلا من حيث ما خصص.
فمن ثم قال بعض المشايخ: ليس عند ربكم ليل ولا نهار يشير للكون بحكم الوقت لا كما يفهمه البطالون من عدم إقامة الورد وقيل لبعضهم وقد رؤيت بيده سبحة : أتعد عليه؟ قال لا ولكن له فكل مريد أهمل أوقاته فبطال وكل مريد تعلق بأوقاته دون نظر للحكم الإلهي فهو فارغ من التحقيق ومن لا يعرف موارد الأحوال عليه فغير حاذق بل هو غافل.
ولذلك قيل : من وجد قبضا أو بسطا لا يعرف له سبب فلعدم اعتنائه بقلبه وإلا فهما لا يردان دون سبب والله أعلم( [20]).
وقد رأى رجل الإمام الجنيد رضي الله عنه وفي يده سبحة فقال له: (أنت مع شرفك تأخذ في يدك سبحة؟! فقال: نعم سبب وصلنا به إلى ما وصلنا فلا نتركه أبدا).
وقال الإمام ابن عطاء الله رحمه الله تعالى : (لا يستحقر الورد إلا جهول الوارد يوجد في الدار الآخرة والورد ينطوي بانطواء هذه الدار وأولى ما يعتنى به مالا يخلف وجوده: الورد هو طالبه منك والوارد أنت تطلبه منه وأين ما هو طالبه منك مما هو مطلبك منه؟)( [21]).
وإن المريد إذا ترك ورده بسبب من الأسباب السابقة ثم عاد إلى يقظته والتزم عهده فلا يقنط من رحمة ربه نتيجة تقصيره بل عليه أن يتوب إلى الله تعالى ثم يقضي ما فاته من الأوراد لأنها تقضى كسائر العبادات والطاعات.
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى : (ينبغي لمن كان له وظيفة من الذكر في وقت من ليل أو نهار أو عقيب صلاة أو حالة من الأحوال ففاتته أن يتداركها وياتي بها إذا تمكن منها ولا يهملها فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرضها للتفويت وإذا تساهل في قضائها يسهل عليه تضييعها في وقتها).
وعن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل»( [22]).( [23])
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي المملكة العربية السعودية : الأفضل ان تقرأ بعد صلاة الفجر والمغرب التسبيح ثلاثا وثلاثين والتحميد ثلاثا وثلاثين والتكبير ثلاثا وثلاثين ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير تمام المئة ثم آية الكرسي ثم يقرأ ﴿قل هو الله أحد﴾ و ﴿قل أعوذ برب الفلق﴾ و ﴿قل أعوذ برب الناس﴾ ثلاث مرات وهذا ما نص عليه ابن باز مع أن (سورة الصمد والمعوذات ثلاثا ليس فيها نص شرعي صريح على قراءتها بعد الصلاة إنما اجتهاد منه وهكذا اجتهد العلماء وأهل السلوك نفعنا الله بهم جميعا.
مواضيع مماثلة
» يحرم أخذ العلم عن الأحباش
» اداب طالب العلم
» دليل طالب العلم
» ادلة وجود الله عند اهل العلم
» آداب طالب العلم بين أسرته ومنزله
» اداب طالب العلم
» دليل طالب العلم
» ادلة وجود الله عند اهل العلم
» آداب طالب العلم بين أسرته ومنزله
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى