أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين
صفحة 1 من اصل 1
أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين
#أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين 1!
منقولة من فيس بوك الاخ يا سين بن ربيع
قَالَ أمِينُ مَالِ جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِين الْـجَزَائِرِيِّين الشَّيْخ مُبَارَك الـمِيلِي (1896م-1945م) مُقِرًّا السَّيِّد الشَّاذلِي الـمكِّي: ((إنَّ التَّجْدِيدَ يَظْهَرُ لَنَا إِذَا مَا دَرَسْنَا #مَذَاهِبَ_أَهْل_السُّنَّةِ وَمَذْهَب السَّادَة الصُّوفِيَّة وَفَهِمْنَا كَيْفَ #يُؤَوِّلُ_هَؤُلاَءِ_اليَدَ_وَالعَيْنَ مَثَلاً وَكَيْفَ #يُؤَوِّلـهُمَا_أُولَئِكَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَنَا نَحْنُ مَعَاشِرَ السُّنِّيِّينَ وَبَيْنَ الصُّوفِيَّةِ خِلاَفٌ لَوْ تَجَرَّدْنَا مِنَ التَّعَصُّبِ)).انْتَهَى(1)
وَلَـمَّا كَانَ هَذَا التَّقْرِير يَهْدِمُ عَقِيدَة (#التَّيْمِي!) القَائِم عَلَى (#خِدْمَةِ!) الكِتَابِ، سَارَع هَذَا الأَخِير لِلانْتِهَاضِ بِالاِعْتِرَاضِ فَقَالَ مُعَقِّبًا: ((مَنْهَجُ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي الأَسْمَاءِ والصِّفَاتِ: إِثْبَات مَا أَثْبَتَهُ الله لِنَفسِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ أَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولهُ صلَّى الله عَليه وسلَّم فِي سُنَّتِهِ الصَّحِيحَة، مِنْ #غَيْرِ_تَأْوِيلٍ_أَوْ_تَعْطِيلٍ، وَلاَ تَشْبِيهٍ أَوْ تَمْثِيلٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشُّورى:11])).انْتَهَى؟!
وَحَاصِلُ (#ثَرْثَرَة!) هَذَا الـمُعَلِّق أنَّ الشَّيْخ مُبَارَك الـمِيلِي #لَيْسَ_عَلَى_مَنْهَجِ (#السَّلَفِ!) في الصِّفَاتِ؟! فَالتَّأْوِيلُ عِنْدَهُ طَرِيقَةٌ مِنْ طُرُقِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الأَخْبَارِ الـمُوهِمَةِ لِلْتَّشْبِيهِ، مُسَلَّمَةٌ لاَ شِيَةَ فِيهَا، وَهَذَا #يُخَالِفُ بِمَائَةٍ وَثَمَانِينَ دَرَجَةٍ مَنْهَج (#التَّيْمِيَّةِ!)؟!
وَالغَرِيب أَنَّ هَذَا الـمُعَلِّق مَا بَرِحَ يَصِفُ الشَّيْخ مُبَارَك الـمِيلِي بِأَنَّهُ: (#سَلَفِي!) العَقِيدَةِ؟! وَكَانَ الأَحْرَى بِهِ وَبِالأَمَانَةِ العِلْمِيَّةِ وَالـمَنْهَجِيَّةِ البَحْثِيَّةِ أَنْ يُسَلِّمَ بِأنَّ الرَّجُلَ كَانَ #أَشْعَريًّا فِي العَقِيدَةِ، #وَهَّابِيَّا #تَيْمِيًّا بِدَرَجَاتٍ مِنَ التَّفَاوُتِ فِي مَسَائِلِ القُبُورِ وَالتَّصَوُّفِ وَمَا يَمُتُّ لَهُمَا بِصِلَةٍ.
وَاللهُ الـمُوَفِّق!
____
(1) آثَارُ الشَّيْخِ مُبَارَك الـمِيلِي (3 /781-782)، جَمَعَهَا وَرَتَّبَهَا وَعَلَّقَ عَلَيْهَا وَخَرَّجَ أَخْبَارَهَا: أَبُو عَبْد الرَّحْمَن مَحمُود، مكتَبَة دَار الرَّشيد للكِتَاب والقُرآن الكَرِيم-الجَزَائِر، الطَّبْعَة الأُولَى:1436هـ-2015م
(2) هَامش عَلَى الـمَصْدَر السَّابِق؟!
منقولة من فيس بوك الاخ يا سين بن ربيع
قَالَ أمِينُ مَالِ جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِين الْـجَزَائِرِيِّين الشَّيْخ مُبَارَك الـمِيلِي (1896م-1945م) مُقِرًّا السَّيِّد الشَّاذلِي الـمكِّي: ((إنَّ التَّجْدِيدَ يَظْهَرُ لَنَا إِذَا مَا دَرَسْنَا #مَذَاهِبَ_أَهْل_السُّنَّةِ وَمَذْهَب السَّادَة الصُّوفِيَّة وَفَهِمْنَا كَيْفَ #يُؤَوِّلُ_هَؤُلاَءِ_اليَدَ_وَالعَيْنَ مَثَلاً وَكَيْفَ #يُؤَوِّلـهُمَا_أُولَئِكَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَنَا نَحْنُ مَعَاشِرَ السُّنِّيِّينَ وَبَيْنَ الصُّوفِيَّةِ خِلاَفٌ لَوْ تَجَرَّدْنَا مِنَ التَّعَصُّبِ)).انْتَهَى(1)
وَلَـمَّا كَانَ هَذَا التَّقْرِير يَهْدِمُ عَقِيدَة (#التَّيْمِي!) القَائِم عَلَى (#خِدْمَةِ!) الكِتَابِ، سَارَع هَذَا الأَخِير لِلانْتِهَاضِ بِالاِعْتِرَاضِ فَقَالَ مُعَقِّبًا: ((مَنْهَجُ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي الأَسْمَاءِ والصِّفَاتِ: إِثْبَات مَا أَثْبَتَهُ الله لِنَفسِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ أَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولهُ صلَّى الله عَليه وسلَّم فِي سُنَّتِهِ الصَّحِيحَة، مِنْ #غَيْرِ_تَأْوِيلٍ_أَوْ_تَعْطِيلٍ، وَلاَ تَشْبِيهٍ أَوْ تَمْثِيلٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشُّورى:11])).انْتَهَى؟!
وَحَاصِلُ (#ثَرْثَرَة!) هَذَا الـمُعَلِّق أنَّ الشَّيْخ مُبَارَك الـمِيلِي #لَيْسَ_عَلَى_مَنْهَجِ (#السَّلَفِ!) في الصِّفَاتِ؟! فَالتَّأْوِيلُ عِنْدَهُ طَرِيقَةٌ مِنْ طُرُقِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الأَخْبَارِ الـمُوهِمَةِ لِلْتَّشْبِيهِ، مُسَلَّمَةٌ لاَ شِيَةَ فِيهَا، وَهَذَا #يُخَالِفُ بِمَائَةٍ وَثَمَانِينَ دَرَجَةٍ مَنْهَج (#التَّيْمِيَّةِ!)؟!
وَالغَرِيب أَنَّ هَذَا الـمُعَلِّق مَا بَرِحَ يَصِفُ الشَّيْخ مُبَارَك الـمِيلِي بِأَنَّهُ: (#سَلَفِي!) العَقِيدَةِ؟! وَكَانَ الأَحْرَى بِهِ وَبِالأَمَانَةِ العِلْمِيَّةِ وَالـمَنْهَجِيَّةِ البَحْثِيَّةِ أَنْ يُسَلِّمَ بِأنَّ الرَّجُلَ كَانَ #أَشْعَريًّا فِي العَقِيدَةِ، #وَهَّابِيَّا #تَيْمِيًّا بِدَرَجَاتٍ مِنَ التَّفَاوُتِ فِي مَسَائِلِ القُبُورِ وَالتَّصَوُّفِ وَمَا يَمُتُّ لَهُمَا بِصِلَةٍ.
وَاللهُ الـمُوَفِّق!
____
(1) آثَارُ الشَّيْخِ مُبَارَك الـمِيلِي (3 /781-782)، جَمَعَهَا وَرَتَّبَهَا وَعَلَّقَ عَلَيْهَا وَخَرَّجَ أَخْبَارَهَا: أَبُو عَبْد الرَّحْمَن مَحمُود، مكتَبَة دَار الرَّشيد للكِتَاب والقُرآن الكَرِيم-الجَزَائِر، الطَّبْعَة الأُولَى:1436هـ-2015م
(2) هَامش عَلَى الـمَصْدَر السَّابِق؟!
رد: أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين
#أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّينَ 2!
(هَذَ الـمَقَال مُسْتَلٌّ مِنْ بَحْثٍ لِلْعَبْد الفَانِي مَعَ بَعْضِ الاِخْتِصَارِ وَالتَّصَرُّفِ)
يُعْتَبَرُ الشَّيْخ السَّعِيد الزَّوَاوِي (1862م-1952م) مِنْ الأَعْضَاءِ الفَاعِلِينَ فِي جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الـجَزَائِرِيِّينَ خَاصَّة إِبَّانَ عَهْدِ رَئِيسِهَا الأَوَّل الشَّيْخ عَبْد الحَمِيد ابْن بَادِيس حَيْثُ تَبَوَّأَ مَقْعَدَ رَئِيس لَـجْنَة الفَتْوَى فِي الـجَمْعِيَّةِ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ لِبَعْضِ (التَّيْمِيَّة!) اهْتِمَامًا زَائِداً بِهَذَا الرَّجُلِ خَاصَّةً فِي بَلَدِنَا الـجَزَائِرِ!، يَتَمَثَّلُ فِي وُلُوعِهِم الكَبِيرِ بِنَشْرِ بَعْضِ مُتَشَابِهِ أَقْوَالِهِ مَعَ التَّغَاضِي الـمَشِينِ عَنْ مُحْكَمِهَا خَاصَّةً مَا تَعَلَّقُ مِنْهَا بِبَابِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَلَيْسَت هَذِهِ الطَّرِيقَة العَمْيَاء وَالـمِشْيَة العَوْجَاء بِغَرِيبَةٍ عَلَى هَؤُلاَءِ الشُّذَّاذِ، فَهِيَ سُنَّة شَيْخهم الأَكْبَر ابْن تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (ت:728هـ) فِي تَكْثِيرِ سَوَادِ الشَّوَاذِ مِنَ الـمُجَسِّمَةِ وَالـمُشَبِّهَةِ؟!
وَيَتَوَجَّبُ التَّنْبِيه هَهُنَا إِلَى أَنَّ الشَّيْخ الزَّواوِي يَتَمَيَّزُ أَحْيَانًا بِحِدَّةٍ زَائِدَةٍ فِي أُسْلُوبِهِ، يُطْلِقُ فِي جِهَةٍ قَلَمَهُ لِلْطُّغْيَانَ وَيُرْخِي العَنَانَ لِلِّسَانِ لِيَبْدُو هَائِجًا كَالبُرْكَانِ لِلْعُدْوَانِ، وفِي أُخْرَى يَظْهَرُ مُتَفَهِّمًا مُتَفَتِّحًا يَمْسَحُ مَا جَرَّهُ هُنَاكَ؟! وَالعَكْسُ صَحِيح؟!، وَقَدْ نَوَّهَ إِلَى بَعْضِ هَذَا الـمَلْحَظِ الدُّكْتُور سَعْد الله القمَارِي فِي تَقْدِيمِهِ لِكِتَاب "الإِسْلاَم الصَّحِيح" لْلشَّيْخ الـمَذْكُور.
الـمُهِم؛ سَنَعْرِضُ فِي هَذَا الـمَقَالِ عَلَى الـمَحَكِّ العِلْمِيِّ أَهَمُّ تِلْكَ الأَقْوَال الَّتِي يُلَبِّسُ بِهَا هَؤُلاَءِ (التَّيْمِيَّة!) عَلَى الـجَزَائِرِيِّينَ خَاصَّةً لِلْزَّجِّ بِهِم فِي مُسْتَنْقَعِ العَقِيدَةِ (التَّيْمِيَّةِ!) الـمَعْرُوفَةِ بِالتَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ.
قَالَ رَئِيس لَـجْنَة الفَتْوَى فِي جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الـجَزَائِرِيِّينَ الشَّيْخ السَّعِيد الزَّوَاوِي: ((أَمَّا أَنَا وَمَنْ عَلَى شَاكِلَتِي مِنْ إِخْوَانِي الكَثِيرِينَ فَلاَ شَرِيعَةَ لَنَا، وَلاَ دِينَ وَلاَ دِيوَانَ إِلاَّ الكِتَاب وَالسُّنَّة وَمَا عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابهُ، وَعَقِيدَة السَّلَفِ الصَّالِحِ، أَيْ: فَلاَ اعْتِزَالَ، #وَلاَ_مَاتُرِيدِي، #وَلاَ_أَشْعَرِي، وذَلِكَ أَنَّ الأَشَاعِرَة تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا، أَيْ: الـمُتَقَدِّمُونَ مِنْهُم وَالـمُتَأَخِّرُونَ، وَوَقَعُوا فِي اِرْتِبَاكٍ مِنَ التَّأْوِيلِ وَالحِيرَة فِي مَسَائِلَ يَطُولُ شَرْحُهَا لَـمْ تَصْفُ بَعْدُ، فَعَلاَمَ؟))(1)؟! وَقَالَ أَيْضًا: ((لَـمْ يَكُنْ مُـحَمَّدٌ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ #أَشْعَرِيِّينَ_وَلاَ_مَاتُرِيدِيِّينَ وَلاَ شِيعَةً وَلاَ إِبَاضِيَّةً(2) وَهَلُمَّ جَرًّا. وَكَذَلِكَ لَـمْ يَكُونُوا قَادِرِيِّينَ وَلاَ خَلْوَتِيِّينَ ولاَ شَاذِلِّيِّينَ وَلاَ رِفَاعِيِّينَ وَلاَ عِيسَاوِيِّينَ...الخ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ، إِنَّمَا كَانُوا مُسْلِمِينَ مِلَّةَ أَبِيهِم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلاَمُ))(3)؟!
وَظَاهِر هَذَا الكَلاَم، تَصْرِيحٌ مِنَ الشَّيْخ الزَّوَاوِي بِأَنَّهُ كَأَصْحَابِهِ مِنْ أَعْضَاءِ الـجَمْعِيَّة البَادِيسِيَّةِ عَلَى العَقِيدَةِ السَّلَفِيَةِ الـقَائِمَةِ عَلَى الأَصْلَيْنِ، لاَ الـمَاتُرِيدِيَّة وَلاَ الأَشْعَرِيَّةِ وَلاَ غَيْرهَا؟!
وَلَكِنْ مَا هِيَ مَعَالِـمُ هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة الَّتِي يُدَنْدِنُ حَوْلَهَا الشَّيْخ الزَّواوِي؟! هَلْ هِيَ أُصُولٌ عَقَدِيَّةٌ مُغَايِرَةٌ تَمَامًا لِعَقِيدَةِ أَهْل السُّنَّةِ وَالـجَمَاعَةِ: السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ؟! أَمْ هِيَ ذَاتهَا العَقِيدَة (التَّيْمِيَّة!) الـمَعْرُوفَة عِنْدَ أَدْعِيَاءِ السَّلَفِيَّةِ وَالوَهَّابِيَّة؟!
#الجَوَابُ:
#أَوَّلاً: كَتَبَ الشَّيْخ السَّعِيد الزَّوَاوِي كِتَابًا وَسَمَهُ: "الخُطَب الـمِنْبَرِيَّة"، وَصَرَّحَ حَوْلَهُ فِي مَقَالٍ عَلَى "جَرِيدَة الشِّهَابِ" بِأَنَّهُ رَقَمَ الكِتَابَ الـمَذْكُور عَلَى الطَّرِيقَةِ السَّلَفِيَّةِ، فَقَال هُنَاكَ: ((إِنَّ قَصْدِي مِنْ تَأْلِيفِ الكِتَابِ أَمْرَانِ: أَحَدُهَمَا: #تَجْدِيدُ_طَرْيقَةِ_السَّلَفِ فِي إِلْقَاءِ الـخُطَبِ وَالرُّجُوعِ إِلَى الأَصْلِ فِي ذَلِكَ))(4)، وَبِالرُّجُوعِ إِلَى بَعْضِ التَّقَارِيرِ العَقَدِيَّةِ الوَاضِحَةِ فِي ثَنَايَا هَذَ الـمَرْقُومِ نَجِدُ الـمُؤَلِّف الشَّيْخُ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي يَقُولُ مَثَلاً: ((الْـحَمْدُ للهِ الْـمُتَّصِفِ بِالْـكَمَالِ #الْدَّائِمِ_بِلاَ_زَوَالٍ، #الْـمُسْتَحِيلِ_عَنْهُ_الْتَّحَوُّلُ_وَالاِنْتِقَالُ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى:11]، وَهُوَ الوَلِـيُّ الكَبِيرُ الـمُتَعَال، ذُو الإِحْسَانِ وَالإِفْضَالِ...وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي صِفَاتِ الذَّاتِ وَالأَفْعَالِ، وَلاَ مُـمَاثِلَ لَهُ بـِمَا يَخْطُرُ بِالبَالِ، وَلاَ ضِدّ وَلاَ نِدّ وَلاَ وَزِير))(5)، فَتَنْزِيهُ اللهِ عَنِ الـحَرَكَةِ وَالاِنْتِقَالِ وَالتَّغَّيُّرِ وَقِيَامِ الحَوَادِثِ بِالْذَّاتِ العَلِيَّةِ هُوَ مُرَادُ الشَّيْخ الزَّوَاوِي بِالْعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ، وَهَذِهِ العَقِيدَةُ الـمَذْكُورَةُ هِيَ ذَاتهَا عَقِيدَةِ أَهْل السُّنَّةِ وَالـجَمَاعَةِ: السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ. وَهِيَ عَيْنُ عَقِيدَةِ (النُّفَاةِ!) وَ(الجَهْمِيَّةِ!) عِنْدَ (التَّيْمِيَّةِ!)؟!
#ثَانِيًا: وَمِنَ العَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ عِنْدَ الشَّيْخِ السَّعِيد الزَّوَاوِي مَا قَرَّرَهُ فِي مَعْرضِ كَلاَمِهِ عَنْ مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ وَصِفَة الكَلاَمِ فِي حَقِّهِ جَلَّ وَعَزَّ، فَقَالَ: ((...كمَا فِي مَسْأَلَتَيْ خَلْقِ القُرْآنِ والرُّؤْيَةِ الإلَهِيَّة فِي الـجَنَّةِ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الـحُذَّاقِ الـمُصْلِحِينَ مِنَ العُلَمَاءِ الـمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الـمَرْحُومُ الشَّيخُ مُحَمَّد عَبْدُه مُفْتِي الدِّيَّارِ الـمِصْرِيَّةِ والكَاتِبُ الشَّهِيرُ فِي الـمَسَائِلِ الإِصْلاَحِيَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ مَا مُلَخَّصهُ: "حَصَلَ الاِتِّفَاقُ بِأَنْ يُرَى الله تَعَالَى فِي الآخِرَةِ #لَكِنْ_لَيْسَ_بِهَذَا_البَصَرِ وَلاَ بِهَذِهِ الكَيْفِيَّةِ الدُّنْيَوِيَّة أَيِ بِأَنْ #يَنْعَكِسَ_البَصَرُ_إٍلَى_البَصِيرَةِ، وَهِيَ مَعْنَى قَوْلِ الـمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ لاَ يُرَى، والثَّانِيَةُ أَنَّ القُرْآنَ #كَلاَمُ_الله_الأَزَلِيُّ وأَنَّ الـحُرُوفَ والأَصْوَاتَ مَخْلُوقَةٌ، ذَلِكَ بِأَنَّا #أَهْل_السُّنَّةِ نَقُولُ أَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ الله #لَيْسَ_بِحَرْفٍ_وَلاَ_صَوْتٍ خِلاَفًا لِطَائِفَةٍ مِنَ الـحَنَابِلَةِ يَقُولُونَ أَنَّ كَلاَمَ الله بِحُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ ولَكِنْ لَيْسَتْ كَحُرُوفِنَا وَأَصْوَاتِنَا، وَالـمُعْتَزِلَة يَقُولُونَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ يَعْنُونَ الـحُرُوفَ والأَصْوَاتَ الَّتِي وَافَقْنَاهُم عَلَيْهَا...الخ لخ"))(6).
وَقَوْلهُ: ((لَكِنْ لَيْسَ بِهَذَا البَصَرِ وَلاَ بِهَذِهِ الكَيْفِيَّةِ الدُّنْيَوِيَّة أَيِ بِأَنْ يَنْعَكِسَ البَصَرُ إٍلَى البَصِيرَةِ)) قَاطِعٌ فِي أَنَّ الشَّيْخ الزَّوَاوِي يُثْبِتُ رُؤْيَة الله يَوْم القِيَامَةِ بِلاَ اتِصَالِ شُعَاعٍ بَيْنَ الرَّائِي وَالـمَرْئِيِّ، وَلاَ مُقَابَلَةٍ أَيْ: أَنَّهُ تَعَالَى فِي لاَ جِهَةٍ، وَهَذَا الكَلاَم يَعْكِسُ مَا جَاءَ فِي تَقْرِيرِ الإِمَام النَّوَوِي الأَشْعَرِي حَيْثُ يَقُولُ: ((أَنَّ الرُّؤْيَةَ قُوَّةٌ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا اتِّصَالُ الْأَشِعَّةِ وَلَا مُقَابَلَةُ الْمَرْئِيِّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، لَكِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ فِي رُؤْيَةِ بَعْضِنَا بَعْضًا بِوُجُودِ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الِاتِّفَاقِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ، وَقَدْ قَرَّرَ أَئِمَّتُنَا الْمُتَكَلِّمُونَ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ الْجَلِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِثْبَاتُ جِهَةٍ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، بَلْ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ لَا فِي جِهَةٍ كَمَا يَعْلَمُونَهُ لَا فِي جِهَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ))(7).
فَالحَاصِلُ أَنَّ الشَّيْخ الزَّوَاوِي يَسْلُبُ مِنَ الرُّؤْيَةِ مُطْلَق الكَيْفِيَّاتِ الَّتِي يَدَّعِي الـمُجَسِّمَة (التَّيْمِيَّة!) بِأَنَّ مَنْ نَفَاهَا مِنَ السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُرَاجِعَ عَقْلَهُ؟! كَمَا يُرَدِّدُ شَيْخهُم الأَكْبَر ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي وَابْن أَبِي العِزِّ الـمَحْسُوب عَلَى السَّادَةِ الحَنَفِيَّة فِي شَرْحِهِ الـمُحَرِّف عَلَى العَقِيدَة الطَّحَاوِيَّة؟!
ثًمَّ إِنَّ صِفَةَ الكَلاَمِ عِنْدَ الشَّيْخِ السَّعِيد الزَّوَاوِي كَمَا تَرَى صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ وَلَيْسَت حَادِثَةً، كَمَا أَنَّ كَلاَمهُ تَعَالَى لَيْسَ إِلاَّ الكَّلاَم النَّفْسِي فَهُوَ بِلاَ حَرْفٍ وَلاَ صَوْتٍ، بِخِلاَفِ (التَّيْمِيَّة!) الـمُجَسِّمَة، فَالكَلاَمُ عِنْدَهُم حَرْفٌ وَصَوْتٌ، يُحْدِثُهُ تَعَالَى فِي ذَاتِهِ وَيُفْنِيهِ وِفْقَ مَشْيئَتِهِ سُبْحَانَهُ؟! فَاللهُ عِنْدَهُم يَخْلُقُ فِي نَفْسِهِ كَمَالاَتِهِ ثُمَّ يُفْنِيهَا شَيْئًا فَشَيْئًا؟!
وَهُنَاكَ مِنَ النُّصُوصِ الأُخْرَى لِمَشَايِخِ الجَمْعِيَّة مَا يَزِيدُ فِي هَذَا النَّحْوِ مِنَ البَيَان وَيُؤَكِّدُ بِمَكَانٍ أَنَّ عَقِيدَة مَشَايِخ الجَمْعِيَّةِ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ وَالتَّدْقِيقِ لَيْسَتْ إِلاَّ عَقِيدَة أَهْل السُّنَّةِ وَالـجَمَاعَةِ السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ، وَلاَ عَلاَقَة لَهَا البَتَّة بِعَقِيدَة التَّجْسِيمِ (التَّيْمِيَّةِ!).
وَيَتَوَجَّبُ التَّنْبِيه هُنَا إِلَى شَيْءٍ مُهِمٍّ جِدًّا، وَهُوَ أَنَّهُ لِلشَّيْخ مُحَمَّد عَبْدُه الـمِصْرِي مَكَانَة خَاصَّة فِي فِكْرِ مَشَايِخِ الـجَمْعِيَّة، وَهُوَ عِنْدَهُم مُجَدِّدُ عَقِيدَة السَّلَفِ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِفَاتِ، وَاسْتَمِع إِلَى الشَّيْخِ الزَّوَاوِي نَفْسهُ وَهُوَ يَقُولُ: ((وَشَيْخ الإِصْلاَحِيِّينَ فِي هَذَا العَصْرِ الشَّيْخ مُحَمَّد عَبْدُه رَحِمَه الله #مُجَدِّدُ_طَرِيقَة_السَّلَفِ))(، وَانْظُر إِلَى قَالِ الشَّيْخ عَبْد الحَمِيد ابْن بَادِيس عَنْ رِسَالَة التَّوْحِيد لِـمُحَمَّد عَبْدُه: ((إنَّهَا #أَحْسَنُ مَا أُلِّفَ عَلَى #طَرِيقِ_السَّلَفِ_فِي_التَّوْحِيدِ))(9)؟!، وَهَذَا يَقْطَعُ بِمَكَانٍ أَنَّ عَقِيدَة مَشَايِخ الـجَمْعِيَّة فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لاَ تَمُتُّ بِصِلَةٍ لِعَقِيدَةِ التَّجْسِيمِ (التَّيْمِيَّةِ!).
#ثَالِثًا: فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى كَلاَم الزَّوَاوِي أَعْلاَهُ، فَظَاهِرُهُ التَّبَرِّي مِنَ عَقِيدَةِ الـمُنَزِّهَةِ؟!، فَالـجَوَابُ أَنْ يُقَال: أَنَّ الـمَذْهَب الـمُعْتَمَد لِلشَّيْخ الزَّوَاوِي فِي الإِضَافَاتِ الخَبَرِيَّةِ الـمُوهِمَةِ لِلْتَّشْبِيهِ كَانَ أَمْيَل لِلْتَّفْوِيضِ مِنْهُ إِلَى التَّأْوِيلِ، أَيْ: تَفْوِيضُ الـمَعْنَى التَّفْصِيلِي مِنْ جُمْلَة الـمَعَانِي الـمُحْتَمَلَةِ فِي حَقِّهِ جَلَّ وَعَلاَ مَعَ الاِكْتِفَاءِ بِالـمَعْنَى الـجُمْلِيِّ مِنْ دُونِ خَوْضٍ فِي مَا وَرَاء ذَلِكَ، وَهَذَا كُلّهُ بَعْدَ تَنْزِيهِهِ تَعَالَى مِنْ سِمَاتِ الـمُحْدَثَاتِ وَالجِسْمِيَّةِ كَمَا مَرَّ مَعَكَ مِنْ كَلاَمِهِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ جَمَاعَاتٍ مِنَ السَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبُتَ أَيْضًا عَنْهُم التَّأْوِيل بِالدَّلِيل.
فَهُوَ –الزَّوَاوِي- يَنْتَصِرُ لِطَرِيقَةِ الـمُفَوِّضَةِ مِنَ السَّلَفِ بِمُقَابِلِ طَرِيقَةِ مَنْ يَظُنُّ -الزَّوَاوِي نَفْسهُ- أَنَّهُم: أَكْثَرُوا مِنَ الـخَوْضِ فِي الـمُتَشَابِهِ بِلاَ طَائِلٍ وَ(تَقَعَّرُوا!) فِي التَّأْوِيل بِلاَ تَفْوِيضٍ؟! وَاسْتَمِعْ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: ((اِعْلَم أَيُّهَا السَّائِل أَنَّ خَيْرَ طَرِيقَةٍ فِي العَقِيدَةِ التَّوْحِيدِيَّة طَرِيقَةُ السَّلَفِ الَّتِي هِيَ اِتِّبَاعُ مَا ثَبَتَ عَنِ الله وَعَنْ رَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ #كَثْرَة_التَّأْوِيل وَالدُّخُول فِي الأَخْذِ وَالرَّدِّ مِنَ الـجَدَلِ فِي الـمُتَشَابِهِ وَإِيرَاد الشُّبَهِ وَالرَّدِّ عَلَيْهَا...))(10)، فَالزَّوَاوِي يَعْتَبِرُ التَّأْوِيل طَرِيقًا مِنْ طَرَائِقِ السَّلَفِ وَلَكِنْ مِنْ دُونِ إِيغَالٍ فِيهِ إِلَى دَرَجَةِ الدُّخُولِ فِي بَيْدَاءِ الجِدَالِ وَالأَخْذِ وَالرَّدِّ فِي الـمُتَشَابهِ: ((مِنْ غَيْرِ كَثْرَة التَّأْوِيل وَالدُّخُول وَالرَّدِّ مِنَ الـجَدَلِ فِي الـمُتَشَابِهِ))؟ وَقَوْل الزَّوَاوِي هَهُنَا يُحْمَلُ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ البِدَع خَامِدَة وَلاَ وُجُودَ لِشُبُهَاتٍ تُضَلِّلُ العَامَّةِ وَتَسْتَدْعِي الاِنْتِهَاض لِتَزْيِيفهَا، وَأَمَّا فِي حَالِ نَشَاطِ هَذِهِ البِدَعِ وَبُزُوغِ شُرُورهَا إِلَى السَّطْحِ فَلاَ يُسْتَحْسَنُ السُّكُوت عَنْهَا بِحَالٍ بَلْ الوَاجِب الشَّرْعِي حِينهَا هُوَ دَحْضهَا بِالـحُجَّةِ وَالبَيَانِ حِفَاظًا عَلَى عَقِيدَةِ الإِسْلاَمِ.
وَتَأَمَّل قَوْلَ الشَّيْخ الزَّوَاوِي وَهُوَ يَصُبُّ جَامَّ غَضَبِهِ عَلَى مَا يَحْسَبُهُ رَأْيًا لِبَعْضِ العُلَمَاءِ الـمُتَأَخِّرِينَ -وَحَاشَاهُم- وَهُوَ القَوْل الِّذِي يُشِيعُهُ بَعْض الـمُخَالِفينَ مِن أَمْثَالِ الشَّيْخ رَشِيد رِضَا عَلَى لِسَانِ خُصُومِهِم، أَنَّهُم يَقُولُونَ: مَذْهَب السَّلَفِ في "التَّفْوِيض" أَسْلَم ومَذْهَب الـخَلَفِ في "التَّأويل" أَحْكَمُ أَوْ أَعْلَمُ!...فَيَقُولُ الزَّوَاوِي مَا نَصُّهُ: ((...فَلِذَلِكَ قَرَّرُوا -أَعْنِي الـمُتَأَخِّرِينَ- وَقَالُوا: إِنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ أَسْلَمُ وَمَذْهَبَ الـخَلَفِ أَحْكَمُ أَوْ أَعْلَمُ...اللَّهُمَّ اشْهَدْ وَأَنْتَ خَيْرُ الشَّاهِدِينَ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ هَذَا القَوْلِ: السَّلَفُ جَاهِلُونَ فِي الدِّينِ لاَ أَحْكَامَ لَهُم فِي أَقْوَالِهِم، #إِذْ_يُفَوِّضُونَ_وَلاَ_يَتَقَعَّرُونَ_فِي_التَّأوِيلِ وَالتَّعْبِيرِ، وأَنْتَ القَائِل: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ(7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾[آل عمران:7-8]. وهَكَذَا خَبَطَ كَثِيرٌ مِنَ الـمُتَأَخِّرِينَ، ثُـمَّ يَنْتَقِدُونَ مَنْ لَـمْ يَتَّبِعْهُم فِي أَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[القصص:50]))(11) وَهَذَا الكَلاَم قَاطِعٌ فِي أَنَّ مَذْهَب السَّلَفِ فِي الصِّفَاتِ عِنْدَ الشَّيْخ الزَّوَاوِي هُوَ مَذْهَبُ التَّفْوِيضِ الَّذِي يَعْتَبِرُهُ (التَّيْمِيَّة!) الـمُجَسِّمَةِ مِنْ شَرِّ أَقْوَالِ أَهْلِ البِدَعِ؟!
وَلاَ شَكَّ أَنَّ كَلاَم الشَّيْخ الزَّوَاوِي هَهُنَا لَـمْ يُرِدْ بِهِ التَّأْوِيل بِإِطْلاَقٍ فَكَلاَمهُ يَنْصَبُّ كَمَا قَالَ عَلَى الَّذِينَ: ((يَتَقَعَّرُونَ فِي التَّأوِيلِ)) وَلَيْسَ الَّذِينَ يَتَأَوَّلُونَ تَأْوِيلاً مُنْضَبِطًا بِضَوَابِطِهِ الـمَذْكُورَةِ فِي مَظَانِّهَا، إِذْ هُوَ نَفْسهُ تَأَوَّلَ تَأْوِيلاً إِجْمَالِيًّا كَمَا مَرَّ مَعَكَ فِي بَعْضِ كَلاَمِهِ، وَلَـمْ يَقُل هُنَاكَ بِالظَّاهِر كَمَا هُوَ الأَصْلُ عِنْدَ (التَّيْمِيَّةِ!) الـمُجَسِّمَةِ، وَبِالتَّالِي فَكَلاَمُهُ لاَ يَتَنَاوَلُ بِأَيِّ حَالٍ تَأْوِيلاَت أَهْلِ السُّنَّةِ.
ثُـمَّ إِنَّهُ لاَ يُوجَد فِي أُصُولِ السَّادَةِ الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ مَنْ يَعِيبُ التَّفْوِيض بَلْ هُوَ كَالتَّأْوِيل طَرِيقٌ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُم، وَليْسَ مِنْ أُصُولِهِم كَذَلِكَ إِطْلاَقُ العَنَانِ بِلاَ زِمَامٍ وَلاَ خِطَامٍ لِلْتَّأْوِيل، بَلْ هُوَ عِنْدَهُم كَمَ سَبَقَ مُنْضَبِطٌ بِضَوَابِطٍ وَقَواعِدٍ مَذْكُورَةٍ فِي كُتُبِهِم، وَلاَ يُوجَد مِنْهُم مَنْ فَضَّلَ ((مَذْهَب!!!)) الخَلَفِ فِي التَّأْوِيل عَلَى ((مَذْهَب!!!)) السَّلَفِ فِي التَّفْوِيضِ كَمَا هُوَ حَاصِلُ كَلاَمِ الشَّيْخ الزَّوَاوِي؟! بَلْ إِنَّ مِنْهُم مَنْ يَقُولُ: ((طَرِيقَة!!!)) السَّلَفِ أَسْلَمُ وَ((طَرِيقَة!!!)) الـخَلَفِ أَحْكَمُ أَوْ أَعْلَمُ، وَشَتَّانَ بَيْنَ وَقْعِ لَفْظِ (الـمَذْهَب!) وَبَيْنَ مَدْلُولِ لَفْظِ (الطَّرِيقَة!) فِي هَذِهِ الـمَقُولَةِ؟! وَشَرْحُ هَذِهِ العِبَارَة لَهُ مَفْهُومٌ صَحِيحٌ كَمَا تَجِدْهُ فِي كَلاَم الشَّيْخ الـمُفَسِّر مُحَمَّد الطَّاهِر بن عَاشُور فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِ سُورَة آل عِمْرَان وَكذَلِكَ فِي كلاَمِ غَيْرِهِ مِنَ الأَئِمَّةِ(12).
وَنَحْنُ إِذْ نَعْتَبِرُ مَا أَوْرَدهُ الزَّوَاوِي مِنْ كَلاَمٍ فِي أَعْلَى الـمَقَالِ وَالَّذِي ظَاهِرهُ التَّفْرِيق بَيْن عَقِيدَة السَّلَف وَعَقِيدَة السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ، غَيْر سَلِيمٍ مِنَ النَّاحِيَةِ التَّعْبِيرِيَّةِ وَخَانَهُ فِيهِ الأُسْلُوب، وَأَنَّهُ غَيْر مُرَادٍ قَطْعًا بِدَلِيلِ مَا سَبَقَ بَيَانهُ وَمَا هُوَ آتٍ أَيْضًا مِنْ كَلاَمِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ يَعْكِسُ بَعْض التَّهَوُّرِ وَعَقْلِيَّة (الثَّوْرَة!) عَلَى كُلِّ مَا هُوَ قَدِيمٍ؟! وَالَّتِي كَانَتْ شِعَار مَا يُسَمَّى بِحِزْبِ الإِصْلاَحِ آنَذَاكَ؟!...وَهَذَا مَا يُفَسِّرُ ذَاكَ الأُسْلُوبِ الـحَادِّ الَّذِي سَبَقَت الإِشَارَة إِلَيْهِ...وَكَأَنَّ الزَّوَاوِي يَقُول: لاَ أُصُولَ أَشْعَرِيَّة وَلاَ مَاتُرِيدِيَّة إِلاَّ مَا وَافَقَ مِنْهَا عَقِيدَة السَّلَفِ؟! وَعَقِيدَةُ السَّلَفِ: أَنَّ الله مُنَزَّهٌ عَنِ التَّحَوُّلِ وَالاِنْتِقَالِ، وَأَنَّ كَلاَمَهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلاَ بِصَوْتٍ، وَأَنَّ رُؤْيَتَهُ جَلَّ وَعَزَّ يَوْم القِيَامَةِ مِنْ غَيْرِ اتِّصَالِ شُعَاعٍ وَلاَ مُقَابَلَةٍ فِي جِهَةٍ،...وَهَكَذَ؟! فَالرَّجُل يَدِينُ لله بأُصُولِ العَقِيدَةِ الأَشْعَرِيَّةِ وَيُسَمِّيهَا عَقِيدَة السَّلَف؟! وَلاَ نَزْعُم أَنَّ الرَّجُل أَشْعَرِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُوَافِقُ العَقِيدَة الأَشْعَرِيَّة بِحَيْثُ لاَ يَخْرُج عَنْهَا قَيْد أُنْمُلَةٍ، وَلَكِن الأَكِيد أَنَّهُ لاَ يَتَجَاوَز أُصُول التَّنْزِيهِ عِنْدَ القَوْمِ.
وَنُتْحِفُ القَارِئ بِبَعْضِ كَلاَمِ الزَّوَاوِي فِي أَهْل السُّنَّةِ وَالـجَمَاعَةِ السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ حَتَّى تَتَّضِحَ لَهُ الصُّورَة جَيِّداً:
قال الشَّيخ أبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي: ((هَذَا وقَدْ جَرَتْ العَادَة فِي مَدِينَة الـجَزَائِرِ بِعِمَارَةِ الـمَسَاجِدِ بِالدِّرَاسَةِ قَبْلَ صَلاَةِ التَّرَاوِيحِ أَوْ بَعْدَهَا، فَبَعْضُهَا فِي الـحَدِيثِ وبَعْضُهَا فِي التَّوْحِيدِ "عِلْمُ الكَلاَمِ" كَأَنَّهَا قَوَاعِدُ مُتَّبَعَةٌ لاَ تَكَادُ تُخَالَفُ. فَمِنَ الـمَسَاجِدِ الَّتِي يُدَرَّسُ فِيهَا عِلْمُ الكَلاَمِ مَسْجِدُ سِيدِي رَمْضَان حَيْثُ هَذَا العَبْدُ إِمَامٌ، فَدَرَّسْتُ هَذَا الفَنَّ مُنْذُ ثَمَانِ سِنِينَ وكُنتُ أَخَذْتُهُ عَنْ مَشَايِخَ عُظَمَاء كَالشَّيْخ عَبْد الله الكبلُوتِي القَاضِي، والشَّيْخ مَحْمُود جندِي البَاش عَدل إِذْ ذَاك، والشَّيْخَيْنِ ابْن زَكْرِي والـمَجَّاوِي، رَحِمَهُم الله أَجْمَعِينَ، وكَانُوا يُقَرِّرُونَ #عَقَائِدَ_أَهْل_السُّنَّةِ_مِنَ_الأَشَعَرِيَّة وَيَنْتَصِرُونَ لَـهَا دُونَ غَيْرِهَا، #ولاَ_بَأْسَ_فِي_ذَلِكَ_ولاَ_يُلاَمُونَ، إِلاَّ أَنَّهُم غَفَلُوا وتَغَافَلُوا وهُم هُم عَلَى الاِقْتِصَارِ عَلَى عَقَائِدِ السَّلَفِ لأَنَّهَا أَقَلُّ خَوْضًا فِي بَحْرِ عِلْمِ الكَلاَمِ الزَّاخِرِ الـمُتَلاَطِمِ الأَمْوَاجِ، وقَدْ لاَ يَسْلَمُ مِنَ العَطَبِ أَيُّ مَرْكَبٍ خَاضَ عُبَابَهُ وذَلكَ لِـمَا فِي الفَنِّ مِنْ الغُمُوض الَّذِي لاَ يُدْرَكُ كَمَا لاَ يُدْرَكُ الـمُتَعَلَّقُ بِهِ جَلَّ جَلاَلُهُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾))(13) فَعَقَائِدُ الأَشْعَرِيَّة مِنْ عَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَتَأَمَّل قَوْلهُ: "وكَانُوا يُقَرِّرُونَ عَقَائِدَ أَهْل السُّنَّةِ مِنَ الأَشَعَرِيَّة وَيَنْتَصِرُونَ لَـهَا دُونَ غَيْرِهَا " لِتُدْرِكَ أَنَّ الرَّجُل يَلُومُ مَنْ يَحْصُرُ الحَقَّ فِي طَرِيقَةِ التَّأْوِيلِ دُونَ غَيْرهَا أَيْ: التَّفْوِيضِ؟!
وَقَالَ الزَّواوي في رثاء وتأبين الشَّيخ مُصْطَفَى الشَّرْشَالِي صديقه وزميله في التَّلمذة على الشَّيخ ابن زَكْرِي الـمُفْتِي الأَشْعَرِي: ((وَكُنْتُ وَإِيَّاهُ لِأُسْتَاذِنَا #الـمَرْحُومِ_شَيْخِ_الـجَمَاعَةِ وَمُفْتِيهَا الشَّيْخِ مُحَمَّد السَّعِيد بَنْ زَكْرِي كَمَا قِيل...فَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ النَّاسِ وَأَعْرَفَهُم بِحَالِ الفَقِيد وَتَرْجَمَتِهِ وَسِيرَتِهِ وَ#عَقِيدَتِهِ_الـمَرْضِيَّةِ. أَمَّا عَقِيدَتُهُ فَحَنِيفٌ سَلَفِيٌّ مَمْلُوءٌ إِيمَانًا صَحِيحًا لاَ يُزَعْزِعُهُ مَا يُزَعْزِعُ الـجِبَالَ الرَّوَاسِيَ، كَيْفَ لاَ وَهُوَ تِلْمِيذُ وَصِهْرُ شَيْخ الـجَمَاعَة الـمَذْكُورِ #الأَشْعَرِيِّ فِي عِلْم الكَلاَمِ. وَنَظَرِيَّة فَقِيدنَا فِي الأَحْوَالِ العَصْرِيَّةِ إِصْلاَحِيَّةٌ عَلَى طَرِيقَةِ الأُسْتَاذِ الـمَرْحُومِ الشَّيْخ مُحَمَّد عَبْدُه...))(14)
ونَخْتِمُ هَذِهِ النِّقَالَ بِنَصٍّ مِنَ الشَّيخ الزَّواوي يَعْتَزُّ فِيهِ بِحِفْظِ مُتُون السَّنُوسيَّة والـجَوْهَرَةِ والنَسَفِيَّةِ بَلْ وَيَعْتَبِرُ هَذِهِ الأَخِيرَة مِنَ العَقَائِدِ الـمَرْضِيَّةِ عِنْدَ أَهل السُّنَّةِ قَاطِبَةً، وَاستَمِع إِلَيْهِ قَائِلاً: ((...فِي شَرْحِ #العَقَائِدِ_النَّسَفِيَّةِ_الشَّهِيرَةِ...وَكُنْتُ #حَفِظْتُهَا كَمَا #حَفِظْتُ_السَّنُوسِيَّةَ_وَالـجَوْهَرَةَ_التَّوْحِيدِيَّةَ...وَنَصُّ الـمَقْصُودِ فِي الـخِلاَفَةِ فِي العَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ الشَّهِيرَةِ #الـمَرْضِيَّةِ_عِنْدَ_أَهْلِ_السُّنَّةِ_قَاطِبَةً هُوَ:...))(15)
وَفِي الأَخِيرِ نَقُولُ: صَحِيحٌ أَنَّ الشَّيْخ الزَّوَاوِي كَانَ (#وَهَّابِيًّا!) مُتَحَرِّقًا فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِمَسَائِلِ القُبُورِ وَالتَّصَوُّفِ وَغَيْرهَا؟! بَل قَد وَلَجَ فِيهَا أَوْحَالَ (#التَّكْفِير!) وَاتِّهَامِ الأَبْرِيَاءِ بِالعَظَائِمِ؟! وَوَصَلَ بِهِ الحَدُّ إِلَى اتَّهَام الأُمَّة الـجَزَائِرِيَّة بِالغَرَقِ فِي (الشِّرْكِ الأَكْبَرِ!)؟! وَلَكِنَّهُ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لَـمْ يَكُن (#تَيْمِيًّا!) (#مُجَسِّمًا!) بَلْ كَانَ مُنَزِّهًا كمَا مَرَّ مَعَك.
وَاللهُ الـمُوَفِّق
_______________
(1) كِتَاب "الإِسْلاَم الصَّحِيح" ضمن: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (4/139-140)، تصدير: الشَّيخ محمَّد الصَّالح الصِّدِّيق وتقديم: الدُّكْتُور محمَّد نَاصر وجمع وإعداد: عبد الرَّحمن دويب ومحمَّد الأَمِين فُضيل، دار زَمُّورَة للنَّشْر والتَّوْزِيع-الجزائر، طَبْعَة خَاصَّة:2013م
(2) تَأَمَّل مِصْدَاقَ "التَّنْبِيه" فِي مَدْخَلِ الـمَقَالِ حَوْلَ أُسْلُوبِ الشَّيْخِ الزَّوَاوِي، حَيْثُ يَقُولُ عَنِ الخِلاَفِ مَعَ الإِبَاضِيَّة ضِمْن فَتْوَى مُؤَرَّخَةٍ عَام:1342هـ-1924م، مَا نَصُّهُ: ((فَهُم- يقصد الإِبَاضِيَّة- مُسْلِمُونَ مُؤْمِنُونَ مِنْ جُمْلَةِ الطَّوَائِفِ الإسْلاَمِيَّةِ الكَثِيرَةِ الـمُتَخَالِفَةِ فِي الفُرُوعِ، الـمُتَّحِدَةِ فِي الأُصُولِ)).انْتَهَى مِن [الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (2/261)]؟! فَإِذَا كَانَتْ الأُصُول مُتَّحِدَةً -كَمَا يَزْعُم؟!- فَمَا مَعْنَى التَّبَرِّي أَعْلاَهُ؟!
(3) مَقَال: "توحيد التَّربية والتَّعليم والرُّجُوع إِلَى مَذْهَب السَّلَف (1)" عَلَى الشِّهَابِ: 1345هـ-1926م العدد:54، نقلاً عَنْ: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (2/36-37)
(4) مَقَال على جريدة الشِّهاب:1353هـ-1934م الجزء:6 الـمجلَّد:10، نقلاً من: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/453)
(5) كِتَاب "الـخُطَب الـمِنْبَرِيَّة" ضمن: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (4/72-73)
(6) جَرِيدَةُ البَلاَغِ الـجَزَائِرِيِّ: 1346هـ-1928م العدد:66، نقلاً عَن: الشَّيْخِ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (1/413)
(7) صَحِيح مُسْلم بِشَرْح النَّوَوِي (3/16-17)، الـمَطْبَعَة الـمصْرِيَّة بِالأَزْهَر، الطَّبْعَة الأُوْلَى: 1347هـ-1929م
( جريدة البصائر: 1355هـ-1937م العدد:49، نقلاً عن الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (1/543)
(9) رِحْلَة الشَّيْخ الطَّيِّب الـمهَاجِي الوَهْرَانِي "أَنْفَسُ الذَّخَائِرِ وَأَطْيَبُ الـمَآثِرِ فِي أهَـمِّ مَا اتَّفَقَ لِي فِي الـمَاضِي وَالـحَاضِرِ" (6/105-107)، ضِمْنَ: رحَلاَت جَزَائِرِيَّة مَجْمُوع رحْلاَت لِعَدَّة مُؤَلِّفِين، دَار الـمَعْرِفَة الدَّوْلِيَّة لِلنَّشْرِ وَالتَّوْزِيع- الـجزائر:2011م
(10) "الإِسْلاَمُ الصَّحِيح" ضمن: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (4/22)
(11) مقال "مَرَاتِبُ العِبَادَة ثَلاَثٌ" على جريدة الشِّهاب:1351هـ-1933م، الـجزء:5 المجلَّد:9 ص:194-200، نقلاً عن: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (1/488-489)
(12) رَاجِع:
https://www.facebook.com/yacine.ben.rabie/posts/1492561114311853
(13) جريدة البلاغ الـجزائري: 1346هـ-1928م العدد:58، نقلاً عَن: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (1/405)
(14) جريدة البلاغ الـجزائري: 1347هـ-1928م العدد:80، نقلاً عن: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/405)
(15) مقال "لاَ تَصِحُّ الـخِلاَفَة لِغَيْرِ قرشِيٍّ شَرْعًا" على جريدة البلاغ الـجزائري: 1350هـ-1931م العدد: 240: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/154-155) وكرَّر هذا أيضًا في كتابه "جَمَاعَة الـمُسْلِمِينَ" حيث قال: ((وَبِهَذَا أَخَذَ الإِمَامُ النَّسَفِي فِي #عَقِيدَتِهِ_الـمُعْتَبَرَة)) "الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (4/32)". ويلاحظ في هذا الـمقال وغيره أنَّ "أَئِمَّة عِلْم العَقَائِد" كما يطلق عليهم الشَّيخ الزَّواوي هُم السَّادة الأشاعرة والـماتريديَّة فهم عمدته وقبلته في تحرير الـمسائل العقديَّة!
(هَذَ الـمَقَال مُسْتَلٌّ مِنْ بَحْثٍ لِلْعَبْد الفَانِي مَعَ بَعْضِ الاِخْتِصَارِ وَالتَّصَرُّفِ)
يُعْتَبَرُ الشَّيْخ السَّعِيد الزَّوَاوِي (1862م-1952م) مِنْ الأَعْضَاءِ الفَاعِلِينَ فِي جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الـجَزَائِرِيِّينَ خَاصَّة إِبَّانَ عَهْدِ رَئِيسِهَا الأَوَّل الشَّيْخ عَبْد الحَمِيد ابْن بَادِيس حَيْثُ تَبَوَّأَ مَقْعَدَ رَئِيس لَـجْنَة الفَتْوَى فِي الـجَمْعِيَّةِ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ لِبَعْضِ (التَّيْمِيَّة!) اهْتِمَامًا زَائِداً بِهَذَا الرَّجُلِ خَاصَّةً فِي بَلَدِنَا الـجَزَائِرِ!، يَتَمَثَّلُ فِي وُلُوعِهِم الكَبِيرِ بِنَشْرِ بَعْضِ مُتَشَابِهِ أَقْوَالِهِ مَعَ التَّغَاضِي الـمَشِينِ عَنْ مُحْكَمِهَا خَاصَّةً مَا تَعَلَّقُ مِنْهَا بِبَابِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَلَيْسَت هَذِهِ الطَّرِيقَة العَمْيَاء وَالـمِشْيَة العَوْجَاء بِغَرِيبَةٍ عَلَى هَؤُلاَءِ الشُّذَّاذِ، فَهِيَ سُنَّة شَيْخهم الأَكْبَر ابْن تَيْمِيَّة الـحَرَّانِي (ت:728هـ) فِي تَكْثِيرِ سَوَادِ الشَّوَاذِ مِنَ الـمُجَسِّمَةِ وَالـمُشَبِّهَةِ؟!
وَيَتَوَجَّبُ التَّنْبِيه هَهُنَا إِلَى أَنَّ الشَّيْخ الزَّواوِي يَتَمَيَّزُ أَحْيَانًا بِحِدَّةٍ زَائِدَةٍ فِي أُسْلُوبِهِ، يُطْلِقُ فِي جِهَةٍ قَلَمَهُ لِلْطُّغْيَانَ وَيُرْخِي العَنَانَ لِلِّسَانِ لِيَبْدُو هَائِجًا كَالبُرْكَانِ لِلْعُدْوَانِ، وفِي أُخْرَى يَظْهَرُ مُتَفَهِّمًا مُتَفَتِّحًا يَمْسَحُ مَا جَرَّهُ هُنَاكَ؟! وَالعَكْسُ صَحِيح؟!، وَقَدْ نَوَّهَ إِلَى بَعْضِ هَذَا الـمَلْحَظِ الدُّكْتُور سَعْد الله القمَارِي فِي تَقْدِيمِهِ لِكِتَاب "الإِسْلاَم الصَّحِيح" لْلشَّيْخ الـمَذْكُور.
الـمُهِم؛ سَنَعْرِضُ فِي هَذَا الـمَقَالِ عَلَى الـمَحَكِّ العِلْمِيِّ أَهَمُّ تِلْكَ الأَقْوَال الَّتِي يُلَبِّسُ بِهَا هَؤُلاَءِ (التَّيْمِيَّة!) عَلَى الـجَزَائِرِيِّينَ خَاصَّةً لِلْزَّجِّ بِهِم فِي مُسْتَنْقَعِ العَقِيدَةِ (التَّيْمِيَّةِ!) الـمَعْرُوفَةِ بِالتَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ.
قَالَ رَئِيس لَـجْنَة الفَتْوَى فِي جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الـجَزَائِرِيِّينَ الشَّيْخ السَّعِيد الزَّوَاوِي: ((أَمَّا أَنَا وَمَنْ عَلَى شَاكِلَتِي مِنْ إِخْوَانِي الكَثِيرِينَ فَلاَ شَرِيعَةَ لَنَا، وَلاَ دِينَ وَلاَ دِيوَانَ إِلاَّ الكِتَاب وَالسُّنَّة وَمَا عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابهُ، وَعَقِيدَة السَّلَفِ الصَّالِحِ، أَيْ: فَلاَ اعْتِزَالَ، #وَلاَ_مَاتُرِيدِي، #وَلاَ_أَشْعَرِي، وذَلِكَ أَنَّ الأَشَاعِرَة تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا، أَيْ: الـمُتَقَدِّمُونَ مِنْهُم وَالـمُتَأَخِّرُونَ، وَوَقَعُوا فِي اِرْتِبَاكٍ مِنَ التَّأْوِيلِ وَالحِيرَة فِي مَسَائِلَ يَطُولُ شَرْحُهَا لَـمْ تَصْفُ بَعْدُ، فَعَلاَمَ؟))(1)؟! وَقَالَ أَيْضًا: ((لَـمْ يَكُنْ مُـحَمَّدٌ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ #أَشْعَرِيِّينَ_وَلاَ_مَاتُرِيدِيِّينَ وَلاَ شِيعَةً وَلاَ إِبَاضِيَّةً(2) وَهَلُمَّ جَرًّا. وَكَذَلِكَ لَـمْ يَكُونُوا قَادِرِيِّينَ وَلاَ خَلْوَتِيِّينَ ولاَ شَاذِلِّيِّينَ وَلاَ رِفَاعِيِّينَ وَلاَ عِيسَاوِيِّينَ...الخ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ، إِنَّمَا كَانُوا مُسْلِمِينَ مِلَّةَ أَبِيهِم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلاَمُ))(3)؟!
وَظَاهِر هَذَا الكَلاَم، تَصْرِيحٌ مِنَ الشَّيْخ الزَّوَاوِي بِأَنَّهُ كَأَصْحَابِهِ مِنْ أَعْضَاءِ الـجَمْعِيَّة البَادِيسِيَّةِ عَلَى العَقِيدَةِ السَّلَفِيَةِ الـقَائِمَةِ عَلَى الأَصْلَيْنِ، لاَ الـمَاتُرِيدِيَّة وَلاَ الأَشْعَرِيَّةِ وَلاَ غَيْرهَا؟!
وَلَكِنْ مَا هِيَ مَعَالِـمُ هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة الَّتِي يُدَنْدِنُ حَوْلَهَا الشَّيْخ الزَّواوِي؟! هَلْ هِيَ أُصُولٌ عَقَدِيَّةٌ مُغَايِرَةٌ تَمَامًا لِعَقِيدَةِ أَهْل السُّنَّةِ وَالـجَمَاعَةِ: السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ؟! أَمْ هِيَ ذَاتهَا العَقِيدَة (التَّيْمِيَّة!) الـمَعْرُوفَة عِنْدَ أَدْعِيَاءِ السَّلَفِيَّةِ وَالوَهَّابِيَّة؟!
#الجَوَابُ:
#أَوَّلاً: كَتَبَ الشَّيْخ السَّعِيد الزَّوَاوِي كِتَابًا وَسَمَهُ: "الخُطَب الـمِنْبَرِيَّة"، وَصَرَّحَ حَوْلَهُ فِي مَقَالٍ عَلَى "جَرِيدَة الشِّهَابِ" بِأَنَّهُ رَقَمَ الكِتَابَ الـمَذْكُور عَلَى الطَّرِيقَةِ السَّلَفِيَّةِ، فَقَال هُنَاكَ: ((إِنَّ قَصْدِي مِنْ تَأْلِيفِ الكِتَابِ أَمْرَانِ: أَحَدُهَمَا: #تَجْدِيدُ_طَرْيقَةِ_السَّلَفِ فِي إِلْقَاءِ الـخُطَبِ وَالرُّجُوعِ إِلَى الأَصْلِ فِي ذَلِكَ))(4)، وَبِالرُّجُوعِ إِلَى بَعْضِ التَّقَارِيرِ العَقَدِيَّةِ الوَاضِحَةِ فِي ثَنَايَا هَذَ الـمَرْقُومِ نَجِدُ الـمُؤَلِّف الشَّيْخُ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي يَقُولُ مَثَلاً: ((الْـحَمْدُ للهِ الْـمُتَّصِفِ بِالْـكَمَالِ #الْدَّائِمِ_بِلاَ_زَوَالٍ، #الْـمُسْتَحِيلِ_عَنْهُ_الْتَّحَوُّلُ_وَالاِنْتِقَالُ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى:11]، وَهُوَ الوَلِـيُّ الكَبِيرُ الـمُتَعَال، ذُو الإِحْسَانِ وَالإِفْضَالِ...وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي صِفَاتِ الذَّاتِ وَالأَفْعَالِ، وَلاَ مُـمَاثِلَ لَهُ بـِمَا يَخْطُرُ بِالبَالِ، وَلاَ ضِدّ وَلاَ نِدّ وَلاَ وَزِير))(5)، فَتَنْزِيهُ اللهِ عَنِ الـحَرَكَةِ وَالاِنْتِقَالِ وَالتَّغَّيُّرِ وَقِيَامِ الحَوَادِثِ بِالْذَّاتِ العَلِيَّةِ هُوَ مُرَادُ الشَّيْخ الزَّوَاوِي بِالْعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ، وَهَذِهِ العَقِيدَةُ الـمَذْكُورَةُ هِيَ ذَاتهَا عَقِيدَةِ أَهْل السُّنَّةِ وَالـجَمَاعَةِ: السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ. وَهِيَ عَيْنُ عَقِيدَةِ (النُّفَاةِ!) وَ(الجَهْمِيَّةِ!) عِنْدَ (التَّيْمِيَّةِ!)؟!
#ثَانِيًا: وَمِنَ العَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ عِنْدَ الشَّيْخِ السَّعِيد الزَّوَاوِي مَا قَرَّرَهُ فِي مَعْرضِ كَلاَمِهِ عَنْ مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ وَصِفَة الكَلاَمِ فِي حَقِّهِ جَلَّ وَعَزَّ، فَقَالَ: ((...كمَا فِي مَسْأَلَتَيْ خَلْقِ القُرْآنِ والرُّؤْيَةِ الإلَهِيَّة فِي الـجَنَّةِ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الـحُذَّاقِ الـمُصْلِحِينَ مِنَ العُلَمَاءِ الـمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الـمَرْحُومُ الشَّيخُ مُحَمَّد عَبْدُه مُفْتِي الدِّيَّارِ الـمِصْرِيَّةِ والكَاتِبُ الشَّهِيرُ فِي الـمَسَائِلِ الإِصْلاَحِيَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ مَا مُلَخَّصهُ: "حَصَلَ الاِتِّفَاقُ بِأَنْ يُرَى الله تَعَالَى فِي الآخِرَةِ #لَكِنْ_لَيْسَ_بِهَذَا_البَصَرِ وَلاَ بِهَذِهِ الكَيْفِيَّةِ الدُّنْيَوِيَّة أَيِ بِأَنْ #يَنْعَكِسَ_البَصَرُ_إٍلَى_البَصِيرَةِ، وَهِيَ مَعْنَى قَوْلِ الـمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ لاَ يُرَى، والثَّانِيَةُ أَنَّ القُرْآنَ #كَلاَمُ_الله_الأَزَلِيُّ وأَنَّ الـحُرُوفَ والأَصْوَاتَ مَخْلُوقَةٌ، ذَلِكَ بِأَنَّا #أَهْل_السُّنَّةِ نَقُولُ أَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ الله #لَيْسَ_بِحَرْفٍ_وَلاَ_صَوْتٍ خِلاَفًا لِطَائِفَةٍ مِنَ الـحَنَابِلَةِ يَقُولُونَ أَنَّ كَلاَمَ الله بِحُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ ولَكِنْ لَيْسَتْ كَحُرُوفِنَا وَأَصْوَاتِنَا، وَالـمُعْتَزِلَة يَقُولُونَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ يَعْنُونَ الـحُرُوفَ والأَصْوَاتَ الَّتِي وَافَقْنَاهُم عَلَيْهَا...الخ لخ"))(6).
وَقَوْلهُ: ((لَكِنْ لَيْسَ بِهَذَا البَصَرِ وَلاَ بِهَذِهِ الكَيْفِيَّةِ الدُّنْيَوِيَّة أَيِ بِأَنْ يَنْعَكِسَ البَصَرُ إٍلَى البَصِيرَةِ)) قَاطِعٌ فِي أَنَّ الشَّيْخ الزَّوَاوِي يُثْبِتُ رُؤْيَة الله يَوْم القِيَامَةِ بِلاَ اتِصَالِ شُعَاعٍ بَيْنَ الرَّائِي وَالـمَرْئِيِّ، وَلاَ مُقَابَلَةٍ أَيْ: أَنَّهُ تَعَالَى فِي لاَ جِهَةٍ، وَهَذَا الكَلاَم يَعْكِسُ مَا جَاءَ فِي تَقْرِيرِ الإِمَام النَّوَوِي الأَشْعَرِي حَيْثُ يَقُولُ: ((أَنَّ الرُّؤْيَةَ قُوَّةٌ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا اتِّصَالُ الْأَشِعَّةِ وَلَا مُقَابَلَةُ الْمَرْئِيِّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، لَكِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ فِي رُؤْيَةِ بَعْضِنَا بَعْضًا بِوُجُودِ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الِاتِّفَاقِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ، وَقَدْ قَرَّرَ أَئِمَّتُنَا الْمُتَكَلِّمُونَ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ الْجَلِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِثْبَاتُ جِهَةٍ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، بَلْ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ لَا فِي جِهَةٍ كَمَا يَعْلَمُونَهُ لَا فِي جِهَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ))(7).
فَالحَاصِلُ أَنَّ الشَّيْخ الزَّوَاوِي يَسْلُبُ مِنَ الرُّؤْيَةِ مُطْلَق الكَيْفِيَّاتِ الَّتِي يَدَّعِي الـمُجَسِّمَة (التَّيْمِيَّة!) بِأَنَّ مَنْ نَفَاهَا مِنَ السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُرَاجِعَ عَقْلَهُ؟! كَمَا يُرَدِّدُ شَيْخهُم الأَكْبَر ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي وَابْن أَبِي العِزِّ الـمَحْسُوب عَلَى السَّادَةِ الحَنَفِيَّة فِي شَرْحِهِ الـمُحَرِّف عَلَى العَقِيدَة الطَّحَاوِيَّة؟!
ثًمَّ إِنَّ صِفَةَ الكَلاَمِ عِنْدَ الشَّيْخِ السَّعِيد الزَّوَاوِي كَمَا تَرَى صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ وَلَيْسَت حَادِثَةً، كَمَا أَنَّ كَلاَمهُ تَعَالَى لَيْسَ إِلاَّ الكَّلاَم النَّفْسِي فَهُوَ بِلاَ حَرْفٍ وَلاَ صَوْتٍ، بِخِلاَفِ (التَّيْمِيَّة!) الـمُجَسِّمَة، فَالكَلاَمُ عِنْدَهُم حَرْفٌ وَصَوْتٌ، يُحْدِثُهُ تَعَالَى فِي ذَاتِهِ وَيُفْنِيهِ وِفْقَ مَشْيئَتِهِ سُبْحَانَهُ؟! فَاللهُ عِنْدَهُم يَخْلُقُ فِي نَفْسِهِ كَمَالاَتِهِ ثُمَّ يُفْنِيهَا شَيْئًا فَشَيْئًا؟!
وَهُنَاكَ مِنَ النُّصُوصِ الأُخْرَى لِمَشَايِخِ الجَمْعِيَّة مَا يَزِيدُ فِي هَذَا النَّحْوِ مِنَ البَيَان وَيُؤَكِّدُ بِمَكَانٍ أَنَّ عَقِيدَة مَشَايِخ الجَمْعِيَّةِ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ وَالتَّدْقِيقِ لَيْسَتْ إِلاَّ عَقِيدَة أَهْل السُّنَّةِ وَالـجَمَاعَةِ السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ، وَلاَ عَلاَقَة لَهَا البَتَّة بِعَقِيدَة التَّجْسِيمِ (التَّيْمِيَّةِ!).
وَيَتَوَجَّبُ التَّنْبِيه هُنَا إِلَى شَيْءٍ مُهِمٍّ جِدًّا، وَهُوَ أَنَّهُ لِلشَّيْخ مُحَمَّد عَبْدُه الـمِصْرِي مَكَانَة خَاصَّة فِي فِكْرِ مَشَايِخِ الـجَمْعِيَّة، وَهُوَ عِنْدَهُم مُجَدِّدُ عَقِيدَة السَّلَفِ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِفَاتِ، وَاسْتَمِع إِلَى الشَّيْخِ الزَّوَاوِي نَفْسهُ وَهُوَ يَقُولُ: ((وَشَيْخ الإِصْلاَحِيِّينَ فِي هَذَا العَصْرِ الشَّيْخ مُحَمَّد عَبْدُه رَحِمَه الله #مُجَدِّدُ_طَرِيقَة_السَّلَفِ))(، وَانْظُر إِلَى قَالِ الشَّيْخ عَبْد الحَمِيد ابْن بَادِيس عَنْ رِسَالَة التَّوْحِيد لِـمُحَمَّد عَبْدُه: ((إنَّهَا #أَحْسَنُ مَا أُلِّفَ عَلَى #طَرِيقِ_السَّلَفِ_فِي_التَّوْحِيدِ))(9)؟!، وَهَذَا يَقْطَعُ بِمَكَانٍ أَنَّ عَقِيدَة مَشَايِخ الـجَمْعِيَّة فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لاَ تَمُتُّ بِصِلَةٍ لِعَقِيدَةِ التَّجْسِيمِ (التَّيْمِيَّةِ!).
#ثَالِثًا: فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى كَلاَم الزَّوَاوِي أَعْلاَهُ، فَظَاهِرُهُ التَّبَرِّي مِنَ عَقِيدَةِ الـمُنَزِّهَةِ؟!، فَالـجَوَابُ أَنْ يُقَال: أَنَّ الـمَذْهَب الـمُعْتَمَد لِلشَّيْخ الزَّوَاوِي فِي الإِضَافَاتِ الخَبَرِيَّةِ الـمُوهِمَةِ لِلْتَّشْبِيهِ كَانَ أَمْيَل لِلْتَّفْوِيضِ مِنْهُ إِلَى التَّأْوِيلِ، أَيْ: تَفْوِيضُ الـمَعْنَى التَّفْصِيلِي مِنْ جُمْلَة الـمَعَانِي الـمُحْتَمَلَةِ فِي حَقِّهِ جَلَّ وَعَلاَ مَعَ الاِكْتِفَاءِ بِالـمَعْنَى الـجُمْلِيِّ مِنْ دُونِ خَوْضٍ فِي مَا وَرَاء ذَلِكَ، وَهَذَا كُلّهُ بَعْدَ تَنْزِيهِهِ تَعَالَى مِنْ سِمَاتِ الـمُحْدَثَاتِ وَالجِسْمِيَّةِ كَمَا مَرَّ مَعَكَ مِنْ كَلاَمِهِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ جَمَاعَاتٍ مِنَ السَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبُتَ أَيْضًا عَنْهُم التَّأْوِيل بِالدَّلِيل.
فَهُوَ –الزَّوَاوِي- يَنْتَصِرُ لِطَرِيقَةِ الـمُفَوِّضَةِ مِنَ السَّلَفِ بِمُقَابِلِ طَرِيقَةِ مَنْ يَظُنُّ -الزَّوَاوِي نَفْسهُ- أَنَّهُم: أَكْثَرُوا مِنَ الـخَوْضِ فِي الـمُتَشَابِهِ بِلاَ طَائِلٍ وَ(تَقَعَّرُوا!) فِي التَّأْوِيل بِلاَ تَفْوِيضٍ؟! وَاسْتَمِعْ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: ((اِعْلَم أَيُّهَا السَّائِل أَنَّ خَيْرَ طَرِيقَةٍ فِي العَقِيدَةِ التَّوْحِيدِيَّة طَرِيقَةُ السَّلَفِ الَّتِي هِيَ اِتِّبَاعُ مَا ثَبَتَ عَنِ الله وَعَنْ رَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ #كَثْرَة_التَّأْوِيل وَالدُّخُول فِي الأَخْذِ وَالرَّدِّ مِنَ الـجَدَلِ فِي الـمُتَشَابِهِ وَإِيرَاد الشُّبَهِ وَالرَّدِّ عَلَيْهَا...))(10)، فَالزَّوَاوِي يَعْتَبِرُ التَّأْوِيل طَرِيقًا مِنْ طَرَائِقِ السَّلَفِ وَلَكِنْ مِنْ دُونِ إِيغَالٍ فِيهِ إِلَى دَرَجَةِ الدُّخُولِ فِي بَيْدَاءِ الجِدَالِ وَالأَخْذِ وَالرَّدِّ فِي الـمُتَشَابهِ: ((مِنْ غَيْرِ كَثْرَة التَّأْوِيل وَالدُّخُول وَالرَّدِّ مِنَ الـجَدَلِ فِي الـمُتَشَابِهِ))؟ وَقَوْل الزَّوَاوِي هَهُنَا يُحْمَلُ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ البِدَع خَامِدَة وَلاَ وُجُودَ لِشُبُهَاتٍ تُضَلِّلُ العَامَّةِ وَتَسْتَدْعِي الاِنْتِهَاض لِتَزْيِيفهَا، وَأَمَّا فِي حَالِ نَشَاطِ هَذِهِ البِدَعِ وَبُزُوغِ شُرُورهَا إِلَى السَّطْحِ فَلاَ يُسْتَحْسَنُ السُّكُوت عَنْهَا بِحَالٍ بَلْ الوَاجِب الشَّرْعِي حِينهَا هُوَ دَحْضهَا بِالـحُجَّةِ وَالبَيَانِ حِفَاظًا عَلَى عَقِيدَةِ الإِسْلاَمِ.
وَتَأَمَّل قَوْلَ الشَّيْخ الزَّوَاوِي وَهُوَ يَصُبُّ جَامَّ غَضَبِهِ عَلَى مَا يَحْسَبُهُ رَأْيًا لِبَعْضِ العُلَمَاءِ الـمُتَأَخِّرِينَ -وَحَاشَاهُم- وَهُوَ القَوْل الِّذِي يُشِيعُهُ بَعْض الـمُخَالِفينَ مِن أَمْثَالِ الشَّيْخ رَشِيد رِضَا عَلَى لِسَانِ خُصُومِهِم، أَنَّهُم يَقُولُونَ: مَذْهَب السَّلَفِ في "التَّفْوِيض" أَسْلَم ومَذْهَب الـخَلَفِ في "التَّأويل" أَحْكَمُ أَوْ أَعْلَمُ!...فَيَقُولُ الزَّوَاوِي مَا نَصُّهُ: ((...فَلِذَلِكَ قَرَّرُوا -أَعْنِي الـمُتَأَخِّرِينَ- وَقَالُوا: إِنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ أَسْلَمُ وَمَذْهَبَ الـخَلَفِ أَحْكَمُ أَوْ أَعْلَمُ...اللَّهُمَّ اشْهَدْ وَأَنْتَ خَيْرُ الشَّاهِدِينَ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ هَذَا القَوْلِ: السَّلَفُ جَاهِلُونَ فِي الدِّينِ لاَ أَحْكَامَ لَهُم فِي أَقْوَالِهِم، #إِذْ_يُفَوِّضُونَ_وَلاَ_يَتَقَعَّرُونَ_فِي_التَّأوِيلِ وَالتَّعْبِيرِ، وأَنْتَ القَائِل: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ(7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾[آل عمران:7-8]. وهَكَذَا خَبَطَ كَثِيرٌ مِنَ الـمُتَأَخِّرِينَ، ثُـمَّ يَنْتَقِدُونَ مَنْ لَـمْ يَتَّبِعْهُم فِي أَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[القصص:50]))(11) وَهَذَا الكَلاَم قَاطِعٌ فِي أَنَّ مَذْهَب السَّلَفِ فِي الصِّفَاتِ عِنْدَ الشَّيْخ الزَّوَاوِي هُوَ مَذْهَبُ التَّفْوِيضِ الَّذِي يَعْتَبِرُهُ (التَّيْمِيَّة!) الـمُجَسِّمَةِ مِنْ شَرِّ أَقْوَالِ أَهْلِ البِدَعِ؟!
وَلاَ شَكَّ أَنَّ كَلاَم الشَّيْخ الزَّوَاوِي هَهُنَا لَـمْ يُرِدْ بِهِ التَّأْوِيل بِإِطْلاَقٍ فَكَلاَمهُ يَنْصَبُّ كَمَا قَالَ عَلَى الَّذِينَ: ((يَتَقَعَّرُونَ فِي التَّأوِيلِ)) وَلَيْسَ الَّذِينَ يَتَأَوَّلُونَ تَأْوِيلاً مُنْضَبِطًا بِضَوَابِطِهِ الـمَذْكُورَةِ فِي مَظَانِّهَا، إِذْ هُوَ نَفْسهُ تَأَوَّلَ تَأْوِيلاً إِجْمَالِيًّا كَمَا مَرَّ مَعَكَ فِي بَعْضِ كَلاَمِهِ، وَلَـمْ يَقُل هُنَاكَ بِالظَّاهِر كَمَا هُوَ الأَصْلُ عِنْدَ (التَّيْمِيَّةِ!) الـمُجَسِّمَةِ، وَبِالتَّالِي فَكَلاَمُهُ لاَ يَتَنَاوَلُ بِأَيِّ حَالٍ تَأْوِيلاَت أَهْلِ السُّنَّةِ.
ثُـمَّ إِنَّهُ لاَ يُوجَد فِي أُصُولِ السَّادَةِ الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ مَنْ يَعِيبُ التَّفْوِيض بَلْ هُوَ كَالتَّأْوِيل طَرِيقٌ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُم، وَليْسَ مِنْ أُصُولِهِم كَذَلِكَ إِطْلاَقُ العَنَانِ بِلاَ زِمَامٍ وَلاَ خِطَامٍ لِلْتَّأْوِيل، بَلْ هُوَ عِنْدَهُم كَمَ سَبَقَ مُنْضَبِطٌ بِضَوَابِطٍ وَقَواعِدٍ مَذْكُورَةٍ فِي كُتُبِهِم، وَلاَ يُوجَد مِنْهُم مَنْ فَضَّلَ ((مَذْهَب!!!)) الخَلَفِ فِي التَّأْوِيل عَلَى ((مَذْهَب!!!)) السَّلَفِ فِي التَّفْوِيضِ كَمَا هُوَ حَاصِلُ كَلاَمِ الشَّيْخ الزَّوَاوِي؟! بَلْ إِنَّ مِنْهُم مَنْ يَقُولُ: ((طَرِيقَة!!!)) السَّلَفِ أَسْلَمُ وَ((طَرِيقَة!!!)) الـخَلَفِ أَحْكَمُ أَوْ أَعْلَمُ، وَشَتَّانَ بَيْنَ وَقْعِ لَفْظِ (الـمَذْهَب!) وَبَيْنَ مَدْلُولِ لَفْظِ (الطَّرِيقَة!) فِي هَذِهِ الـمَقُولَةِ؟! وَشَرْحُ هَذِهِ العِبَارَة لَهُ مَفْهُومٌ صَحِيحٌ كَمَا تَجِدْهُ فِي كَلاَم الشَّيْخ الـمُفَسِّر مُحَمَّد الطَّاهِر بن عَاشُور فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِ سُورَة آل عِمْرَان وَكذَلِكَ فِي كلاَمِ غَيْرِهِ مِنَ الأَئِمَّةِ(12).
وَنَحْنُ إِذْ نَعْتَبِرُ مَا أَوْرَدهُ الزَّوَاوِي مِنْ كَلاَمٍ فِي أَعْلَى الـمَقَالِ وَالَّذِي ظَاهِرهُ التَّفْرِيق بَيْن عَقِيدَة السَّلَف وَعَقِيدَة السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ، غَيْر سَلِيمٍ مِنَ النَّاحِيَةِ التَّعْبِيرِيَّةِ وَخَانَهُ فِيهِ الأُسْلُوب، وَأَنَّهُ غَيْر مُرَادٍ قَطْعًا بِدَلِيلِ مَا سَبَقَ بَيَانهُ وَمَا هُوَ آتٍ أَيْضًا مِنْ كَلاَمِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ يَعْكِسُ بَعْض التَّهَوُّرِ وَعَقْلِيَّة (الثَّوْرَة!) عَلَى كُلِّ مَا هُوَ قَدِيمٍ؟! وَالَّتِي كَانَتْ شِعَار مَا يُسَمَّى بِحِزْبِ الإِصْلاَحِ آنَذَاكَ؟!...وَهَذَا مَا يُفَسِّرُ ذَاكَ الأُسْلُوبِ الـحَادِّ الَّذِي سَبَقَت الإِشَارَة إِلَيْهِ...وَكَأَنَّ الزَّوَاوِي يَقُول: لاَ أُصُولَ أَشْعَرِيَّة وَلاَ مَاتُرِيدِيَّة إِلاَّ مَا وَافَقَ مِنْهَا عَقِيدَة السَّلَفِ؟! وَعَقِيدَةُ السَّلَفِ: أَنَّ الله مُنَزَّهٌ عَنِ التَّحَوُّلِ وَالاِنْتِقَالِ، وَأَنَّ كَلاَمَهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلاَ بِصَوْتٍ، وَأَنَّ رُؤْيَتَهُ جَلَّ وَعَزَّ يَوْم القِيَامَةِ مِنْ غَيْرِ اتِّصَالِ شُعَاعٍ وَلاَ مُقَابَلَةٍ فِي جِهَةٍ،...وَهَكَذَ؟! فَالرَّجُل يَدِينُ لله بأُصُولِ العَقِيدَةِ الأَشْعَرِيَّةِ وَيُسَمِّيهَا عَقِيدَة السَّلَف؟! وَلاَ نَزْعُم أَنَّ الرَّجُل أَشْعَرِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُوَافِقُ العَقِيدَة الأَشْعَرِيَّة بِحَيْثُ لاَ يَخْرُج عَنْهَا قَيْد أُنْمُلَةٍ، وَلَكِن الأَكِيد أَنَّهُ لاَ يَتَجَاوَز أُصُول التَّنْزِيهِ عِنْدَ القَوْمِ.
وَنُتْحِفُ القَارِئ بِبَعْضِ كَلاَمِ الزَّوَاوِي فِي أَهْل السُّنَّةِ وَالـجَمَاعَةِ السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ حَتَّى تَتَّضِحَ لَهُ الصُّورَة جَيِّداً:
قال الشَّيخ أبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي: ((هَذَا وقَدْ جَرَتْ العَادَة فِي مَدِينَة الـجَزَائِرِ بِعِمَارَةِ الـمَسَاجِدِ بِالدِّرَاسَةِ قَبْلَ صَلاَةِ التَّرَاوِيحِ أَوْ بَعْدَهَا، فَبَعْضُهَا فِي الـحَدِيثِ وبَعْضُهَا فِي التَّوْحِيدِ "عِلْمُ الكَلاَمِ" كَأَنَّهَا قَوَاعِدُ مُتَّبَعَةٌ لاَ تَكَادُ تُخَالَفُ. فَمِنَ الـمَسَاجِدِ الَّتِي يُدَرَّسُ فِيهَا عِلْمُ الكَلاَمِ مَسْجِدُ سِيدِي رَمْضَان حَيْثُ هَذَا العَبْدُ إِمَامٌ، فَدَرَّسْتُ هَذَا الفَنَّ مُنْذُ ثَمَانِ سِنِينَ وكُنتُ أَخَذْتُهُ عَنْ مَشَايِخَ عُظَمَاء كَالشَّيْخ عَبْد الله الكبلُوتِي القَاضِي، والشَّيْخ مَحْمُود جندِي البَاش عَدل إِذْ ذَاك، والشَّيْخَيْنِ ابْن زَكْرِي والـمَجَّاوِي، رَحِمَهُم الله أَجْمَعِينَ، وكَانُوا يُقَرِّرُونَ #عَقَائِدَ_أَهْل_السُّنَّةِ_مِنَ_الأَشَعَرِيَّة وَيَنْتَصِرُونَ لَـهَا دُونَ غَيْرِهَا، #ولاَ_بَأْسَ_فِي_ذَلِكَ_ولاَ_يُلاَمُونَ، إِلاَّ أَنَّهُم غَفَلُوا وتَغَافَلُوا وهُم هُم عَلَى الاِقْتِصَارِ عَلَى عَقَائِدِ السَّلَفِ لأَنَّهَا أَقَلُّ خَوْضًا فِي بَحْرِ عِلْمِ الكَلاَمِ الزَّاخِرِ الـمُتَلاَطِمِ الأَمْوَاجِ، وقَدْ لاَ يَسْلَمُ مِنَ العَطَبِ أَيُّ مَرْكَبٍ خَاضَ عُبَابَهُ وذَلكَ لِـمَا فِي الفَنِّ مِنْ الغُمُوض الَّذِي لاَ يُدْرَكُ كَمَا لاَ يُدْرَكُ الـمُتَعَلَّقُ بِهِ جَلَّ جَلاَلُهُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾))(13) فَعَقَائِدُ الأَشْعَرِيَّة مِنْ عَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَتَأَمَّل قَوْلهُ: "وكَانُوا يُقَرِّرُونَ عَقَائِدَ أَهْل السُّنَّةِ مِنَ الأَشَعَرِيَّة وَيَنْتَصِرُونَ لَـهَا دُونَ غَيْرِهَا " لِتُدْرِكَ أَنَّ الرَّجُل يَلُومُ مَنْ يَحْصُرُ الحَقَّ فِي طَرِيقَةِ التَّأْوِيلِ دُونَ غَيْرهَا أَيْ: التَّفْوِيضِ؟!
وَقَالَ الزَّواوي في رثاء وتأبين الشَّيخ مُصْطَفَى الشَّرْشَالِي صديقه وزميله في التَّلمذة على الشَّيخ ابن زَكْرِي الـمُفْتِي الأَشْعَرِي: ((وَكُنْتُ وَإِيَّاهُ لِأُسْتَاذِنَا #الـمَرْحُومِ_شَيْخِ_الـجَمَاعَةِ وَمُفْتِيهَا الشَّيْخِ مُحَمَّد السَّعِيد بَنْ زَكْرِي كَمَا قِيل...فَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ النَّاسِ وَأَعْرَفَهُم بِحَالِ الفَقِيد وَتَرْجَمَتِهِ وَسِيرَتِهِ وَ#عَقِيدَتِهِ_الـمَرْضِيَّةِ. أَمَّا عَقِيدَتُهُ فَحَنِيفٌ سَلَفِيٌّ مَمْلُوءٌ إِيمَانًا صَحِيحًا لاَ يُزَعْزِعُهُ مَا يُزَعْزِعُ الـجِبَالَ الرَّوَاسِيَ، كَيْفَ لاَ وَهُوَ تِلْمِيذُ وَصِهْرُ شَيْخ الـجَمَاعَة الـمَذْكُورِ #الأَشْعَرِيِّ فِي عِلْم الكَلاَمِ. وَنَظَرِيَّة فَقِيدنَا فِي الأَحْوَالِ العَصْرِيَّةِ إِصْلاَحِيَّةٌ عَلَى طَرِيقَةِ الأُسْتَاذِ الـمَرْحُومِ الشَّيْخ مُحَمَّد عَبْدُه...))(14)
ونَخْتِمُ هَذِهِ النِّقَالَ بِنَصٍّ مِنَ الشَّيخ الزَّواوي يَعْتَزُّ فِيهِ بِحِفْظِ مُتُون السَّنُوسيَّة والـجَوْهَرَةِ والنَسَفِيَّةِ بَلْ وَيَعْتَبِرُ هَذِهِ الأَخِيرَة مِنَ العَقَائِدِ الـمَرْضِيَّةِ عِنْدَ أَهل السُّنَّةِ قَاطِبَةً، وَاستَمِع إِلَيْهِ قَائِلاً: ((...فِي شَرْحِ #العَقَائِدِ_النَّسَفِيَّةِ_الشَّهِيرَةِ...وَكُنْتُ #حَفِظْتُهَا كَمَا #حَفِظْتُ_السَّنُوسِيَّةَ_وَالـجَوْهَرَةَ_التَّوْحِيدِيَّةَ...وَنَصُّ الـمَقْصُودِ فِي الـخِلاَفَةِ فِي العَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ الشَّهِيرَةِ #الـمَرْضِيَّةِ_عِنْدَ_أَهْلِ_السُّنَّةِ_قَاطِبَةً هُوَ:...))(15)
وَفِي الأَخِيرِ نَقُولُ: صَحِيحٌ أَنَّ الشَّيْخ الزَّوَاوِي كَانَ (#وَهَّابِيًّا!) مُتَحَرِّقًا فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِمَسَائِلِ القُبُورِ وَالتَّصَوُّفِ وَغَيْرهَا؟! بَل قَد وَلَجَ فِيهَا أَوْحَالَ (#التَّكْفِير!) وَاتِّهَامِ الأَبْرِيَاءِ بِالعَظَائِمِ؟! وَوَصَلَ بِهِ الحَدُّ إِلَى اتَّهَام الأُمَّة الـجَزَائِرِيَّة بِالغَرَقِ فِي (الشِّرْكِ الأَكْبَرِ!)؟! وَلَكِنَّهُ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لَـمْ يَكُن (#تَيْمِيًّا!) (#مُجَسِّمًا!) بَلْ كَانَ مُنَزِّهًا كمَا مَرَّ مَعَك.
وَاللهُ الـمُوَفِّق
_______________
(1) كِتَاب "الإِسْلاَم الصَّحِيح" ضمن: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (4/139-140)، تصدير: الشَّيخ محمَّد الصَّالح الصِّدِّيق وتقديم: الدُّكْتُور محمَّد نَاصر وجمع وإعداد: عبد الرَّحمن دويب ومحمَّد الأَمِين فُضيل، دار زَمُّورَة للنَّشْر والتَّوْزِيع-الجزائر، طَبْعَة خَاصَّة:2013م
(2) تَأَمَّل مِصْدَاقَ "التَّنْبِيه" فِي مَدْخَلِ الـمَقَالِ حَوْلَ أُسْلُوبِ الشَّيْخِ الزَّوَاوِي، حَيْثُ يَقُولُ عَنِ الخِلاَفِ مَعَ الإِبَاضِيَّة ضِمْن فَتْوَى مُؤَرَّخَةٍ عَام:1342هـ-1924م، مَا نَصُّهُ: ((فَهُم- يقصد الإِبَاضِيَّة- مُسْلِمُونَ مُؤْمِنُونَ مِنْ جُمْلَةِ الطَّوَائِفِ الإسْلاَمِيَّةِ الكَثِيرَةِ الـمُتَخَالِفَةِ فِي الفُرُوعِ، الـمُتَّحِدَةِ فِي الأُصُولِ)).انْتَهَى مِن [الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (2/261)]؟! فَإِذَا كَانَتْ الأُصُول مُتَّحِدَةً -كَمَا يَزْعُم؟!- فَمَا مَعْنَى التَّبَرِّي أَعْلاَهُ؟!
(3) مَقَال: "توحيد التَّربية والتَّعليم والرُّجُوع إِلَى مَذْهَب السَّلَف (1)" عَلَى الشِّهَابِ: 1345هـ-1926م العدد:54، نقلاً عَنْ: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (2/36-37)
(4) مَقَال على جريدة الشِّهاب:1353هـ-1934م الجزء:6 الـمجلَّد:10، نقلاً من: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/453)
(5) كِتَاب "الـخُطَب الـمِنْبَرِيَّة" ضمن: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (4/72-73)
(6) جَرِيدَةُ البَلاَغِ الـجَزَائِرِيِّ: 1346هـ-1928م العدد:66، نقلاً عَن: الشَّيْخِ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (1/413)
(7) صَحِيح مُسْلم بِشَرْح النَّوَوِي (3/16-17)، الـمَطْبَعَة الـمصْرِيَّة بِالأَزْهَر، الطَّبْعَة الأُوْلَى: 1347هـ-1929م
( جريدة البصائر: 1355هـ-1937م العدد:49، نقلاً عن الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (1/543)
(9) رِحْلَة الشَّيْخ الطَّيِّب الـمهَاجِي الوَهْرَانِي "أَنْفَسُ الذَّخَائِرِ وَأَطْيَبُ الـمَآثِرِ فِي أهَـمِّ مَا اتَّفَقَ لِي فِي الـمَاضِي وَالـحَاضِرِ" (6/105-107)، ضِمْنَ: رحَلاَت جَزَائِرِيَّة مَجْمُوع رحْلاَت لِعَدَّة مُؤَلِّفِين، دَار الـمَعْرِفَة الدَّوْلِيَّة لِلنَّشْرِ وَالتَّوْزِيع- الـجزائر:2011م
(10) "الإِسْلاَمُ الصَّحِيح" ضمن: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (4/22)
(11) مقال "مَرَاتِبُ العِبَادَة ثَلاَثٌ" على جريدة الشِّهاب:1351هـ-1933م، الـجزء:5 المجلَّد:9 ص:194-200، نقلاً عن: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (1/488-489)
(12) رَاجِع:
https://www.facebook.com/yacine.ben.rabie/posts/1492561114311853
(13) جريدة البلاغ الـجزائري: 1346هـ-1928م العدد:58، نقلاً عَن: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (1/405)
(14) جريدة البلاغ الـجزائري: 1347هـ-1928م العدد:80، نقلاً عن: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/405)
(15) مقال "لاَ تَصِحُّ الـخِلاَفَة لِغَيْرِ قرشِيٍّ شَرْعًا" على جريدة البلاغ الـجزائري: 1350هـ-1931م العدد: 240: الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/154-155) وكرَّر هذا أيضًا في كتابه "جَمَاعَة الـمُسْلِمِينَ" حيث قال: ((وَبِهَذَا أَخَذَ الإِمَامُ النَّسَفِي فِي #عَقِيدَتِهِ_الـمُعْتَبَرَة)) "الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (4/32)". ويلاحظ في هذا الـمقال وغيره أنَّ "أَئِمَّة عِلْم العَقَائِد" كما يطلق عليهم الشَّيخ الزَّواوي هُم السَّادة الأشاعرة والـماتريديَّة فهم عمدته وقبلته في تحرير الـمسائل العقديَّة!
رد: أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين
#أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّينَ 3!
لاَ شَكَّ أَنَّ الرَّئِيس الأَوَّل لِجَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس كَانَ يَغْرِزُ فِي تَلاَمِذَتِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، لِتَحْمِلَ هَذِهِ النُّخْبَة رِسَالَة تَبْلِيغ عَقِيدَة أَهْلِ السُّنَّة وَالجَمَاعَةِ إِلَى الأَجْيَالِ، وَتَصْدَعَ بِهَا فِي شَتَّى البِقَاعِ وَالأَصْقَاعِ.
وَفِي هَذَا الصَّدَد يُوَضِّحُ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي مَعَالَـمِ هَذِه الطَّرِيقَة السَّلَفِيَّة فِي تَقْدِيمِهِ لِعَقِيدَة رَفِيقَ دَرْبِه الشَّيْخ ابْن بَادِيس، فَيَقُول: ((هذه عدَّة دُرُوسٍ دِيِنيَّة، مِـمَّا كَانَ يُلْقِيهِ أَخُونَا الإمَام الـمَبْرُور الشَّيْخ عَبْد الْـحَمِيد بن بَادِيس -إِمَام النَّهْضَة الدِّينِيَّة وَالعَرَبيَّة وَالسِّيَاسِيَّة فِي الْـجَزَائِرِ غَيْر مُدَافَعٍ- عَلَى تَلاَمِذَتهِ فِي الـجَامعِ الأَخْضَر بـِمَدِينَةِ قَسنْطِينَة فِي أُصُول العَقَائِد الإِسْلاَميَّةِ وأَدِلَّتِهَا مِنَ القُرْآنِ، عَلَى الطَّرِيقَةِ السَّلَفِيَّة الَّتِي اتَخَذَتْهَا جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الـجَزَائِرِيِّينَ مِنْهَاجًا لَـهَا بَعْدَ ذَلكَ، وبَنَتْ عَلَيْها جَمِيع مَبَادِئهَا ومَنَاهِجهَا فِي الإِصْلاَحِ الدِّينِي، مُسْتَرْشِدَةً بِتِلْكَ الأُصُولِ الَّتِي كَانَ الإِمَام -رَحِمَهُ الله- يَأْخُذُ بِهَا تَلاَمِذَته قَبْلَ تَأْسِيسِ الـجَمْعِيَّة))(1) فَالشَّيْخ ابْن بَادِيس حَرَصَ قَبْل وَبَعْدَ تَأْسِيس الْجَمْعِيَّة عَلَى طَبْعِ تَلاَمِذَتِهِ بِأُصُولِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة القَائِمَة عَلَى رَبْطِ العَقَائِد الإِسْلاَمِيَّة بِأَدِلَّتِهَا السَّنِيَّةِ، فَالأُصُول العَقَدِيَّة لِلْشَّيْخ هِيَ هِيَ لَـمْ تَتَغَيَّر وَلَـمْ تَتَحَوَّل عَلَى مَرِّ سِيرَته فِي التَّعْلِيمِ.
وَيُؤَكِّدُ الشَّيْخ الإِبْرَاهِيمِي عَلَى الدَّافِع مِنْ وَرَاءِ إِصْرَارِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَة فَيَقُول: ((كَانَ [ابْن بَادِيس] يُمَهِّدُ فِي نُفُوسِ تَلاَمِذَتِهِ وَالـمُسْتَمِعِينَ إِلَى دُرُوسِهِ، لِيَكُونُوا فِي يَوْمٍ مَا قَادَتهَا وَأَعْوَانهَا، وَحَامِلِي أَلْوِيَتهَا وَمُنَفِّذِي مَبَادِئهَا، ونَاشِرِي الطَّرِيقَة السَّلَفِيَّة الشَّامِلَة فِي العِلْمِ والعَمَلِ وسَائِر فُرُوعِ الإِصْلاَحِ الدِّينِي. كَانَ الإِمَام الـمَبْرُور يَصْرِفُ تَلاَمِذَته مِنْ جَمِيع الطَّبَقَاتِ عَلَى تِلْكَ الطَّرِيقَة السَّلَفِيَّة))(2) إِذًا: فَالشَّيْخ ابْن بَادِيس بَثَّ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة عَلَى الطَّرِيقَةِ السَّلَفِيَّة فِي تَلاَمِذَتِهِ مِنْ جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ لِيَحْمِلُوا هُم بِدَوْرِهِم الـمَشْعَل، وَأَمَانَة التَّبْلِيغِ لِلأَجْيَال، وَالذَّوْدِ عَنْ حِمَى هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة.
وَيُقَيِّمُ الشَّيْخ البَشْير الإِبْرَاهِيمِي نِتَاجَ هَذِهِ الطَّرِيقَة السَّلَفِيَّة فِي بَثِّ العَقِيدَةِ السَّلَفِيَّة فَيَقُولُ: ((والإمَام رَضِيَ الله عنْهُ كَانَ مُنْذُ طَلَبِهِ لِلْعِلْمِ بِتُونس قَبْلَ ذَلْكَ -وهُوَ فِي مُقْتَبَلِ الشَّبَابِ- يُنْكِرُ بِذَوْقِهِ مَا كَانَ يَبْنِي عَلَيْهِ مَشَائِخه مِنْ تَرْبِيَةِ تَلاَمِذَتِهِم عَلَى طَرِيقَة الـمُتَكَلِّمِين فِي العَقَائِدِ الإِسْلاَمِيَّة، ويَتَمَنَّى أَنْ يُـخَرِّجَهُم عَلَى الطَّرِيقَة القُرْآنِيَّة السَّلَفِيَّة فِي العَقَائِد يَوْمَ يُصبِحُ مُعَلِّمًا، وقَدْ بَلَّغهُ الله أُمْنِيَّتَهُ: فَأَخْرَجَ لِلْأُمَّةِ أَجْيَالاً عَلَى هَذِهِ الْطَّرِيقَةِ الْسَّلَفِيَّةِ قَامُوا بِحَمْلِ الأَمَانَةِ مِنْ بَعْدِهِ))(3)
وَفِي هَذَا الكَلاَم تَقْرِير فَذْلَكَة جِدُّ مُهِمَّةٍ:
أَوَّلاً: ظَاهِر كَلاَم الشَّيْخ الإِبْراهِيمِي أَنَّ الشَّيْخ ابْن بَادِيس حَتَّى وَهُوَ طَالِبٌ بِالزَّيْتُونَةِ كَانَ يُنْكِر تَعْلِيم العَقِيدَة الإِسْلاَمِيَّة لِلتَّلاَمِذَةِ عَلَى (طَرِيقَةِ!) لاَ (عَقِيدَة!) الـمُتَكَلِّمِينَ؟!
وَلِاسْتِبْيانِ هَذَا الاِطْلاَق يَحْسُنُ فَهْمهُ فِي ظِلِّ كَلاَمِ الشَّيْخِ ابْن بَادِيس نَفْسُهُ وَنَكْتَفِي هَهُنَا بِنَصِّ وَاحِدٍ يُجَلِّي الـمَرَام، حَيْثُ كَتَبَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي وَفَاةِ الإِمَام العَلاَّمَة مُحَمَّد بخِيت الـمُطِيعِي مَا نَصُّهُ: ((تَصَدَّى لِـخِدْمَةِ العِلْمِ وَالاِزْدِيَاد مِنْهُ بِالتَّدْرِيسِ بِجِدٍّ مُنْقَطِع النَّظِيرِ وَمُدَاوَمَةٍ لَيْسَ فِيهَا فُتُورٌ، فَكَانَ عَلَمًا فِي سَائِرِ العُلُوم الأَزْهَريَّةِ، وَكَانَ مُمْتَازًا بَيْنَ كُبَرَاءِ الأَزْهَرِ بِتَحْقِيقِ #الأَصْلَيْنِ: #عِلْم_الكَلاَمِ وَأُصُول الفِقْهِ وَكَانَ بِسعَةِ عِلْمِهِ وَقُوَّةِ اِدْرَاكِهِ وَتَمْيِيزِهِ يَرْفَعُ الـخِلاَفَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أُمَّهَاتِ الـمَسَائِلِ ويُبَيِّن أَنَّ الـخِلاَفَ فِيهَا لَفْظِيٌّ وَأَنَّ أَصْلَ الـمَسْأَلَةِ مَحَلّ اِتِّفَاقٍ))(4) فَلَوْ كَانَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس يُنْكِرُ (طَرِيقَة!) الـمُتَكَلِّمِينَ بإِطْلاَقٍ لَـمَا جَعَلَ مِنْ عِلْمِ الكَلاَمِ أَحَد الأَصْلَيْنِ فِي العُلُومِ الإِسْلاَمِيَّة قَبْل عِلْم أُصُول الفِقْهِ، فِي الذَّبِّ عَلَى العَقِيدَةِ الإِسْلامِيَّة بِالحُجَجِ العَقْلِيَّةِ؟! وَلَوْ كَانَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس يُنْكِرُ )عَقِيدَة!) الـمُتَكَلِّمِينَ كُلّهُم لَـمَا بَرَّزَ وَمَيَّزَ العَلاَّمَة الـمُطِيعِي بِعِلْم الكَلاَم وَقَدْ عَلِمَتْ حَتَّى العَذْرَاء فِي خِدْرِهَا فَضْلاً عَن الشَّيْخ ابْن بَادِيس أنَّ العَلاَّمَة الـمُطِيعِي الـمَذْكُور نَصَرَ عَقِيدَة أَهْل السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ السَّادَة الأَشَاعِرَة وَالـمَاتُرِيدِيَّة وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الحَدِيث فِي دُرُوسِهِ وَتَوَالِيفِهِ، وَقَد بَرَزَ رَحِمَهُ الله وَاشْتُهِرَ بِشَرْحِهِ الـمَعْرُوف عَلَى الخَرِيدَة البَهِيَّة، وَشَرْحهُ هَذَا أَشْهَر مِنْ نَارٍ عَلَى عَلَمٍ؟!
وَعَلَى هَذَا، فَكَلاَم الشَّيْخ الإِبْرَاهِيمِي مَحْمُولٌ وَالله أَعْلَم عَلَى أَنَّ الشَّيْخ ابْن بَادِيس كَانَ يُفَضِّل تَدْرِيس العَقِيدَة الإِسْلاَمِيَّة لِلْطَّلَبَة مِنْ غَيْرِ ذَوِي التَّخَصُّصِ وَفِي مَرَاحِلَ مُعَيَّنَةٍ بِعَرْضِهَا سَلِسَة مُبَسَّطَة مَقْرُونَة بِأَدِلَّتِهَا مِنْ دُونِ خَوْضٍ أَوْ تَعَمُّقٍ فِي الـمَبَاحِث الكَلاَمِيَّة حَتَّى لاَ يَتِيهَ الطَّالِب الـمُبْتَدِئ أَوْ العَامِي فِي الدَّرْس فِي مَتَاهَاتٍ قَدْ يَصْعُب عَلَيْهِ الخُرُوج مِنْ بَرَاثِنِهَا وَهُوَ خُلُوٌّ غَيْر مُتَمَكِّنٌ بَعْدُ مِنْ عُلُوم الآلَةِ تَمَامًا كَمَا جَاءَ فِي أُسْلُوبِهِ هُوَ نَفْسُهُ فِي رِسَالَتِهِ الـمَعْرُوفَةِ فِي العَقَائِد الإِسْلاَمِيَّة، أَوْ أَنَّهُ -ابْن بَادِيس-كَانَ يُنْكِرُ الاِيغَال فِي الـمُمَاحَكَات الكَلاَمِيَّة عَلَى حِسَابِ إِرْجَاعِ الأُصُول الكَلاَمِيَّة إلَى أَدِلَّتِهَا الشَّرْعِيَّة؟!...الخ الاِحْتِمَالاَتِ الَّتِي قَدْ لاَ تَخْلُو عُمُومًا مِنْ مَقَالٍ؟!
ثَانِيًا: تَبَنَّتْ جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ فِي تَدْرِيس العَقَائِد الإِسْلاَمِيَّة الطَّرِيقَة السَّلَفِيَّة القَائِمَة عَلَى عَرْضِ هَذِهِ العَقَائِد سَلِسَةً مُبَسَطَةً مَقْرُونَةً بِأَدِلَّتِهَا مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ دُونِ خَوْضٍ فِي الـمَبَاحِث الكَلاَمِيَّة عَلَى وِفْق مَا ذُكر سَابِقًا. وَيَتَوَجَّبُ التَّنْبِيه هَهُنَا إِلَى أَنَّهُ فِي حَالِ وَقِيلَ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَة بِأَنَّهَا صَالِحَة عِنْدَ انْعِدَامِ الشُّبُهَات العَقَدِيَّة فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ بِحَالٍ اعْتِمَادهَا هَكَذَا كَمَا هِيَ عِنْدَ ظُهُور البِدَع العَقَدِيَّة وَلاَ فِي الرَّدِّ عَلَى شَتَّى الشُّبُهَات الَّتِي كَانَتْ وَلاَتَزَالُ تَعْتَرِي الـمُسْلِم فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ مِنَ الْـمَلاَحِدَةِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِم، فَلاَ بُدَّ إذًا مِنْ مَعْرِفَةِ شَيْء مِنَ الأُصُول الكَلاَمِيَّة وَالحُجَجِ العَقْلِيَّة. وَلِهَذَا كَانَتْ طَرِيقَة الإِمَام السَّنُوسِي أَحْسَن عِنْدَ التَّأَمُّلِ، وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى تَكَلُّفِ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي فِي مُحَاوَلَةِ إِعَابَتِهَا؟!
ثَالِثًا: شَهَادَةُ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي بِأَنَّ الشَّيْخ ابْن بَادِيس قَدْ نَجَحَ فِي طَبْعِ تَلاَمِذَته بِهَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّةِ، وَأَنَّهُ كَوَّنَ جِيلاً مِنْ الطُّلاَّبِ حَمَلُوا عَلَيْهِ هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة وَبَلَّغُوهَا بِأَمَانَةٍ لِلْأُمَّةِ. وَهُنَا البَيْتُ القَصِيد. فَلاَ غَرْوَ أَنَّ يَكُونَ أَوْلَى النَّاسِ بِـمَعْرِفةِ أُصُول هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة وَأَقْرَبهُم لِأَنْ يَكُونُوا قَادَتهَا وَأَعْوَانهَا وَحَامِلِي أَلْوِيَتهَا وَمُنَفِّذِي مَبَادِئهَا -كَمَا قَالَ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي- هُم: تَلاَمِذَةُ الشَّيْخ ابْن بَادِيس وَأَصْحَابهُ وَخَاصَّتهُ وَالـمُلاَزِمُونَ لَهُ مِنَ الَّذِينَ دَرَسُوا عَلَيْهِ تِلْكَ العَقَائِد وَسَبَرُوا غَوْرَهَا وَتَخَرَّجُوا بِهَا عَلَى يَدَيْهِ. فَلاَ يُعْقَلُ أَنْ تَنْعَدِمَ هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة وَلاَ يُعْثَرُ لَهَا عَلَى شِبْهِ أَثَرٍ عِنْدَ خَوَاصِّ تَلاَمِذَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس كُلّهم هَكَذَا عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِم؟!
فَمَا هِيَ مَعَالِـمُ هَذِهِ العَقِيدَة السَّلفيَّة الَّتِي غَرَزَهَا الشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي خَوَاصِّ تَلاَمِذَتِهِ وَالَّذِينَ اعْتَمَدَ الشَّيْخ نَفْسهُ عَلَى كَفَاءَتِهِم وَدِيَانَتِهِم لِيُبَلِّغُوهَا إِلَى الأُمَّةِ؟!
الجَوَاب وَبِبَسَاطَةٍ هُوَ أَنَّ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة عِنْدَ خَوَاص تَلاَمِذَة الشَّيْخ ابْن بَادِيس هِيَ نَفْسهَا العَقِيدَة الأَشْعَرِيَّة وَهِيَ هِيَ عَقِيدَةُ الشَّيْخ ابْن بَادِيس وَمَشَايِخ جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الـجَزَائِريِّينَ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَلَى طَرِيقَي: التَّأْوِيل أَو التَّفْوِيض؟!
وَنَبْدَأُ بِذِكْرِ كَلاَم الشَّيْخ عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَانِي وَهُوَ مِنْ خَوَاصِّ تَلاَمِذَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس:
(يُتْبَع)...
____________
(1) تَقْدِيم الشَّيْخ مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي لِرِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان، (ص:11)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(2) الـمَصْدَر السَّابِق: (ص:12)
(3) الـمَصْدَر السَّابِق: (ص:16)
(4) مقال: "العَلاَّمة الأُسْتَاذ الشَّيْخ محمَّد بخِيت الـمُطِيعِي رَحِمَهُ الله"، الشِّهَاب:1354هـ-1935م الـمُجَلَّد:11 الجُزْء:11، نَقْلاً عَنِ: الآثَار (3/100)، وَزَارَة الثَّقَافَة-الجَزَائِر
لاَ شَكَّ أَنَّ الرَّئِيس الأَوَّل لِجَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس كَانَ يَغْرِزُ فِي تَلاَمِذَتِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، لِتَحْمِلَ هَذِهِ النُّخْبَة رِسَالَة تَبْلِيغ عَقِيدَة أَهْلِ السُّنَّة وَالجَمَاعَةِ إِلَى الأَجْيَالِ، وَتَصْدَعَ بِهَا فِي شَتَّى البِقَاعِ وَالأَصْقَاعِ.
وَفِي هَذَا الصَّدَد يُوَضِّحُ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي مَعَالَـمِ هَذِه الطَّرِيقَة السَّلَفِيَّة فِي تَقْدِيمِهِ لِعَقِيدَة رَفِيقَ دَرْبِه الشَّيْخ ابْن بَادِيس، فَيَقُول: ((هذه عدَّة دُرُوسٍ دِيِنيَّة، مِـمَّا كَانَ يُلْقِيهِ أَخُونَا الإمَام الـمَبْرُور الشَّيْخ عَبْد الْـحَمِيد بن بَادِيس -إِمَام النَّهْضَة الدِّينِيَّة وَالعَرَبيَّة وَالسِّيَاسِيَّة فِي الْـجَزَائِرِ غَيْر مُدَافَعٍ- عَلَى تَلاَمِذَتهِ فِي الـجَامعِ الأَخْضَر بـِمَدِينَةِ قَسنْطِينَة فِي أُصُول العَقَائِد الإِسْلاَميَّةِ وأَدِلَّتِهَا مِنَ القُرْآنِ، عَلَى الطَّرِيقَةِ السَّلَفِيَّة الَّتِي اتَخَذَتْهَا جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الـجَزَائِرِيِّينَ مِنْهَاجًا لَـهَا بَعْدَ ذَلكَ، وبَنَتْ عَلَيْها جَمِيع مَبَادِئهَا ومَنَاهِجهَا فِي الإِصْلاَحِ الدِّينِي، مُسْتَرْشِدَةً بِتِلْكَ الأُصُولِ الَّتِي كَانَ الإِمَام -رَحِمَهُ الله- يَأْخُذُ بِهَا تَلاَمِذَته قَبْلَ تَأْسِيسِ الـجَمْعِيَّة))(1) فَالشَّيْخ ابْن بَادِيس حَرَصَ قَبْل وَبَعْدَ تَأْسِيس الْجَمْعِيَّة عَلَى طَبْعِ تَلاَمِذَتِهِ بِأُصُولِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة القَائِمَة عَلَى رَبْطِ العَقَائِد الإِسْلاَمِيَّة بِأَدِلَّتِهَا السَّنِيَّةِ، فَالأُصُول العَقَدِيَّة لِلْشَّيْخ هِيَ هِيَ لَـمْ تَتَغَيَّر وَلَـمْ تَتَحَوَّل عَلَى مَرِّ سِيرَته فِي التَّعْلِيمِ.
وَيُؤَكِّدُ الشَّيْخ الإِبْرَاهِيمِي عَلَى الدَّافِع مِنْ وَرَاءِ إِصْرَارِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَة فَيَقُول: ((كَانَ [ابْن بَادِيس] يُمَهِّدُ فِي نُفُوسِ تَلاَمِذَتِهِ وَالـمُسْتَمِعِينَ إِلَى دُرُوسِهِ، لِيَكُونُوا فِي يَوْمٍ مَا قَادَتهَا وَأَعْوَانهَا، وَحَامِلِي أَلْوِيَتهَا وَمُنَفِّذِي مَبَادِئهَا، ونَاشِرِي الطَّرِيقَة السَّلَفِيَّة الشَّامِلَة فِي العِلْمِ والعَمَلِ وسَائِر فُرُوعِ الإِصْلاَحِ الدِّينِي. كَانَ الإِمَام الـمَبْرُور يَصْرِفُ تَلاَمِذَته مِنْ جَمِيع الطَّبَقَاتِ عَلَى تِلْكَ الطَّرِيقَة السَّلَفِيَّة))(2) إِذًا: فَالشَّيْخ ابْن بَادِيس بَثَّ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة عَلَى الطَّرِيقَةِ السَّلَفِيَّة فِي تَلاَمِذَتِهِ مِنْ جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ لِيَحْمِلُوا هُم بِدَوْرِهِم الـمَشْعَل، وَأَمَانَة التَّبْلِيغِ لِلأَجْيَال، وَالذَّوْدِ عَنْ حِمَى هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة.
وَيُقَيِّمُ الشَّيْخ البَشْير الإِبْرَاهِيمِي نِتَاجَ هَذِهِ الطَّرِيقَة السَّلَفِيَّة فِي بَثِّ العَقِيدَةِ السَّلَفِيَّة فَيَقُولُ: ((والإمَام رَضِيَ الله عنْهُ كَانَ مُنْذُ طَلَبِهِ لِلْعِلْمِ بِتُونس قَبْلَ ذَلْكَ -وهُوَ فِي مُقْتَبَلِ الشَّبَابِ- يُنْكِرُ بِذَوْقِهِ مَا كَانَ يَبْنِي عَلَيْهِ مَشَائِخه مِنْ تَرْبِيَةِ تَلاَمِذَتِهِم عَلَى طَرِيقَة الـمُتَكَلِّمِين فِي العَقَائِدِ الإِسْلاَمِيَّة، ويَتَمَنَّى أَنْ يُـخَرِّجَهُم عَلَى الطَّرِيقَة القُرْآنِيَّة السَّلَفِيَّة فِي العَقَائِد يَوْمَ يُصبِحُ مُعَلِّمًا، وقَدْ بَلَّغهُ الله أُمْنِيَّتَهُ: فَأَخْرَجَ لِلْأُمَّةِ أَجْيَالاً عَلَى هَذِهِ الْطَّرِيقَةِ الْسَّلَفِيَّةِ قَامُوا بِحَمْلِ الأَمَانَةِ مِنْ بَعْدِهِ))(3)
وَفِي هَذَا الكَلاَم تَقْرِير فَذْلَكَة جِدُّ مُهِمَّةٍ:
أَوَّلاً: ظَاهِر كَلاَم الشَّيْخ الإِبْراهِيمِي أَنَّ الشَّيْخ ابْن بَادِيس حَتَّى وَهُوَ طَالِبٌ بِالزَّيْتُونَةِ كَانَ يُنْكِر تَعْلِيم العَقِيدَة الإِسْلاَمِيَّة لِلتَّلاَمِذَةِ عَلَى (طَرِيقَةِ!) لاَ (عَقِيدَة!) الـمُتَكَلِّمِينَ؟!
وَلِاسْتِبْيانِ هَذَا الاِطْلاَق يَحْسُنُ فَهْمهُ فِي ظِلِّ كَلاَمِ الشَّيْخِ ابْن بَادِيس نَفْسُهُ وَنَكْتَفِي هَهُنَا بِنَصِّ وَاحِدٍ يُجَلِّي الـمَرَام، حَيْثُ كَتَبَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي وَفَاةِ الإِمَام العَلاَّمَة مُحَمَّد بخِيت الـمُطِيعِي مَا نَصُّهُ: ((تَصَدَّى لِـخِدْمَةِ العِلْمِ وَالاِزْدِيَاد مِنْهُ بِالتَّدْرِيسِ بِجِدٍّ مُنْقَطِع النَّظِيرِ وَمُدَاوَمَةٍ لَيْسَ فِيهَا فُتُورٌ، فَكَانَ عَلَمًا فِي سَائِرِ العُلُوم الأَزْهَريَّةِ، وَكَانَ مُمْتَازًا بَيْنَ كُبَرَاءِ الأَزْهَرِ بِتَحْقِيقِ #الأَصْلَيْنِ: #عِلْم_الكَلاَمِ وَأُصُول الفِقْهِ وَكَانَ بِسعَةِ عِلْمِهِ وَقُوَّةِ اِدْرَاكِهِ وَتَمْيِيزِهِ يَرْفَعُ الـخِلاَفَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أُمَّهَاتِ الـمَسَائِلِ ويُبَيِّن أَنَّ الـخِلاَفَ فِيهَا لَفْظِيٌّ وَأَنَّ أَصْلَ الـمَسْأَلَةِ مَحَلّ اِتِّفَاقٍ))(4) فَلَوْ كَانَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس يُنْكِرُ (طَرِيقَة!) الـمُتَكَلِّمِينَ بإِطْلاَقٍ لَـمَا جَعَلَ مِنْ عِلْمِ الكَلاَمِ أَحَد الأَصْلَيْنِ فِي العُلُومِ الإِسْلاَمِيَّة قَبْل عِلْم أُصُول الفِقْهِ، فِي الذَّبِّ عَلَى العَقِيدَةِ الإِسْلامِيَّة بِالحُجَجِ العَقْلِيَّةِ؟! وَلَوْ كَانَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس يُنْكِرُ )عَقِيدَة!) الـمُتَكَلِّمِينَ كُلّهُم لَـمَا بَرَّزَ وَمَيَّزَ العَلاَّمَة الـمُطِيعِي بِعِلْم الكَلاَم وَقَدْ عَلِمَتْ حَتَّى العَذْرَاء فِي خِدْرِهَا فَضْلاً عَن الشَّيْخ ابْن بَادِيس أنَّ العَلاَّمَة الـمُطِيعِي الـمَذْكُور نَصَرَ عَقِيدَة أَهْل السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ السَّادَة الأَشَاعِرَة وَالـمَاتُرِيدِيَّة وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الحَدِيث فِي دُرُوسِهِ وَتَوَالِيفِهِ، وَقَد بَرَزَ رَحِمَهُ الله وَاشْتُهِرَ بِشَرْحِهِ الـمَعْرُوف عَلَى الخَرِيدَة البَهِيَّة، وَشَرْحهُ هَذَا أَشْهَر مِنْ نَارٍ عَلَى عَلَمٍ؟!
وَعَلَى هَذَا، فَكَلاَم الشَّيْخ الإِبْرَاهِيمِي مَحْمُولٌ وَالله أَعْلَم عَلَى أَنَّ الشَّيْخ ابْن بَادِيس كَانَ يُفَضِّل تَدْرِيس العَقِيدَة الإِسْلاَمِيَّة لِلْطَّلَبَة مِنْ غَيْرِ ذَوِي التَّخَصُّصِ وَفِي مَرَاحِلَ مُعَيَّنَةٍ بِعَرْضِهَا سَلِسَة مُبَسَّطَة مَقْرُونَة بِأَدِلَّتِهَا مِنْ دُونِ خَوْضٍ أَوْ تَعَمُّقٍ فِي الـمَبَاحِث الكَلاَمِيَّة حَتَّى لاَ يَتِيهَ الطَّالِب الـمُبْتَدِئ أَوْ العَامِي فِي الدَّرْس فِي مَتَاهَاتٍ قَدْ يَصْعُب عَلَيْهِ الخُرُوج مِنْ بَرَاثِنِهَا وَهُوَ خُلُوٌّ غَيْر مُتَمَكِّنٌ بَعْدُ مِنْ عُلُوم الآلَةِ تَمَامًا كَمَا جَاءَ فِي أُسْلُوبِهِ هُوَ نَفْسُهُ فِي رِسَالَتِهِ الـمَعْرُوفَةِ فِي العَقَائِد الإِسْلاَمِيَّة، أَوْ أَنَّهُ -ابْن بَادِيس-كَانَ يُنْكِرُ الاِيغَال فِي الـمُمَاحَكَات الكَلاَمِيَّة عَلَى حِسَابِ إِرْجَاعِ الأُصُول الكَلاَمِيَّة إلَى أَدِلَّتِهَا الشَّرْعِيَّة؟!...الخ الاِحْتِمَالاَتِ الَّتِي قَدْ لاَ تَخْلُو عُمُومًا مِنْ مَقَالٍ؟!
ثَانِيًا: تَبَنَّتْ جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ فِي تَدْرِيس العَقَائِد الإِسْلاَمِيَّة الطَّرِيقَة السَّلَفِيَّة القَائِمَة عَلَى عَرْضِ هَذِهِ العَقَائِد سَلِسَةً مُبَسَطَةً مَقْرُونَةً بِأَدِلَّتِهَا مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ دُونِ خَوْضٍ فِي الـمَبَاحِث الكَلاَمِيَّة عَلَى وِفْق مَا ذُكر سَابِقًا. وَيَتَوَجَّبُ التَّنْبِيه هَهُنَا إِلَى أَنَّهُ فِي حَالِ وَقِيلَ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَة بِأَنَّهَا صَالِحَة عِنْدَ انْعِدَامِ الشُّبُهَات العَقَدِيَّة فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ بِحَالٍ اعْتِمَادهَا هَكَذَا كَمَا هِيَ عِنْدَ ظُهُور البِدَع العَقَدِيَّة وَلاَ فِي الرَّدِّ عَلَى شَتَّى الشُّبُهَات الَّتِي كَانَتْ وَلاَتَزَالُ تَعْتَرِي الـمُسْلِم فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ مِنَ الْـمَلاَحِدَةِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِم، فَلاَ بُدَّ إذًا مِنْ مَعْرِفَةِ شَيْء مِنَ الأُصُول الكَلاَمِيَّة وَالحُجَجِ العَقْلِيَّة. وَلِهَذَا كَانَتْ طَرِيقَة الإِمَام السَّنُوسِي أَحْسَن عِنْدَ التَّأَمُّلِ، وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى تَكَلُّفِ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي فِي مُحَاوَلَةِ إِعَابَتِهَا؟!
ثَالِثًا: شَهَادَةُ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي بِأَنَّ الشَّيْخ ابْن بَادِيس قَدْ نَجَحَ فِي طَبْعِ تَلاَمِذَته بِهَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّةِ، وَأَنَّهُ كَوَّنَ جِيلاً مِنْ الطُّلاَّبِ حَمَلُوا عَلَيْهِ هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة وَبَلَّغُوهَا بِأَمَانَةٍ لِلْأُمَّةِ. وَهُنَا البَيْتُ القَصِيد. فَلاَ غَرْوَ أَنَّ يَكُونَ أَوْلَى النَّاسِ بِـمَعْرِفةِ أُصُول هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة وَأَقْرَبهُم لِأَنْ يَكُونُوا قَادَتهَا وَأَعْوَانهَا وَحَامِلِي أَلْوِيَتهَا وَمُنَفِّذِي مَبَادِئهَا -كَمَا قَالَ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي- هُم: تَلاَمِذَةُ الشَّيْخ ابْن بَادِيس وَأَصْحَابهُ وَخَاصَّتهُ وَالـمُلاَزِمُونَ لَهُ مِنَ الَّذِينَ دَرَسُوا عَلَيْهِ تِلْكَ العَقَائِد وَسَبَرُوا غَوْرَهَا وَتَخَرَّجُوا بِهَا عَلَى يَدَيْهِ. فَلاَ يُعْقَلُ أَنْ تَنْعَدِمَ هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة وَلاَ يُعْثَرُ لَهَا عَلَى شِبْهِ أَثَرٍ عِنْدَ خَوَاصِّ تَلاَمِذَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس كُلّهم هَكَذَا عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِم؟!
فَمَا هِيَ مَعَالِـمُ هَذِهِ العَقِيدَة السَّلفيَّة الَّتِي غَرَزَهَا الشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي خَوَاصِّ تَلاَمِذَتِهِ وَالَّذِينَ اعْتَمَدَ الشَّيْخ نَفْسهُ عَلَى كَفَاءَتِهِم وَدِيَانَتِهِم لِيُبَلِّغُوهَا إِلَى الأُمَّةِ؟!
الجَوَاب وَبِبَسَاطَةٍ هُوَ أَنَّ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة عِنْدَ خَوَاص تَلاَمِذَة الشَّيْخ ابْن بَادِيس هِيَ نَفْسهَا العَقِيدَة الأَشْعَرِيَّة وَهِيَ هِيَ عَقِيدَةُ الشَّيْخ ابْن بَادِيس وَمَشَايِخ جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الـجَزَائِريِّينَ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَلَى طَرِيقَي: التَّأْوِيل أَو التَّفْوِيض؟!
وَنَبْدَأُ بِذِكْرِ كَلاَم الشَّيْخ عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَانِي وَهُوَ مِنْ خَوَاصِّ تَلاَمِذَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس:
(يُتْبَع)...
____________
(1) تَقْدِيم الشَّيْخ مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي لِرِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان، (ص:11)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(2) الـمَصْدَر السَّابِق: (ص:12)
(3) الـمَصْدَر السَّابِق: (ص:16)
(4) مقال: "العَلاَّمة الأُسْتَاذ الشَّيْخ محمَّد بخِيت الـمُطِيعِي رَحِمَهُ الله"، الشِّهَاب:1354هـ-1935م الـمُجَلَّد:11 الجُزْء:11، نَقْلاً عَنِ: الآثَار (3/100)، وَزَارَة الثَّقَافَة-الجَزَائِر
رد: أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين
#أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّينَ 4!
تَعَرَّضْنَا فِي الـمَقَال السَّابِق إِلَى شَهَادَة الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي فِي خَوَاصِّ تَلاَمِذَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس بِأَنَّهُم رَعِيلٌ حَمَلَ عَنْ شَيْخِهِ الـمَذْكُور الْعَقِيدَة السَّلَفِيَّة وَالطَّرِيقَة السَّلَفِيَّة فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَيْضًا وَالأَمْر كَذَلِكَ بِأَنَّهُ لاَ يُعْقَلُ وَأَنْ تَنْدَثِر وَتَضْمَحِل هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة الَّتِي غَرَزَهَا الشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي جَمِيعِ تُرَاثِ حَامِلِي لِوَاء هَذِهِ العَقِيدَة مِنَ الطَّبَقَة الـمُقَرَّبَة مِنْ تَلاَمِذَةِ الرَّجُل وَالـمُلاَزِمِينَ لَهُ فِي غَالِبِ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ، إِلَى دَرَجَةِ أَنْ تَنْعَدِمَ مَعَالِـمُ هَذِهِ العَقِيدَة وَتَزُول وَتَحُول بَلْ وَلاَ يُعْثَرُ لَـهَا عَلَى شِبْهِ أَثَرٍ؟!
فَمِنْ بَيْن هَؤُلاَءِ التَّلاَمِذَةِ الَّذِينَ أَشَارَ إِلَيْهِم الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي، الشَّيْخ عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَانِي وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ طُلاَّب الشَّيْخ ابْن بَادِيس كَمَا قَال الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي: ((وَ#أَعْظَمُ تَلاَمِيذِهِ فِي الأَوَّلِينَ: الشَّيْخ مُبَارَك الـمِيلِي، وَ#عَبْد_السَّلاَم_السُّلْطَانِي، وَمُحَمَّد بن العَابد السمَاتِي، وَمُوسَى الأَحمدِي، والفُضِيل الوَرْتِيلاَنِي، وَالـهَادِي السَّنُوسِي، ومُحَمَّد سَعِيد الزَّاهِرِي...))(1)
وَقَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي أَيْضًا مُشِيداً بِبَعْضِ تَوَالِيف الشَّيْخ عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَانِي مَا نَصُّهُ: ((...الْعَلاَّمَة الشَّيْخ عَبْد السَّلاَم السُّلْطَانِي، فَإنَّهُ مَفْخَرَةٌ مِنْ مَفَاخِرِ الْـجَزَائر، سَمِعْتُ عَنْهُ يَوْمَ كُنْتُ بِقَسَنْطِينَة، ثُمَّ ارْتَحَلْتُ إِلَى تُونِسَ وَعَلِمْتُ عَنْهُ أَكْثَر...مَلَكْتُ تَأْلِيفَهُ #النَّفِيس "#شَرْح_شَوَاهِد_الأُشْمُونِي" وَقَدْ أجَادَ فِيهِ غَايَة الإِجَادَة مِثْل مُحَقِّقِي العُلَمَاء...))(2)
وَالـمُؤَلَّف الـمَذْكُور الَّذِي أَثْنَى عَلَيْهِ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي قَرَّظَهُ الشَّيْخ ابْن بَادِيس شَيْخ الـمُؤَلِّف عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَانِي فَقَالَ فِي تَقْرِيظِهِ: ((..نَاوَلَنِي #العَالِـمُ_الفَاضِلُ_الـمُشَارِكُ_الـمُحَقِّقُ الأَخ فِي اللهِ تَعَالَى الْشَّيْخ سَيِّدِي عَبْد السَّلاَم السُّلْطَانِي أَدَامَ الله النَّفْعَ بِهِ، كِتَابَهُ الَّذِي أَسْمَاهُ: "فَتْحُ الـمَالِكِ فِي شَرْحِ شَوَاهِد مَنْهَج السَّالِكِ عَلَى أَلْفِيَّةِ ابْنِ مَالِك" فَوَجَدْتُهُ كِتَابًا #جَمَعَ_فَأَوْعَى، #وَاسْتَكْمَلَ_الـحُسنَ_مَادَّةً_وَوَضْعًا، نَقَلَ فِيهِ مَعَانِي الـمُفْرَدَاتِ اللُّغَوِيَّةِ مِنْ أُمَّهَاتِهَا، وَأَعْرَبَ الْشَّوَاهِدَ بِمَا اتَّفَقَ وَاخْتَلَفَ مِنَ الأَعَارِيبِ بِعَزْوِهَا وَتعْلِيلاَتِهَا، وَفَسَّرَهَا تَفْسِيرَ عِلْمٍ وَذَوْقٍ، وَسَاقَ مَعَهَا سَوَابِقهَا وَلَوَاحِقهَا لِزِيَادَةِ إِيضَاحِهَا وَتَكْمِيل إِفْصَاحِهَا أَجْمَل سَوْقٍ، ونَقَلَ عَلَيْهَا مِنْ كَلاَمِ الأَئِمَّةِ بِتَحْرِيرٍ وَأَمَانَةٍ...))(3)
فَمَا هِيَ مَعَالِـمُ هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة فِي هَذَا الكِتَابِ نَفْسه الَّذِي أَطْرَاهُ الشَّيْخ ابْن بَادِيس بِنَفْسِهِ وَامْتَدَحَ مَنْهَجَ تِلْمِيذِهِ فِي سَبْكِ مَادَّتِهِ؟!
قَالَ الشَّيْخ عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَاني فِي شَرْحِهِ عَلَى شَوَاهِد الأُشْمُونِي حَوْلَ حَدِيثِ البُخَارِي وَمُسْلِم: عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا #قَدَمَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ"، مَا نَصُّهُ: ((وهذَا الـحَدِيثُ مِنْ جُمْلَةِ أَحَادِيث الصِّفَاتِ أَيْ: مِنَ الأَحَادِيثِ الـمُتَشَابِـهَةِ، وَلِلْعُلَمَاء فِيهَا طَرِيقَتَانِ:
(1) #طَرِيقَة_السَّلَفِ: #تَفْوِيضُ_مَعْنَاهَا_إلَى_الله، مَعَ تَنْزِيهِهِ تَعَالَى عَنْ سِمَاتِ الـحَوَادِث ضَرُورَة مُـخَالَفَتهِ لَهَا، وَ:
(2) #طَريقَة_الـخَلَفِ: #تَأْوِيلُ مَا وَرَدَ، وَ#صَرْفه_عَنْ_ظَاهِرِهِ إِلَى مَعْنَى يَلِيقُ بِـجَلاَلِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ، وَعَلَيْهِ فَقِيلَ الـمُرَادُ بِالقَدَمِ هُنَا: الـمُقَدَّم، أَيْ: مَنْ قَدَّمَهُ الله لَهَا مِنْ أَهْلِ العَذَابِ، وَقِيلَ الـمُرَاد بِهِ: قَدَم بَعْض الـمَخْلُوقِينَ، فَيَعُودُ الضَّمِير فِي قَدَمِهِ عَلَى ذَلِكَ الـمَخْلُوق الـمَعْلُوم، وقِيل إنَّ الـمُرَادَ أنَّ هُنَاكَ مَخْلُوقَاتٍ سَمَّاهُم الله بِهَذَا الاِسْم أَعْنِي: القَدَم، خُلِقُوا لَهَا، قَالَ القَاضِي عِيَاض: أَظْهَر التَّأوِيل أَنَّهُم قَومٌ استَحَقُّوهَا وَخُلِقُوا لَـهَا...))(4)
وَهَذَا النَّقْلُ قَاطِعٌ فِي أَنَّ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة الَّتِي أَخَذَهَا الشَّيْخ عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَاني أَعْظَم تَلاَمِذَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس كَمَا قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي، عَنْ شَيْخِهِ الـمَذْكُور لَيْسَتْ إِلاَّ أُصُول العَقِيدَة الأَشْعَرِيَّة القَائِمَةِ عَلَى: التَّأْوِيلِ أَوْ التَّفْوِيض وِفْقَ الاِجْتِهَادِ فِي الاِضَافَاتِ الـمُوهِمَةِ لِلْتَّشْبِيهِ.
وَقَالَ الشَّيْخ عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَاني هُنَاكَ أَيْضًا عِنْد كَلاَمِهِ عَلَى حَدِيث مُسْلِم: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ"، مَا نَصُّهُ: ((لَـمَّا كَانَ السُّجُود مِنْ تَعْفِيرِ أَعَزّ الأَعْضَاءِ بِالتُّرَابِ فِي مَرْضَاةِ اللهِ تَعَالَى، لاَ جَرَمَ كَانَ السَّاجِد #قَرِيبًا_مِن_رَّحْمَةِ_الله فَيَسْتَجِيب دُعَاءَهُ...))(5) وَهَذَا تَأْوِيلٌ وَاضِحٌ لِلْقُرْبِ مُضَافَا إِلَيْهِ تعَالَى وَأَنَّهُ قُرِبُ رَحْمَةٍ وَلَيْسَ قُرْبًا بِالذَّاتِ وَقَطْعِ الـمَسَافَةِ كَمَا يَدَّعِي التَّيْمِيَّة الـمُجَسِّمَةِ؟!
وَقَالَ عِنْد الكَلاَمِ عَلَى الحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ التَّرْمِذِي وَالنَّسَائِي وَغَيْره وَفِيهِ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ #أَطْيَبُ_عِنْدَ_اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ"، مَا نَصُّهُ: ((أخْبَرَ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو الصَّادقُ الـمَصْدُوق أَنَّ رَائِحَة فَم الصَّائم #أَزْكَى عِنْدَ الله وأَقْرَب مِنْ رِيحِ الـمِسْك، هذَا مَا فَسَّرَهُ بِهِ أبُو عمر بن عَبْد البَّر الـحَدِيث...))(6) وَهَذَا تَأْوِيلٌ وَاضِحٌ لِـمَا يُسَمِّيهِ التَّيْمِيَّة الـمُجَسِّمَة بِـ: (صِفَة الاِسْتِطَابَة!) كَمَا ادَّعَى -وَبِيسَ مَا ادَّعَى!- ابْن القَيِّم فِي كِتَابِهِ: "الوَابِل الصَّيِّب"؟!
وَخِتَامًا، فَهَذِهِ النِّقَال تَدُلُّ بِمَكَانٍ عَلَى أَنَّ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة الَّتِي تَحَدَّثَ عَنْهَا الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي وَقَالَ بِأَنَّ الشَّيْخ ابْن بَادِيس زَرَعَهَا فِي خَوَاصِّ طُلاَّبِهِ وَأَعْظَمِ تَلاَمِذِتِهِ هِيَ عَيْنهَا أُصُولُ العَقِيدَة الأَشْعَرِيَّة.
(يُتْبَع)...
________
(1) صِرَاعٌ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالبِدْعَةِ (2/263)، تَأْلِيف: الْشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي تِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس، ، نَشْر دَارُ البَعْث-قَسَنْطِينَة
(2) العَلاَّمة عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَانِي حَيَاتُهُ وَآثَارُهُ (ص:142)، تَأْلِيف: لَـحْسَن بن عَلْجِيَّة، دَار الـهُدَى لِلْطِّبَاعَةِ وَالنَّشْرِ وَالتَّوزيِعِ
(3) الـمَصْدَر السَّابِق: (ص:139)
(4) الـمَصْدَر السَّابِق: (ص:178)
(5) الـمَصْدَر السَّابِق: (ص:175)
(6) الـمَصْدَر السَّابِق: (ص:173)
تَعَرَّضْنَا فِي الـمَقَال السَّابِق إِلَى شَهَادَة الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي فِي خَوَاصِّ تَلاَمِذَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس بِأَنَّهُم رَعِيلٌ حَمَلَ عَنْ شَيْخِهِ الـمَذْكُور الْعَقِيدَة السَّلَفِيَّة وَالطَّرِيقَة السَّلَفِيَّة فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَيْضًا وَالأَمْر كَذَلِكَ بِأَنَّهُ لاَ يُعْقَلُ وَأَنْ تَنْدَثِر وَتَضْمَحِل هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة الَّتِي غَرَزَهَا الشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي جَمِيعِ تُرَاثِ حَامِلِي لِوَاء هَذِهِ العَقِيدَة مِنَ الطَّبَقَة الـمُقَرَّبَة مِنْ تَلاَمِذَةِ الرَّجُل وَالـمُلاَزِمِينَ لَهُ فِي غَالِبِ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ، إِلَى دَرَجَةِ أَنْ تَنْعَدِمَ مَعَالِـمُ هَذِهِ العَقِيدَة وَتَزُول وَتَحُول بَلْ وَلاَ يُعْثَرُ لَـهَا عَلَى شِبْهِ أَثَرٍ؟!
فَمِنْ بَيْن هَؤُلاَءِ التَّلاَمِذَةِ الَّذِينَ أَشَارَ إِلَيْهِم الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي، الشَّيْخ عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَانِي وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ طُلاَّب الشَّيْخ ابْن بَادِيس كَمَا قَال الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي: ((وَ#أَعْظَمُ تَلاَمِيذِهِ فِي الأَوَّلِينَ: الشَّيْخ مُبَارَك الـمِيلِي، وَ#عَبْد_السَّلاَم_السُّلْطَانِي، وَمُحَمَّد بن العَابد السمَاتِي، وَمُوسَى الأَحمدِي، والفُضِيل الوَرْتِيلاَنِي، وَالـهَادِي السَّنُوسِي، ومُحَمَّد سَعِيد الزَّاهِرِي...))(1)
وَقَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي أَيْضًا مُشِيداً بِبَعْضِ تَوَالِيف الشَّيْخ عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَانِي مَا نَصُّهُ: ((...الْعَلاَّمَة الشَّيْخ عَبْد السَّلاَم السُّلْطَانِي، فَإنَّهُ مَفْخَرَةٌ مِنْ مَفَاخِرِ الْـجَزَائر، سَمِعْتُ عَنْهُ يَوْمَ كُنْتُ بِقَسَنْطِينَة، ثُمَّ ارْتَحَلْتُ إِلَى تُونِسَ وَعَلِمْتُ عَنْهُ أَكْثَر...مَلَكْتُ تَأْلِيفَهُ #النَّفِيس "#شَرْح_شَوَاهِد_الأُشْمُونِي" وَقَدْ أجَادَ فِيهِ غَايَة الإِجَادَة مِثْل مُحَقِّقِي العُلَمَاء...))(2)
وَالـمُؤَلَّف الـمَذْكُور الَّذِي أَثْنَى عَلَيْهِ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي قَرَّظَهُ الشَّيْخ ابْن بَادِيس شَيْخ الـمُؤَلِّف عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَانِي فَقَالَ فِي تَقْرِيظِهِ: ((..نَاوَلَنِي #العَالِـمُ_الفَاضِلُ_الـمُشَارِكُ_الـمُحَقِّقُ الأَخ فِي اللهِ تَعَالَى الْشَّيْخ سَيِّدِي عَبْد السَّلاَم السُّلْطَانِي أَدَامَ الله النَّفْعَ بِهِ، كِتَابَهُ الَّذِي أَسْمَاهُ: "فَتْحُ الـمَالِكِ فِي شَرْحِ شَوَاهِد مَنْهَج السَّالِكِ عَلَى أَلْفِيَّةِ ابْنِ مَالِك" فَوَجَدْتُهُ كِتَابًا #جَمَعَ_فَأَوْعَى، #وَاسْتَكْمَلَ_الـحُسنَ_مَادَّةً_وَوَضْعًا، نَقَلَ فِيهِ مَعَانِي الـمُفْرَدَاتِ اللُّغَوِيَّةِ مِنْ أُمَّهَاتِهَا، وَأَعْرَبَ الْشَّوَاهِدَ بِمَا اتَّفَقَ وَاخْتَلَفَ مِنَ الأَعَارِيبِ بِعَزْوِهَا وَتعْلِيلاَتِهَا، وَفَسَّرَهَا تَفْسِيرَ عِلْمٍ وَذَوْقٍ، وَسَاقَ مَعَهَا سَوَابِقهَا وَلَوَاحِقهَا لِزِيَادَةِ إِيضَاحِهَا وَتَكْمِيل إِفْصَاحِهَا أَجْمَل سَوْقٍ، ونَقَلَ عَلَيْهَا مِنْ كَلاَمِ الأَئِمَّةِ بِتَحْرِيرٍ وَأَمَانَةٍ...))(3)
فَمَا هِيَ مَعَالِـمُ هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة فِي هَذَا الكِتَابِ نَفْسه الَّذِي أَطْرَاهُ الشَّيْخ ابْن بَادِيس بِنَفْسِهِ وَامْتَدَحَ مَنْهَجَ تِلْمِيذِهِ فِي سَبْكِ مَادَّتِهِ؟!
قَالَ الشَّيْخ عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَاني فِي شَرْحِهِ عَلَى شَوَاهِد الأُشْمُونِي حَوْلَ حَدِيثِ البُخَارِي وَمُسْلِم: عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا #قَدَمَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ"، مَا نَصُّهُ: ((وهذَا الـحَدِيثُ مِنْ جُمْلَةِ أَحَادِيث الصِّفَاتِ أَيْ: مِنَ الأَحَادِيثِ الـمُتَشَابِـهَةِ، وَلِلْعُلَمَاء فِيهَا طَرِيقَتَانِ:
(1) #طَرِيقَة_السَّلَفِ: #تَفْوِيضُ_مَعْنَاهَا_إلَى_الله، مَعَ تَنْزِيهِهِ تَعَالَى عَنْ سِمَاتِ الـحَوَادِث ضَرُورَة مُـخَالَفَتهِ لَهَا، وَ:
(2) #طَريقَة_الـخَلَفِ: #تَأْوِيلُ مَا وَرَدَ، وَ#صَرْفه_عَنْ_ظَاهِرِهِ إِلَى مَعْنَى يَلِيقُ بِـجَلاَلِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ، وَعَلَيْهِ فَقِيلَ الـمُرَادُ بِالقَدَمِ هُنَا: الـمُقَدَّم، أَيْ: مَنْ قَدَّمَهُ الله لَهَا مِنْ أَهْلِ العَذَابِ، وَقِيلَ الـمُرَاد بِهِ: قَدَم بَعْض الـمَخْلُوقِينَ، فَيَعُودُ الضَّمِير فِي قَدَمِهِ عَلَى ذَلِكَ الـمَخْلُوق الـمَعْلُوم، وقِيل إنَّ الـمُرَادَ أنَّ هُنَاكَ مَخْلُوقَاتٍ سَمَّاهُم الله بِهَذَا الاِسْم أَعْنِي: القَدَم، خُلِقُوا لَهَا، قَالَ القَاضِي عِيَاض: أَظْهَر التَّأوِيل أَنَّهُم قَومٌ استَحَقُّوهَا وَخُلِقُوا لَـهَا...))(4)
وَهَذَا النَّقْلُ قَاطِعٌ فِي أَنَّ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة الَّتِي أَخَذَهَا الشَّيْخ عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَاني أَعْظَم تَلاَمِذَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس كَمَا قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي، عَنْ شَيْخِهِ الـمَذْكُور لَيْسَتْ إِلاَّ أُصُول العَقِيدَة الأَشْعَرِيَّة القَائِمَةِ عَلَى: التَّأْوِيلِ أَوْ التَّفْوِيض وِفْقَ الاِجْتِهَادِ فِي الاِضَافَاتِ الـمُوهِمَةِ لِلْتَّشْبِيهِ.
وَقَالَ الشَّيْخ عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَاني هُنَاكَ أَيْضًا عِنْد كَلاَمِهِ عَلَى حَدِيث مُسْلِم: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ"، مَا نَصُّهُ: ((لَـمَّا كَانَ السُّجُود مِنْ تَعْفِيرِ أَعَزّ الأَعْضَاءِ بِالتُّرَابِ فِي مَرْضَاةِ اللهِ تَعَالَى، لاَ جَرَمَ كَانَ السَّاجِد #قَرِيبًا_مِن_رَّحْمَةِ_الله فَيَسْتَجِيب دُعَاءَهُ...))(5) وَهَذَا تَأْوِيلٌ وَاضِحٌ لِلْقُرْبِ مُضَافَا إِلَيْهِ تعَالَى وَأَنَّهُ قُرِبُ رَحْمَةٍ وَلَيْسَ قُرْبًا بِالذَّاتِ وَقَطْعِ الـمَسَافَةِ كَمَا يَدَّعِي التَّيْمِيَّة الـمُجَسِّمَةِ؟!
وَقَالَ عِنْد الكَلاَمِ عَلَى الحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ التَّرْمِذِي وَالنَّسَائِي وَغَيْره وَفِيهِ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ #أَطْيَبُ_عِنْدَ_اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ"، مَا نَصُّهُ: ((أخْبَرَ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو الصَّادقُ الـمَصْدُوق أَنَّ رَائِحَة فَم الصَّائم #أَزْكَى عِنْدَ الله وأَقْرَب مِنْ رِيحِ الـمِسْك، هذَا مَا فَسَّرَهُ بِهِ أبُو عمر بن عَبْد البَّر الـحَدِيث...))(6) وَهَذَا تَأْوِيلٌ وَاضِحٌ لِـمَا يُسَمِّيهِ التَّيْمِيَّة الـمُجَسِّمَة بِـ: (صِفَة الاِسْتِطَابَة!) كَمَا ادَّعَى -وَبِيسَ مَا ادَّعَى!- ابْن القَيِّم فِي كِتَابِهِ: "الوَابِل الصَّيِّب"؟!
وَخِتَامًا، فَهَذِهِ النِّقَال تَدُلُّ بِمَكَانٍ عَلَى أَنَّ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة الَّتِي تَحَدَّثَ عَنْهَا الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي وَقَالَ بِأَنَّ الشَّيْخ ابْن بَادِيس زَرَعَهَا فِي خَوَاصِّ طُلاَّبِهِ وَأَعْظَمِ تَلاَمِذِتِهِ هِيَ عَيْنهَا أُصُولُ العَقِيدَة الأَشْعَرِيَّة.
(يُتْبَع)...
________
(1) صِرَاعٌ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالبِدْعَةِ (2/263)، تَأْلِيف: الْشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي تِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس، ، نَشْر دَارُ البَعْث-قَسَنْطِينَة
(2) العَلاَّمة عَبْد السَّلاَم بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلْطَانِي حَيَاتُهُ وَآثَارُهُ (ص:142)، تَأْلِيف: لَـحْسَن بن عَلْجِيَّة، دَار الـهُدَى لِلْطِّبَاعَةِ وَالنَّشْرِ وَالتَّوزيِعِ
(3) الـمَصْدَر السَّابِق: (ص:139)
(4) الـمَصْدَر السَّابِق: (ص:178)
(5) الـمَصْدَر السَّابِق: (ص:175)
(6) الـمَصْدَر السَّابِق: (ص:173)
رد: أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين
#أَضْوَاءٌ_عَلَى_عَقِيدَةِ_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاءِ_الـمُسْلِمِينَ_الـجَزَائِرِيِّينَ 5!
(هَذَا الـمَقَال مُهم جِدًا لاستجلاء عقيدة الشَّيخ ابن باديس وَنظرا لِتَلاَحم عَناصر مادَّته جعلته في منشور واحد وهو مُستل بتصرُّفٍ من بحث للعبد الفاني)
رَاوِي عَقِيدَة الشَّيْخ ابْن بَادِيس وَتِلْمِيذه الأُسْتَاذ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان وَتَنْزِيه الله عَنْ سِمَاتِ الجِسْمِيَّةِ مِنَ الكَيْفِيَّة بِمَعْنَى الهَيْئَةِ وَالـمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَالتَّمَكُّن فِي العَرْشِ وَمُطْلَق التَّشْبِيهِ وَمُبَارَكَة الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي لِهَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة؟!:
يُعْتَبَرُ الأُسْتَاذ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان مِنْ تَلاَمِذَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس الـمُقَرَّبِين إِلَيْهِ، اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الشَّيْخ فِي حَرَكَتِهِ التَّعْلِيمِيَّة وَرَشَّحَهُ ضِمْنَ أَعْوَانه فِي التَّدْرِيسِ. تَلْمَذَ الأُسْتَاذ الـمَذْكُور عَلَى شَيْخِهِ ابْن بَادِيس، وَفِي هَذِهِ الأَثْنَاء أَخَذَ عَنْهُ مُبَاشَرَةً دُرُوسًا فِي "الْعَقَائِدِ الْإِسْلاَمِيَّةِ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ" أَيْنَ أَمْلاَهَا الشَّيْخ ابْن بَادِيس عَلَى تَلاَمِذَتِهِ فِي الجَامِع الأَخْضَر بِقَسَنْطِينَة.
أَحْكَمَ التِّلْمِيذُ تَقْيِيدَ هَذِهِ الدُّرُوس وَأَخَذَ عَلَى عَاتِقِهِ نَشْرَهَا وَالتَّعْلِيقَ عَلَيْهَا بِمَا لاَ يَخْرُج عَنْ رُوحِ صَاحِبهَا كَمَا قَالَ، فَطَبَعَهَا كَمَا هِيَ وَأَرْفَقَهَا فِي طَبْعَةٍ لاَحِقَةٍ بِتَقْرِيظٍ مِنَ الرَّئِيس الثَّانِي لِجَمْعِيَّة العُلَمَاءِ الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي رَفِيق الشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي دَرْبِهِ.
وَفِي هَذَا الصَّدَد، يَقُول الأُسْتَاذ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان مُؤَرِّخًا لِفَتْرَةِ تَحْصِيل هَذِهِ العَقَائِد: ((تلَقَّيْتُ هَذِهِ الدُّرُوس إمْلاَءً عَنْ أُسْتَاذِنَا الإِمَام [ابن باديس] مُبَاشَرَةً فِي حِلَقٍ دِرَاسِيَّة مَسْجِدِيَّة بِالـجَامِعِ الأَخْضَرِ بِقَسَنْطِينَة فِي الفَتْرَة مَا بَيْنَ 16 رَجَب 1353 و25 صَفَر 1354 هِجْرِيَّة "الـمُوَافِقَة لِأَكْتُوبَر 1934 وَمَاي 1935 مِنَ السَّنَةِ الـمِيلاَدِيَّةِ" أَيْ ثَمَانِيَة أَشْهُرٍ بِنِسْبَةِ حِصَّة وَاحِدَة فِي الأُسْبُوعِ لاَ تَتَجَاوَز الثَّلاَثِينَ دَقِيقَةً وَسَطَ جَمعٍ مِنَ الطُّلاَّبِ يُقَاربُ أَحْيَانًا الـمِئَة فِي أَوَّلِ عَهْدِي بالدِّراسَةِ الإِسْلاميَّة. وَلَـمَّا احْتَجْنَا إِلَى هَذِهِ الدُّرُوسِ لِلْتَّعْلِيم الدِّينِي بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ لِنُقَدِّمهَا إِلَى تَلاَمِيذِ مَعَاهِدِنَا الإِسْلاَمْيَّةِ فِي فَاتِحِ السَّنَةِ الدِّرَاسِيَّةِ (1963م-1964م) عَكَفْتُ عَلَى تَبْيِيضِهَا وَالتَّعْلِيقِ علَيْهَا بِـمَا لاَ يَتَنَافَى وَالرُّوح السَّائِدَة فِيهَا))(1)
وَفِي تَقْيِيمٍ لِفَتْرَةِ تَلْمَذَته عَلَى شَيِخِهِ ابْن بَادِيس، قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان: ((واستَمَرَّ بِيَ الـمَقَامُ فِي رِحَابِ الشَّيْخ [ابْن بَادِيس] خَمْس سَنَوَاتٍ، وَهِيَ مُدَّةٌ لَيْسَتْ بِالطَّوِيلَةِ فِي عُمُرِ الزَّمَانِ، وَلَكِنَّهَا -وَالحَمْدُ للهِ- أَثْرَتْ، وَأَثْـمَرَتْ بَعْدَمَا أَيْنَعَتْ فِيمَا أَظُنُّ؛ إِذْ اِسْتَدْعَانِي الإِمَامُ بَعْدَ ثَلاَثِ سَنَوَاتٍ فَقَطْ مِنَ التَّلْمَذَةِ عَلَيْهِ لِأُعَاوِنَهُ فِي التَّدْرِيس لِطُلاَّبِهِ بِقَسَنْطِينَة مَعَ مُعَاوِنِيهِ، ثُمَّ عَيَّنَنِي مُعَلِّمًا فِي مَدْرَسَةِ التَّرْبِيَّة والتَّعْلِيم بِقَسَنْطِينَة، ومَعَ ذلكَ لَمْ أَنْقَطِع عَنْ دُرُوسِهِ، وخَاصَّةً دَرْس التَّفْسِير، حَتَّى لَقِيَ ربَّه في 16/4/1940م، رَضِيَ الله عَنْهُ وأَرْضَاهُ. وقَدْ وَعَيْتُ عَنْ إِمَامنَا ما شَاء الله أَنْ أَعِيَ، وقَبَسْتُ منهُ مَا كَانَ يَكْفِي لِهِدَايَتِي، لَوْلاَ أنَّ طَالِب العِلْمِ كَطَالِبِ الـمَالِ لاَ يُشْبِعُهُ شَيْءٌ. وَعِشْتُ بِهَذِهِ الذِّكْرَيَاتِ الطَّيِّبَةِ، وعَلَى هَذَا العَهْد السَّمَاوِي فِي مَدَارِسِ جَمْعِيَّة العُلَمَاءِ الـمُسْلِمِينَ، مُدَرِّسًا، ومُدِيراً، ومُفَتِّشًا، وَقْتًا لَيْسَ بِالقَصِيرِ. وَمِمَّا وَعَيْتهُ عَنْهُ هذِهِ الإِمْلاَءَاتِ فِي التَّوْحِيدِ مِنَ الآيَاتِ القُرْآنِيَّة والأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّة، الَّتِي لَمْ يَفُتْنِي مِنْهَا شَيْءٌ وَالـحَمْدُ لله))(2)
وَفِي نَفْسِ السِّيَاقِ، تَكَلَّمَ تِلْمِيذُ الشَّيْخ ابْن بَادِيس الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي [وَهُوَ أَيْضًا مِمَّنْ تَلَقَّى مُبَاشَرَةً تِلْكَ العَقَائِد عَنْ شَيْخِهِ الـمَذْكُور] عَنْ زَمِيلِهِ الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَانِ فَقَالَ: ((رَشَّحَهُ ابْن بَادِيس بِنَفْسهِ لِيَكُونَ مِنْ أَعْوَانِهِ، هُوَ وَالشَّيْخ مُحَمَّد الغسِيرِي بِنَحْوِ سَنَتَيْنِ فِي الدِّرَاسَةِ بِالْـجَامِعِ الأَخْضَرِ. وَالْـحَقُّ أَنَّ مُحَمَّد الْصَّالَح حَتَّى ذَلِكَ الْوَقْت كَانَ مَا مَعَهُ مِنَ الْعُلُومِ مَحْدُوداً مُتَوَاضِعًا، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُتْقَنًا مَدْرُوسًا مَضْبُوطًا، ألَـمْ تَرَهُ كَيْفَ قَيَّد جَيِّداً مَا أُمْلِـيَ عَلَيْه مِنْ أُصُولِ "الْعَقِيدَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ" وَغَيْرهَا ثُمَّ نَشَرَهُ مِنْ بَعْدُ؟ وَهُوَ مَا لَـمْ يَفْعَلْهُ غَيْرهُ مِنَ الطُّلاَّبِ))(3)
وَقَالَ الشَّيْخ حَمَّانِي أَيْضًا: ((وَمِنْ قَبْل عِنَايَة الشَّيْخ شِيبَان بِآثَارِ ابْن بَادِيس وَتَعْمِيمهَا لِلْاِنتِفَاعِ بِهَا، سَبَقَ الأَخُ الشَّيْخُ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان أَحَد نُجَبَاء تَلاَمِيذِهِ بِـمُحَاوَلَةٍ أُوْلَى: نَشَرَ فِيهَا مِنْ إِمْلاَءِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس عَلَى طُلاَّبِهِ فـِي عِلْمِ التَّوْحِيدِ، وَاعْتَمَدَ فِيهَا أُسْلُوبًا رَائِعًا مُفِيداً مُدَعَّمًا بحُجَجٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ وسُنَّة رَسُول الله صلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم، مُـجَنِّبَة لِلْنَّاشِئَةِ، مِنْ عُقْمِ "بَرَاهِينَ" كَلاَمِيَّة مَبْنِيَّة عَلَى الـمَنْطِقِ وَالفَلْسَفَةِ اليُونَانِيَّةِ))(4) وَتَأَمَّل قَوْل الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي عَنْ إِمْلاَءَاتِ شَيْخِهِ ابْن بَادِيس فِي العَقِيدَةِ بِأَنَّهَا جَاءَت: ((مُـجَنِّبَة لِلْنَّاشِئَةِ...الخ)) فَهِيَ إِذًا: عَقِيدَة مُبَسَّطَة لِأَجْلِ الْنَّاشِئَةِ وَالطَّلَبَة فِي مَرْحَلَةٍ ابْتِدَائِيَّةٍ حَيْثُ قَدْ لاَ يُسْتَحْسَنُ الخَوْض بِهِم فِي الـمُبَاحَثَات الكَلاَمِيَّة مُرَاعَاةً لِلْمَرْحَلِيَّة فِي التَّحْصِيلِ، وَأَمَّا الزِّيَادَة عَلَى هَذَا القَدْر فِي التَّحْصِيلِ أَوْ التَّطَلُّعَ إِلَى التَّخَصُّص فَذَاكَ مَوْعِدهُ جَامِع الزَّيْتُونَة الـمَعْمُور. وَلِهَذَا كَانَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس يُرْسِلُ الـمُتَفَوِّقِينَ مِنْ طُلاَّبِهِ بَعْدَ هَذِهِ الـمَرْحَلَةِ مِنْ دُونِ تَحَفُّظٍ وَلاَ تَحْذِيرٍ لِيَنْهَلُوا مِنْ عُلُومِ جَامِع الزَّيْتُونَةِ الَّذِي يُقَرِّرُ العَقِيدَة الأَشْعَرِيَة؟!
اسْتَهَلَّ الأُسْتَاذ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان فِي تَقْدِيمِ عَقَائِد شَيْخه ابْن بَادِيس بِالتَّأْكِيدِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الـسَّلَفِيَّة الَّتِي كَانَ يَسِيرُ عَلَيْهَا صَاحِب الإِمْلاَءَات، فَقَالَ: ((وَأَنَا وَاثِقٌ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَة السَّلَفِيَّة الَّتِي سَارَ عَلَيْهَا أُسْتَاذنَا الإِمَام فِي عَرْضِ العَقِيدَة الإِسْلاَمِيَّة هِيَ الطَّرِيقَة الـمُثْلَى لِأَنَّهَا تَتَمَاشَى وَالفِطْرَة البَشَرِيَّة الَّتِي جَاءَ بِهَا القُرْآن لِـهِدَايَةِ النَّاسِ...))(5) وَهَذَا الكَلاَم لاَ يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ وَمَقَالٍ قَدْ يَأْتِي بَيَانهُ لاَحِقًا، وَلَكِن مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الآن هُوَ أَنَّ الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان يُشِيدُ بِعَقِيدَة شَّيْخِهِ ابْن بَادِيس، فَهُوَ حَتْمًا سَلَفِيّ العَقِيدَة كَشَيْخِهِ.
فَلاَ بَأْسَ إذاً مِنْ اسْتِجْلاَءِ بَعْض أُصُول هَذِهِ الْعَقَائِد السَّلَفِيَّة الَّتِي دَنْدنَ حَوْلَهَا الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان:
أَوَّلاً: #تَنْزِيهُ_الله_عَنِ_الكَيْفِيَّةِ_بِـمَعْنَى_الـهَيْئَةِ؟!
قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان عِنْدَ إِثْبَات شَيْخهِ ابْن بَادِيس لِلاِسْتِوَاء وَالنُّزُول "بِلاَ كَيْفٍ"، مَا نَصُّهُ: ((بِلاَ كَيْفٍ: أَيْ بِلاَ هَيْئَةٍ مُـحَدَّدَةٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَنُثْبِتُ الاِسْتِوَاء الوَارِد فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾[طه:5]، والنُّزُول فِي حَدِيث: "إِنَّ الله يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا آخِرَ اللَّيْلِ وَيَقُول: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُجِيب لَهُ"، والـمَجِيء وَنَحْوه مِثْل: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾[الفجر:22]، ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾[طه:39]، ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾[النِّساء:164] إلخ..كُلُّ ذَلِكَ بِلاَ هَيْئَةٍ مُـحَدَّدَةٍ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى:11]))(6) وَهَذَا يُعَارِض قَوْل التَّيْمِيَّة الـمُجَسِّمَة فِي حَمْلِ الاِسْتِوَاء عَلَى هَيْئَةِ الجُلُوس وَالاِسْتِقْرَارِ وَالتَّمَكُّن فِي العَرْشِ؟! وَأَنَّ صُورَة الله تُشْبِهُ ((هَيْئَة!)) الإِنْسَان؟!...وَالخ؟!
ثَانِيًا: #نَفْيُ_مُطْلَق_التَّشْبِيهِ_بَيْنَ_الـخَالِقِ_وَالـمَخْلُوقِ؟!
قَالَ نَقْلاً عَنْ شَيْخِهِ ابْن بَادِيس: ((التَّشْبِيه: تَشْبِيهُ الله بِـمْخْلُوقَاتِهِ، فَنَحْنُ نُثْبِتُ لله مَا أَثْبَتَهُ الله لِنَفْسِهِ مِنْ أَقْوَالٍ أَوْ أَفْعَالٍ أَوْ صِفَاتٍ، وَلاَ نُشَبِّهُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالـمَخْلُوقَاتِ))(7) وَهَذَا قَاطِعٌ فِي أنَّ الشَّيْخ ابْن بَادِيس يَنْفِي الـمُشَابَهَة بَيْنَ الـخَالِق وَالـمَخْلُوق مِنْ كُلِّ الوُجُوهِ: ((وَلاَ نُشَبِّهُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالـمَخْلُوقَاتِ))، عَلَى عَكْسِ التَّيْمِيَّة الـمُجَسِّمَة الَّذِين يَدَّعُونَ أَنَّ نَفْي مُطْلَق التَّشْبِيه بَيْنَ الخَالِق وَالـمَخْلُوق لاَ يَعْنِي إِلاَّ أنَّهُ تَعَالَى مَعْدُومٌ؟! فَلاَ بُدَّ عِنْدَهُم مِنْ وُجُودِ تَشَابُهٍ مِنْ بَعْضِ الوُجُوهِ بَيْنَ الرَّبِّ وَالـمَرْبُوبِ؟!
ثَالِثًا: #تَنْزِيهُ_الله_عَنِ_الـمَكَانِ_وَالزَّمَانِ؟!
عِنْدَ اسْتِشْهَادِ الـمُصَنِّف -الشَّيْخ ابْن بَادِيس- بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[النَّحل:50]، عَلَّقَ تِلْمِيذهُ الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمَضَان عَلَى الهَامِشِ قَائِلاً: ((مِنْ فَوْقِهِمْ : الفَوْقِيَّة مَعْنَوِيَّة، فَاللهُ سُبْحَانَهُ لاَ يُحَدُّ بِزَمَانٍ وَلاَ مَكَانٍ))( وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَةِ عَقِيدَة الـمُجَسِّمَة التَّيْمِيَّة القَائِلِينَ بِأَنَّ العَرْش هُوَ مَكَانُ رَبِّهِم؟! وَأَنَّهُ تَعَالَى لاَ يَزَال فِي أَزْمِنَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ؟! وَالعِيَاذُ بِاللهِ، وَلِهَذَا قَامَ القَوْم كَمَا اشْتُهِرَ عَنْ أَسْلاَفِهِم الـمُجَسِّمَة بِتَحْريفِ هَذَا الـمَوْضِع بِالذَّاتِ فِي طَبَعَاتٍ لاَحِقَةٍ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي كَذَا مَقَالٍ(9)، وَاللهُ الـمُسْتَعَان؟!
رَابِعًا: #تَفْوِيضُ_مَعْنَى_الاِسْتِوَاء_وَنَفْي_حَمْلِ_تَفْسِيرِهِ_عَلَى_الـمَعْنَى_الـجِسْمَانِي؟!
وَعِنْدَ اسْتِشْهَاد شَيْخه ابْن بَادِيس بِقَوْلِهِ تَبَارَك وَتَعَالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾، عَلَّقَ عَلَى الـهَامِشِ بِقَوْلِهِ: ((الاسْتِوَاء: اسْتِوَاءٌ يَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلاَلِهِ، وَلَيْسَ كَاسْتِوَاءِ الخَلْقِ الَّذِي مَعْنَاهُ: التَّمَكُّنُ. وَالْعَرْش: مَخْلُوقٌ عَظِيمٌ لله تَعَالَى، وَهُوَ أَعْلاَ الـمَخْلُوقَاتِ وَأَوَّلـهَا، وَهُوَ سَرِير الـمُلْكِ: قَالَ تَعَالَى: ﴿أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾ [النَّمْل:42]، ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ﴾[يُوسُف:100]. والرَّوَاسِي: الجِبَال الثَّوَابِت الشَّوَامِخ الرَّوَاسِخ. وثُـمَّ لِعَطْفِ الجُمَل لاَ غَيْر، وَلَيْسَت للِتَّرْتِيب))(10)
وَهَذَا أَيْضًا تَأْكِيدٌ مِنَ الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان عَلَى تَنْزِيهِ الله عَنِ الفَوقِيَّةِ الـمَكَانِيَّةِ وَنَفْيِ جَرَيَانِ الزَّمَانِ عَلَيْهِ تَعَالَى. وَقَوْلهُ: ((استِوَاءٌ يَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلاَلِهِ)) فِيهِ إِثْبَاتٌ لِصِفَةِ الاِسْتِوَاءِ عَلَى الْوَجْهِ اللاَّئِقِ بِهِ تَعَالَى، وَأَمَّا قَوْلهُ: ((وَلَيْسَ كَاسْتِوَاءِ الخَلْقِ الذِي مَعْنَاهُ التَّمَكُّن)) فَهُوَ قَاطِعٌ فِي نَفْيِ كُلِّ الـمَعَانِي اللُّغويَّة البَاطِلَةِ لِلاِسْتِوَاءِ الـمُتَضَمِّنَةِ لِمَعْنَى الـتَّمَكُّنِ عَلَى العَرْشِ وَلَوَازِمِ ذَلِكَ كَـ: الاِسْتِقْرَارِ وَالجُلُوسِ...الخ، فَكَلاَم الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان صَرِيحٌ فِي الجَرَيَانِ عَلَى مَذْهَبِ التَّفْوِيضِ الـمَعْرُوفِ عِنْدَ السَّادَةِ الأَشَاعِرَةِ.
وَأَمَّا قَوْلهُ: ((ثُمَّ)) فِي الآيَةِ هِيَ ((لِعَطْفِ الجُمَل لاَ غَيْر، وَلَيْسَت للِتَّرْتِيب))، فَفِيهِ أَيْضًا تَنْزِيه اللهِ عَنِ الزَّمَانِ وَالزَّمَانِيَّاتِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مُنَاقَضَةِ مَذْهَبِ الـمُجَسِّمَةِ القَائِلِينَ بِأَنَّ الله اسْتَوَى بِمعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى (جَلَسَ!) وَ(اسْتَقَرَّ!) عَلَى العَرْشِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُن؟! (فَطَرَأَت!) عَلَيْهِ تَعَالَى صِفَة (جَدِيدَة!) بَعْدَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض؟! أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ -عِنْدَهُم!- نَاقِصًا فِي كَمَالاَتِهِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض؟!
خَامِسًا: #التَّأْوِيل_تَارَةً؟!
وَقَالَ عِنْدَ اسْتِشْهَاد شَيْخه بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ﴾[فصلت:11]، ما نصه: ((وَاسْتَوَىٰ: عَمَدَ وقَصَدَ))(11)
وَلِقَائلٍ أَنْ يَقُول أنَّ هَذِهِ التَّعْلِيقَات تُلْزِمُ التَّلْمِيذَ وَحْدَهُ وَلاَ عَلاَقَةَ لَهَا البَتَّة بِعَقِيدَةِ شَيْخِهِ ابْنِ بَادِيس؟!، فَالْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ:
الأَوَّل: أكَّدَ الأُسْتَاذُ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان فِي مُقَدِّمَةِ الرِّسَالَةِ أَنَّ تَعْلِيقَاته لاَ تَتَنَافَى مَعَ رُوحِ شَيْخه ابْن بَادِيس، فَقَالَ: ((وَحِفْظًا لِأَمَانَةِ النَّقْلِ وَمُرَاعَاةً لِحَقِّ الْغَائِبِ، رَأَيْتُ مِنْ وَاجِبِي أَنْ أُلْفِتَ الأَنْظَار إِلَى أَنِّي حَافَظْتُ عَلَى الأَصْلِ فِي تَبْوِيبِهِ وَتَرْتِيبِهِ وَعَنَاوِينِهِ كَمَا أَمْلاَهُ صَاحِبهُ فِي الفَتْرَةِ الـمَذْكُورَةِ وَمَا أَضَفْتُ إِلَيْهِ سِوَى تَرْقِيم أَوَائِل الدُّرُوسِ وَالـمَوَاضِيعِ، أَمَّا الأَحَادِيث فَقَدْ خَرَّجَهَا صَاحِبهَا إِلاَّ القَلِيل النَّادِر فَقَد خَرَّجْتُهُ دَاخِلَ الـمَتْنِ أَوْ خَارِجَهُ، وَزِدْتُ عَلَى العَنَاوِين الأَصْلِيَّةِ وَالفَرْعِيَّةِ عَنَاوِين إِضَافِيَّة وَضَعْتُهَا فِي الهَامِشِ، أَمَّا التَّعَالِيق وَالحَوَاشِي الَّتِي رَأَيْتُ أَنَّهَا ضَرُورِيَّة مُتَمِّمَة لِلْأَصْلِ فَقَدْ جَعَلْتُهَا أَسْفَلَ الصَّفَحَاتِ مَفْصُولاً بَيْنَهَا وَبَيْنَ المَتْنِ بِخَطٍ أُفُقِيٍّ، وَأَسْتَطِيعُ أَنْ أُؤَكِّد بِأِنَّهَا لَمْ تَخْرُج فِي مَجْمُوعِهَا وَتَفْصِيلِهَا عَنْ رُوحِ ابْن بَادِيس رَحِمَهُ الله وَأَرْضَاهُ))(12)
الثَّانِي: إِقْرَار وَمُبَارَكَة الرَّئِيس الثَّانِي لِجَمْعِيَّةِ العُلَمَاءِ الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي وَهُوَ مَنْ هُوَ فِي مَعْرِفَةِ الأُصُول العَقَدِيَّةِ لِرَفِيقَ دَرْبِهِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس حقَّ الـمَعْرِفَةِ، لِتَلْكَ التَّعْلِيقَاتِ، حَيْثُ قَالَ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي: ((كَمَا وَصَلَتْ هَذِهِ الأَمَالِي بِعِنَايَةِ الأُسْتَاذ الـمُوَفَّق مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان القَنْطْرِي، فَإِنَّهُ تَلَقَّى هَذِهِ الدُّرُوس وَنَقَلهَا مِنْ إِلقَاءِ الإمَامِ وَاسْتَأْذَنَهُ فِي التَّعلِيقِ عَلَيْهَا وَنَشْرِهَا لِلاِنْتِفَاعِ بِهَا، فَجَزَاهُ اللهُ خَيْرَ الجَزَاء))(13) وَقَالَ أيْضًا فِي تَزْكِيَةِ التِّلْمِيذِ: ((وَهَذَا دَرْسٌ مِنْ دُرُوسِهِ [ابْن بَادِيس] يَنْشُرُهَا اليَوْم فِي أَصْلِ العَقِيدَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ بِدَلاَئِلِهَا مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تِلْمِيذُهُ الصَّالِحِ كَإِسْمِهِ: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان، فَجَاءَتْ عَقِيدَةً مُثْلَى يَتَعَلَّمُهَا الطَّالِب فَيَأْتِي مِنْهُ مُسْلِمٌ سَلَفِيٌّ))(14)
وَمِنْ بَابِ التَّنَزُّلِ يُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ التَّعْلِيقَاتِ مِنَ الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان فِي هَكَذَا مَسَائِل أَصْلِيَّة كَمَسْأَلَةِ الفَوْقِيَّةِ وَالاِسْتِوَاءِ، لاَ تَخْلُو أَنْ تَكُونَ:
أَوَّلاً: مِنْ تَوْضِيحَاتِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس نَفْسه عَلَى مَتْنِ عَقِيدَتِهِ، تَلَقَّاهَا طَلَبَتهُ مِنْهُ فِي ثَنَايَا الدُّرُوسِ، إِمَّا مِنْ بَابِ: الشَّرْحِ وَالاِسْتِرْسَالِ فِي البَيَانِ، أَوْ دَفْع إِيهَامٍ، أَوْ رَفْع التِبَاسٍ أو جَوَاب اسْتِشْكَالٍ أَوْ غَيْره مِنَ الأُمُورِ الـمَعْرُوفَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الـمَقَامِ، فَدَوَّنَ طَلَبَتهُ مَا فَهِمُوهُ مِنْ فَوَائِدٍ وَفَرَائِدٍ، فَأَوْدَعُوهَا وِفْقَ الأَمَانَة العِلْمِيَّة كَهَوَامِش مُبيِّنَةٍ وَمُوَضِّحَةٍ لِـمَرَامِي صَاحِبهَا الـمُصَنِّف.
ثَانِيًا: مِـمَّا شَاعَ وَذَاعَ مَعْرِفَته عَنِ الشَّيْخ عِنْدَ طَلَبَتِه وَالـمُلاَزِمِينَ لَهُ وَمَنْ هُم أَعْرَفُ ِبِهِ مِنْ خَوَاصِّ تَلامِذَتِهِ، أَوْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّعْلِيقَات مِنَ التَّلْمِيحَاتِ الصَّرِيحَةِ لِلْشَّيْخ ابْن بَادِيس، فَفُهِم مُرَادهُ بِالْقَرَائِن القَوِيَّة وَالأَمَارَاتِ الجليَّة.
ثَالِثًا: لَـمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهَا الشَّيْخ ابْن بَادِيس لاَ نَفْيًا وَلاَ إِثْبَاتًا؟! لاَ تَصْرِيحًا وَلاَ حَتَّى تَلْمِيحًا؟!، بَلْ تَرَكَ الأَمْر بَيْن بَيْن، مُشْكَلاً مُبْهَماً، فَضْفَاضًا، حَمَّالَ أَوْجُهٍ، فَلَم يُوَضِّح لِطَلَبَتِهِ الـمَعَانِي الفَاسَدَةِ مِنْ جُمْلَةِ الـمَعَانِي اللُّغَويَّة الـمُحْتَمَلَةِ مِنَ الفَوْقِيَّةِ وَالاِسْتِوَاءِ، كَمَا أَنَّهُ لَـمْ يَكْشِف لَهُم عَمَّا يُفْتَرَضُ بِأَنَّهُ عَقِيدَة السَّلَفِ بِمَفْهُومِ الـمُشَبِّهَة والـمُجَسِّمَة أَيْ: فَوْقِيَّةَ الـمَكَانِ وَالْـمَسَافَةِ؟!، وَاسْتِوَاءَ التَّمَكُّنِ بِالِاسْتِقْرَارِ وَالـجُلُوسِ عَلَى العَرْشِ؟!، وَبِالْتَّالِي فَلاَ يَعْدُو أَنْ تَكُونَ هَذِهِ العَقَائِد عَقَائِد بِدْعِيَّة مِنْ كَيْسِ تَلاَمِذَةِ ابْن بَادِيس لاَ عَلاَقَة لَهَا البَتَّة بِعَقِيدَةِ شَيْخِهِم؟!، فَهِي لاَزِمَةٌ لَهُم وَلَيْسَت بِالْضَّرُورَةِ عَقِيدَة شَيْخهم؟!
رَابِعًا: صَرَّحَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس بِالْفَوْقِيَّةِ الـمَكَانِيَّةِ وَالاِسِتَواء بِالتَّمَكُّنِ عَلَى مَعْنَى الاِسْتِقْرَارِ وَالـجُلُوسِ عَلَى الْعَرْشِ تَمَامًا كَمَا هُوَ الحَالُ فِي عَقِيدَةِ التَّيْمِيَّةِ الـمُجَسِّمَةِ، وَلَكِنَّ القَوْمَ لَمْ يَفْهَمُوا مُرَادَهُ؟! فَلَـمْ يَنْقُلهُ وَلاَ وَاحِد مِنْ خَوَاصِّ مَعَارِف الرَّجُل وَلاَ حَتَّى تَلاَمِذتِه الـمُقَرَّبين الَّذِينَ دَرَسُوا عَلَيْهِ هَذَا التَّوْحِيد؟! وَحَمَلُوا عَلَى كَاهِلِهِم تَبْلِيغَ عَقِيدَة شَيْخهم السَّلَفِيَّة إِلَى الأَجْيَالِ؟!
خَامِسًا: صَرَّحَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس بِالْفَوْقِيَّةِ وَالاِسِتَواء عَلَى وِفْقَ مَا جَاءَ فِي عَقِيدَةِ التَّيْمِيَّةِ الـمُجَسِّمَةِ، وَلَكِنَّ تَلاَمِذَتَهُ الَّذِينَ مَا بَرِّحُوا يُغَرِّدُونَ بِتَبَنِّيهِم التَّام لِعَقِيدَةِ شَيْخِهِم السَّلَفِيَّة، وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِم نُفُوراً وَتَنَكَّصُوا لِـصَرِيحِ مُرَادِ شَيْخهم وَصَرَّحُوا بِالْعَكْسِ؟!
فأمَّا الاِحْتِمَال الأَوَّل فَلاَ غُبَارَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قُلْ فِي الثَّانِي، وَيُعَضِّدُ هَذِهِ القِرَاءَة تَصْرِيح الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان أَعْلاَه وَإقْرَار أَعْرَف النَّاسِ بِعَقِيدَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس أَلاَ وَهُوَ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي. أَضِف إِلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ التَّعْليِقَات لَقِيَت ترْحِيبًا وَقَبُولاً بَلْ وَتَرْوِيجًا مِنْ قِبَلِ أَخَصِّ طَلَبَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس مِـمَّنْ حَضِرَ هُوَ أَيْضًا تِلْكَ الاِمْلاَءَاتِ كَالْشَّيْخِ أَحْمَد حَمَّانِي وَالأُسْتَاذ مُحَمَّد الـحَسَن فُضَلاَء وَغَيْرهم فَلَـمْ يَنْتَهَض أَحَدهم لِلاِعْتِراض وَلاَ سُجِّلَ لَهُ امْتِعَاض؟!
وَأَمَّا الاِحْتِمَال الثَّالِث فَلاَ يَقُوم عَلَى سَاقٍ، إِذْ حَاصِلهُ أَنَّ الشَّيْخ ابْن بَادِيس طَبَعَ طَلَبَتهُ بِعَكْسِ الـمُعْتَقَدِ الصَّحِيحِ حَتَّى شَاعَ وَذَاعَ فِيهِم عَكْس مَرْغُوبه؟!، ثُمَّ إِنَّ البَيْئَة العِلْمِيَّة السَّائِدَة آنَذَاك هِيَ عَقِيدَة التَّنـزيه عَقِيدَة السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْل الـحَدِيثِ مِنْ تَنِـزِيهٍ لله عَن فَوْقِيَّةِ الجِهَةِ وَالـمَكَانِ وَسَلْبِ الْنَّقَائِصِ عَنْهُ جَلَّ وَعَلاَ كَعَقِيدَة الجُلُوس وَالاِسْتِقْرَارِ عَلَى العَرْشِ جَلَّ رَبُّنَا عَنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَلاَّ يَصْدَعَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس بِالعَقِيدَةِ (السَّلَفِيَّة!) الـمَزْعُومَة فَيُغَمْغِمَ عَلَى طَلَبَتِهِ الأَمْر فِي مِثْلِ هَكَذَا بَيْئَةٍ عَمَّ وَطَمَّ فِيهَا عَقِيدَة التَّعْطِيل وَنَفْي الرَّبِّ عَلَى حَدِّ زَعْمِ الـتَّيْمِيَّةِ الـمُجَسِّمَةِ؟! أَلاَ يُفْتَرَضُ مِنْ الشَّيْخِ ابْنِ بَادِيس أَنْ يَكُونَ (سَلَفِيًّا!) يَحْرِصُ عَلَى تَسْلِيحِ تَلاَمِذَته وَطَبْعهم بـِعَقِيدَة (السَّلَفِ!) فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ؟! وَأَلاَّ يَتْرُكهُم طُعْمَة سَهْلَة لِمَنْ يُسمِّيهِم التَّيْمِيَّة الـمُجسِّمة: الأَشَاعِرَة (نُفَاة!) الرَّبِّ؟! ثُـمَّ مَا الَّذِي جَعَلَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس يُنَاصِبُ العَدَاء جَهَارًا نَهَارًا لِلْمُحَافِظِينَ وَالطُّرُقِيَّة فَيُوَافِقُ بِدْعَة الوَهَابِيَّة فِي مَسَائِل القُبُورِ وَالتَّبَرُّك بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ الصَّالِحِينَ، وَلاَ يَنْبِسُ بِبِنْتِ شَفَةٍ فِي بَابِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ؟!
وَأَمَّا الاِحْتِمَالُ الرَّابِعُ فَيُقَالُ فِيهِ نَفْس مَا يُقَالُ فِي الخَامِسِ، فَهُوَ وَاضِح البُطْلاَنِ وَلاَ يَحْتَاجُ لإِبْطَالِهِ إِلىَ دَلِيلٍ وَلاَ بُرْهَانٍ؟!، فَلاَ يَسْتَقِيم فِي ذِهْنِ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ أَنْ يَشُذَّ كُلّ هَؤُلاَءِ الطَّلَبَة دُفْعَةً وَاحِدَةً فِي فَهْمِ مَقْصُودِ شَيْخهم مِنَ الاِسْتِوَاءِ وَالفَوْقِيَّةِ فَيُصَرِّحُوا فِي مَعْرَضِ تَفْصِيلِ عَقِيدَة الرَّجُل بِعَكْسِ مُرَاده؟!، بَلْ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الخَيَارِ تَوَاطُؤ فَطَاحِل تَلاَمِذَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس وَهُم نَقَلَة عَقِيدَته إِلَى الأَجْيَالِ عَلَى التَّلْبِيسِ وَالتَّدْلِيسِ؟!، كَمَا يَتَمَخَّضُ مِنَ الاِحْتِمَالِ الأَخِيرِ تَوَاطُؤَ الْقَوْمِ عَلَى تَبْلِيغِ الكَذِبِ؟!
فَالْعَقِيدَة السَّلَفِيَّة الَّتِي عَنَاهَا الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي وَتِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس وَرَاوِي عَقِيدته الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان، لَيْسَت إِلاَّ أُصُول عَقِيدَة التَّنْزِيهِ الـمَعْلُومَةِ عِنْدَ السَّادَةِ الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ.
يُتْبَعُ...
________
(1) تَقْدِيم الشَّيْخ مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي لِرِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (ص:13)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(2) رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (ص:6)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(3) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (4/356)، وَالثَّمْر الدَّانِي مِنْ مُحَاضَرَاتِ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (1/293)
(4) صِرَاعٌ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالبِدْعَةِ (1/13)، تَأْلِيف: الْشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي تِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس، ، نَشْر دَارُ البَعْث-قَسَنْطِينَة
(5) رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان، (ص:11)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(6) رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (هَامِش ص:74)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(7) رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (هامش ص:73)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
( رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (هامش ص:99)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(9) رَاجِعْ مَقَال العَبْد الفَانِي: "كَشْف تَزْوِيرٍ فِي عَقِيدَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس: طَبْعَة الـمَجْلِس الإِسْلاَمِي الأَعْلَى– الجزائر" عَلَى الرَّابِط:
https://www.facebook.com/yacine.ben.rabie/posts/1486222941612337
(10) رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (هامش ص:68)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(11) رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (هامش ص:71)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(12) رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (ص:13-14)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(13) تَقْدِيم الشَّيْخ مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي لِرِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (ص:17)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(14) تَقْدِيم الشَّيْخ مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي لِرِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (ص:18)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(هَذَا الـمَقَال مُهم جِدًا لاستجلاء عقيدة الشَّيخ ابن باديس وَنظرا لِتَلاَحم عَناصر مادَّته جعلته في منشور واحد وهو مُستل بتصرُّفٍ من بحث للعبد الفاني)
رَاوِي عَقِيدَة الشَّيْخ ابْن بَادِيس وَتِلْمِيذه الأُسْتَاذ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان وَتَنْزِيه الله عَنْ سِمَاتِ الجِسْمِيَّةِ مِنَ الكَيْفِيَّة بِمَعْنَى الهَيْئَةِ وَالـمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَالتَّمَكُّن فِي العَرْشِ وَمُطْلَق التَّشْبِيهِ وَمُبَارَكَة الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي لِهَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة؟!:
يُعْتَبَرُ الأُسْتَاذ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان مِنْ تَلاَمِذَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس الـمُقَرَّبِين إِلَيْهِ، اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الشَّيْخ فِي حَرَكَتِهِ التَّعْلِيمِيَّة وَرَشَّحَهُ ضِمْنَ أَعْوَانه فِي التَّدْرِيسِ. تَلْمَذَ الأُسْتَاذ الـمَذْكُور عَلَى شَيْخِهِ ابْن بَادِيس، وَفِي هَذِهِ الأَثْنَاء أَخَذَ عَنْهُ مُبَاشَرَةً دُرُوسًا فِي "الْعَقَائِدِ الْإِسْلاَمِيَّةِ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ" أَيْنَ أَمْلاَهَا الشَّيْخ ابْن بَادِيس عَلَى تَلاَمِذَتِهِ فِي الجَامِع الأَخْضَر بِقَسَنْطِينَة.
أَحْكَمَ التِّلْمِيذُ تَقْيِيدَ هَذِهِ الدُّرُوس وَأَخَذَ عَلَى عَاتِقِهِ نَشْرَهَا وَالتَّعْلِيقَ عَلَيْهَا بِمَا لاَ يَخْرُج عَنْ رُوحِ صَاحِبهَا كَمَا قَالَ، فَطَبَعَهَا كَمَا هِيَ وَأَرْفَقَهَا فِي طَبْعَةٍ لاَحِقَةٍ بِتَقْرِيظٍ مِنَ الرَّئِيس الثَّانِي لِجَمْعِيَّة العُلَمَاءِ الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي رَفِيق الشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي دَرْبِهِ.
وَفِي هَذَا الصَّدَد، يَقُول الأُسْتَاذ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان مُؤَرِّخًا لِفَتْرَةِ تَحْصِيل هَذِهِ العَقَائِد: ((تلَقَّيْتُ هَذِهِ الدُّرُوس إمْلاَءً عَنْ أُسْتَاذِنَا الإِمَام [ابن باديس] مُبَاشَرَةً فِي حِلَقٍ دِرَاسِيَّة مَسْجِدِيَّة بِالـجَامِعِ الأَخْضَرِ بِقَسَنْطِينَة فِي الفَتْرَة مَا بَيْنَ 16 رَجَب 1353 و25 صَفَر 1354 هِجْرِيَّة "الـمُوَافِقَة لِأَكْتُوبَر 1934 وَمَاي 1935 مِنَ السَّنَةِ الـمِيلاَدِيَّةِ" أَيْ ثَمَانِيَة أَشْهُرٍ بِنِسْبَةِ حِصَّة وَاحِدَة فِي الأُسْبُوعِ لاَ تَتَجَاوَز الثَّلاَثِينَ دَقِيقَةً وَسَطَ جَمعٍ مِنَ الطُّلاَّبِ يُقَاربُ أَحْيَانًا الـمِئَة فِي أَوَّلِ عَهْدِي بالدِّراسَةِ الإِسْلاميَّة. وَلَـمَّا احْتَجْنَا إِلَى هَذِهِ الدُّرُوسِ لِلْتَّعْلِيم الدِّينِي بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ لِنُقَدِّمهَا إِلَى تَلاَمِيذِ مَعَاهِدِنَا الإِسْلاَمْيَّةِ فِي فَاتِحِ السَّنَةِ الدِّرَاسِيَّةِ (1963م-1964م) عَكَفْتُ عَلَى تَبْيِيضِهَا وَالتَّعْلِيقِ علَيْهَا بِـمَا لاَ يَتَنَافَى وَالرُّوح السَّائِدَة فِيهَا))(1)
وَفِي تَقْيِيمٍ لِفَتْرَةِ تَلْمَذَته عَلَى شَيِخِهِ ابْن بَادِيس، قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان: ((واستَمَرَّ بِيَ الـمَقَامُ فِي رِحَابِ الشَّيْخ [ابْن بَادِيس] خَمْس سَنَوَاتٍ، وَهِيَ مُدَّةٌ لَيْسَتْ بِالطَّوِيلَةِ فِي عُمُرِ الزَّمَانِ، وَلَكِنَّهَا -وَالحَمْدُ للهِ- أَثْرَتْ، وَأَثْـمَرَتْ بَعْدَمَا أَيْنَعَتْ فِيمَا أَظُنُّ؛ إِذْ اِسْتَدْعَانِي الإِمَامُ بَعْدَ ثَلاَثِ سَنَوَاتٍ فَقَطْ مِنَ التَّلْمَذَةِ عَلَيْهِ لِأُعَاوِنَهُ فِي التَّدْرِيس لِطُلاَّبِهِ بِقَسَنْطِينَة مَعَ مُعَاوِنِيهِ، ثُمَّ عَيَّنَنِي مُعَلِّمًا فِي مَدْرَسَةِ التَّرْبِيَّة والتَّعْلِيم بِقَسَنْطِينَة، ومَعَ ذلكَ لَمْ أَنْقَطِع عَنْ دُرُوسِهِ، وخَاصَّةً دَرْس التَّفْسِير، حَتَّى لَقِيَ ربَّه في 16/4/1940م، رَضِيَ الله عَنْهُ وأَرْضَاهُ. وقَدْ وَعَيْتُ عَنْ إِمَامنَا ما شَاء الله أَنْ أَعِيَ، وقَبَسْتُ منهُ مَا كَانَ يَكْفِي لِهِدَايَتِي، لَوْلاَ أنَّ طَالِب العِلْمِ كَطَالِبِ الـمَالِ لاَ يُشْبِعُهُ شَيْءٌ. وَعِشْتُ بِهَذِهِ الذِّكْرَيَاتِ الطَّيِّبَةِ، وعَلَى هَذَا العَهْد السَّمَاوِي فِي مَدَارِسِ جَمْعِيَّة العُلَمَاءِ الـمُسْلِمِينَ، مُدَرِّسًا، ومُدِيراً، ومُفَتِّشًا، وَقْتًا لَيْسَ بِالقَصِيرِ. وَمِمَّا وَعَيْتهُ عَنْهُ هذِهِ الإِمْلاَءَاتِ فِي التَّوْحِيدِ مِنَ الآيَاتِ القُرْآنِيَّة والأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّة، الَّتِي لَمْ يَفُتْنِي مِنْهَا شَيْءٌ وَالـحَمْدُ لله))(2)
وَفِي نَفْسِ السِّيَاقِ، تَكَلَّمَ تِلْمِيذُ الشَّيْخ ابْن بَادِيس الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي [وَهُوَ أَيْضًا مِمَّنْ تَلَقَّى مُبَاشَرَةً تِلْكَ العَقَائِد عَنْ شَيْخِهِ الـمَذْكُور] عَنْ زَمِيلِهِ الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَانِ فَقَالَ: ((رَشَّحَهُ ابْن بَادِيس بِنَفْسهِ لِيَكُونَ مِنْ أَعْوَانِهِ، هُوَ وَالشَّيْخ مُحَمَّد الغسِيرِي بِنَحْوِ سَنَتَيْنِ فِي الدِّرَاسَةِ بِالْـجَامِعِ الأَخْضَرِ. وَالْـحَقُّ أَنَّ مُحَمَّد الْصَّالَح حَتَّى ذَلِكَ الْوَقْت كَانَ مَا مَعَهُ مِنَ الْعُلُومِ مَحْدُوداً مُتَوَاضِعًا، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُتْقَنًا مَدْرُوسًا مَضْبُوطًا، ألَـمْ تَرَهُ كَيْفَ قَيَّد جَيِّداً مَا أُمْلِـيَ عَلَيْه مِنْ أُصُولِ "الْعَقِيدَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ" وَغَيْرهَا ثُمَّ نَشَرَهُ مِنْ بَعْدُ؟ وَهُوَ مَا لَـمْ يَفْعَلْهُ غَيْرهُ مِنَ الطُّلاَّبِ))(3)
وَقَالَ الشَّيْخ حَمَّانِي أَيْضًا: ((وَمِنْ قَبْل عِنَايَة الشَّيْخ شِيبَان بِآثَارِ ابْن بَادِيس وَتَعْمِيمهَا لِلْاِنتِفَاعِ بِهَا، سَبَقَ الأَخُ الشَّيْخُ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان أَحَد نُجَبَاء تَلاَمِيذِهِ بِـمُحَاوَلَةٍ أُوْلَى: نَشَرَ فِيهَا مِنْ إِمْلاَءِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس عَلَى طُلاَّبِهِ فـِي عِلْمِ التَّوْحِيدِ، وَاعْتَمَدَ فِيهَا أُسْلُوبًا رَائِعًا مُفِيداً مُدَعَّمًا بحُجَجٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ وسُنَّة رَسُول الله صلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم، مُـجَنِّبَة لِلْنَّاشِئَةِ، مِنْ عُقْمِ "بَرَاهِينَ" كَلاَمِيَّة مَبْنِيَّة عَلَى الـمَنْطِقِ وَالفَلْسَفَةِ اليُونَانِيَّةِ))(4) وَتَأَمَّل قَوْل الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي عَنْ إِمْلاَءَاتِ شَيْخِهِ ابْن بَادِيس فِي العَقِيدَةِ بِأَنَّهَا جَاءَت: ((مُـجَنِّبَة لِلْنَّاشِئَةِ...الخ)) فَهِيَ إِذًا: عَقِيدَة مُبَسَّطَة لِأَجْلِ الْنَّاشِئَةِ وَالطَّلَبَة فِي مَرْحَلَةٍ ابْتِدَائِيَّةٍ حَيْثُ قَدْ لاَ يُسْتَحْسَنُ الخَوْض بِهِم فِي الـمُبَاحَثَات الكَلاَمِيَّة مُرَاعَاةً لِلْمَرْحَلِيَّة فِي التَّحْصِيلِ، وَأَمَّا الزِّيَادَة عَلَى هَذَا القَدْر فِي التَّحْصِيلِ أَوْ التَّطَلُّعَ إِلَى التَّخَصُّص فَذَاكَ مَوْعِدهُ جَامِع الزَّيْتُونَة الـمَعْمُور. وَلِهَذَا كَانَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس يُرْسِلُ الـمُتَفَوِّقِينَ مِنْ طُلاَّبِهِ بَعْدَ هَذِهِ الـمَرْحَلَةِ مِنْ دُونِ تَحَفُّظٍ وَلاَ تَحْذِيرٍ لِيَنْهَلُوا مِنْ عُلُومِ جَامِع الزَّيْتُونَةِ الَّذِي يُقَرِّرُ العَقِيدَة الأَشْعَرِيَة؟!
اسْتَهَلَّ الأُسْتَاذ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان فِي تَقْدِيمِ عَقَائِد شَيْخه ابْن بَادِيس بِالتَّأْكِيدِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الـسَّلَفِيَّة الَّتِي كَانَ يَسِيرُ عَلَيْهَا صَاحِب الإِمْلاَءَات، فَقَالَ: ((وَأَنَا وَاثِقٌ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَة السَّلَفِيَّة الَّتِي سَارَ عَلَيْهَا أُسْتَاذنَا الإِمَام فِي عَرْضِ العَقِيدَة الإِسْلاَمِيَّة هِيَ الطَّرِيقَة الـمُثْلَى لِأَنَّهَا تَتَمَاشَى وَالفِطْرَة البَشَرِيَّة الَّتِي جَاءَ بِهَا القُرْآن لِـهِدَايَةِ النَّاسِ...))(5) وَهَذَا الكَلاَم لاَ يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ وَمَقَالٍ قَدْ يَأْتِي بَيَانهُ لاَحِقًا، وَلَكِن مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الآن هُوَ أَنَّ الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان يُشِيدُ بِعَقِيدَة شَّيْخِهِ ابْن بَادِيس، فَهُوَ حَتْمًا سَلَفِيّ العَقِيدَة كَشَيْخِهِ.
فَلاَ بَأْسَ إذاً مِنْ اسْتِجْلاَءِ بَعْض أُصُول هَذِهِ الْعَقَائِد السَّلَفِيَّة الَّتِي دَنْدنَ حَوْلَهَا الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان:
أَوَّلاً: #تَنْزِيهُ_الله_عَنِ_الكَيْفِيَّةِ_بِـمَعْنَى_الـهَيْئَةِ؟!
قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان عِنْدَ إِثْبَات شَيْخهِ ابْن بَادِيس لِلاِسْتِوَاء وَالنُّزُول "بِلاَ كَيْفٍ"، مَا نَصُّهُ: ((بِلاَ كَيْفٍ: أَيْ بِلاَ هَيْئَةٍ مُـحَدَّدَةٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَنُثْبِتُ الاِسْتِوَاء الوَارِد فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾[طه:5]، والنُّزُول فِي حَدِيث: "إِنَّ الله يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا آخِرَ اللَّيْلِ وَيَقُول: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُجِيب لَهُ"، والـمَجِيء وَنَحْوه مِثْل: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾[الفجر:22]، ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾[طه:39]، ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾[النِّساء:164] إلخ..كُلُّ ذَلِكَ بِلاَ هَيْئَةٍ مُـحَدَّدَةٍ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى:11]))(6) وَهَذَا يُعَارِض قَوْل التَّيْمِيَّة الـمُجَسِّمَة فِي حَمْلِ الاِسْتِوَاء عَلَى هَيْئَةِ الجُلُوس وَالاِسْتِقْرَارِ وَالتَّمَكُّن فِي العَرْشِ؟! وَأَنَّ صُورَة الله تُشْبِهُ ((هَيْئَة!)) الإِنْسَان؟!...وَالخ؟!
ثَانِيًا: #نَفْيُ_مُطْلَق_التَّشْبِيهِ_بَيْنَ_الـخَالِقِ_وَالـمَخْلُوقِ؟!
قَالَ نَقْلاً عَنْ شَيْخِهِ ابْن بَادِيس: ((التَّشْبِيه: تَشْبِيهُ الله بِـمْخْلُوقَاتِهِ، فَنَحْنُ نُثْبِتُ لله مَا أَثْبَتَهُ الله لِنَفْسِهِ مِنْ أَقْوَالٍ أَوْ أَفْعَالٍ أَوْ صِفَاتٍ، وَلاَ نُشَبِّهُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالـمَخْلُوقَاتِ))(7) وَهَذَا قَاطِعٌ فِي أنَّ الشَّيْخ ابْن بَادِيس يَنْفِي الـمُشَابَهَة بَيْنَ الـخَالِق وَالـمَخْلُوق مِنْ كُلِّ الوُجُوهِ: ((وَلاَ نُشَبِّهُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالـمَخْلُوقَاتِ))، عَلَى عَكْسِ التَّيْمِيَّة الـمُجَسِّمَة الَّذِين يَدَّعُونَ أَنَّ نَفْي مُطْلَق التَّشْبِيه بَيْنَ الخَالِق وَالـمَخْلُوق لاَ يَعْنِي إِلاَّ أنَّهُ تَعَالَى مَعْدُومٌ؟! فَلاَ بُدَّ عِنْدَهُم مِنْ وُجُودِ تَشَابُهٍ مِنْ بَعْضِ الوُجُوهِ بَيْنَ الرَّبِّ وَالـمَرْبُوبِ؟!
ثَالِثًا: #تَنْزِيهُ_الله_عَنِ_الـمَكَانِ_وَالزَّمَانِ؟!
عِنْدَ اسْتِشْهَادِ الـمُصَنِّف -الشَّيْخ ابْن بَادِيس- بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[النَّحل:50]، عَلَّقَ تِلْمِيذهُ الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمَضَان عَلَى الهَامِشِ قَائِلاً: ((مِنْ فَوْقِهِمْ : الفَوْقِيَّة مَعْنَوِيَّة، فَاللهُ سُبْحَانَهُ لاَ يُحَدُّ بِزَمَانٍ وَلاَ مَكَانٍ))( وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَةِ عَقِيدَة الـمُجَسِّمَة التَّيْمِيَّة القَائِلِينَ بِأَنَّ العَرْش هُوَ مَكَانُ رَبِّهِم؟! وَأَنَّهُ تَعَالَى لاَ يَزَال فِي أَزْمِنَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ؟! وَالعِيَاذُ بِاللهِ، وَلِهَذَا قَامَ القَوْم كَمَا اشْتُهِرَ عَنْ أَسْلاَفِهِم الـمُجَسِّمَة بِتَحْريفِ هَذَا الـمَوْضِع بِالذَّاتِ فِي طَبَعَاتٍ لاَحِقَةٍ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي كَذَا مَقَالٍ(9)، وَاللهُ الـمُسْتَعَان؟!
رَابِعًا: #تَفْوِيضُ_مَعْنَى_الاِسْتِوَاء_وَنَفْي_حَمْلِ_تَفْسِيرِهِ_عَلَى_الـمَعْنَى_الـجِسْمَانِي؟!
وَعِنْدَ اسْتِشْهَاد شَيْخه ابْن بَادِيس بِقَوْلِهِ تَبَارَك وَتَعَالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾، عَلَّقَ عَلَى الـهَامِشِ بِقَوْلِهِ: ((الاسْتِوَاء: اسْتِوَاءٌ يَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلاَلِهِ، وَلَيْسَ كَاسْتِوَاءِ الخَلْقِ الَّذِي مَعْنَاهُ: التَّمَكُّنُ. وَالْعَرْش: مَخْلُوقٌ عَظِيمٌ لله تَعَالَى، وَهُوَ أَعْلاَ الـمَخْلُوقَاتِ وَأَوَّلـهَا، وَهُوَ سَرِير الـمُلْكِ: قَالَ تَعَالَى: ﴿أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾ [النَّمْل:42]، ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ﴾[يُوسُف:100]. والرَّوَاسِي: الجِبَال الثَّوَابِت الشَّوَامِخ الرَّوَاسِخ. وثُـمَّ لِعَطْفِ الجُمَل لاَ غَيْر، وَلَيْسَت للِتَّرْتِيب))(10)
وَهَذَا أَيْضًا تَأْكِيدٌ مِنَ الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان عَلَى تَنْزِيهِ الله عَنِ الفَوقِيَّةِ الـمَكَانِيَّةِ وَنَفْيِ جَرَيَانِ الزَّمَانِ عَلَيْهِ تَعَالَى. وَقَوْلهُ: ((استِوَاءٌ يَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلاَلِهِ)) فِيهِ إِثْبَاتٌ لِصِفَةِ الاِسْتِوَاءِ عَلَى الْوَجْهِ اللاَّئِقِ بِهِ تَعَالَى، وَأَمَّا قَوْلهُ: ((وَلَيْسَ كَاسْتِوَاءِ الخَلْقِ الذِي مَعْنَاهُ التَّمَكُّن)) فَهُوَ قَاطِعٌ فِي نَفْيِ كُلِّ الـمَعَانِي اللُّغويَّة البَاطِلَةِ لِلاِسْتِوَاءِ الـمُتَضَمِّنَةِ لِمَعْنَى الـتَّمَكُّنِ عَلَى العَرْشِ وَلَوَازِمِ ذَلِكَ كَـ: الاِسْتِقْرَارِ وَالجُلُوسِ...الخ، فَكَلاَم الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان صَرِيحٌ فِي الجَرَيَانِ عَلَى مَذْهَبِ التَّفْوِيضِ الـمَعْرُوفِ عِنْدَ السَّادَةِ الأَشَاعِرَةِ.
وَأَمَّا قَوْلهُ: ((ثُمَّ)) فِي الآيَةِ هِيَ ((لِعَطْفِ الجُمَل لاَ غَيْر، وَلَيْسَت للِتَّرْتِيب))، فَفِيهِ أَيْضًا تَنْزِيه اللهِ عَنِ الزَّمَانِ وَالزَّمَانِيَّاتِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مُنَاقَضَةِ مَذْهَبِ الـمُجَسِّمَةِ القَائِلِينَ بِأَنَّ الله اسْتَوَى بِمعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى (جَلَسَ!) وَ(اسْتَقَرَّ!) عَلَى العَرْشِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُن؟! (فَطَرَأَت!) عَلَيْهِ تَعَالَى صِفَة (جَدِيدَة!) بَعْدَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض؟! أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ -عِنْدَهُم!- نَاقِصًا فِي كَمَالاَتِهِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض؟!
خَامِسًا: #التَّأْوِيل_تَارَةً؟!
وَقَالَ عِنْدَ اسْتِشْهَاد شَيْخه بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ﴾[فصلت:11]، ما نصه: ((وَاسْتَوَىٰ: عَمَدَ وقَصَدَ))(11)
وَلِقَائلٍ أَنْ يَقُول أنَّ هَذِهِ التَّعْلِيقَات تُلْزِمُ التَّلْمِيذَ وَحْدَهُ وَلاَ عَلاَقَةَ لَهَا البَتَّة بِعَقِيدَةِ شَيْخِهِ ابْنِ بَادِيس؟!، فَالْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ:
الأَوَّل: أكَّدَ الأُسْتَاذُ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان فِي مُقَدِّمَةِ الرِّسَالَةِ أَنَّ تَعْلِيقَاته لاَ تَتَنَافَى مَعَ رُوحِ شَيْخه ابْن بَادِيس، فَقَالَ: ((وَحِفْظًا لِأَمَانَةِ النَّقْلِ وَمُرَاعَاةً لِحَقِّ الْغَائِبِ، رَأَيْتُ مِنْ وَاجِبِي أَنْ أُلْفِتَ الأَنْظَار إِلَى أَنِّي حَافَظْتُ عَلَى الأَصْلِ فِي تَبْوِيبِهِ وَتَرْتِيبِهِ وَعَنَاوِينِهِ كَمَا أَمْلاَهُ صَاحِبهُ فِي الفَتْرَةِ الـمَذْكُورَةِ وَمَا أَضَفْتُ إِلَيْهِ سِوَى تَرْقِيم أَوَائِل الدُّرُوسِ وَالـمَوَاضِيعِ، أَمَّا الأَحَادِيث فَقَدْ خَرَّجَهَا صَاحِبهَا إِلاَّ القَلِيل النَّادِر فَقَد خَرَّجْتُهُ دَاخِلَ الـمَتْنِ أَوْ خَارِجَهُ، وَزِدْتُ عَلَى العَنَاوِين الأَصْلِيَّةِ وَالفَرْعِيَّةِ عَنَاوِين إِضَافِيَّة وَضَعْتُهَا فِي الهَامِشِ، أَمَّا التَّعَالِيق وَالحَوَاشِي الَّتِي رَأَيْتُ أَنَّهَا ضَرُورِيَّة مُتَمِّمَة لِلْأَصْلِ فَقَدْ جَعَلْتُهَا أَسْفَلَ الصَّفَحَاتِ مَفْصُولاً بَيْنَهَا وَبَيْنَ المَتْنِ بِخَطٍ أُفُقِيٍّ، وَأَسْتَطِيعُ أَنْ أُؤَكِّد بِأِنَّهَا لَمْ تَخْرُج فِي مَجْمُوعِهَا وَتَفْصِيلِهَا عَنْ رُوحِ ابْن بَادِيس رَحِمَهُ الله وَأَرْضَاهُ))(12)
الثَّانِي: إِقْرَار وَمُبَارَكَة الرَّئِيس الثَّانِي لِجَمْعِيَّةِ العُلَمَاءِ الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي وَهُوَ مَنْ هُوَ فِي مَعْرِفَةِ الأُصُول العَقَدِيَّةِ لِرَفِيقَ دَرْبِهِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس حقَّ الـمَعْرِفَةِ، لِتَلْكَ التَّعْلِيقَاتِ، حَيْثُ قَالَ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي: ((كَمَا وَصَلَتْ هَذِهِ الأَمَالِي بِعِنَايَةِ الأُسْتَاذ الـمُوَفَّق مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان القَنْطْرِي، فَإِنَّهُ تَلَقَّى هَذِهِ الدُّرُوس وَنَقَلهَا مِنْ إِلقَاءِ الإمَامِ وَاسْتَأْذَنَهُ فِي التَّعلِيقِ عَلَيْهَا وَنَشْرِهَا لِلاِنْتِفَاعِ بِهَا، فَجَزَاهُ اللهُ خَيْرَ الجَزَاء))(13) وَقَالَ أيْضًا فِي تَزْكِيَةِ التِّلْمِيذِ: ((وَهَذَا دَرْسٌ مِنْ دُرُوسِهِ [ابْن بَادِيس] يَنْشُرُهَا اليَوْم فِي أَصْلِ العَقِيدَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ بِدَلاَئِلِهَا مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تِلْمِيذُهُ الصَّالِحِ كَإِسْمِهِ: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان، فَجَاءَتْ عَقِيدَةً مُثْلَى يَتَعَلَّمُهَا الطَّالِب فَيَأْتِي مِنْهُ مُسْلِمٌ سَلَفِيٌّ))(14)
وَمِنْ بَابِ التَّنَزُّلِ يُقَالُ: إِنَّ هَذِهِ التَّعْلِيقَاتِ مِنَ الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان فِي هَكَذَا مَسَائِل أَصْلِيَّة كَمَسْأَلَةِ الفَوْقِيَّةِ وَالاِسْتِوَاءِ، لاَ تَخْلُو أَنْ تَكُونَ:
أَوَّلاً: مِنْ تَوْضِيحَاتِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس نَفْسه عَلَى مَتْنِ عَقِيدَتِهِ، تَلَقَّاهَا طَلَبَتهُ مِنْهُ فِي ثَنَايَا الدُّرُوسِ، إِمَّا مِنْ بَابِ: الشَّرْحِ وَالاِسْتِرْسَالِ فِي البَيَانِ، أَوْ دَفْع إِيهَامٍ، أَوْ رَفْع التِبَاسٍ أو جَوَاب اسْتِشْكَالٍ أَوْ غَيْره مِنَ الأُمُورِ الـمَعْرُوفَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الـمَقَامِ، فَدَوَّنَ طَلَبَتهُ مَا فَهِمُوهُ مِنْ فَوَائِدٍ وَفَرَائِدٍ، فَأَوْدَعُوهَا وِفْقَ الأَمَانَة العِلْمِيَّة كَهَوَامِش مُبيِّنَةٍ وَمُوَضِّحَةٍ لِـمَرَامِي صَاحِبهَا الـمُصَنِّف.
ثَانِيًا: مِـمَّا شَاعَ وَذَاعَ مَعْرِفَته عَنِ الشَّيْخ عِنْدَ طَلَبَتِه وَالـمُلاَزِمِينَ لَهُ وَمَنْ هُم أَعْرَفُ ِبِهِ مِنْ خَوَاصِّ تَلامِذَتِهِ، أَوْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّعْلِيقَات مِنَ التَّلْمِيحَاتِ الصَّرِيحَةِ لِلْشَّيْخ ابْن بَادِيس، فَفُهِم مُرَادهُ بِالْقَرَائِن القَوِيَّة وَالأَمَارَاتِ الجليَّة.
ثَالِثًا: لَـمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهَا الشَّيْخ ابْن بَادِيس لاَ نَفْيًا وَلاَ إِثْبَاتًا؟! لاَ تَصْرِيحًا وَلاَ حَتَّى تَلْمِيحًا؟!، بَلْ تَرَكَ الأَمْر بَيْن بَيْن، مُشْكَلاً مُبْهَماً، فَضْفَاضًا، حَمَّالَ أَوْجُهٍ، فَلَم يُوَضِّح لِطَلَبَتِهِ الـمَعَانِي الفَاسَدَةِ مِنْ جُمْلَةِ الـمَعَانِي اللُّغَويَّة الـمُحْتَمَلَةِ مِنَ الفَوْقِيَّةِ وَالاِسْتِوَاءِ، كَمَا أَنَّهُ لَـمْ يَكْشِف لَهُم عَمَّا يُفْتَرَضُ بِأَنَّهُ عَقِيدَة السَّلَفِ بِمَفْهُومِ الـمُشَبِّهَة والـمُجَسِّمَة أَيْ: فَوْقِيَّةَ الـمَكَانِ وَالْـمَسَافَةِ؟!، وَاسْتِوَاءَ التَّمَكُّنِ بِالِاسْتِقْرَارِ وَالـجُلُوسِ عَلَى العَرْشِ؟!، وَبِالْتَّالِي فَلاَ يَعْدُو أَنْ تَكُونَ هَذِهِ العَقَائِد عَقَائِد بِدْعِيَّة مِنْ كَيْسِ تَلاَمِذَةِ ابْن بَادِيس لاَ عَلاَقَة لَهَا البَتَّة بِعَقِيدَةِ شَيْخِهِم؟!، فَهِي لاَزِمَةٌ لَهُم وَلَيْسَت بِالْضَّرُورَةِ عَقِيدَة شَيْخهم؟!
رَابِعًا: صَرَّحَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس بِالْفَوْقِيَّةِ الـمَكَانِيَّةِ وَالاِسِتَواء بِالتَّمَكُّنِ عَلَى مَعْنَى الاِسْتِقْرَارِ وَالـجُلُوسِ عَلَى الْعَرْشِ تَمَامًا كَمَا هُوَ الحَالُ فِي عَقِيدَةِ التَّيْمِيَّةِ الـمُجَسِّمَةِ، وَلَكِنَّ القَوْمَ لَمْ يَفْهَمُوا مُرَادَهُ؟! فَلَـمْ يَنْقُلهُ وَلاَ وَاحِد مِنْ خَوَاصِّ مَعَارِف الرَّجُل وَلاَ حَتَّى تَلاَمِذتِه الـمُقَرَّبين الَّذِينَ دَرَسُوا عَلَيْهِ هَذَا التَّوْحِيد؟! وَحَمَلُوا عَلَى كَاهِلِهِم تَبْلِيغَ عَقِيدَة شَيْخهم السَّلَفِيَّة إِلَى الأَجْيَالِ؟!
خَامِسًا: صَرَّحَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس بِالْفَوْقِيَّةِ وَالاِسِتَواء عَلَى وِفْقَ مَا جَاءَ فِي عَقِيدَةِ التَّيْمِيَّةِ الـمُجَسِّمَةِ، وَلَكِنَّ تَلاَمِذَتَهُ الَّذِينَ مَا بَرِّحُوا يُغَرِّدُونَ بِتَبَنِّيهِم التَّام لِعَقِيدَةِ شَيْخِهِم السَّلَفِيَّة، وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِم نُفُوراً وَتَنَكَّصُوا لِـصَرِيحِ مُرَادِ شَيْخهم وَصَرَّحُوا بِالْعَكْسِ؟!
فأمَّا الاِحْتِمَال الأَوَّل فَلاَ غُبَارَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قُلْ فِي الثَّانِي، وَيُعَضِّدُ هَذِهِ القِرَاءَة تَصْرِيح الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان أَعْلاَه وَإقْرَار أَعْرَف النَّاسِ بِعَقِيدَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس أَلاَ وَهُوَ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي. أَضِف إِلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ التَّعْليِقَات لَقِيَت ترْحِيبًا وَقَبُولاً بَلْ وَتَرْوِيجًا مِنْ قِبَلِ أَخَصِّ طَلَبَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس مِـمَّنْ حَضِرَ هُوَ أَيْضًا تِلْكَ الاِمْلاَءَاتِ كَالْشَّيْخِ أَحْمَد حَمَّانِي وَالأُسْتَاذ مُحَمَّد الـحَسَن فُضَلاَء وَغَيْرهم فَلَـمْ يَنْتَهَض أَحَدهم لِلاِعْتِراض وَلاَ سُجِّلَ لَهُ امْتِعَاض؟!
وَأَمَّا الاِحْتِمَال الثَّالِث فَلاَ يَقُوم عَلَى سَاقٍ، إِذْ حَاصِلهُ أَنَّ الشَّيْخ ابْن بَادِيس طَبَعَ طَلَبَتهُ بِعَكْسِ الـمُعْتَقَدِ الصَّحِيحِ حَتَّى شَاعَ وَذَاعَ فِيهِم عَكْس مَرْغُوبه؟!، ثُمَّ إِنَّ البَيْئَة العِلْمِيَّة السَّائِدَة آنَذَاك هِيَ عَقِيدَة التَّنـزيه عَقِيدَة السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْل الـحَدِيثِ مِنْ تَنِـزِيهٍ لله عَن فَوْقِيَّةِ الجِهَةِ وَالـمَكَانِ وَسَلْبِ الْنَّقَائِصِ عَنْهُ جَلَّ وَعَلاَ كَعَقِيدَة الجُلُوس وَالاِسْتِقْرَارِ عَلَى العَرْشِ جَلَّ رَبُّنَا عَنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَلاَّ يَصْدَعَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس بِالعَقِيدَةِ (السَّلَفِيَّة!) الـمَزْعُومَة فَيُغَمْغِمَ عَلَى طَلَبَتِهِ الأَمْر فِي مِثْلِ هَكَذَا بَيْئَةٍ عَمَّ وَطَمَّ فِيهَا عَقِيدَة التَّعْطِيل وَنَفْي الرَّبِّ عَلَى حَدِّ زَعْمِ الـتَّيْمِيَّةِ الـمُجَسِّمَةِ؟! أَلاَ يُفْتَرَضُ مِنْ الشَّيْخِ ابْنِ بَادِيس أَنْ يَكُونَ (سَلَفِيًّا!) يَحْرِصُ عَلَى تَسْلِيحِ تَلاَمِذَته وَطَبْعهم بـِعَقِيدَة (السَّلَفِ!) فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ؟! وَأَلاَّ يَتْرُكهُم طُعْمَة سَهْلَة لِمَنْ يُسمِّيهِم التَّيْمِيَّة الـمُجسِّمة: الأَشَاعِرَة (نُفَاة!) الرَّبِّ؟! ثُـمَّ مَا الَّذِي جَعَلَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس يُنَاصِبُ العَدَاء جَهَارًا نَهَارًا لِلْمُحَافِظِينَ وَالطُّرُقِيَّة فَيُوَافِقُ بِدْعَة الوَهَابِيَّة فِي مَسَائِل القُبُورِ وَالتَّبَرُّك بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ الصَّالِحِينَ، وَلاَ يَنْبِسُ بِبِنْتِ شَفَةٍ فِي بَابِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ؟!
وَأَمَّا الاِحْتِمَالُ الرَّابِعُ فَيُقَالُ فِيهِ نَفْس مَا يُقَالُ فِي الخَامِسِ، فَهُوَ وَاضِح البُطْلاَنِ وَلاَ يَحْتَاجُ لإِبْطَالِهِ إِلىَ دَلِيلٍ وَلاَ بُرْهَانٍ؟!، فَلاَ يَسْتَقِيم فِي ذِهْنِ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ أَنْ يَشُذَّ كُلّ هَؤُلاَءِ الطَّلَبَة دُفْعَةً وَاحِدَةً فِي فَهْمِ مَقْصُودِ شَيْخهم مِنَ الاِسْتِوَاءِ وَالفَوْقِيَّةِ فَيُصَرِّحُوا فِي مَعْرَضِ تَفْصِيلِ عَقِيدَة الرَّجُل بِعَكْسِ مُرَاده؟!، بَلْ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الخَيَارِ تَوَاطُؤ فَطَاحِل تَلاَمِذَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس وَهُم نَقَلَة عَقِيدَته إِلَى الأَجْيَالِ عَلَى التَّلْبِيسِ وَالتَّدْلِيسِ؟!، كَمَا يَتَمَخَّضُ مِنَ الاِحْتِمَالِ الأَخِيرِ تَوَاطُؤَ الْقَوْمِ عَلَى تَبْلِيغِ الكَذِبِ؟!
فَالْعَقِيدَة السَّلَفِيَّة الَّتِي عَنَاهَا الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي وَتِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس وَرَاوِي عَقِيدته الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان، لَيْسَت إِلاَّ أُصُول عَقِيدَة التَّنْزِيهِ الـمَعْلُومَةِ عِنْدَ السَّادَةِ الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ.
يُتْبَعُ...
________
(1) تَقْدِيم الشَّيْخ مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي لِرِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (ص:13)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(2) رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (ص:6)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(3) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (4/356)، وَالثَّمْر الدَّانِي مِنْ مُحَاضَرَاتِ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (1/293)
(4) صِرَاعٌ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالبِدْعَةِ (1/13)، تَأْلِيف: الْشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي تِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس، ، نَشْر دَارُ البَعْث-قَسَنْطِينَة
(5) رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان، (ص:11)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(6) رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (هَامِش ص:74)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(7) رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (هامش ص:73)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
( رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (هامش ص:99)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(9) رَاجِعْ مَقَال العَبْد الفَانِي: "كَشْف تَزْوِيرٍ فِي عَقِيدَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس: طَبْعَة الـمَجْلِس الإِسْلاَمِي الأَعْلَى– الجزائر" عَلَى الرَّابِط:
https://www.facebook.com/yacine.ben.rabie/posts/1486222941612337
(10) رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (هامش ص:68)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(11) رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (هامش ص:71)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(12) رِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (ص:13-14)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(13) تَقْدِيم الشَّيْخ مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي لِرِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (ص:17)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(14) تَقْدِيم الشَّيْخ مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي لِرِسَالَةِ الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَةِ لِلشَّيْخ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايَة وَتَعْلِيق: مُحَمَّد الصَّالَح رَمْضَان (ص:18)، مَكْتَبَة الشَّرِكَة الجَزَائِرِيَّة مْرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
رد: أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين
#أَضْوَاءٌ_عَلَى_عَقِيدَةِ_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاءِ_الـمُسْلِمِينَ_الـجَزَائِرِيِّين 6!
(مُستل بتصرُّفٍ من بحث للعبد الفاني)
مُفْتِي الـجَزَائِر وَرَئِيس المَجْلِس الإِسْلاَمِي الأَعْلَى بِهَا سابقًا وَكَبِير تَلاَمِذَةِ جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي الَّذِي طَالَـمَا دَنْدَنَ حَوْلَ العَقِيدَة (السَّلَفِيَّة!) لِشَيْخِهِ ابْن بَادِيس: أَشْعَرِيٌّ قُحٌّ؟!:
كَانَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي مِنْ كِبَارِ تَلاَمِذَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي حِينِ رِئَاسَةِ هَذَا الأَخِير لِجَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيَّينَ، حَيْثُ دَرَسَ عَلَى شَيْخِهِ الـمَذْكُور مَا شَاءَ الله مِنَ العُلُومِ فِي مَطْلَعِ الثَّلاَثِينَاتِ مِنَ القَرْنِ الـمِيلاَدِي الـمُنْصَرِم فِي الجَامِعِ الأَخْضَرِ بِقَسَنْطِينَة مِنْ نَحْوٍ وَفِقْهٍ وَمَنْطقٍ وَغَيْرِه، كَمَا أَخَذَ عَنْهُ التَّوْحِيدَ مُبَاشَرَةً مِنْ رِسَالَته "الْعَقَائِدِ الْإِسْلاَمِيَّةِ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ"، وَكَانَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس قَبْلَ تَأْلِيفِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ يُدَرِّسُ لِطُلاَّبِهِ إِلَى عَهْدٍ قَرِيبٍ هَذَا العِلْم أَعْنِي: التَّوْحِيد مِنْ "جَوْهَرَةِ التَّوْحِيد" فِي العَقِيدَة الأَشْعَرِيَّة، وَلَكِنَّهُ وَكَمَا قَالَ الشَّيْخ حَمَّانِي عَنْهُ: "لَـمْ يَقْتَنِع بِمَا فِي جَوْهَرَة التَّوْحِيد فَأَلَّفَ رِسَالَة العَقَائِد الإِسْلاَمِيَّةِ" أَوْ كَمَا قَالَ، وَهَذَا العُدُول -وَاللهُ أَعْلَم- رَاجِعٌ إِلَى تَعْدِيلٍ فِي خُطَّةِ مَسَارِ التَّحْصِيلِ العِلْمِي لَيْسَ غَيْر وَإِلاَّ لَتَوَجَّبَ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ بَادِيس إِبْرَاءً لِلْذِّمَّةِ القِيَامُ بِعَمَلِيَّةِ (التَّخْلِيَّة!) ثُمَّ (التَّحْلِيَّة!) فِي سِلْكِ كِبَارِ قُدَمَاءِ تَلاَمِذَته وَمُلاَزِمِيهِ؟!، عَلَى أَنَّ مَا تَنَاوَلَهُ الشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي رِسَالَتِهِ هَذِهِ فَإِنَّمَا هُوَ مَأْخوذٌ بِأَصُولِهِ مِنْ جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ مَعَ فارِق فِي تَوَخِّي أُسْلُوبَ التَّبْسِيطِ فِي العَرْضِ مِنْ دُونِ خَوْضٍ فِي الـمُبَاحَثَاتِ الكَلاَمِيَّة كَمَا يَلِيق بِمُخَاطَبَةِ النَّاشِئَةِ مِنَ الطُّلاَّبِ، مَعَ رَبْطِ هَذِهِ العَقَائِدِ بِأَدِلَّتِهَا مِنَ الأَصْلَيْنِ، وَسَيَأْتِي لاَحِقًا الكَلام عَلَى هَذِهِ الـمَسْأَلَة وَبَيَانُ ذَلِكَ بِـمَا يَشْفِي العَلِيل وَيَرْوِي الغَلِيل.
هَذَا، وَقَدْ لَعِبَ الْشَّيْخِ أَحْمَد حَمَّانِي دَوْراً بَارِزاً فِي النَّشَاطِ التَّعْلِيمِي وَالدِّينِي لِجَمْعِيَّة العُلَمَاءِ الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ، وَحَظِيَ بِتَزْكِيَةِ فِي دِينِهِ وَعِلْمِهِ مِنْ طَرَفِ كِبَارِ مَشَايِخ الجَمْعِيَّة، فَهُوَ مِنَ الرَّعِيل الَّذِي تَحَمَّلَ عَلَى عَاتِقِهِ مَسْؤُولِيَّة إِبْلاَغ الأَجْيَالِ العَقِيدَة السَّلَفيَّةِ لِشَيْخِهِ ابْن بَادِيس كَمَا جَاءَ فِي تَقْدِيمِ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي لِرِسَالَةِ العَقَائِد الإِسْلاَمِيَّة لِلْشَّيْخ ابْن بَادِيس.
وَفِي هَذَا الصَّدَدِ نَذْكُرُ عَلَى سَبِيلِ الـمِثَالِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي فِي مَعْرَضِ كَلاَمِهِ عَنْ نَشَاط جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيَّينَ فِي التَّعْلِيم، مُشِيداً بِالكَفَاءَاتِ العِلْمِيَّةِ الَّتِي وَفَّرَتْهَا الجَمْعِيَّة فِي هَذا الـمَجَالِ، فَيَقُول: ((وَأَسْنَدَتْ [الجَمْعِيَّة] الإِشْرَاف عَلَى التَّعْلِيمِ وَالدُّرُوس العَالِيَةِ لِلْأُسْتَاذِ النَّفَّاع الشَّيْخ العَرْبِي التَّبَسِي، وَعَيَّنَتْ لِلْتَّدْرِيسِ #مَشَائِخ_أَكِفَّاء_مـُمْتَازِينَ_بِمَاضِيهِم_وَعَمَلِهِم_وَتَحْصِيلِهِم. وَهُمْ الـمَشَائِخِ: السَّعِيد الزَّمُّوشِي، أَحْمَد حَمَّانِي، عَبْد القَادِر اليَاجُورِي، نُعَيْم النُّعَيْمِي، عَبْد الـمَجِيد حِيرَش، العَبَّاس بَن الشَّيْخ الحُسِين، أَحْمَد حُسَيْن))(1)
وَالآن، فَالْنَسْتَعْرِض مَعَالِـم هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة عِنْدَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي تِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس وَأَحَد كِبَار مَشَايِخِ الجَمْعِيَّة الأَكِفَّاء، الـمُمْتَازِين بِمَاضِيهِم وَعَمَلِهِم وَتَحْصِيلِهِم العِلْمِي كَمَا جَاءَ فِي شَهَادَةِ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي؟!:
أَوَّلاً: #تَنْزِيه_الله_عَنِ_الزَّمَانِ_وَالـمَكَانِ_وَالجِهَةِ_وَالبُعْد_وَالقُرْب_بِالـمَسَافَةِ #وَتَأْوِيل_الرَّحْمَة_فِي_حَقِّهِ_تَعَالَى؟!
قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي: ((وَرَحْمَةُ اللهِ لِخَلْقِهِ #تُفَسَّـرُ_بِأَثَـرِهَا وَهُوَ الْإِحْسَان، وَكَذَلِكَ الْبُـعْدُ مِنَ اللهِ وَالقُـرْبُ #لاَ_يُفَسَّـرانِ_بِالْبُعْدِ_وَالْقُرْبِ_الْزَّمَـانِيِّ وَالْـمَكَانِيِّ، فَاللهُ سُبحَانَهُ لاَ يتَّصِفُ بِذَلِكَ، #وَهُوَ_مُنَـزَّهٌ_عَنِ_الْزَّمَـانِ_وَالْـمَكَانِ، وَإِنَّمَا القُرْبُ وُصُـول الْإِحْسَانِ وَالْعِـنَايَة الرَّبَـانِـيَّةِ وَالاِسْتِجَـابَةُ ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾[البقرة: 186]))(2)
وَقَالَ أَيْضًا نَقْلاً عَنِ القَاضِي ابْن العَرَبِي الـمَالِكِي الأَشْعَرِي: ((العَلِيُّ: الَّذِي #لاَ_مَكانَ_لَهُ))(3)، بَلْ وَشَنَّعَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي عَلَى شَيْخ الطَّرِيقَة العلِيوِيَّة الشَّيْخ أَحْمَد بَن مُصْطَفَى العلِيوِي الـمُسْتَغَانِمِي حِينَ حَسِبَ أَنَّ هَذَا الأَخِير يَقُول بِعَقِيدَةِ الجِهَةِ؟!، فَقَالَ: ((إِثْبَاتُ الـجِهَةِ للهِ...هَذِهِ #الدَّوَاهِي يَبُثُّها فِـي نَفْسِ الْقَصِيدَةِ...كَيْفَ يَصِل وَاصِلٌ إِلَى سَقْفِ الْعَرْشِ؟ كَيْفَ يَقِفُ مَعَ الإِلَهِ؟ أَكَمَا يَقِفُ النِّدُّ مَعَ النِّدِّ؟ وَأَيُّ جَهَالَةٍ وَسُوءُ أَدَبٍ فِي التَّعْبِيرِ!...))(4) وَالحَقُّ أنَّ الشَّيْخ العْلِيوِي يُصَرِّحُ كَالشَّيْخ حَمَّانِي بِنَفْيِ الجِهَةِ عَنْهُ تَعَالَى وَتَوَالِيفه شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ، فَكَانَ يَنْبَغِي حَمْل مَا تَشَابَه مِنْ كَلاَمِهِ عَلَى مُحْكَمه.
فَهَذَا التَّنْزِيه فِي عَقِيدَة الشَّيْخ حَمَّانِي هُوَ عَيْن عَقِيدَة السَّادَةِ الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ، وَهُوَ عَيْن التَّعْطِيل وَنَفْي الرَّبِّ عِنْدَ الـتَّيْمِيَّةِ الـمُجَسِّمَةِ؟! وَإِلَيْكَ كَلاَم كُبَرَاء القَوْمِ، فَبِضِدِّهَا تَتَمَيَّزُ الأَشْيَاءُ:
قَالَ شَيْخ الوَهَّابِيَة ابْن العُثَيْمِين فِي مَنْ يَتَأَوَّلُ رَحْمَة الله: ((هُنَاكَ مُبْتَدِعَةٌ لاَ يُثْبِتُونَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِالرَّحْمَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ القُرْآنَ مَمْلُوءٌ مِنْ هَذِهِ الصِّفَة للهِ...فَيَقُولُونَ [الـمُبْتَدِعة]: إِنَّ الله تَعَالَى لَيْسَ لَهُ رَحْمَةٌ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالرَّحْمَةِ، وَالـمُرَادُ بِرَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى إِحْسَانَهُ إِلَى الـخَلْقِ فَقَط. فَيُفَسِّرُونَ هَذِهِ الصِّفَةَ بِآثَارِهَا دُونَ اِتِّصَاف اللهِ تَعَالَى بِهَا، أَوْ يَقُولُونَ: الـمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ إِرَادَة الإِحْسَانِ إِلَى الـخَلْقِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِرَادَة الإِحْسَان ثَمْرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ الرَّحْمَة، فَهَؤُلاَءِ لاَ يُمْكِنهُمْ إِنْكَار رَحْمَته مِنْ حَيْثُ الثُّبُوت، لَكِنْ أَنْكَرُوهَا مِنْ حَيْثُ التَّأْوِيل، وَقَالُوا: الـمُرَادُ بِهَا كَذَا كَذَا.))(5)؟!
وَقَالَ شَيْخ الوَهَّابِيَّة الفَوزَان: ((فَالْإِلْحَادُ فِي أَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ جَرِيمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهَذَا الَّذِي يَنْفِي كَوْن اللهِ فِي السَّمَاءِ، هَذَا يُكَذِّبُ القُرْآنَ، وَيُكَذِّبُ السُّنَّةَ، وَيُكَذِّبُ إِجْمَاعَ الـمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ عَالِـمًا، فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِذَلِكَ، أَمَّا إِذَا كَانَ جَاهِلاً فَإِنَّهُ يُبَيَّنُ لَهُ، فَإِذَا أَصَرَّ بَعْدَ البَيَانِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ #كَافِراً، وَالعِيَاذُ بِاللهِ))(6)؟!
وَجَاءَ فِي فَتَاوَى اللَّجْنَة الدَّائِمَة الوَهَّابِيَّة: ((مَنْ قَالَ: لاَ نَقُولُ: إِنَّ الله فَوْقَ وَلاَ تَحْتَ وَلاَ يَمِينَ ولاَ شَمَالَ فَهُوُ بِهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ القُرْآن وَالسُّنَّة وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الـمُسْلِمُونَ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ الله عَنْهُم مِنْ أَهْل العِلْمِ وَالإِيمَانِ، فَيَجِبُ أَنْ يُبَيَّنَ لَهُ الحَق فَإِنْ أَصَرَّ فَهُوَ #كَافِرٌ_مُرْتَدٌّ_عَنِ_الإِسْلاَمِ_لاَ_تَصِحُّ_الصَّلاَة_خَلْفَهُ))(7)؟!
وَهَذَا #تَكْفِيرٌ صَرِيحٌ لِلسَّوَادِ الأَعْظَم مِنْ أَئِمَّة الإِسْلاَم الـمُنَزِّهِينَ لله عَنْ الـمَكَانِ وَالزَّمَانِ؟! بِمَا فِيهِم كِبَار مَشَايِخ جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيَّينَ؟!
ثَانِيًا: طَرِيقَة أَهْل السُّنَّة وَالجَمَاعَةِ فِي مُتَشَابِهِ الصِّفَاتِ بَيْنَ: التَّفْوِيض وَالتَّأْوِيل؟!
ثَانِيًا: #طَرِيقَة_أَهْل_السُّنَّة_وَالجَمَاعَةِ_فِي_مُتَشَابِهِ_الصِّفَاتِ_بَيْنَ_التَّفْوِيض_وَالتَّأْوِيل؟!
قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي مُعَقِّبًا عَلَى مَا حَرَّرَهُ تِلْمِيذ الجَمْعِيَّةِ الشَّيْخ عُمَر العَرْبَاوِي فِي مَسْأَلَةِ "الـمَشِيئَة وَالاِخْتِيَار" مِنْ كِتَابِهِ "التَّخَلِّي عَنِ التَّقْلِيدِ وَالتَّحَلِّي بِالْأَصْلِ الـمُفيدِ"، مَا نَصُّهُ: ((ومِـمَّا يُلاحَظُ أَيضاً أنَّ الـمُؤَلَّف لَـم يُحَرِّر القَول جيِّداً ولَم يلتَزِم اتِّجَاهًا مُعَيِّنًا فِي مقامٍ صَعْبٍ وَمُعتَرَكٍ ضَنْكٍ هُوَ القَوْل فِي الـمَشِيئَةِ وَالِاخْتِيَارِ، وَالْـخَيْر وَالْشَّر، فَجَاءَ القَوْلُ تَاَرةً أَشْعَرِيًّا مُوَافِقًا لِقَوْلِ أَقْطَابِ الأَشَاعِرَةِ كَالْفَخْرِ الرَّازِيِّ، وَتَارَةً أُخْرَى مُبَايِنًا لِقَوْلِ الأَشَاعِرَة مُهَاجِمًا لَهُم، وَقَدْ قَبِلَ أَسْلاَفُنَا #تَأْوِيل_الأَشَاعِرَةِ كَمَا قَبِلُوا #تَفْوِيض_السَّلَفِ. وَكَانَ بِإِمكَانِهِ أن يَسْتَغْنِيَ عَنْ بَسْطِ القَوْلِ فِيهِ والاكْتِفَاء بِاليَسيرِ مَعَ الْتِزَامِ مَذْهَب السَّلَفِ فِي #التَّفْوِيضِ))(
ثَالِثًا: دَافَعَ_الإِمَام الأَشْعَرِيُّ وَالإمَام الـمَاتُرِيدِيُّ عَلَى #عَقِيدَةِ_أَهْلِ_السُّنَّةِ_وَالجَمَاعَةِ #وَصَاغَا_عَقِيدَة_السَّلَفِ_صِيَاغَةً_عَقْلِيَّةً؟!
قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي: ((فَقَد نَشَأَ فِي الإِسْلاَمِ عِلْمَانِ، وُسِمَ كِلَاهُمَا بِاسْمِ الأُصُول: الأوَّل: أُصُولُ الدِّينِ، أَوْ عِلْمُ التَّوْحِيد، أَوْ عِلْمُ الكَلاَمِ، وَمَوْضُوعُهُ تَصْحِيحُ العَقِيدَةِ، وَإِثْبَاتُ الدِّينِ الـحَق بِالأَدِلَّةِ العَقْلِيَّةِ. وَالثَّانِي: أُصُولُ الفِقْهِ... ثمَّ صَارَ عِلْم الكَلَام -بَعدَ مِحْنَة القَوْلِ بِخَلْق القُرْآن- مِنْ أَهْدَافِه وَأَغْرَاضِه الرَّدُّ عَلَى الـمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ هُم فِيمَنْ عَنَاهُم ابْن خَلْدُون بِقَوْلِه: "الرَّدُّ عَلَى الـمُبْتَدِعَةِ وَالْـمُنْحَرِفِينَ فِي الاِعْتِقَادَاتِ عَنْ مَذَاهِبِ السَّلَفِ وَأَهْل السُّنَّةِ"، فَقَدْ اِشْتَغَلَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِالتَّأْلِيفِ فِي أُصُولِ العَقِيدَةِ لِلْرَّدِ عَلَى الـمُعْتَزِلَةِ ثُـمَّ ظَهَرَ فِيهِم أَبُو الْـحَسَن الأشْعَرِيُّ بِمَذْهَبِهِ الكلاَمِيِّ مُنْتَهِجًا فِي الاِستِدْلاَلِ بِالْـمَنطِقِ وَالْفَلسَفَةِ -نَهج الْـمُعْتَزِلَةِ- وَأَخَذَ يَرُدُّ عَلَيْهِم وَيُدَافِعُ عَنْ عَقِيدَةِ أَهْل السُّنَّةِ #وَقَدْ_صَاغَ_الأَشعَرِيُّ_وَالـمَاتُرِيدِيُّ_عَقِيدَة_أَهْل_السُّنَّةِ_صِيَاغَةً_عَقْلِيَّةً))(9)
بَيْنَمَا تَجِدُ كِبَارُ مَشَايِخ الوَهَّابِيَّةِ يُصَرِّحُونَ بِـ: (إِكْفَارِ؟!) السَّادَة الأَشَاعِرَة؟!، وَإِلَيْكَ قَوْل أَحَد كُبَرَائِهِم:
قَالَ حَفِيدُ مُؤَسِّس الوَهَّابِيَّة وَكَبِير مَشَايِخِهِم عَبْد الرَّحْمَن بَن الْـحَسَن آل الشَّيْخ: ((وهذِهِ #الطَّائِفَة_الَّتِي_تَنْتَسِبُ_إِلَى_أَبِي_الـحَسَنِ_الأَشْعَرِي وَصَفُوا رَبَّ العَالَـمِينَ بِصِفَاتِ الـمَعْدُومِ وَالـجَمَادِ...فَالأَئِمَّةُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَتْبَاعِهِم لَـهُمْ الـمُصَنَّفَات الـمَعْرُوفَة، فِي الرَّدِّ عَلَى هَذِهِ #الطَّائِفَةِ_الكَافِرَةِ_الـمُعَانِدَةِ، كَشَفُوا فِيهَا كُلَّ شُبْهَة لَـهُم))(10)؟!
رَابِعًا: مَذْهَبُ أَهْل السُّنَّة وَالجَمَاعَة فِي خَلْقِ الأَفْعَالِ هُوَ #مَذْهَبُ_الكَسْبِ_الأَشْعَرِي؟!
قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي: ((...#وَمَذْهَبُ_أَهْل_السُّنَّةِ_الأَشَاعِرَة أَنَّ الله سُبْحَانَهُ هُوَ الخَالِقُ لِأفْعَالِ العِبَادِ كُلّهَا خَيْرهَا وَشَرّهَا حَتَّى الكُفْر وَالإِيْمَان، وَالْطَّاعَة وَالْعِصْيَان. وَلَكِنَّهُ أَعْطَى الإِنْسَان نَوْعًا مِنَ الْـحُرِّيَّةِ يُسَمُّونَهَا: (#كَسْباً) وَهِيَ القُدْرَة عَلَى الْفِعْلِ وَالْتَّرْكِ، إِذْ مَكَّنَهُ مِنْ قُدْرَةٍ يَستَطِيعُ بِهَا الْفِعْل وَالتَّرْك، إِنْ شَاءَ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَاجتَنَبَ مَا نُهِيَ عنهُ...))(11)
خَامِسًا: تَنْزِيه الله تَعَالَى عَنْ #التَّجَزِّي_وَسِمَاتِ_الجِسْمِيَّةِ_وَالتَّأْكِيد_عَلَى_مُخَالَفَتِهِ_سُبْحَانَهُ_لِلْحَوادِثِ؟!
قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي: ((تَعَالَى الله عَنِ #الـجُزئِيَّة_والكُلِّيَّة عُلُوًّا كبيراً))(12) بَلْ وَيُقَرِّر الـمَبْدَأ العَام فِي التَّنْزِيهِ عِنْدَ أَهْل السُّنَّة السَّادَة الأَشَاعِرَة وَالـمَاتُرِيدِيَّة وَفُضَلاَءِ أَهْل الـحَدِيثِ، إِذْ يَقُولُ: ((...فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُخَالِفٌ لِلْحَوَادِثِ، #وَكُلُّ_مَا_خَطَرَ_في_ذِهْنِ_الإِنْسَان_القَاصِر_العَاجِز، #فَإِنَّ_اللهَ_مُخَالِفٌ_لِذَلِكَ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى: 11]))(13)
سَادِسًا: تَنْزِيه الله عَنِ #الحَجْمِيَّة_وَالكَمِّيَة_وَالحُدُود_وَقِيَام_الحَوَادِثِ، #وَتَرْجِيح_طَرِيقَة_التَّأْوِيل فِي بَعْضِ الظَّوَاهِرِ الـمُوهِمَةِ لِلْتَّشْبِيهِ فِي حَقِّهِ جَلَّ وَعَزَّ؟!
قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّاني: ((﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾: اِسْمَان مِنْ أَسْماءِ الله الـحُسْنَى، وَصَفَ بِهِما نَفْسَهُ إِثْر مَا يَقْتَضِي التَّرْهِيب، وهُمَا مُشْتَقَّان مِنَ الرَّحْمةَ عَلَى صِيغَة الـمُبَالَغَة، وفِي الرَّحْمَة -لُغَة- الرَّقة فِي القَلْب والشَّفَقَة والرَّأْفَة والـحَنَان، مِـمَّا يَبْعَثُ عَلَى الرِّفْقِ والعَطْفِ والإِحْسَان، #فَالرَّحْمَة_بِـَمعْنَاهَا_اللُّغَوِي_مـُحَالٌ_عَلَى_الله، وإِنَّـمَا الـمَقْصُودُ أَثَرُهَا، وهُوَ: الإِحْسَانُ، والله رَحِيمٌ رَفِيقٌ))(14)
وَقَالَ أيضًا مُسْتَشْهِداً بِكَلاَمِ الإِمَام الـهُمَام القَاضِي ابْن العَرَبِي الـمَالِكِي الإِشْبِيلِي: ((الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ: الَّذِي يُريِد الـخَيْر لعِبَاده عَلى العُمُوم والـخُصُوص...القَابِضُ البَاسِطُ: هُوَ الَّذِي لاَ يَتَصَرَّفُ عَبْدهُ وَلاَ يَنْبَسِطُ إِلاَّ بِقُدْرَتِهِ فِي حَيِّزِ مَشِيئَتِهِ...العَظِيمُ: الَّذِي يَسْتَحِيلُ عَلَيْه #التَّحْدِيد...العَلِيُّ: الَّذِي #لاَ_مَكَانَ_لَهُ...الكَبِيرُ: الَّذِي لاَ يُتَصَوَّرُ عَلَيْهِ #مِقْدَارٌ...الـجَلِيلُ: هو الَّذِي لاَ يَلِيقُ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الـحُدُوثِ...الوَاسِعُ: وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ وَوَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَواتِ والأَرْض...الوَدُودُ: هُوَ الَّذِي عَمَّت قُدْرَتُهُ وإِرَادَتُهُ وعِلْمُهُ كُلَّ شَيْءٍ وكَذَلك بَصَرهُ وسَمْعهُ وكَلَامهُ...الشَّهِيدُ: الـحَاضِرُ مَعَ كُلِّ مَوْجُودٍ بِالقُدْرَةِ وَالعِلْمِ وَالسَّمْعِ وَالبَصَرِ...الـحَقُّ: هُوَ الَّذِي #لاَ_يَتَغَيَّرُ...الصَّمَدُ: الَّذِي لاَ يَجْرِي فِي الوَهْمِ ولاَ يُقْصَدُ فِي الـمَطَالِبِ غَيْرهُ...الظَّاهِرُ: هُوَ الَّذِي يُدْرَكُ بِالدَّلِيلِ...الْبَاطِنُ: هُوَ الَّذِي لاَ يُدْرَكُ بِالْـحَوَاسِ...الـمُتَعَالِي: الْـمُنَزَّهُ عَنِ النَّقَائِص الـمُتَّصِفُ بِالـمَحَامِدِ...الـمُحِيطُ: وهُوَ الَّذِي لاَ يَخرُجُ شَيْءٌ عَنْ عِلْمِه وقُدْرَتِهِ وَ إرادَتِه))(15)
وَقَالَ فِي "التَّعَجُّبِ": ((إذَا جَاءَ لَفْظ التَّعَجُّبِ مِنَ الله #فَلاَ_يُقَالُ_فِيهِ (تَعَجَّبَ) لأنَّ الله لاَ تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ ولَكِن يُقَالُ فِيهِ: (تَعْجِيبٌ) فَالله سُبْحَانَهُ يَدْعُو عِبَادَهُ لِيَتَسَاءَلُوا))(16)
تَنْبِيه: فِي تَلْخِيصِهِ لِأَهَمِّ أُسُس الدَّعْوَة عِنْدَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي، ذَكَرَ الشَّيْخ مُحَمَّد الْصَّالَح الصِّدِّيق مَا مَفَادَهُ بِأَنَّ التَّفْوِيض هُوَ مَذْهَب الشَّيْخ حَمَّانِي فِي الظَّوَاهِرِ الـمُوهِمَةِ لِلْتَّشْبِيهِ، فَقَال: ((سَادِسًا: مَعْرِفَة الله تَعَالَى وَتَوْحِيده وَتَنْزِيهه أَسْمَى عَقَائِد الإِسْلَام، وَآيَات الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثهَا الصَّحِيحَة نُؤْمِنُ بِهَا كَمَا جَاءَت مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ ولاَ تَعْطِيلٍ ولاَ نَتَعَرَّضُ لِـمَا جَاءَ فِيهَا مِنْ خِلاَفٍ بَيْن العُلَمَاءِ))(17)
وَقَوْل الشَّيْخ: "مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ" لاَ يَصِحُّ تَسْلِيمهُ بِإِطْلاَقٍ، لِأَنَّ الإِطْلاَق يَتَعَارَض مَعَ مَا ثَبَت عَنْ الشَّيْخ حَمَّانِي نَفْسه مِنْ تَأْوِيلاَت تَفْصِيلِيَّةٍ كَثِيرَةٍ كَمَا مرَّ مَعَكَ!.
وَقَدْ يَكُون مَقْصُود الشَّيخ بالتَّفْويضِ فِي نُصُوصِ الصِّفَاتِ -وَالله أَعْلَمُ- التَّفْوِيضُ فِي البَعْضِ مِنْهَا كَالاِسْتِوَاءِ مَثَلاً. فَمَنْهَجُ الرَّجُلِ كَمَا هُوَ وَاضِح مِنْ اسْتِقْرَاءِ تُرَاثه بَيْنَ: التَّفِوِيضِ وَالتَّأْوِيلِ، فَهَذِهِ هِيَ مَعَالِـمُ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة عِنْدَ الشَّيْخِ أَحْمَد حَمَّانِي تِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس.
يُتْبَعُ...
________________
(1) آثَارُ الإِمَام مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي (2/172)، جَمْع وَتَقْدِيم نَجْله الدُّكْتُور: أَحْمَد طَالَب الإِبْرَاهِيمِي، دَارُ الغَرْبِ الإِسْلاَمِيِّ
(2) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (2/322)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
(3) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (3/27)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
(4) صِرَاعٌ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالبِدْعَةِ (1/206)، تَأْلِيف: الْشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي تِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس، نَشْر دَارُ البَعْث-قَسَنْطِينَة
(5) فَتَاوَى نُورٌ عَلَى الدَّرْبِ لابْن العُثَيْمِين (1/688-689)، مِنْ إِصْدَارَات مُؤَسَّسَة الشَّيْخ محمَّد بَن صَالح العُثَيْمين الـخَيْرِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: ربيع الأَوَّل 1434هـ
(6) مَجْمُوع فَتَاوَى صَالح بَنْ فَوْزَان الفَوْزَان (1/10)، جَمَعَهُ: حَمُّود بَن عَبْد الله الـمطر-عَبْد الكرِيم بَنْ صَالح الـمقرن، دَار ابْن خُزَيْمَة لِلنَّشر والتَّوْزيع-السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1424-2003م
(7) فَتَاوَى اللَّجْنَة الدَّائِمَة لِلْبُحُوثِ العِلْمِيَّةِ (1/345)، تَحْقِيق: أَحْمَد بن عَبْد الرَّزَّاق الدوِيش، دَارُ الـمُؤَيِّد لِلْنَّشْرِ وَالتَّوْزِيعِ-الرِّيَاض
( فَتَاوَى الشَّيْخ العَلاَّمَة أَحْمَد حَمَّانِي (2/597)، مَنْشُورَاتِ قَصْر الكِتَاب
(9) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (3/10-11)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
(10) الدُّرَر السَّنِيَّة فِي الأَجْوِبَة النَّجْدِيَّة (3/210-211)، تَحْقِيق: عَبْدُ الرَّحْمَن بَن مُحَمَّد بَن قَاسِم العَاصِمِي النَّجْدِي، الطَّبْعَة السَّادِسَة
(11) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (3/62)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
(12) صِرَاعٌ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالبِدْعَةِ (1/239)، تَأْلِيف: الْشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي تِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس، نَشْر دَارُ البَعْث-قَسَنْطِينَة
(13) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (3/52)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
(14) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (5/203)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
(15) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (3/25-31)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
(16) صِرَاعٌ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالبِدْعَةِ (هَامِش عَلَى: 2/193)، تَأْلِيف: الْشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي تِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس، نَشْر دَارُ البَعْث-قَسَنْطِينَة
(17) حَيَاةُ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي، بِقَلَمِ الدُّكْتُور مَحْفُوظ بَن الصَّغير، ضِمْن: مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (1/68)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
(مُستل بتصرُّفٍ من بحث للعبد الفاني)
مُفْتِي الـجَزَائِر وَرَئِيس المَجْلِس الإِسْلاَمِي الأَعْلَى بِهَا سابقًا وَكَبِير تَلاَمِذَةِ جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي الَّذِي طَالَـمَا دَنْدَنَ حَوْلَ العَقِيدَة (السَّلَفِيَّة!) لِشَيْخِهِ ابْن بَادِيس: أَشْعَرِيٌّ قُحٌّ؟!:
كَانَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي مِنْ كِبَارِ تَلاَمِذَةِ الشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي حِينِ رِئَاسَةِ هَذَا الأَخِير لِجَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيَّينَ، حَيْثُ دَرَسَ عَلَى شَيْخِهِ الـمَذْكُور مَا شَاءَ الله مِنَ العُلُومِ فِي مَطْلَعِ الثَّلاَثِينَاتِ مِنَ القَرْنِ الـمِيلاَدِي الـمُنْصَرِم فِي الجَامِعِ الأَخْضَرِ بِقَسَنْطِينَة مِنْ نَحْوٍ وَفِقْهٍ وَمَنْطقٍ وَغَيْرِه، كَمَا أَخَذَ عَنْهُ التَّوْحِيدَ مُبَاشَرَةً مِنْ رِسَالَته "الْعَقَائِدِ الْإِسْلاَمِيَّةِ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ"، وَكَانَ الشَّيْخ ابْن بَادِيس قَبْلَ تَأْلِيفِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ يُدَرِّسُ لِطُلاَّبِهِ إِلَى عَهْدٍ قَرِيبٍ هَذَا العِلْم أَعْنِي: التَّوْحِيد مِنْ "جَوْهَرَةِ التَّوْحِيد" فِي العَقِيدَة الأَشْعَرِيَّة، وَلَكِنَّهُ وَكَمَا قَالَ الشَّيْخ حَمَّانِي عَنْهُ: "لَـمْ يَقْتَنِع بِمَا فِي جَوْهَرَة التَّوْحِيد فَأَلَّفَ رِسَالَة العَقَائِد الإِسْلاَمِيَّةِ" أَوْ كَمَا قَالَ، وَهَذَا العُدُول -وَاللهُ أَعْلَم- رَاجِعٌ إِلَى تَعْدِيلٍ فِي خُطَّةِ مَسَارِ التَّحْصِيلِ العِلْمِي لَيْسَ غَيْر وَإِلاَّ لَتَوَجَّبَ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ بَادِيس إِبْرَاءً لِلْذِّمَّةِ القِيَامُ بِعَمَلِيَّةِ (التَّخْلِيَّة!) ثُمَّ (التَّحْلِيَّة!) فِي سِلْكِ كِبَارِ قُدَمَاءِ تَلاَمِذَته وَمُلاَزِمِيهِ؟!، عَلَى أَنَّ مَا تَنَاوَلَهُ الشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي رِسَالَتِهِ هَذِهِ فَإِنَّمَا هُوَ مَأْخوذٌ بِأَصُولِهِ مِنْ جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ مَعَ فارِق فِي تَوَخِّي أُسْلُوبَ التَّبْسِيطِ فِي العَرْضِ مِنْ دُونِ خَوْضٍ فِي الـمُبَاحَثَاتِ الكَلاَمِيَّة كَمَا يَلِيق بِمُخَاطَبَةِ النَّاشِئَةِ مِنَ الطُّلاَّبِ، مَعَ رَبْطِ هَذِهِ العَقَائِدِ بِأَدِلَّتِهَا مِنَ الأَصْلَيْنِ، وَسَيَأْتِي لاَحِقًا الكَلام عَلَى هَذِهِ الـمَسْأَلَة وَبَيَانُ ذَلِكَ بِـمَا يَشْفِي العَلِيل وَيَرْوِي الغَلِيل.
هَذَا، وَقَدْ لَعِبَ الْشَّيْخِ أَحْمَد حَمَّانِي دَوْراً بَارِزاً فِي النَّشَاطِ التَّعْلِيمِي وَالدِّينِي لِجَمْعِيَّة العُلَمَاءِ الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ، وَحَظِيَ بِتَزْكِيَةِ فِي دِينِهِ وَعِلْمِهِ مِنْ طَرَفِ كِبَارِ مَشَايِخ الجَمْعِيَّة، فَهُوَ مِنَ الرَّعِيل الَّذِي تَحَمَّلَ عَلَى عَاتِقِهِ مَسْؤُولِيَّة إِبْلاَغ الأَجْيَالِ العَقِيدَة السَّلَفيَّةِ لِشَيْخِهِ ابْن بَادِيس كَمَا جَاءَ فِي تَقْدِيمِ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي لِرِسَالَةِ العَقَائِد الإِسْلاَمِيَّة لِلْشَّيْخ ابْن بَادِيس.
وَفِي هَذَا الصَّدَدِ نَذْكُرُ عَلَى سَبِيلِ الـمِثَالِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي فِي مَعْرَضِ كَلاَمِهِ عَنْ نَشَاط جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيَّينَ فِي التَّعْلِيم، مُشِيداً بِالكَفَاءَاتِ العِلْمِيَّةِ الَّتِي وَفَّرَتْهَا الجَمْعِيَّة فِي هَذا الـمَجَالِ، فَيَقُول: ((وَأَسْنَدَتْ [الجَمْعِيَّة] الإِشْرَاف عَلَى التَّعْلِيمِ وَالدُّرُوس العَالِيَةِ لِلْأُسْتَاذِ النَّفَّاع الشَّيْخ العَرْبِي التَّبَسِي، وَعَيَّنَتْ لِلْتَّدْرِيسِ #مَشَائِخ_أَكِفَّاء_مـُمْتَازِينَ_بِمَاضِيهِم_وَعَمَلِهِم_وَتَحْصِيلِهِم. وَهُمْ الـمَشَائِخِ: السَّعِيد الزَّمُّوشِي، أَحْمَد حَمَّانِي، عَبْد القَادِر اليَاجُورِي، نُعَيْم النُّعَيْمِي، عَبْد الـمَجِيد حِيرَش، العَبَّاس بَن الشَّيْخ الحُسِين، أَحْمَد حُسَيْن))(1)
وَالآن، فَالْنَسْتَعْرِض مَعَالِـم هَذِهِ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة عِنْدَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي تِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس وَأَحَد كِبَار مَشَايِخِ الجَمْعِيَّة الأَكِفَّاء، الـمُمْتَازِين بِمَاضِيهِم وَعَمَلِهِم وَتَحْصِيلِهِم العِلْمِي كَمَا جَاءَ فِي شَهَادَةِ الشَّيْخ البَشِير الإِبْرَاهِيمِي؟!:
أَوَّلاً: #تَنْزِيه_الله_عَنِ_الزَّمَانِ_وَالـمَكَانِ_وَالجِهَةِ_وَالبُعْد_وَالقُرْب_بِالـمَسَافَةِ #وَتَأْوِيل_الرَّحْمَة_فِي_حَقِّهِ_تَعَالَى؟!
قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي: ((وَرَحْمَةُ اللهِ لِخَلْقِهِ #تُفَسَّـرُ_بِأَثَـرِهَا وَهُوَ الْإِحْسَان، وَكَذَلِكَ الْبُـعْدُ مِنَ اللهِ وَالقُـرْبُ #لاَ_يُفَسَّـرانِ_بِالْبُعْدِ_وَالْقُرْبِ_الْزَّمَـانِيِّ وَالْـمَكَانِيِّ، فَاللهُ سُبحَانَهُ لاَ يتَّصِفُ بِذَلِكَ، #وَهُوَ_مُنَـزَّهٌ_عَنِ_الْزَّمَـانِ_وَالْـمَكَانِ، وَإِنَّمَا القُرْبُ وُصُـول الْإِحْسَانِ وَالْعِـنَايَة الرَّبَـانِـيَّةِ وَالاِسْتِجَـابَةُ ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾[البقرة: 186]))(2)
وَقَالَ أَيْضًا نَقْلاً عَنِ القَاضِي ابْن العَرَبِي الـمَالِكِي الأَشْعَرِي: ((العَلِيُّ: الَّذِي #لاَ_مَكانَ_لَهُ))(3)، بَلْ وَشَنَّعَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي عَلَى شَيْخ الطَّرِيقَة العلِيوِيَّة الشَّيْخ أَحْمَد بَن مُصْطَفَى العلِيوِي الـمُسْتَغَانِمِي حِينَ حَسِبَ أَنَّ هَذَا الأَخِير يَقُول بِعَقِيدَةِ الجِهَةِ؟!، فَقَالَ: ((إِثْبَاتُ الـجِهَةِ للهِ...هَذِهِ #الدَّوَاهِي يَبُثُّها فِـي نَفْسِ الْقَصِيدَةِ...كَيْفَ يَصِل وَاصِلٌ إِلَى سَقْفِ الْعَرْشِ؟ كَيْفَ يَقِفُ مَعَ الإِلَهِ؟ أَكَمَا يَقِفُ النِّدُّ مَعَ النِّدِّ؟ وَأَيُّ جَهَالَةٍ وَسُوءُ أَدَبٍ فِي التَّعْبِيرِ!...))(4) وَالحَقُّ أنَّ الشَّيْخ العْلِيوِي يُصَرِّحُ كَالشَّيْخ حَمَّانِي بِنَفْيِ الجِهَةِ عَنْهُ تَعَالَى وَتَوَالِيفه شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ، فَكَانَ يَنْبَغِي حَمْل مَا تَشَابَه مِنْ كَلاَمِهِ عَلَى مُحْكَمه.
فَهَذَا التَّنْزِيه فِي عَقِيدَة الشَّيْخ حَمَّانِي هُوَ عَيْن عَقِيدَة السَّادَةِ الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ، وَهُوَ عَيْن التَّعْطِيل وَنَفْي الرَّبِّ عِنْدَ الـتَّيْمِيَّةِ الـمُجَسِّمَةِ؟! وَإِلَيْكَ كَلاَم كُبَرَاء القَوْمِ، فَبِضِدِّهَا تَتَمَيَّزُ الأَشْيَاءُ:
قَالَ شَيْخ الوَهَّابِيَة ابْن العُثَيْمِين فِي مَنْ يَتَأَوَّلُ رَحْمَة الله: ((هُنَاكَ مُبْتَدِعَةٌ لاَ يُثْبِتُونَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِالرَّحْمَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ القُرْآنَ مَمْلُوءٌ مِنْ هَذِهِ الصِّفَة للهِ...فَيَقُولُونَ [الـمُبْتَدِعة]: إِنَّ الله تَعَالَى لَيْسَ لَهُ رَحْمَةٌ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالرَّحْمَةِ، وَالـمُرَادُ بِرَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى إِحْسَانَهُ إِلَى الـخَلْقِ فَقَط. فَيُفَسِّرُونَ هَذِهِ الصِّفَةَ بِآثَارِهَا دُونَ اِتِّصَاف اللهِ تَعَالَى بِهَا، أَوْ يَقُولُونَ: الـمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ إِرَادَة الإِحْسَانِ إِلَى الـخَلْقِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِرَادَة الإِحْسَان ثَمْرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ الرَّحْمَة، فَهَؤُلاَءِ لاَ يُمْكِنهُمْ إِنْكَار رَحْمَته مِنْ حَيْثُ الثُّبُوت، لَكِنْ أَنْكَرُوهَا مِنْ حَيْثُ التَّأْوِيل، وَقَالُوا: الـمُرَادُ بِهَا كَذَا كَذَا.))(5)؟!
وَقَالَ شَيْخ الوَهَّابِيَّة الفَوزَان: ((فَالْإِلْحَادُ فِي أَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ جَرِيمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهَذَا الَّذِي يَنْفِي كَوْن اللهِ فِي السَّمَاءِ، هَذَا يُكَذِّبُ القُرْآنَ، وَيُكَذِّبُ السُّنَّةَ، وَيُكَذِّبُ إِجْمَاعَ الـمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ عَالِـمًا، فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِذَلِكَ، أَمَّا إِذَا كَانَ جَاهِلاً فَإِنَّهُ يُبَيَّنُ لَهُ، فَإِذَا أَصَرَّ بَعْدَ البَيَانِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ #كَافِراً، وَالعِيَاذُ بِاللهِ))(6)؟!
وَجَاءَ فِي فَتَاوَى اللَّجْنَة الدَّائِمَة الوَهَّابِيَّة: ((مَنْ قَالَ: لاَ نَقُولُ: إِنَّ الله فَوْقَ وَلاَ تَحْتَ وَلاَ يَمِينَ ولاَ شَمَالَ فَهُوُ بِهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ القُرْآن وَالسُّنَّة وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الـمُسْلِمُونَ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ الله عَنْهُم مِنْ أَهْل العِلْمِ وَالإِيمَانِ، فَيَجِبُ أَنْ يُبَيَّنَ لَهُ الحَق فَإِنْ أَصَرَّ فَهُوَ #كَافِرٌ_مُرْتَدٌّ_عَنِ_الإِسْلاَمِ_لاَ_تَصِحُّ_الصَّلاَة_خَلْفَهُ))(7)؟!
وَهَذَا #تَكْفِيرٌ صَرِيحٌ لِلسَّوَادِ الأَعْظَم مِنْ أَئِمَّة الإِسْلاَم الـمُنَزِّهِينَ لله عَنْ الـمَكَانِ وَالزَّمَانِ؟! بِمَا فِيهِم كِبَار مَشَايِخ جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيَّينَ؟!
ثَانِيًا: طَرِيقَة أَهْل السُّنَّة وَالجَمَاعَةِ فِي مُتَشَابِهِ الصِّفَاتِ بَيْنَ: التَّفْوِيض وَالتَّأْوِيل؟!
ثَانِيًا: #طَرِيقَة_أَهْل_السُّنَّة_وَالجَمَاعَةِ_فِي_مُتَشَابِهِ_الصِّفَاتِ_بَيْنَ_التَّفْوِيض_وَالتَّأْوِيل؟!
قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي مُعَقِّبًا عَلَى مَا حَرَّرَهُ تِلْمِيذ الجَمْعِيَّةِ الشَّيْخ عُمَر العَرْبَاوِي فِي مَسْأَلَةِ "الـمَشِيئَة وَالاِخْتِيَار" مِنْ كِتَابِهِ "التَّخَلِّي عَنِ التَّقْلِيدِ وَالتَّحَلِّي بِالْأَصْلِ الـمُفيدِ"، مَا نَصُّهُ: ((ومِـمَّا يُلاحَظُ أَيضاً أنَّ الـمُؤَلَّف لَـم يُحَرِّر القَول جيِّداً ولَم يلتَزِم اتِّجَاهًا مُعَيِّنًا فِي مقامٍ صَعْبٍ وَمُعتَرَكٍ ضَنْكٍ هُوَ القَوْل فِي الـمَشِيئَةِ وَالِاخْتِيَارِ، وَالْـخَيْر وَالْشَّر، فَجَاءَ القَوْلُ تَاَرةً أَشْعَرِيًّا مُوَافِقًا لِقَوْلِ أَقْطَابِ الأَشَاعِرَةِ كَالْفَخْرِ الرَّازِيِّ، وَتَارَةً أُخْرَى مُبَايِنًا لِقَوْلِ الأَشَاعِرَة مُهَاجِمًا لَهُم، وَقَدْ قَبِلَ أَسْلاَفُنَا #تَأْوِيل_الأَشَاعِرَةِ كَمَا قَبِلُوا #تَفْوِيض_السَّلَفِ. وَكَانَ بِإِمكَانِهِ أن يَسْتَغْنِيَ عَنْ بَسْطِ القَوْلِ فِيهِ والاكْتِفَاء بِاليَسيرِ مَعَ الْتِزَامِ مَذْهَب السَّلَفِ فِي #التَّفْوِيضِ))(
ثَالِثًا: دَافَعَ_الإِمَام الأَشْعَرِيُّ وَالإمَام الـمَاتُرِيدِيُّ عَلَى #عَقِيدَةِ_أَهْلِ_السُّنَّةِ_وَالجَمَاعَةِ #وَصَاغَا_عَقِيدَة_السَّلَفِ_صِيَاغَةً_عَقْلِيَّةً؟!
قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي: ((فَقَد نَشَأَ فِي الإِسْلاَمِ عِلْمَانِ، وُسِمَ كِلَاهُمَا بِاسْمِ الأُصُول: الأوَّل: أُصُولُ الدِّينِ، أَوْ عِلْمُ التَّوْحِيد، أَوْ عِلْمُ الكَلاَمِ، وَمَوْضُوعُهُ تَصْحِيحُ العَقِيدَةِ، وَإِثْبَاتُ الدِّينِ الـحَق بِالأَدِلَّةِ العَقْلِيَّةِ. وَالثَّانِي: أُصُولُ الفِقْهِ... ثمَّ صَارَ عِلْم الكَلَام -بَعدَ مِحْنَة القَوْلِ بِخَلْق القُرْآن- مِنْ أَهْدَافِه وَأَغْرَاضِه الرَّدُّ عَلَى الـمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ هُم فِيمَنْ عَنَاهُم ابْن خَلْدُون بِقَوْلِه: "الرَّدُّ عَلَى الـمُبْتَدِعَةِ وَالْـمُنْحَرِفِينَ فِي الاِعْتِقَادَاتِ عَنْ مَذَاهِبِ السَّلَفِ وَأَهْل السُّنَّةِ"، فَقَدْ اِشْتَغَلَ أَهْلُ السُّنَّةِ بِالتَّأْلِيفِ فِي أُصُولِ العَقِيدَةِ لِلْرَّدِ عَلَى الـمُعْتَزِلَةِ ثُـمَّ ظَهَرَ فِيهِم أَبُو الْـحَسَن الأشْعَرِيُّ بِمَذْهَبِهِ الكلاَمِيِّ مُنْتَهِجًا فِي الاِستِدْلاَلِ بِالْـمَنطِقِ وَالْفَلسَفَةِ -نَهج الْـمُعْتَزِلَةِ- وَأَخَذَ يَرُدُّ عَلَيْهِم وَيُدَافِعُ عَنْ عَقِيدَةِ أَهْل السُّنَّةِ #وَقَدْ_صَاغَ_الأَشعَرِيُّ_وَالـمَاتُرِيدِيُّ_عَقِيدَة_أَهْل_السُّنَّةِ_صِيَاغَةً_عَقْلِيَّةً))(9)
بَيْنَمَا تَجِدُ كِبَارُ مَشَايِخ الوَهَّابِيَّةِ يُصَرِّحُونَ بِـ: (إِكْفَارِ؟!) السَّادَة الأَشَاعِرَة؟!، وَإِلَيْكَ قَوْل أَحَد كُبَرَائِهِم:
قَالَ حَفِيدُ مُؤَسِّس الوَهَّابِيَّة وَكَبِير مَشَايِخِهِم عَبْد الرَّحْمَن بَن الْـحَسَن آل الشَّيْخ: ((وهذِهِ #الطَّائِفَة_الَّتِي_تَنْتَسِبُ_إِلَى_أَبِي_الـحَسَنِ_الأَشْعَرِي وَصَفُوا رَبَّ العَالَـمِينَ بِصِفَاتِ الـمَعْدُومِ وَالـجَمَادِ...فَالأَئِمَّةُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَتْبَاعِهِم لَـهُمْ الـمُصَنَّفَات الـمَعْرُوفَة، فِي الرَّدِّ عَلَى هَذِهِ #الطَّائِفَةِ_الكَافِرَةِ_الـمُعَانِدَةِ، كَشَفُوا فِيهَا كُلَّ شُبْهَة لَـهُم))(10)؟!
رَابِعًا: مَذْهَبُ أَهْل السُّنَّة وَالجَمَاعَة فِي خَلْقِ الأَفْعَالِ هُوَ #مَذْهَبُ_الكَسْبِ_الأَشْعَرِي؟!
قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي: ((...#وَمَذْهَبُ_أَهْل_السُّنَّةِ_الأَشَاعِرَة أَنَّ الله سُبْحَانَهُ هُوَ الخَالِقُ لِأفْعَالِ العِبَادِ كُلّهَا خَيْرهَا وَشَرّهَا حَتَّى الكُفْر وَالإِيْمَان، وَالْطَّاعَة وَالْعِصْيَان. وَلَكِنَّهُ أَعْطَى الإِنْسَان نَوْعًا مِنَ الْـحُرِّيَّةِ يُسَمُّونَهَا: (#كَسْباً) وَهِيَ القُدْرَة عَلَى الْفِعْلِ وَالْتَّرْكِ، إِذْ مَكَّنَهُ مِنْ قُدْرَةٍ يَستَطِيعُ بِهَا الْفِعْل وَالتَّرْك، إِنْ شَاءَ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَاجتَنَبَ مَا نُهِيَ عنهُ...))(11)
خَامِسًا: تَنْزِيه الله تَعَالَى عَنْ #التَّجَزِّي_وَسِمَاتِ_الجِسْمِيَّةِ_وَالتَّأْكِيد_عَلَى_مُخَالَفَتِهِ_سُبْحَانَهُ_لِلْحَوادِثِ؟!
قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي: ((تَعَالَى الله عَنِ #الـجُزئِيَّة_والكُلِّيَّة عُلُوًّا كبيراً))(12) بَلْ وَيُقَرِّر الـمَبْدَأ العَام فِي التَّنْزِيهِ عِنْدَ أَهْل السُّنَّة السَّادَة الأَشَاعِرَة وَالـمَاتُرِيدِيَّة وَفُضَلاَءِ أَهْل الـحَدِيثِ، إِذْ يَقُولُ: ((...فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُخَالِفٌ لِلْحَوَادِثِ، #وَكُلُّ_مَا_خَطَرَ_في_ذِهْنِ_الإِنْسَان_القَاصِر_العَاجِز، #فَإِنَّ_اللهَ_مُخَالِفٌ_لِذَلِكَ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى: 11]))(13)
سَادِسًا: تَنْزِيه الله عَنِ #الحَجْمِيَّة_وَالكَمِّيَة_وَالحُدُود_وَقِيَام_الحَوَادِثِ، #وَتَرْجِيح_طَرِيقَة_التَّأْوِيل فِي بَعْضِ الظَّوَاهِرِ الـمُوهِمَةِ لِلْتَّشْبِيهِ فِي حَقِّهِ جَلَّ وَعَزَّ؟!
قَالَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّاني: ((﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾: اِسْمَان مِنْ أَسْماءِ الله الـحُسْنَى، وَصَفَ بِهِما نَفْسَهُ إِثْر مَا يَقْتَضِي التَّرْهِيب، وهُمَا مُشْتَقَّان مِنَ الرَّحْمةَ عَلَى صِيغَة الـمُبَالَغَة، وفِي الرَّحْمَة -لُغَة- الرَّقة فِي القَلْب والشَّفَقَة والرَّأْفَة والـحَنَان، مِـمَّا يَبْعَثُ عَلَى الرِّفْقِ والعَطْفِ والإِحْسَان، #فَالرَّحْمَة_بِـَمعْنَاهَا_اللُّغَوِي_مـُحَالٌ_عَلَى_الله، وإِنَّـمَا الـمَقْصُودُ أَثَرُهَا، وهُوَ: الإِحْسَانُ، والله رَحِيمٌ رَفِيقٌ))(14)
وَقَالَ أيضًا مُسْتَشْهِداً بِكَلاَمِ الإِمَام الـهُمَام القَاضِي ابْن العَرَبِي الـمَالِكِي الإِشْبِيلِي: ((الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ: الَّذِي يُريِد الـخَيْر لعِبَاده عَلى العُمُوم والـخُصُوص...القَابِضُ البَاسِطُ: هُوَ الَّذِي لاَ يَتَصَرَّفُ عَبْدهُ وَلاَ يَنْبَسِطُ إِلاَّ بِقُدْرَتِهِ فِي حَيِّزِ مَشِيئَتِهِ...العَظِيمُ: الَّذِي يَسْتَحِيلُ عَلَيْه #التَّحْدِيد...العَلِيُّ: الَّذِي #لاَ_مَكَانَ_لَهُ...الكَبِيرُ: الَّذِي لاَ يُتَصَوَّرُ عَلَيْهِ #مِقْدَارٌ...الـجَلِيلُ: هو الَّذِي لاَ يَلِيقُ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الـحُدُوثِ...الوَاسِعُ: وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ وَوَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَواتِ والأَرْض...الوَدُودُ: هُوَ الَّذِي عَمَّت قُدْرَتُهُ وإِرَادَتُهُ وعِلْمُهُ كُلَّ شَيْءٍ وكَذَلك بَصَرهُ وسَمْعهُ وكَلَامهُ...الشَّهِيدُ: الـحَاضِرُ مَعَ كُلِّ مَوْجُودٍ بِالقُدْرَةِ وَالعِلْمِ وَالسَّمْعِ وَالبَصَرِ...الـحَقُّ: هُوَ الَّذِي #لاَ_يَتَغَيَّرُ...الصَّمَدُ: الَّذِي لاَ يَجْرِي فِي الوَهْمِ ولاَ يُقْصَدُ فِي الـمَطَالِبِ غَيْرهُ...الظَّاهِرُ: هُوَ الَّذِي يُدْرَكُ بِالدَّلِيلِ...الْبَاطِنُ: هُوَ الَّذِي لاَ يُدْرَكُ بِالْـحَوَاسِ...الـمُتَعَالِي: الْـمُنَزَّهُ عَنِ النَّقَائِص الـمُتَّصِفُ بِالـمَحَامِدِ...الـمُحِيطُ: وهُوَ الَّذِي لاَ يَخرُجُ شَيْءٌ عَنْ عِلْمِه وقُدْرَتِهِ وَ إرادَتِه))(15)
وَقَالَ فِي "التَّعَجُّبِ": ((إذَا جَاءَ لَفْظ التَّعَجُّبِ مِنَ الله #فَلاَ_يُقَالُ_فِيهِ (تَعَجَّبَ) لأنَّ الله لاَ تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ ولَكِن يُقَالُ فِيهِ: (تَعْجِيبٌ) فَالله سُبْحَانَهُ يَدْعُو عِبَادَهُ لِيَتَسَاءَلُوا))(16)
تَنْبِيه: فِي تَلْخِيصِهِ لِأَهَمِّ أُسُس الدَّعْوَة عِنْدَ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي، ذَكَرَ الشَّيْخ مُحَمَّد الْصَّالَح الصِّدِّيق مَا مَفَادَهُ بِأَنَّ التَّفْوِيض هُوَ مَذْهَب الشَّيْخ حَمَّانِي فِي الظَّوَاهِرِ الـمُوهِمَةِ لِلْتَّشْبِيهِ، فَقَال: ((سَادِسًا: مَعْرِفَة الله تَعَالَى وَتَوْحِيده وَتَنْزِيهه أَسْمَى عَقَائِد الإِسْلَام، وَآيَات الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثهَا الصَّحِيحَة نُؤْمِنُ بِهَا كَمَا جَاءَت مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ ولاَ تَعْطِيلٍ ولاَ نَتَعَرَّضُ لِـمَا جَاءَ فِيهَا مِنْ خِلاَفٍ بَيْن العُلَمَاءِ))(17)
وَقَوْل الشَّيْخ: "مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ" لاَ يَصِحُّ تَسْلِيمهُ بِإِطْلاَقٍ، لِأَنَّ الإِطْلاَق يَتَعَارَض مَعَ مَا ثَبَت عَنْ الشَّيْخ حَمَّانِي نَفْسه مِنْ تَأْوِيلاَت تَفْصِيلِيَّةٍ كَثِيرَةٍ كَمَا مرَّ مَعَكَ!.
وَقَدْ يَكُون مَقْصُود الشَّيخ بالتَّفْويضِ فِي نُصُوصِ الصِّفَاتِ -وَالله أَعْلَمُ- التَّفْوِيضُ فِي البَعْضِ مِنْهَا كَالاِسْتِوَاءِ مَثَلاً. فَمَنْهَجُ الرَّجُلِ كَمَا هُوَ وَاضِح مِنْ اسْتِقْرَاءِ تُرَاثه بَيْنَ: التَّفِوِيضِ وَالتَّأْوِيلِ، فَهَذِهِ هِيَ مَعَالِـمُ العَقِيدَة السَّلَفِيَّة عِنْدَ الشَّيْخِ أَحْمَد حَمَّانِي تِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس.
يُتْبَعُ...
________________
(1) آثَارُ الإِمَام مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي (2/172)، جَمْع وَتَقْدِيم نَجْله الدُّكْتُور: أَحْمَد طَالَب الإِبْرَاهِيمِي، دَارُ الغَرْبِ الإِسْلاَمِيِّ
(2) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (2/322)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
(3) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (3/27)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
(4) صِرَاعٌ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالبِدْعَةِ (1/206)، تَأْلِيف: الْشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي تِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس، نَشْر دَارُ البَعْث-قَسَنْطِينَة
(5) فَتَاوَى نُورٌ عَلَى الدَّرْبِ لابْن العُثَيْمِين (1/688-689)، مِنْ إِصْدَارَات مُؤَسَّسَة الشَّيْخ محمَّد بَن صَالح العُثَيْمين الـخَيْرِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: ربيع الأَوَّل 1434هـ
(6) مَجْمُوع فَتَاوَى صَالح بَنْ فَوْزَان الفَوْزَان (1/10)، جَمَعَهُ: حَمُّود بَن عَبْد الله الـمطر-عَبْد الكرِيم بَنْ صَالح الـمقرن، دَار ابْن خُزَيْمَة لِلنَّشر والتَّوْزيع-السُّعُودِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: 1424-2003م
(7) فَتَاوَى اللَّجْنَة الدَّائِمَة لِلْبُحُوثِ العِلْمِيَّةِ (1/345)، تَحْقِيق: أَحْمَد بن عَبْد الرَّزَّاق الدوِيش، دَارُ الـمُؤَيِّد لِلْنَّشْرِ وَالتَّوْزِيعِ-الرِّيَاض
( فَتَاوَى الشَّيْخ العَلاَّمَة أَحْمَد حَمَّانِي (2/597)، مَنْشُورَاتِ قَصْر الكِتَاب
(9) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (3/10-11)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
(10) الدُّرَر السَّنِيَّة فِي الأَجْوِبَة النَّجْدِيَّة (3/210-211)، تَحْقِيق: عَبْدُ الرَّحْمَن بَن مُحَمَّد بَن قَاسِم العَاصِمِي النَّجْدِي، الطَّبْعَة السَّادِسَة
(11) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (3/62)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
(12) صِرَاعٌ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالبِدْعَةِ (1/239)، تَأْلِيف: الْشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي تِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس، نَشْر دَارُ البَعْث-قَسَنْطِينَة
(13) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (3/52)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
(14) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (5/203)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
(15) مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (3/25-31)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
(16) صِرَاعٌ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالبِدْعَةِ (هَامِش عَلَى: 2/193)، تَأْلِيف: الْشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي تِلْمِيذ الشَّيْخ ابْن بَادِيس، نَشْر دَارُ البَعْث-قَسَنْطِينَة
(17) حَيَاةُ الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي، بِقَلَمِ الدُّكْتُور مَحْفُوظ بَن الصَّغير، ضِمْن: مُحَاضَرَات وَمَقَالاَت الشَّيْخ أَحْمَد حَمَّانِي (1/68)، عَالَـم الـمَعْرِفَةِ الدَّوْلِيَّةِ- وَزَارَة الثَّقَافَة، الجَزَائِر:2013م
رد: أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين
#أَضْوَاءٌ_عَلَى_عَقِيدَةِ_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاءِ_الـمُسْلِمِينَ_الـجَزَائِرِيِّينَ 7!
وَالشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي مُفْتِي جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الـجَزَائِرِيِّينَ الَّذِي يَتَّكِلُ التَّيْمِيَّة وَالوَهَّابِيَّة لِحَشْوِ بِدَعِهِم فِي التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ فِي رُبُوعِ بِلاَدِنَا الجَزَائِرِ، عَلَى بَعْضِ مُتَشَابِهِ كَلاَمِهِ مَعَ التَّغَاضِي بِالْكُلِيَّةِ عَنِ الـمُحْكَمِ البَيِّنِ مِنْهَا، يَنُصُّ فِي كِتَابَاتِهِ عَلَى سَلَفِيَّةِ الإِمَام النَّسَفِي صَاحِب العَقَيدَةِ النَّسَفِيَّةِ الـمَشْهُورَةِ فِي تَقْرِيرِ أُصُولِ أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ السَّادَة الأَشَاعِرَة وَالـمَاتُرِيدِيَّة وَفُضَلاَءِ أَهْل الْحَدِيثِ، وَانْظُر إِلَى قَوْلِهِ: ((قِيلَ #لِلنَّسَفِيِّ ذَلِكَ الْعَالِـم #الْسَّلَفِيِّ #الْجَلِيلِ: كَيْفَ تَعْرِفُ عَقْلَ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: إِذَا كَتَبَ فَأَجَادَ))(1)
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُول: ثَنَاءُ الشَّيْخ الزَّوَاوِي عَلَى صَاحِبِ العَقَائِد النَّسَفِيَّةِ لاَ يَعْنِي بِالْضَّرُورَةِ أَنَّهُ قَائِلٌ بِمَا فِيهَا مِنَ القَوَاعِدِ وَالْـمَعَاقِدِ؟! اللَّهُمَّ إِلاَّ بَعْدَ التَّأَكُّدِ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ نَفْسهُ كَانَ عَلَى إِلْـمَامٍ وَدِرَايَةٍ تَامَّةٍ بِـمَكْنُونَاتِ هَذِهِ الْعَقَائِدِ وَمَعَ ذَلِكَ أَثْنَى عَلَى صَاحِبهَا بِسَلاَمَةِ الـمُعْتَقَدِ؟!
وَالْجَوَابُ:
أَوَّلاً: نَعَمْ؛ هَذَا الاِسْتِفْسَار وَجِيهٌ، فَالزَّوَاوِي نَفْسهُ كَثِيراً مَا يُثْنِي عَلَى ابْن تَيْمِيَّة مَثَلاً وَيَصِفُهُ أَيْضًا بِـ: "الإِمَام السَّلَفِي" تَمَامًا كَمَا يُثْنِي هَهُنَا عَلَى الإِمَام النَّسَفِي؟!، وَهَذَا أَيْضًا لاَ يَعْنِي بِالضَّرُورَةِ أَنَّ أُصُول عَقِيدَة الزَّوَاوِي فِي الأَسْمَاءِ وَالْصِّفَاتِ هِيَ هِيَ أُصُول ابْن تَيْمِيَّة، فَالبَحْثُ وَالتَّنْقِيبُ يُثْبِتُ التَّبَايُن الْعَرِيض بَيْنَ أُصُولِ هَذَا وَذَاكَ كَمَا سَبَقَ بَيَانهُ فِي مَقَالٍ سَابِقٍ.
إِذًا: فَالاِعْتِمَادُ عَلَى مُجَرَّدِ الثَّنَاء عَلَى عَلَمٍ مَا مِنْ دُونِ اسْتِجْلاَءٍ لِمَعَالِـمِ أُصُولِهِ العَقَدِيَّة لاَ يَقْضِي بِالْضَّرُورَةِ مُوَافَقَة هَذَا الـمُثْنِي عَلَى مُعْتَقَدِ مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ.
ثَانِيًا: كَمَا جَاءَ فِي مَقَالٍ سَابِقٍ فَمُفْتِي الجَمْعِيَّة الزَّواوي يَعْتَزُّ بِحِفْظِ مُتُونِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ السَّنُوسِيَّةِ وَالْـجَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِيَّة كَمَا يُسَمِّيهَا، وَكَذَلِكَ الْعَقِيدَةُ النَّسَفِيَّة فَهِيَ عِنْدَهُ مِنَ الْعَقَائِدِ الْـمَرْضِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْسُّنَّةِ قَاطِبَةً مِنْ دُونِ اسْتِثْنَاءٍ، وَاسْتَمِع إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: ((...فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ #الْنَّسَفِيَّةِ #الْشَّهِيرَةِ...وَكُنْتُ #حَفِظْتُهَا كَمَا حَفِظْتُ #الْسَّنُوسِيَّةَ وَ #الْـجَوْهَرَةَ #الْتَّوْحِيدِيَّةَ...وَنَصُّ الْـمَقْصُودِ فِي الْـخِلاَفَةِ فِي الْعَقَائِدِ الْنَّسَفِيَّةِ #الْشَّـهِيرَةِ #الْـمَرْضِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْسُّنَّةِ #قَاطِبَةً هُوَ...))(2) وَيَقُولُ أَيْضًا: ((وَبِهَذَا أَخَذَ الإِمَامُ الْنَّسَفِي فِي عَقِيدَتِهِ #الْـمُعْتَبَرَة))(3).
وعِنْدَ تَطَرُّقِهِ لِطَرَائِقِ التَّعْلِيمِ فِي مَنْطِقَةِ "زَوَاوَة"، حثَّ عَلَى تَقْسِيمِ الْطَّلَبَةِ الْصِّغَارِ إِلَى طَبَقَاتٍ حَسْبَ أَعْمَارِهِم ثُـمَّ عَلَى وفْقِ مَلَكَةِ الاِسْتِعْدَادِ وَالْإِدْرَاكِ، مَعَ الْعِنَايَةِ بِتَطْوِيرِ مَلَكَةِ الْحِفْظِ وَالْتَّمَادِي فِي هَذَا الْـسَّبِيل إِلَى حَدِّ البُلُوغِ مَعَ الْقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْتَّوْحِيدِ وَغَيْرهَا مِنَ الْفُنُونِ الَّتِي تُدَرَّس مِنْ الْكُتُبِ الـمُتَاحَةِ فِي بِلاَدِ نَشْأَتِهِ "زَوَاوَة"، فَقَالَ مَا نَصُّهُ: ((وَأَمَّا #الْتَّوْحِيدُ: فَيُكْتَفَى فِيهِ بِكِتَابِ #الإِرْشَادِ لِإِمَامِ الْـحَرَمَيْنِ، ثُـمَّ #الْسَّنُوسِيَّة #الْـمَرْضِيَّة، وَلَكِنْ بِاعْتِدَالٍ وَعَدَمِ تَشْدِيدِ النَّكِيرِ وَلَعْنِ الـمُخَالِفِ، وَالأَوْلَى السُّكُوت عَنْهُ، وَمَنْ يَشْتُم النَّاسَ يُشْتَم، وَلَعَلَّ لِذَلِكَ سُمِّيَ التَّوْحِيدُ: عِلْمَ الكَلاَمِ))(4)
وَتَأَمَّلْ أَيْضًا قَوْلَ الشَّيْخ الزَّوَاوِي فِي كِتَابِ الْـمَوَاقِفِ الـمَعْرُوفِ فِي تَقْرِيرِ عَقَائِد السَّادَة الأَشَاعِرَة لِلْعَلاَّمَةِ عَضُد الدِّين الإِيْجِي: ((#الْمَوَاقِف #أَكْبَرُ كِتَابٍ وَ #مُنْتَهَى فِي عِلْمِ الْعَقَائِدِ))(5)، وَيَقُولُ أَيْضًا: ((...صَاحِبُ الـجَوْهَرَة التَّوْحِيدِيَّة الَّتِي هِيَ مِنَ #العُلُومِ #الشَّرْعِيَّةِ...))(6) وَيَقُولُ مُنْتَسِبًا إِلَى الأُصُولِ العَقَدِيَّة الـمُقَرَّرَةِ فِي جَوْهَرَةِ الْتَّوحِيدِ: ((أَلَـمْ يَقُلْ #نَاظِمُنَا فِي العَقَائِدِ: فَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفَ وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفَ))(7) وَأَيْضًا: ((قَالَ صَاحِبُ الـجَوْهَرَة التَّوْحِيدِيَّة فِي مَسَائِلِ الاِعْتِقَادِ))( وأيضًا: ((وَقَالَ صَاحِبُ الـجَوْهَرَةِ فِي عِلْمِ الكَلاَمِ "التَّوْحِيد": فَانْظُر إِلَى نَفْسِكَ ثُمَّ انْتَقِل...))(9)...الخ
إذًا؛ فَالشَّيْخُ الزَّوَاوِي قَدْ سَبَرَ غَوْر هَذِهِ الْعَقَائِدِ وَخَبَرَ مَا بِدَاخِلِهَا مِنْ أُصُولٍ إِلَى دَرَجَةِ الاِعْتِزَازِ بِحِفْظِهَا عَنْ ظَهْرِ القَلْبِ، فَهِيَ عُمْدَتهُ وَإِلَيْهَا الْـمَرْجِعُ فِي تَحْرِير الـمَسَائِلِ الْعَقَدِيَّة وَعَلَيْهَا يَتَخَرَّجُ طُلاَّبُ الْعِلْمِ، فَمَتْنُ الْجَوْهَرَة فِي العَقِيدَةِ الأَشْعَرِيَّةِ عِنْدَ الزَّوَاوِي يُمَثِّلُ أُصُولَ عَقَائِد التَّوْحِيد وَالْعَقَائِدُ السَّنُوسِيَّة وَالنَّسَفِيَّةِ هِيَ هِيَ الْعَقَائِدُ السَّلَفِيَّة الشَّهِيرَة وَالـمُعْتَبَرَة وَالْـمَرْضِيَّة عِنْدَ السَّلَفِ وَأَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؟!
ثَالِثًا: كَثِيراً ما يَسْتَشْهِدُ الشَّيْخ الزَّوَاوِي بِالْجَوْهَرَةِ وَغَيْرهَا مِنْ مُتُونِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الْعَقِيدَةِ، فَهُوَ لاَ يَخْرُجُ عَنْ أُصُولِ الْقَوْمِ فِي الأَسْمَاء والْصِّفَاتِ، وَلَكِنَّهُ وَلِلْأَسَفِ قَدْ تَلَبَّسَ بِبِدْعَةِ التَّيْمِيَّةِ وَالْوَهَّابِيَّةِ فِي إِكْفَارِ الأَبْرِيَاءِ مِنَ الـمُسْتَغِيثِينَ وَالـمُتَوَسِّلِينَ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ الصَّالِحِينَ وَمَا يَصُبُّ فِي هَذَا الـمَجْرَى مِنَ الْـمَسَائِلِ الـمُتَعَلِّقَةِ بِأَحْكَامِ القُبُورِ. وَهُنَا مَـجَال مُوَافَقَة الرَّجُل لِلْوَهَّابِيَّة؟!
يُتْبَعُ بِإِذْنِ الله...
__________
(1) مَقَال عَلَى جَرِيدَةِ الصِّدِّيق :1922م العدد:49، نقلاً عَنْ: [الشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/337)، دار زَمُّورَة للنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(2) مَقَال: "لاَ تَصِحُّ الـخِلاَفَة لِغَيْرِ قُرْشِيٍّ شَرْعًا" على جريدة البلاغ الـجزائري: 1350هـ-1931م العدد: 240: نقلاً عَنْ: [الشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/154-155)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(3) كتاب: "جَمَاعَة الـمُسْلِمِينَ" لِلْشَّيْخ السَّعِيد الزَّوَاوِي ضِمْنَ: [الشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (4/32)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(4) كتاب: "تَارِيخُ الزَّوَاوَة" لِلْشَّيْخ السَّعِيد الزَّوَاوِي ضِمْنَ: [الشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (4/116)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(5) مِنْ تَقْدِيم الشَّيْخ الزَّوَاوِي لِكِتَابِ "الْـجَزَائِر" مِنْ تَأْلِيف أَحْمَد تَوْفِيق الْـمَدَنِي الأَمِين العَام لِجَمْعِيَّةِ الْعُلَمَاءِ الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ، نَقْلاً عَنْ: [الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/323)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(6) الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (1/441)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م
(7) جَرِيدَة البَصَائِر: 1354هـ- 1936م العدد:5، نقلاً عن: [الشَّيخ أَبُو َعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (1/524-525)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
( جريدة البلاغ الـجزائري: 1346هـ-1928م العدد:56، نقلاً عن: [الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/47)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(9) الشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/411)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م
وَالشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي مُفْتِي جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الـجَزَائِرِيِّينَ الَّذِي يَتَّكِلُ التَّيْمِيَّة وَالوَهَّابِيَّة لِحَشْوِ بِدَعِهِم فِي التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ فِي رُبُوعِ بِلاَدِنَا الجَزَائِرِ، عَلَى بَعْضِ مُتَشَابِهِ كَلاَمِهِ مَعَ التَّغَاضِي بِالْكُلِيَّةِ عَنِ الـمُحْكَمِ البَيِّنِ مِنْهَا، يَنُصُّ فِي كِتَابَاتِهِ عَلَى سَلَفِيَّةِ الإِمَام النَّسَفِي صَاحِب العَقَيدَةِ النَّسَفِيَّةِ الـمَشْهُورَةِ فِي تَقْرِيرِ أُصُولِ أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ السَّادَة الأَشَاعِرَة وَالـمَاتُرِيدِيَّة وَفُضَلاَءِ أَهْل الْحَدِيثِ، وَانْظُر إِلَى قَوْلِهِ: ((قِيلَ #لِلنَّسَفِيِّ ذَلِكَ الْعَالِـم #الْسَّلَفِيِّ #الْجَلِيلِ: كَيْفَ تَعْرِفُ عَقْلَ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: إِذَا كَتَبَ فَأَجَادَ))(1)
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُول: ثَنَاءُ الشَّيْخ الزَّوَاوِي عَلَى صَاحِبِ العَقَائِد النَّسَفِيَّةِ لاَ يَعْنِي بِالْضَّرُورَةِ أَنَّهُ قَائِلٌ بِمَا فِيهَا مِنَ القَوَاعِدِ وَالْـمَعَاقِدِ؟! اللَّهُمَّ إِلاَّ بَعْدَ التَّأَكُّدِ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ نَفْسهُ كَانَ عَلَى إِلْـمَامٍ وَدِرَايَةٍ تَامَّةٍ بِـمَكْنُونَاتِ هَذِهِ الْعَقَائِدِ وَمَعَ ذَلِكَ أَثْنَى عَلَى صَاحِبهَا بِسَلاَمَةِ الـمُعْتَقَدِ؟!
وَالْجَوَابُ:
أَوَّلاً: نَعَمْ؛ هَذَا الاِسْتِفْسَار وَجِيهٌ، فَالزَّوَاوِي نَفْسهُ كَثِيراً مَا يُثْنِي عَلَى ابْن تَيْمِيَّة مَثَلاً وَيَصِفُهُ أَيْضًا بِـ: "الإِمَام السَّلَفِي" تَمَامًا كَمَا يُثْنِي هَهُنَا عَلَى الإِمَام النَّسَفِي؟!، وَهَذَا أَيْضًا لاَ يَعْنِي بِالضَّرُورَةِ أَنَّ أُصُول عَقِيدَة الزَّوَاوِي فِي الأَسْمَاءِ وَالْصِّفَاتِ هِيَ هِيَ أُصُول ابْن تَيْمِيَّة، فَالبَحْثُ وَالتَّنْقِيبُ يُثْبِتُ التَّبَايُن الْعَرِيض بَيْنَ أُصُولِ هَذَا وَذَاكَ كَمَا سَبَقَ بَيَانهُ فِي مَقَالٍ سَابِقٍ.
إِذًا: فَالاِعْتِمَادُ عَلَى مُجَرَّدِ الثَّنَاء عَلَى عَلَمٍ مَا مِنْ دُونِ اسْتِجْلاَءٍ لِمَعَالِـمِ أُصُولِهِ العَقَدِيَّة لاَ يَقْضِي بِالْضَّرُورَةِ مُوَافَقَة هَذَا الـمُثْنِي عَلَى مُعْتَقَدِ مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ.
ثَانِيًا: كَمَا جَاءَ فِي مَقَالٍ سَابِقٍ فَمُفْتِي الجَمْعِيَّة الزَّواوي يَعْتَزُّ بِحِفْظِ مُتُونِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ السَّنُوسِيَّةِ وَالْـجَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِيَّة كَمَا يُسَمِّيهَا، وَكَذَلِكَ الْعَقِيدَةُ النَّسَفِيَّة فَهِيَ عِنْدَهُ مِنَ الْعَقَائِدِ الْـمَرْضِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْسُّنَّةِ قَاطِبَةً مِنْ دُونِ اسْتِثْنَاءٍ، وَاسْتَمِع إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: ((...فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ #الْنَّسَفِيَّةِ #الْشَّهِيرَةِ...وَكُنْتُ #حَفِظْتُهَا كَمَا حَفِظْتُ #الْسَّنُوسِيَّةَ وَ #الْـجَوْهَرَةَ #الْتَّوْحِيدِيَّةَ...وَنَصُّ الْـمَقْصُودِ فِي الْـخِلاَفَةِ فِي الْعَقَائِدِ الْنَّسَفِيَّةِ #الْشَّـهِيرَةِ #الْـمَرْضِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْسُّنَّةِ #قَاطِبَةً هُوَ...))(2) وَيَقُولُ أَيْضًا: ((وَبِهَذَا أَخَذَ الإِمَامُ الْنَّسَفِي فِي عَقِيدَتِهِ #الْـمُعْتَبَرَة))(3).
وعِنْدَ تَطَرُّقِهِ لِطَرَائِقِ التَّعْلِيمِ فِي مَنْطِقَةِ "زَوَاوَة"، حثَّ عَلَى تَقْسِيمِ الْطَّلَبَةِ الْصِّغَارِ إِلَى طَبَقَاتٍ حَسْبَ أَعْمَارِهِم ثُـمَّ عَلَى وفْقِ مَلَكَةِ الاِسْتِعْدَادِ وَالْإِدْرَاكِ، مَعَ الْعِنَايَةِ بِتَطْوِيرِ مَلَكَةِ الْحِفْظِ وَالْتَّمَادِي فِي هَذَا الْـسَّبِيل إِلَى حَدِّ البُلُوغِ مَعَ الْقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْتَّوْحِيدِ وَغَيْرهَا مِنَ الْفُنُونِ الَّتِي تُدَرَّس مِنْ الْكُتُبِ الـمُتَاحَةِ فِي بِلاَدِ نَشْأَتِهِ "زَوَاوَة"، فَقَالَ مَا نَصُّهُ: ((وَأَمَّا #الْتَّوْحِيدُ: فَيُكْتَفَى فِيهِ بِكِتَابِ #الإِرْشَادِ لِإِمَامِ الْـحَرَمَيْنِ، ثُـمَّ #الْسَّنُوسِيَّة #الْـمَرْضِيَّة، وَلَكِنْ بِاعْتِدَالٍ وَعَدَمِ تَشْدِيدِ النَّكِيرِ وَلَعْنِ الـمُخَالِفِ، وَالأَوْلَى السُّكُوت عَنْهُ، وَمَنْ يَشْتُم النَّاسَ يُشْتَم، وَلَعَلَّ لِذَلِكَ سُمِّيَ التَّوْحِيدُ: عِلْمَ الكَلاَمِ))(4)
وَتَأَمَّلْ أَيْضًا قَوْلَ الشَّيْخ الزَّوَاوِي فِي كِتَابِ الْـمَوَاقِفِ الـمَعْرُوفِ فِي تَقْرِيرِ عَقَائِد السَّادَة الأَشَاعِرَة لِلْعَلاَّمَةِ عَضُد الدِّين الإِيْجِي: ((#الْمَوَاقِف #أَكْبَرُ كِتَابٍ وَ #مُنْتَهَى فِي عِلْمِ الْعَقَائِدِ))(5)، وَيَقُولُ أَيْضًا: ((...صَاحِبُ الـجَوْهَرَة التَّوْحِيدِيَّة الَّتِي هِيَ مِنَ #العُلُومِ #الشَّرْعِيَّةِ...))(6) وَيَقُولُ مُنْتَسِبًا إِلَى الأُصُولِ العَقَدِيَّة الـمُقَرَّرَةِ فِي جَوْهَرَةِ الْتَّوحِيدِ: ((أَلَـمْ يَقُلْ #نَاظِمُنَا فِي العَقَائِدِ: فَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفَ وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفَ))(7) وَأَيْضًا: ((قَالَ صَاحِبُ الـجَوْهَرَة التَّوْحِيدِيَّة فِي مَسَائِلِ الاِعْتِقَادِ))( وأيضًا: ((وَقَالَ صَاحِبُ الـجَوْهَرَةِ فِي عِلْمِ الكَلاَمِ "التَّوْحِيد": فَانْظُر إِلَى نَفْسِكَ ثُمَّ انْتَقِل...))(9)...الخ
إذًا؛ فَالشَّيْخُ الزَّوَاوِي قَدْ سَبَرَ غَوْر هَذِهِ الْعَقَائِدِ وَخَبَرَ مَا بِدَاخِلِهَا مِنْ أُصُولٍ إِلَى دَرَجَةِ الاِعْتِزَازِ بِحِفْظِهَا عَنْ ظَهْرِ القَلْبِ، فَهِيَ عُمْدَتهُ وَإِلَيْهَا الْـمَرْجِعُ فِي تَحْرِير الـمَسَائِلِ الْعَقَدِيَّة وَعَلَيْهَا يَتَخَرَّجُ طُلاَّبُ الْعِلْمِ، فَمَتْنُ الْجَوْهَرَة فِي العَقِيدَةِ الأَشْعَرِيَّةِ عِنْدَ الزَّوَاوِي يُمَثِّلُ أُصُولَ عَقَائِد التَّوْحِيد وَالْعَقَائِدُ السَّنُوسِيَّة وَالنَّسَفِيَّةِ هِيَ هِيَ الْعَقَائِدُ السَّلَفِيَّة الشَّهِيرَة وَالـمُعْتَبَرَة وَالْـمَرْضِيَّة عِنْدَ السَّلَفِ وَأَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؟!
ثَالِثًا: كَثِيراً ما يَسْتَشْهِدُ الشَّيْخ الزَّوَاوِي بِالْجَوْهَرَةِ وَغَيْرهَا مِنْ مُتُونِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الْعَقِيدَةِ، فَهُوَ لاَ يَخْرُجُ عَنْ أُصُولِ الْقَوْمِ فِي الأَسْمَاء والْصِّفَاتِ، وَلَكِنَّهُ وَلِلْأَسَفِ قَدْ تَلَبَّسَ بِبِدْعَةِ التَّيْمِيَّةِ وَالْوَهَّابِيَّةِ فِي إِكْفَارِ الأَبْرِيَاءِ مِنَ الـمُسْتَغِيثِينَ وَالـمُتَوَسِّلِينَ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ الصَّالِحِينَ وَمَا يَصُبُّ فِي هَذَا الـمَجْرَى مِنَ الْـمَسَائِلِ الـمُتَعَلِّقَةِ بِأَحْكَامِ القُبُورِ. وَهُنَا مَـجَال مُوَافَقَة الرَّجُل لِلْوَهَّابِيَّة؟!
يُتْبَعُ بِإِذْنِ الله...
__________
(1) مَقَال عَلَى جَرِيدَةِ الصِّدِّيق :1922م العدد:49، نقلاً عَنْ: [الشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/337)، دار زَمُّورَة للنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(2) مَقَال: "لاَ تَصِحُّ الـخِلاَفَة لِغَيْرِ قُرْشِيٍّ شَرْعًا" على جريدة البلاغ الـجزائري: 1350هـ-1931م العدد: 240: نقلاً عَنْ: [الشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/154-155)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(3) كتاب: "جَمَاعَة الـمُسْلِمِينَ" لِلْشَّيْخ السَّعِيد الزَّوَاوِي ضِمْنَ: [الشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (4/32)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(4) كتاب: "تَارِيخُ الزَّوَاوَة" لِلْشَّيْخ السَّعِيد الزَّوَاوِي ضِمْنَ: [الشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (4/116)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(5) مِنْ تَقْدِيم الشَّيْخ الزَّوَاوِي لِكِتَابِ "الْـجَزَائِر" مِنْ تَأْلِيف أَحْمَد تَوْفِيق الْـمَدَنِي الأَمِين العَام لِجَمْعِيَّةِ الْعُلَمَاءِ الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ، نَقْلاً عَنْ: [الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/323)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(6) الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (1/441)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م
(7) جَرِيدَة البَصَائِر: 1354هـ- 1936م العدد:5، نقلاً عن: [الشَّيخ أَبُو َعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (1/524-525)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
( جريدة البلاغ الـجزائري: 1346هـ-1928م العدد:56، نقلاً عن: [الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/47)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(9) الشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (3/411)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م
رد: أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين
#أَضْوَاءٌ_عَلَى_عَقِيدَةِ_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاءِ_الـمُسْلِمِينَ_الـجَزَائِرِيِّينَ 8!
قَالَ أمِينُ مَالِ جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِين الْـجَزَائِرِيِّين الشَّيْخ مُبَارَك الـمِيلِي (1896م-1945م): ((الْسَّرَفُ -أَيُّهَا الْسَّادَةُ- يُطْلَقُ إِطْلاَقًا عَامًّا عَلَى مَعْنَى هُوَ: "تَجَاوُزُ الْـمَرْءِ الْـحَدَّ فِي فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ"، #فَالْغُلُوُّ مِنْ شُعَبِهِ. وَلِعِلاَجِهِ جَمَعَ #عُلَمَاءُ_السُّنَّةِ أَحَادِيثَ الاِقْتِصَاد فِي الطَّاعَةِ فِي أَبْوَابِ كُتُبُهِم، وَوَضَعَ #الغَزَالِيُّ كِتَابَهُ "#الاِقْتِصَـادُ_فِي_الاِعْتِقَـادِ"))(1)
التَّعْلِيق:
أَوَّلاً: هَذَا نَصٌّ مِنْ الشَّيْخ مُبَارَك الـمِيلِي يُقِرُّ فِيهِ بِأَنَّ كِتَاب: "الاِقْتِصَادُ فِي الاِعْتِقَادِ" لِحُجَّةِ الإِسْلاَمِ الغَزَالِي الْأَشْعَرِي، يَعْكِس وَسَطِيَّة أُصُول عَقِيدَة أَهْل السُّنَّةِ وَالْـجَمَاعَةِ السَّادَة الأَشَاعِرَة وَالْـمَاتُرِيدِيَّة وَفُضَلاَء أَهْل الْحَدِيثِ بِـمُقَابِلِ غُلُوِّ الِفِرَقِ الـمُخَالِفَةِ مِنْ إِفْرَاطِ الـمُجَسِّمَةِ فِي الإِثْبَاتِ وَتَفِرِيطِ الـمُعَطِّلَةِ فِي الْنَّفِيِ.
ثَانِيًا: قَالَ حُجَّة الإِسْلاَم الْغَزَالِي فِي تَأْلِيفِهِ الـمُشَار إِلَيْهِ: ((أَمَّا الْـحَشَوِيَّةُ: فَإِنَّهُم لَـمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ فَهْمِ مَوْجُودٍ لاَ فِي جِهَةٍ؛ فَأَثْبَتُوا الْـجِهَةَ، حَتَّى لَزِمَهُمْ بِالْضَّرُورَةِ الْـجِسْمِيَّةُ وَالْتَّقْدِيرُ وَالاِخْتِصَاصُ بِصِفَاتِ الْحُدُوثِ.
وَأَمَّا الْـمُعْتَزِلَةُ: فَإِنَّهُم نَفَوْا الْـجِهَةَ، وَلَـمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ إِثْبَاتِ الْرُّؤْيَةِ دُوْنَهَا، وَخَالَفُوا بِهِ قَوَاطِعَ الْشَّرْعِ، وَظَنُّوا أَنَّ فِي إِثْبَاتِهَا إِثْبَاتَ الْجِهَةِ.
وَهَؤُلاَءِ تَغَلْغَلُوا فِي الْتَّنْزِيهِ مُحْتَرِزِينَ مِنْ الْتَّشْبِيهِ..#فَأَفْرَطُوا، وَالْـحَشَوِيَّةُ أَثْبَتُوا الْـجِهَةَ احْتِرَازاً مِنَ الْتَّعْطِيلِ..#فَشَبَّهُوا، فَوَفَّقَ الله تَعَالَى أَهْلَ الْسُّنَّةِ لِلْقِيَامِ بِالْحَقِّ..#فَتَفَطَّنُوا لِلْمَسْلَكِ الْقَصْد، وَعَرَفُوا أَنَّ الْجِهَةَ: مَنْفِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا لِلْجِسْمِيَّةِ تَابِعَة وَتَتِمَّة، وَأَنَّ الْرُّؤْيَةَ ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّهَا رَدِيفُ الْعِلْمِ وَقَرِيبُهُ وَهِيَ لَهُ تَكْمِلَة، فَانْتِفَاءُ الْـجِسْمِيَّةِ أَوْجَبَ انْتِفَاءَ الْجِهَة الَّتِي هِيَ مِنْ لَوَازِمِهَا، وَثُبُوتُ الْعِلْمِ أَوْجَبَ ثُبُوتَ الْرُّؤْيَة الَّتِي هِيَ مِنْ رَوَادِفِهِ أَوْ تَكْمِلاَتِهِ، وَمُشَارِكَةٌ لَهُ فِي خَاصِيَّتِهَا، وَهِيَ أَنَّهَا لاَ تُوجِبُ تَغَيُّراً فِي ذَاتِ الْـمَرْئِيِّ، بَلْ تَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ كَالْعِلْمِ. وَلاَ يَخْفَى عَاقِلٌ أَنَّ هَذَا هُوَ: #الاِقْتِصَادُ_فِي_الاِعْتِقَادِ))(2)
فَهَذَا أنْمُوذَجٌ مِنْ وَسَطِيَّةِ أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي "الاِقْتِصَادِ فِي الاِعْتِقَادِ" وَالَّتِي أَثْنَى عَلَيْهَا الشَّيْخ مُبَارَك الـمِيلِي؟!، فَأَهْل السُّنَّة لاَ يُوَافِقُونَ عَلَى إِثْبَاتِ الجِهَةِ لله لأَنَّ هَذَا يَقْضِي بِإِثْبَاتِ الـمِقْدَار وَالجِسْمِيَّةِ فِي حَقِّهِ تَبَارَك وَتَعَالَى، وَلاَ يُعَطِّلُونَ الرُّؤْيَة فَهِيَ عِنْدَهُم مِنْ نَوْعِ كَشْفِ بَعْضِ الكَمَالاَتِ الإِلَهِيَّة...
يُتْبَعُ بِإذْنِ الله...
___________
(1) "مُـحَاضَرَةٌ فِي الْسَّرَفِ الْـمَالِي" ضِمْنَ: "سِجِل مُؤْتَمَر جَمْعِيَّة الْعُلَمَاء الْـمُسْلِمِينَ الْـجزَائِريِّينَ" (ص:143-158)، نَقْلاً عَن: [آثَارُ الشَّيْخِ مُبَارَك الـمِيلِي (1/359)، جَمَعَهَا وَرَتَّبَهَا وَعَلَّقَ عَلَيْهَا وَخَرَّجَ أَخْبَارَهَا: أَبُو عَبْد الرَّحْمَن مَحمُود، مَكْتَبَة دَار الرَّشِيد لِلْكِتَابِ وَالْقُرْآن الْكَرِيم-الجَزَائِر، الْطَّبْعَة الأُوْلَى:1436هـ-2015م]
(2) "الاِقْتِصَادُ فِي الاِعْتِقَادِ" (ص:140-141) لِحُجَّة الإِسْلاَمِ وَبَرَكَةِ الأَنَامِ أَبِي حَامِدٍ الغَزَالِي (450-505هـ)، عُنِيَ بِهِ: أَنَس مُحَمَّد عَدنَان الشَّرفَاوي، دَارُ الـمِنْهَاجِ لِلْنَّشْرِ وَالتَّوْزِيعِ-السَّعُوِديَّة
قَالَ أمِينُ مَالِ جَمْعِيَّة العُلَمَاء الـمُسْلِمِين الْـجَزَائِرِيِّين الشَّيْخ مُبَارَك الـمِيلِي (1896م-1945م): ((الْسَّرَفُ -أَيُّهَا الْسَّادَةُ- يُطْلَقُ إِطْلاَقًا عَامًّا عَلَى مَعْنَى هُوَ: "تَجَاوُزُ الْـمَرْءِ الْـحَدَّ فِي فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ"، #فَالْغُلُوُّ مِنْ شُعَبِهِ. وَلِعِلاَجِهِ جَمَعَ #عُلَمَاءُ_السُّنَّةِ أَحَادِيثَ الاِقْتِصَاد فِي الطَّاعَةِ فِي أَبْوَابِ كُتُبُهِم، وَوَضَعَ #الغَزَالِيُّ كِتَابَهُ "#الاِقْتِصَـادُ_فِي_الاِعْتِقَـادِ"))(1)
التَّعْلِيق:
أَوَّلاً: هَذَا نَصٌّ مِنْ الشَّيْخ مُبَارَك الـمِيلِي يُقِرُّ فِيهِ بِأَنَّ كِتَاب: "الاِقْتِصَادُ فِي الاِعْتِقَادِ" لِحُجَّةِ الإِسْلاَمِ الغَزَالِي الْأَشْعَرِي، يَعْكِس وَسَطِيَّة أُصُول عَقِيدَة أَهْل السُّنَّةِ وَالْـجَمَاعَةِ السَّادَة الأَشَاعِرَة وَالْـمَاتُرِيدِيَّة وَفُضَلاَء أَهْل الْحَدِيثِ بِـمُقَابِلِ غُلُوِّ الِفِرَقِ الـمُخَالِفَةِ مِنْ إِفْرَاطِ الـمُجَسِّمَةِ فِي الإِثْبَاتِ وَتَفِرِيطِ الـمُعَطِّلَةِ فِي الْنَّفِيِ.
ثَانِيًا: قَالَ حُجَّة الإِسْلاَم الْغَزَالِي فِي تَأْلِيفِهِ الـمُشَار إِلَيْهِ: ((أَمَّا الْـحَشَوِيَّةُ: فَإِنَّهُم لَـمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ فَهْمِ مَوْجُودٍ لاَ فِي جِهَةٍ؛ فَأَثْبَتُوا الْـجِهَةَ، حَتَّى لَزِمَهُمْ بِالْضَّرُورَةِ الْـجِسْمِيَّةُ وَالْتَّقْدِيرُ وَالاِخْتِصَاصُ بِصِفَاتِ الْحُدُوثِ.
وَأَمَّا الْـمُعْتَزِلَةُ: فَإِنَّهُم نَفَوْا الْـجِهَةَ، وَلَـمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ إِثْبَاتِ الْرُّؤْيَةِ دُوْنَهَا، وَخَالَفُوا بِهِ قَوَاطِعَ الْشَّرْعِ، وَظَنُّوا أَنَّ فِي إِثْبَاتِهَا إِثْبَاتَ الْجِهَةِ.
وَهَؤُلاَءِ تَغَلْغَلُوا فِي الْتَّنْزِيهِ مُحْتَرِزِينَ مِنْ الْتَّشْبِيهِ..#فَأَفْرَطُوا، وَالْـحَشَوِيَّةُ أَثْبَتُوا الْـجِهَةَ احْتِرَازاً مِنَ الْتَّعْطِيلِ..#فَشَبَّهُوا، فَوَفَّقَ الله تَعَالَى أَهْلَ الْسُّنَّةِ لِلْقِيَامِ بِالْحَقِّ..#فَتَفَطَّنُوا لِلْمَسْلَكِ الْقَصْد، وَعَرَفُوا أَنَّ الْجِهَةَ: مَنْفِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا لِلْجِسْمِيَّةِ تَابِعَة وَتَتِمَّة، وَأَنَّ الْرُّؤْيَةَ ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّهَا رَدِيفُ الْعِلْمِ وَقَرِيبُهُ وَهِيَ لَهُ تَكْمِلَة، فَانْتِفَاءُ الْـجِسْمِيَّةِ أَوْجَبَ انْتِفَاءَ الْجِهَة الَّتِي هِيَ مِنْ لَوَازِمِهَا، وَثُبُوتُ الْعِلْمِ أَوْجَبَ ثُبُوتَ الْرُّؤْيَة الَّتِي هِيَ مِنْ رَوَادِفِهِ أَوْ تَكْمِلاَتِهِ، وَمُشَارِكَةٌ لَهُ فِي خَاصِيَّتِهَا، وَهِيَ أَنَّهَا لاَ تُوجِبُ تَغَيُّراً فِي ذَاتِ الْـمَرْئِيِّ، بَلْ تَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ كَالْعِلْمِ. وَلاَ يَخْفَى عَاقِلٌ أَنَّ هَذَا هُوَ: #الاِقْتِصَادُ_فِي_الاِعْتِقَادِ))(2)
فَهَذَا أنْمُوذَجٌ مِنْ وَسَطِيَّةِ أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي "الاِقْتِصَادِ فِي الاِعْتِقَادِ" وَالَّتِي أَثْنَى عَلَيْهَا الشَّيْخ مُبَارَك الـمِيلِي؟!، فَأَهْل السُّنَّة لاَ يُوَافِقُونَ عَلَى إِثْبَاتِ الجِهَةِ لله لأَنَّ هَذَا يَقْضِي بِإِثْبَاتِ الـمِقْدَار وَالجِسْمِيَّةِ فِي حَقِّهِ تَبَارَك وَتَعَالَى، وَلاَ يُعَطِّلُونَ الرُّؤْيَة فَهِيَ عِنْدَهُم مِنْ نَوْعِ كَشْفِ بَعْضِ الكَمَالاَتِ الإِلَهِيَّة...
يُتْبَعُ بِإذْنِ الله...
___________
(1) "مُـحَاضَرَةٌ فِي الْسَّرَفِ الْـمَالِي" ضِمْنَ: "سِجِل مُؤْتَمَر جَمْعِيَّة الْعُلَمَاء الْـمُسْلِمِينَ الْـجزَائِريِّينَ" (ص:143-158)، نَقْلاً عَن: [آثَارُ الشَّيْخِ مُبَارَك الـمِيلِي (1/359)، جَمَعَهَا وَرَتَّبَهَا وَعَلَّقَ عَلَيْهَا وَخَرَّجَ أَخْبَارَهَا: أَبُو عَبْد الرَّحْمَن مَحمُود، مَكْتَبَة دَار الرَّشِيد لِلْكِتَابِ وَالْقُرْآن الْكَرِيم-الجَزَائِر، الْطَّبْعَة الأُوْلَى:1436هـ-2015م]
(2) "الاِقْتِصَادُ فِي الاِعْتِقَادِ" (ص:140-141) لِحُجَّة الإِسْلاَمِ وَبَرَكَةِ الأَنَامِ أَبِي حَامِدٍ الغَزَالِي (450-505هـ)، عُنِيَ بِهِ: أَنَس مُحَمَّد عَدنَان الشَّرفَاوي، دَارُ الـمِنْهَاجِ لِلْنَّشْرِ وَالتَّوْزِيعِ-السَّعُوِديَّة
رد: أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين
#أَضْوَاءٌ_عَلَى_عَقِيدَةِ_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاءِ_الـمُسْلِمِينَ_الـجَزَائِرِيِّينَ 9!
قَالَ رَئِيس لَـجْنَة الفَتْوَى فِي جَمْعِيَّةِ العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ الشّيْخ أَبُو يَعْلَى السَّعِيد الزَّوَاوِي (1862م-1952م) فِي حَدِيثِهِ عَمَّا اسْتَقَرَّت عَلَيْهِ الأُمَّة الإِسْلاَمِيَّة مِنْ مَذَاهِب فِي الأَصْلَيْنِ، فَقَالَ: ((فَانْتَهَتِ الأُمَّة فِي #عِلْمِ_الكَلاَم عَلَى ثَلاَثَةٍ: #الأَشَاعِرَة، #وَالـمَاتُرِيدِيَّة، وَالـمُعْتَزِلَة، وَانْتَهَوْا فِي عِلْمِ الفِقْهِ عَلَى أَرْبَعَةٍ: الْـحَنَفِيَّة، الـْمَالِكِيَّة، الْشَّافِعِيَّة، الْـحَنْبَلِيَّة. #فَارْتَضَتْهُم_الأُمَّة وَصَارَت هَذِهِ الـمَذَاهِب (رَسْمِيَّة) مُتَّفَقًا عَلَيْهَا))(1)
أَمَّا عَنْ مَذْهَبِ الاِعْتِزَالِ فَقَدْ أَفَل وَزَالَ عَلَى العُمُوم مُنْذُ عُقُودٍ مِنَ الزَّمَنِ عَلَى يَدِ السَّادَةِ الأَشَاعِرَةِ، فَلَـمْ يَبْقَ فِي سَوَادِ أُمَّة التَّوْحِيد إِلاَّ مَذْهَب السَّادَةِ الأَشَاعِرَة وَالـمَاتُرِيدِيَّة فِي العَقِيدَةِ وَالْـمَذَاهِب الأَرْبَعَةِ السُّنِّيَّةِ السَّنِيَّةِ فِي الْفِقْهِ، فَهَذِهِ الأُصُول هِيَ مَحَلُّ ارْتِضَاءِ وَإجْمَاعِ وَاجْتِمَاعِ السَّوَادِ الأَعْظَمِ مِنْ الأُمَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ.
وَظَاهِرُ كَلاَم الشَّيْخ الزَّوَاوِي حَوْلَ عِلْمِ الْكَلاَمِ وَمَا يَحُومُ حَوْلَهُ مِنْ مَزَالِق فِيهِ تَضَارُبٌ كَبِيرٌ؟!...وَلَكِنَّهُ بَعْدَ أَنْ سَاقَ جُمْلَة مِنْ آثَارِ السَّلَفِ فِي ذَمِّ الْخَوْض فِي عِلْمِ الْكَلاَمِ رَجَعَ فَقَالَ: ((وَفِي الـحَقِيقَة إِنَّ #عِلْمَ_الكَلاَمِ مَضْبُوطٌ #بِالكِتَابِ #وَالسُّنَّةِ #وَبِعَقِيدَةِ_السَّلَفِ))(2) وَقَالَ أَيْضًا هُنَاكَ: ((وَبِالْـجُمْلَة إِنَّ الأَئِمَّةَ الْـمُجْتَهِدِينَ فِي الفِقْهِ، #وَأَئِمَّةَ_عِلْمِ_الكَلاَمِ، وَأَئِمَّةَ التَّصَوُّفِ، كُلّهُم #مُتَبَرِّئُونَ #وَمُتَحَفِّظُونَ مِن #مُخَالَفَةِ_الكِتَابِ_وَالسُّنَّةِ))(3)...
وَكَذَلِكَ كَلاَم الشَّيْخ الزَّوَاوِي فِي الْـمَذْهَبِيَّة فِيهِ تَضَارُبٌ أَيْضًا...وَمِنْ كَلاَمِهِ فِي أَحَقِيَّةِ الـمَذَاهِب الأَرْبَعَةِ السُّنِّيَّةِ قَوْلهُ مَثَلاً: ((اِجْتِمَاع الأُمَّة عَلَى هَذِهِ #الـمَذَاهِبِ_الأَرْبَعَةِ_الـمَرْضِيَّةِ وَأَنَّهَا #صَحِيحَةٌ مُعْتَبَرَةٌ وَكَانَ تَقْلِيدُنَا إِيَّاهُم بِاخْتِيَارِنَا نَحنُ مَنْ بَعْدَهُم، ومَنْ مَعَهُم، لِعَدَالَتِهِم رَحِمَهُم الله تَعَالَى وَمَكَانَتِهِم مِنَ الدِّينِ وَالعِلْمِ، وَلَمْ يُلْزِمُونَا بِذَلِكَ بَلْ وَلاَ طَلَبُوا مِنَّا أَن نُقَلِّدَهُم، فَكَأَنَّا إِذًا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا كَيْفَ وَقَدْ زَكَّيْنَاهُم؟ وَلاَ يَنْبَغِي أَن نَقْدَحَ فِيهِم كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ نَقْدَحَ فِي الصَّحَابَةِ رِضْوَان الله عَلَيْهِم، لأَنَّهُم هُم الَّذِينَ أَدَّوْا لَنَا هَذَا الدِّينَ وهُم قَدْ أَخَذُوهُ عَنِ الـمَعْصُومِ صلى الله عليه وسلَّم، وعَلَيْهِ فَالطَّاعِنُ فِي أَحَدِ هَذِهِ الـمَذَاهِبِ أَوْ أَحَدِ الصَّحَابَةِ فَقَدْ طَعَنَ فِي دِينِه "الإسْلاَم العَزِيز"))(4)...
يُتْبَعُ بِإِذْنِ الله...
________
(1) "الإِسْلاَمُ الصَّحِيح" لِلْشَّيْخ الزَّوَاوِي ضِمْنَ: [الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (4/66)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(2) الـمَصْدَر الْسَّابِق: (4/86)
(3) الـمَصْدَر الْـسَّابِق: (4/147)
(4) فَتْوَى لِلْشَّيْخ الزَّوَاوِي عَلَى جَرِيدَة الْبَلاَغ الجَزَائِرِيَّة لِسَان حَال الطُّرُقِيَّة: 1349هـ-1931م العَدَد:205، نقلاً عَنْ: [الشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (2/367)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
قَالَ رَئِيس لَـجْنَة الفَتْوَى فِي جَمْعِيَّةِ العُلَمَاء الـمُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ الشّيْخ أَبُو يَعْلَى السَّعِيد الزَّوَاوِي (1862م-1952م) فِي حَدِيثِهِ عَمَّا اسْتَقَرَّت عَلَيْهِ الأُمَّة الإِسْلاَمِيَّة مِنْ مَذَاهِب فِي الأَصْلَيْنِ، فَقَالَ: ((فَانْتَهَتِ الأُمَّة فِي #عِلْمِ_الكَلاَم عَلَى ثَلاَثَةٍ: #الأَشَاعِرَة، #وَالـمَاتُرِيدِيَّة، وَالـمُعْتَزِلَة، وَانْتَهَوْا فِي عِلْمِ الفِقْهِ عَلَى أَرْبَعَةٍ: الْـحَنَفِيَّة، الـْمَالِكِيَّة، الْشَّافِعِيَّة، الْـحَنْبَلِيَّة. #فَارْتَضَتْهُم_الأُمَّة وَصَارَت هَذِهِ الـمَذَاهِب (رَسْمِيَّة) مُتَّفَقًا عَلَيْهَا))(1)
أَمَّا عَنْ مَذْهَبِ الاِعْتِزَالِ فَقَدْ أَفَل وَزَالَ عَلَى العُمُوم مُنْذُ عُقُودٍ مِنَ الزَّمَنِ عَلَى يَدِ السَّادَةِ الأَشَاعِرَةِ، فَلَـمْ يَبْقَ فِي سَوَادِ أُمَّة التَّوْحِيد إِلاَّ مَذْهَب السَّادَةِ الأَشَاعِرَة وَالـمَاتُرِيدِيَّة فِي العَقِيدَةِ وَالْـمَذَاهِب الأَرْبَعَةِ السُّنِّيَّةِ السَّنِيَّةِ فِي الْفِقْهِ، فَهَذِهِ الأُصُول هِيَ مَحَلُّ ارْتِضَاءِ وَإجْمَاعِ وَاجْتِمَاعِ السَّوَادِ الأَعْظَمِ مِنْ الأُمَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ.
وَظَاهِرُ كَلاَم الشَّيْخ الزَّوَاوِي حَوْلَ عِلْمِ الْكَلاَمِ وَمَا يَحُومُ حَوْلَهُ مِنْ مَزَالِق فِيهِ تَضَارُبٌ كَبِيرٌ؟!...وَلَكِنَّهُ بَعْدَ أَنْ سَاقَ جُمْلَة مِنْ آثَارِ السَّلَفِ فِي ذَمِّ الْخَوْض فِي عِلْمِ الْكَلاَمِ رَجَعَ فَقَالَ: ((وَفِي الـحَقِيقَة إِنَّ #عِلْمَ_الكَلاَمِ مَضْبُوطٌ #بِالكِتَابِ #وَالسُّنَّةِ #وَبِعَقِيدَةِ_السَّلَفِ))(2) وَقَالَ أَيْضًا هُنَاكَ: ((وَبِالْـجُمْلَة إِنَّ الأَئِمَّةَ الْـمُجْتَهِدِينَ فِي الفِقْهِ، #وَأَئِمَّةَ_عِلْمِ_الكَلاَمِ، وَأَئِمَّةَ التَّصَوُّفِ، كُلّهُم #مُتَبَرِّئُونَ #وَمُتَحَفِّظُونَ مِن #مُخَالَفَةِ_الكِتَابِ_وَالسُّنَّةِ))(3)...
وَكَذَلِكَ كَلاَم الشَّيْخ الزَّوَاوِي فِي الْـمَذْهَبِيَّة فِيهِ تَضَارُبٌ أَيْضًا...وَمِنْ كَلاَمِهِ فِي أَحَقِيَّةِ الـمَذَاهِب الأَرْبَعَةِ السُّنِّيَّةِ قَوْلهُ مَثَلاً: ((اِجْتِمَاع الأُمَّة عَلَى هَذِهِ #الـمَذَاهِبِ_الأَرْبَعَةِ_الـمَرْضِيَّةِ وَأَنَّهَا #صَحِيحَةٌ مُعْتَبَرَةٌ وَكَانَ تَقْلِيدُنَا إِيَّاهُم بِاخْتِيَارِنَا نَحنُ مَنْ بَعْدَهُم، ومَنْ مَعَهُم، لِعَدَالَتِهِم رَحِمَهُم الله تَعَالَى وَمَكَانَتِهِم مِنَ الدِّينِ وَالعِلْمِ، وَلَمْ يُلْزِمُونَا بِذَلِكَ بَلْ وَلاَ طَلَبُوا مِنَّا أَن نُقَلِّدَهُم، فَكَأَنَّا إِذًا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا كَيْفَ وَقَدْ زَكَّيْنَاهُم؟ وَلاَ يَنْبَغِي أَن نَقْدَحَ فِيهِم كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ نَقْدَحَ فِي الصَّحَابَةِ رِضْوَان الله عَلَيْهِم، لأَنَّهُم هُم الَّذِينَ أَدَّوْا لَنَا هَذَا الدِّينَ وهُم قَدْ أَخَذُوهُ عَنِ الـمَعْصُومِ صلى الله عليه وسلَّم، وعَلَيْهِ فَالطَّاعِنُ فِي أَحَدِ هَذِهِ الـمَذَاهِبِ أَوْ أَحَدِ الصَّحَابَةِ فَقَدْ طَعَنَ فِي دِينِه "الإسْلاَم العَزِيز"))(4)...
يُتْبَعُ بِإِذْنِ الله...
________
(1) "الإِسْلاَمُ الصَّحِيح" لِلْشَّيْخ الزَّوَاوِي ضِمْنَ: [الشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (4/66)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(2) الـمَصْدَر الْسَّابِق: (4/86)
(3) الـمَصْدَر الْـسَّابِق: (4/147)
(4) فَتْوَى لِلْشَّيْخ الزَّوَاوِي عَلَى جَرِيدَة الْبَلاَغ الجَزَائِرِيَّة لِسَان حَال الطُّرُقِيَّة: 1349هـ-1931م العَدَد:205، نقلاً عَنْ: [الشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (2/367)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
رد: أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين
#أَضْوَاءٌ_عَلَى_عَقِيدَةِ_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاءِ_الـمُسْلِمِينَ_الـجَزَائِرِيِّينَ 10!
قَالَ رَئِيس لَـجْنَة الْفَتْوَى فِي جَمْعِيَّةِ الْعُلَمَاء الْـمُسْلِمِينَ الْـجَـَزَائِرِيِّينَ الْشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الْسَّعِيد الْزَّوَاوِي (1862م-1952م): ((الْكَلاَمُ فِي #عِلْمِ_الكَلاَمِ أَعْنِي #التَّوْحِيدَ صَعْبٌ...وَكَذَلِكَ التَّحَفُّظَ فِي عِلْمِ الكَلاَمِ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ لِلْمَزَالِقِ الَّتِي فِيهِ. وَقَالَ الْعَلاَّمَةُ حُجَّةُ الإِسْلاَمِ أَبُو حَامِد الغَزَالِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُول: "لَأَنْ يَلْقَى العَبْدُ رَبَّهُ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا عَدَا الْشِّرْكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِعِلْمِ الْكَلاَمِ"...فَإذَا أَنْكَرَ الْشَّافِعِيُّ الْقُرَشِيُّ الإِمَامُ الْـمُجْتَهِدُ وَلَهُ الْـمِيزَةُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ الْأَئِمَّةِ الْـمُجْتَهِدينَ فِي الْنَّاسِخِ وَالْـمَنْسُوخِ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ مَالِكٌ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ سَأَلَهُ عَنْ #مَعْنَى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾[طه:5]، فَأَجَابَه: "الْاِسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالْسُّؤَالُ عَنْ هَذَا بِدْعَةٌ". فَإِذَا أَنْكَرَ هَؤُلاَءِ العَبَاقِرَةُ الكَلاَمَ فِي عِلْمِ الكَلاَمِ فَمَا بَقِيَ لِـمَنْ بَعْدَهُم؟))(1)
التَّعْلِيق:
أَوَّلاً: بِغَضِّ النَّظَر عَنْ عَدَم ثُبُوت الرِّوَايَة عَنْ إِمَامِ دَارِ الهِجْرَة بِهَذِهِ الأَلْفَاظِ الْـمَذْكُورَة وَالَّتِي أَوْرَدَهَا الشَّيْخ السَّعِيد الزَّوَاوِي...إِلاَّ أَنَّ تَفْسِيرهُ لِـلْمَضَامِين قَاطِعٌ بِأنَّ #التَّفْويض هُوَ هُوَ مَذْهَب الْسَّلَفِ الْكِرَام عِنْدَهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْـمُتَشَابِهِ فِي الْصِّفَاتِ...وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ -الشَّيْخ الزَّوَاوِي-: ((وَكَذَلِكَ الإِمَامُ مَالِكٌ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ سَأَلَهُ عَنْ #مَـــعْنَى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾[طه:5])) فَالإِمَام مَالِك يُنْكِرُ أَصْلاً الْكَلاَم فِي (#مَـــــــعْنَى!) الاِسْتِوَاء وِفْقَ تَقْرِيرِ الشَّيْخ الزَّوَاوِي؟! نَاهِيكَ عَنْ إِثْبَاتِ أَصْلِ (#الْكَيْفِيَّةِ!) عَلَى مَعْنَى: (#الْهَيْئَةِ!) وَ(#الْشَّكْلِ!) وَ(#الْصُّورَةِ!) كَمَا يَدَّعِي (#التَّيْمِيَّة) الـمُجَسِّمَة؟!...
نَعَمْ؛ فَلَوْ كَانَ الْـمَعْنَى الْتَّفْصِيلِي لِلْاِسْتِوَاءِ فِي حَقِّهِ جَلَّ وَعَزَّ مَعْلُومًا عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِك، فَلِمَ كَتَمَهُ عَنْ الْسَّائِل؟! بَلْ وَاعْتَبَرَ السُّؤَال عَنْ هَذَا الْـمَعْنَى: (#بِدْعَةٌ_ضَلاَلَةٌ!) وِفْقَ فَهْمِ الشَّيْخ الزَّوَاوِي لِكَلاَمِ الإِمَامِ؟!...وَلِـمَ (#أَنْكَرَ!) هَؤُلاَءِ الْعَبَاقِرَة (عَلَى حَدِّ تَعْبِير الشَّيْخ الزَّوَاوِي) الْكَلاَم فِي (#مَــعْنَى!) الاِسْتِوَاء ("عِلْم الْكَلاَم" فِي سِيَاقِ كَلاَمِ الشَّيْخ الزَّوَاوِي) إِذَا كَانَ هَذَا الْـمَعْنَى مَعْرُوفًا وَمَعْلُومًا لَدَيْهِم؟!...وَإِذَا كَانَ الاِسْتِوَاء هُوَ: (#الْاِسْـتِقْرَار!) وَ(#الْجُـلُوس!) وَالعُلُوّ بِـ: (#الْـمَكَانِ!) كَـمَا يَدَّعِي (#الْتَّــيْمِيَّة!) الْـمُجَسِّمَة، فَمَا الَّذِي مَنَعَ الإِمَام مَالِك مِنْ إِتْحَافِ السَّائِل بِهَذِهِ (التَّفَاسِيرِ!) (السَّلَفِيَّةِ!) فِي وَقْتٍ يُوَجِّبُ عَلَيْهِ الشَّارِعُ الحَكِيم تَبْلِيغ أَمَانَة الْعَقِيدَة الْصَّحِيحَة لِلْمُسْتَرْشِدِينَ وَالْسَّائِلِينَ؟!...الخ؟!
ثَانِيًا: هَذَا الْكَلاَم مِنْ الْشَّيْخ الزَّوَاوِي يَعْكِسُ تَبَرُّمه الْـمَعْرُوف وَالْـمُتَناقِض أَحْيَانًا! مِنْ الْـخَوْضِ فِي: "عِلْمِ الْكَلاَمِ" خَشْيَة الاِصَابَة بِشَظَايَاه خَاصَّة لِـمَنْ لاَ يُحْسِنُ الْغَوْصَ فِي أَعْمَاقِهِ وَسَبْرَ أَغْوَارِهِ...وَالْغَرِيب أَنَّ الزَّوَاوِي سَجَّل فِي نَفْسِ الْـمَصْدَرِ الْـمَذْكُور إِعْجَابَهُ بِشِعَاراتِ ابْن تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي الطَّنَّانَةِ وَعِبَارَاتِهِ الرَّنَّانَةِ فِي الإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ وَالَّتِي لاَ تَمُتُّ بِكَبِيرِ صِلَةٍ إِلَى حَقِيقَة عَقِيدَة الْرَّجُل عِنْدَ الْتَّمْحِيصِ الْعِلْمِي...فَقَال هُنَاكَ -الشَّيْخ الزَّوَاوِي-: ((وَأَعْجَبَنِي فِي ذَلِكَ كَلاَمُ الـحَنَابِلَةِ الَّذِينَ مِنْهُمْ أَسَدُ العُلَمَاءِ فِي عَصْرِهِ اِبْنُ تَيْمِيَّة فَإِنَّهُم قَالُوا: "نَصِفُ الله بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ لاَ غَيْرَ" وَهُوَ صَوَابٌ))؟!...
وَصُدُورُ مِثْل هَذِهِ التَّزْكِيَّةِ لِعَقِيدَةِ ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنْ مَشَايِخِ جَمْعِيَّةِ الْعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْـجَزَائِرِيِّينَ يُعَدُّ كَبْوَة مَنْهَجِيَّة خَطِيرَة...فَهُوَ يُؤَكِّدُ بِـمَكَانٍ عَلَى أَنَّ الْقَوْم -وَلِلْأَسَفِ!- لَيْسُوا عَلَى اطِّلاَعٍ الْبَتَّة عَلَى حَقِيقَة مَذْهَب الرَّجُل فِي الْصِّفَاتِ؟! وَ...الخ؟!...فَابْن تَيْمِيَّة يُثْبِتُ الاِسْتِوَاء عَلَى الْـمَعْنَى اللُّغَوِي الْظَّاهِر أَيْ: (#الْـجُــلُوس!) وَ(#الاِسْــتِقْرَار!) وَ(#الْقُــعُود!) عَلَى الْعَرْشِ الـمُسْتَلْزِم لِإِثْبَاتِ (#الْـمُمَاسَّةِ!) وَ(#الْـمُلاَصَقَةِ!) لَهُ تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ؟! وَلاَ يُفَوِّض الْـمَعْنَى كَمَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ الشَّيْخ الْزَّوَاوِي؟!...ابْن تَيْمِيَّة يُفَوِّضُ فَقَط (#هَـــيْئَة!) (#الْـــجُلُوس!) وَ(#الاِسْـــتِقْرَارِ!) وَهُوَ مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ بِتَفْوِيضِ الْكَيْفِيَّةِ؟! بَلْ إنَّ التَّفْوِيض عِنْدَ الْـحَرَّانِي مِنْ شرِّ أَقْوَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ كَمَا تَجِدْهُ فِي بَيَانِ تَلْبِيسِهِ وَغَيْرهَا مِنْ تَوَالِيفِهِ؟!...وَعَلَى هَذَا الحُكْم الأَخِير مِنْ الحَرَّانِي يَكُونُ لِلْشَّيْخ الزَّوَاوِي وَأَصْحَابه مِنْ الْـجَمْعِيَّة أَوْفَر نَصِيبٍ مِنْهُ؟!...الخ؟!
ثَالِثًا: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي: ((الْـحَمْدُ للهِ الْـمُتَّصِفِ بِالْـكَمَالِ الْدَّائِمِ #بِلاَ_زَوَالٍ، الْـمُسْتَحِيلِ عَنْهُ #الْتَّحَوُّلُ_وَالاِنْتِقَالُ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى:11]، وَهُوَ الوَلِـيُّ الكَبِيرُ الـمُتَعَال، ذُو الإِحْسَانِ وَالإِفْضَالِ...وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي صِفَاتِ الذَّاتِ وَالأَفْعَالِ، وَلاَ مُـمَاثِلَ لَهُ بـِمَا يَخْطُرُ بِالبَالِ، وَلاَ ضِدّ وَلاَ نِدّ وَلاَ وَزِير))(5)، فَتَنْزِيهُ اللهِ عَنِ الـحَرَكَةِ وَالاِنْتِقَالِ وَالتَّغَّيُّرِ وَقِيَامِ الحَوَادِثِ بِالْذَّاتِ العَلِيَّةِ هُوَ مُرَادُ الشَّيْخ الزَّوَاوِي بِالْعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ، وَهَذِهِ العَقِيدَةُ الـمَذْكُورَةُ هِيَ ذَاتهَا عَقِيدَةِ أَهْل السُّنَّةِ وَالـجَمَاعَةِ: السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ...فَهَلْ هَذَا الاِعْتِقَاد يَتَوَافَق مَعَ عَقِيدَة ابْن تَيْمِيَّة الَّذِي أُعْجِبَ بِشِعَارَاتِهِ الشَّيْخ الزَّوَاوِي نَفْسهُ أَمْ هُوَ عَيْن عَقِيدَة: (#الْـنُّفَاة!) وَ(#الْـجَهْمِيَّة!) عِنْدَهُ؟!...
يُتْبَعُ بِإِذْنِ الله...
________
(1) مَقَال: "تَذْكِرةٌ فِي عِلْمِ الكَلاَمِ" عَلَى جَرِيدَةِ: "صَوْت الْـمَسْجِد" :1370هـ-1950م العدد:20، نقلاً عن: [الشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (1 /597-598)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
قَالَ رَئِيس لَـجْنَة الْفَتْوَى فِي جَمْعِيَّةِ الْعُلَمَاء الْـمُسْلِمِينَ الْـجَـَزَائِرِيِّينَ الْشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الْسَّعِيد الْزَّوَاوِي (1862م-1952م): ((الْكَلاَمُ فِي #عِلْمِ_الكَلاَمِ أَعْنِي #التَّوْحِيدَ صَعْبٌ...وَكَذَلِكَ التَّحَفُّظَ فِي عِلْمِ الكَلاَمِ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ لِلْمَزَالِقِ الَّتِي فِيهِ. وَقَالَ الْعَلاَّمَةُ حُجَّةُ الإِسْلاَمِ أَبُو حَامِد الغَزَالِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُول: "لَأَنْ يَلْقَى العَبْدُ رَبَّهُ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا عَدَا الْشِّرْكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِعِلْمِ الْكَلاَمِ"...فَإذَا أَنْكَرَ الْشَّافِعِيُّ الْقُرَشِيُّ الإِمَامُ الْـمُجْتَهِدُ وَلَهُ الْـمِيزَةُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ الْأَئِمَّةِ الْـمُجْتَهِدينَ فِي الْنَّاسِخِ وَالْـمَنْسُوخِ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ مَالِكٌ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ سَأَلَهُ عَنْ #مَعْنَى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾[طه:5]، فَأَجَابَه: "الْاِسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالْسُّؤَالُ عَنْ هَذَا بِدْعَةٌ". فَإِذَا أَنْكَرَ هَؤُلاَءِ العَبَاقِرَةُ الكَلاَمَ فِي عِلْمِ الكَلاَمِ فَمَا بَقِيَ لِـمَنْ بَعْدَهُم؟))(1)
التَّعْلِيق:
أَوَّلاً: بِغَضِّ النَّظَر عَنْ عَدَم ثُبُوت الرِّوَايَة عَنْ إِمَامِ دَارِ الهِجْرَة بِهَذِهِ الأَلْفَاظِ الْـمَذْكُورَة وَالَّتِي أَوْرَدَهَا الشَّيْخ السَّعِيد الزَّوَاوِي...إِلاَّ أَنَّ تَفْسِيرهُ لِـلْمَضَامِين قَاطِعٌ بِأنَّ #التَّفْويض هُوَ هُوَ مَذْهَب الْسَّلَفِ الْكِرَام عِنْدَهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْـمُتَشَابِهِ فِي الْصِّفَاتِ...وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ -الشَّيْخ الزَّوَاوِي-: ((وَكَذَلِكَ الإِمَامُ مَالِكٌ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ سَأَلَهُ عَنْ #مَـــعْنَى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾[طه:5])) فَالإِمَام مَالِك يُنْكِرُ أَصْلاً الْكَلاَم فِي (#مَـــــــعْنَى!) الاِسْتِوَاء وِفْقَ تَقْرِيرِ الشَّيْخ الزَّوَاوِي؟! نَاهِيكَ عَنْ إِثْبَاتِ أَصْلِ (#الْكَيْفِيَّةِ!) عَلَى مَعْنَى: (#الْهَيْئَةِ!) وَ(#الْشَّكْلِ!) وَ(#الْصُّورَةِ!) كَمَا يَدَّعِي (#التَّيْمِيَّة) الـمُجَسِّمَة؟!...
نَعَمْ؛ فَلَوْ كَانَ الْـمَعْنَى الْتَّفْصِيلِي لِلْاِسْتِوَاءِ فِي حَقِّهِ جَلَّ وَعَزَّ مَعْلُومًا عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِك، فَلِمَ كَتَمَهُ عَنْ الْسَّائِل؟! بَلْ وَاعْتَبَرَ السُّؤَال عَنْ هَذَا الْـمَعْنَى: (#بِدْعَةٌ_ضَلاَلَةٌ!) وِفْقَ فَهْمِ الشَّيْخ الزَّوَاوِي لِكَلاَمِ الإِمَامِ؟!...وَلِـمَ (#أَنْكَرَ!) هَؤُلاَءِ الْعَبَاقِرَة (عَلَى حَدِّ تَعْبِير الشَّيْخ الزَّوَاوِي) الْكَلاَم فِي (#مَــعْنَى!) الاِسْتِوَاء ("عِلْم الْكَلاَم" فِي سِيَاقِ كَلاَمِ الشَّيْخ الزَّوَاوِي) إِذَا كَانَ هَذَا الْـمَعْنَى مَعْرُوفًا وَمَعْلُومًا لَدَيْهِم؟!...وَإِذَا كَانَ الاِسْتِوَاء هُوَ: (#الْاِسْـتِقْرَار!) وَ(#الْجُـلُوس!) وَالعُلُوّ بِـ: (#الْـمَكَانِ!) كَـمَا يَدَّعِي (#الْتَّــيْمِيَّة!) الْـمُجَسِّمَة، فَمَا الَّذِي مَنَعَ الإِمَام مَالِك مِنْ إِتْحَافِ السَّائِل بِهَذِهِ (التَّفَاسِيرِ!) (السَّلَفِيَّةِ!) فِي وَقْتٍ يُوَجِّبُ عَلَيْهِ الشَّارِعُ الحَكِيم تَبْلِيغ أَمَانَة الْعَقِيدَة الْصَّحِيحَة لِلْمُسْتَرْشِدِينَ وَالْسَّائِلِينَ؟!...الخ؟!
ثَانِيًا: هَذَا الْكَلاَم مِنْ الْشَّيْخ الزَّوَاوِي يَعْكِسُ تَبَرُّمه الْـمَعْرُوف وَالْـمُتَناقِض أَحْيَانًا! مِنْ الْـخَوْضِ فِي: "عِلْمِ الْكَلاَمِ" خَشْيَة الاِصَابَة بِشَظَايَاه خَاصَّة لِـمَنْ لاَ يُحْسِنُ الْغَوْصَ فِي أَعْمَاقِهِ وَسَبْرَ أَغْوَارِهِ...وَالْغَرِيب أَنَّ الزَّوَاوِي سَجَّل فِي نَفْسِ الْـمَصْدَرِ الْـمَذْكُور إِعْجَابَهُ بِشِعَاراتِ ابْن تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي الطَّنَّانَةِ وَعِبَارَاتِهِ الرَّنَّانَةِ فِي الإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ وَالَّتِي لاَ تَمُتُّ بِكَبِيرِ صِلَةٍ إِلَى حَقِيقَة عَقِيدَة الْرَّجُل عِنْدَ الْتَّمْحِيصِ الْعِلْمِي...فَقَال هُنَاكَ -الشَّيْخ الزَّوَاوِي-: ((وَأَعْجَبَنِي فِي ذَلِكَ كَلاَمُ الـحَنَابِلَةِ الَّذِينَ مِنْهُمْ أَسَدُ العُلَمَاءِ فِي عَصْرِهِ اِبْنُ تَيْمِيَّة فَإِنَّهُم قَالُوا: "نَصِفُ الله بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ لاَ غَيْرَ" وَهُوَ صَوَابٌ))؟!...
وَصُدُورُ مِثْل هَذِهِ التَّزْكِيَّةِ لِعَقِيدَةِ ابْن تَيْمِيَّة الحَرَّانِي فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنْ مَشَايِخِ جَمْعِيَّةِ الْعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْـجَزَائِرِيِّينَ يُعَدُّ كَبْوَة مَنْهَجِيَّة خَطِيرَة...فَهُوَ يُؤَكِّدُ بِـمَكَانٍ عَلَى أَنَّ الْقَوْم -وَلِلْأَسَفِ!- لَيْسُوا عَلَى اطِّلاَعٍ الْبَتَّة عَلَى حَقِيقَة مَذْهَب الرَّجُل فِي الْصِّفَاتِ؟! وَ...الخ؟!...فَابْن تَيْمِيَّة يُثْبِتُ الاِسْتِوَاء عَلَى الْـمَعْنَى اللُّغَوِي الْظَّاهِر أَيْ: (#الْـجُــلُوس!) وَ(#الاِسْــتِقْرَار!) وَ(#الْقُــعُود!) عَلَى الْعَرْشِ الـمُسْتَلْزِم لِإِثْبَاتِ (#الْـمُمَاسَّةِ!) وَ(#الْـمُلاَصَقَةِ!) لَهُ تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ؟! وَلاَ يُفَوِّض الْـمَعْنَى كَمَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ الشَّيْخ الْزَّوَاوِي؟!...ابْن تَيْمِيَّة يُفَوِّضُ فَقَط (#هَـــيْئَة!) (#الْـــجُلُوس!) وَ(#الاِسْـــتِقْرَارِ!) وَهُوَ مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ بِتَفْوِيضِ الْكَيْفِيَّةِ؟! بَلْ إنَّ التَّفْوِيض عِنْدَ الْـحَرَّانِي مِنْ شرِّ أَقْوَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ كَمَا تَجِدْهُ فِي بَيَانِ تَلْبِيسِهِ وَغَيْرهَا مِنْ تَوَالِيفِهِ؟!...وَعَلَى هَذَا الحُكْم الأَخِير مِنْ الحَرَّانِي يَكُونُ لِلْشَّيْخ الزَّوَاوِي وَأَصْحَابه مِنْ الْـجَمْعِيَّة أَوْفَر نَصِيبٍ مِنْهُ؟!...الخ؟!
ثَالِثًا: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي: ((الْـحَمْدُ للهِ الْـمُتَّصِفِ بِالْـكَمَالِ الْدَّائِمِ #بِلاَ_زَوَالٍ، الْـمُسْتَحِيلِ عَنْهُ #الْتَّحَوُّلُ_وَالاِنْتِقَالُ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى:11]، وَهُوَ الوَلِـيُّ الكَبِيرُ الـمُتَعَال، ذُو الإِحْسَانِ وَالإِفْضَالِ...وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي صِفَاتِ الذَّاتِ وَالأَفْعَالِ، وَلاَ مُـمَاثِلَ لَهُ بـِمَا يَخْطُرُ بِالبَالِ، وَلاَ ضِدّ وَلاَ نِدّ وَلاَ وَزِير))(5)، فَتَنْزِيهُ اللهِ عَنِ الـحَرَكَةِ وَالاِنْتِقَالِ وَالتَّغَّيُّرِ وَقِيَامِ الحَوَادِثِ بِالْذَّاتِ العَلِيَّةِ هُوَ مُرَادُ الشَّيْخ الزَّوَاوِي بِالْعَقِيدَةِ السَّلَفِيَّةِ، وَهَذِهِ العَقِيدَةُ الـمَذْكُورَةُ هِيَ ذَاتهَا عَقِيدَةِ أَهْل السُّنَّةِ وَالـجَمَاعَةِ: السَّادَة الأَشَاعِرَةِ وَالـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْلِ الـحَدِيثِ...فَهَلْ هَذَا الاِعْتِقَاد يَتَوَافَق مَعَ عَقِيدَة ابْن تَيْمِيَّة الَّذِي أُعْجِبَ بِشِعَارَاتِهِ الشَّيْخ الزَّوَاوِي نَفْسهُ أَمْ هُوَ عَيْن عَقِيدَة: (#الْـنُّفَاة!) وَ(#الْـجَهْمِيَّة!) عِنْدَهُ؟!...
يُتْبَعُ بِإِذْنِ الله...
________
(1) مَقَال: "تَذْكِرةٌ فِي عِلْمِ الكَلاَمِ" عَلَى جَرِيدَةِ: "صَوْت الْـمَسْجِد" :1370هـ-1950م العدد:20، نقلاً عن: [الشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (1 /597-598)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
رد: أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين
#أَضْوَاءٌ_عَلَى_عَقِيدَةِ_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاءِ_الـمُسْلِمِينَ_الـجَزَائِرِيِّينَ 11!
قَالَ رَئِيس جَمْعِيَّة الْعُلَمَاء الْـمُسْلِمِينَ الْـجَزَائِرِيِّينَ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾[الإسراء:57]، مَا نَصُّهُ: (( "#أَقْرَبُ": أَيْ فِي: #الْـمَكَانَةِ_وَالْـمَنْـزِلَةِ، "يَرْجُونَ #رَحْمَتَهُ": يَنْتَظِـرُونَ #إِنْـعَامَـاتِهِ لاِفْتِقَارِهِم إلَيْهِ))(1)
الْتَّعْلِيق:
أَوَّلاً: هَذَا (#تَنْبِيهٌ!) مِنْ الشَّيْخ ابْن بَادِيس عَلَى تَأْوِيل ظَاهِر (#الْقُرْبِ!) مِنْهُ تَعَالَى، وَأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى: #الْــمَكَانَةِ_وَالْــمَنْزِلَةِ فَقَط لاَ أَنَّ (#الْقُرْبَ!) مِنْهُ تَعَالَى يَكُونُ بِـ: (#الْـمَكَانِ!) وَ(#الْجِهَةِ!) أَيْضًا؟!، فَالْقُرْبُ مِنْ اللهِ مَعْنَوِي لاَ حِسَّي كَمَا يَدَّعِي الْـمُجَسِّمَةُ الْتَّيْمِيَّةُ حَيْثُ يَقُولُ الْـمُنَافِحُ عَنْهُم ابْنُ تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي (ت:728هـ): ((الثَّالِثُ: قَوْلُ: أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، الَّذِينَ يُثْبِتُونَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى الْعَرْشِ، وَأَنَّ حَمَلَةَ الْعَرْشِ #أَقْرَبُ_إلَيْهِ مِمَّنْ دُونَهُمْ، وَأَنَّ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا #أَقْرَبُ_إلَى_اللَّهِ مِنْ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عُرِجَ بِهِ إلَى السَّمَاءِ صَارَ #يَزْدَادُ_قُرْبًا_إلَى_رَبِّهِ_بِعُرُوجِهِ_وَصُعُودِهِ؛ وَكَانَ عُرُوجُهُ إلَى اللَّهِ، لَا إلَى مُجَرَّدِ خَلْقٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَنَّ رُوحَ الْمُصَلِّي تَقْرُبُ إلَى اللَّهِ فِي السُّجُودِ، وَإِنْ كَانَ بَدَنُهُ مُتَوَاضِعًا. وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ))(2)؟!
فَرَائِدُ الفَضَاءِ -فَرَضًا!- وِفْقَ تَقْرِيرِ هَذَا الْـمُشَيَّخِ عَلَى الإِسْلاَمِ: يَبْدَأُ بِشَقِّ الْـمَسَافَةِ الْـمَزْعُومَةِ انْطِلاَقًا مِنْ نُقْطَةِ مُعَيَّنَةٍ دَاخِلَ (جِسْم!) هَذَا الْعَالَـمِ (الْـمَحْدُودِ!) وَيَمْضِي صُعُداً لِيَخْرِقَ (حُدُود!) السَّمَاءِ الأُوْلَى فَالْثَّانِيَةِ وَهَكَذَا حَتَّى يَصِلَ إِلَى آخِرِ نُقْطَةٍ مِنْ (حَيِّزِ!) أَوْ (حُدُودِ!) هَذَا الْـعَالَـمِ الْـمَخْلُوقِ وَالَّتِي يَبْدَأُ بَعْدَهَا مُبَاشَرَةً (#حَيِّزُ!) أَوْ (#حُدُودُ!) وَ(#مِسَاحَة!) الْذَّاتِ الْوَاجِبِ جَلَّ وَعَزَّ؟! فَرَبُّ ابْن تَيْمِيَّة: (#مُلاَصِقٌ!) مِنْ جَانِبِهِ الْتَّحْتَانِي تَعَالَى لِلْصَّفْحَةِ الْعُلْيَا مِنَ الْعَالَـمِ أَيْ: الْعَرْش؟!، تَعَالَى اللهُ عَنْ (#الْتَّجْسِيمِ!)...
ثَانِيًا: تَأْوِيلُ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس لِلْرَّحْمَةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى بِلاَزِمِهَا: (("يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ": يَنْتَظِـرُونَ إِنْـعَامَـاتِهِ لاِفْتِقَارِهِم إلَيْهِ))، وَهَذَا وَاضِحٌ وُضُوح الشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ وَلاَ يُنْكِرُهُ إِلاَّ جاحِدٌ أَوْ مُعَانِدٌ...وَلَـمَّا لَـمْ يَكُن هَذَا الْتَّأوِيلُ عَلَى وِفْقِ مَشْرَبِ (#الْتَّيْمِي!) الْـمُعَلِّق عَلَى تَفْسِيرِ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي طَبْعَةِ "دَار الْرَّشِيدِ بِالْجَزَائِرِ" نبَّهَ فِي الْهَامِش هُنَاكَ قَائِلاً: ((أُنْظُر مَا سَيَأْتِي الْتَّعْلِيق عَلَيْهِ فِي 2/15-16 وَ82))(3)؟!
وَلَـمَّا أَصَرَّ الْشَّيخ ابْن بَادِيس عَلَى تَأْوِيلِ الْرَّحْمَة بِلاَزِمِهَا وِفْقَ تَقْرِير الْسَّادَة الأَشَاعِرَة تَعَقَّبهُ الْـمُعَلِّق الْـمَذْكُور وَاتَّهَمَهُ ضِمْنًا بِالْـخُضُوعِ لِتَأْوِيْلاَتِ (#أَهْلِ_الْبِدَعِ)؟! وَالِانْجِرَارِ وَرَاءِ الْـمُخَالِفِينَ لِـمَنْهَجِ الْسَّلَفِ أَهْلِ الْسُّنَّةِ وَالْـجَمَاعَةِ؟!
نَعَمْ؛ فَعِنْدَ تَفْسِير قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾[الْفُرْقَان:6]، قَالَ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس مَا نَصُّهُ: ((رَحِيمًا: دَائِم الْإِفَاضَة بِالْنِّعَمِ))(4)...فَهَرْوَلَ الْـمُعَلِّق (التَّيْمِيُّ!) لِتَسْجِيلِ امْتِعَاضِهِ وَمُعَارَضَتِهِ، فَقَالَ(هَذَا مِنْ تَفْسِيرِ اللَّفْظِ #بِلاَزِمِهِ، وَهُو مِنْ #تَأْوِيلِ_الْأَشَاعِرَةِ وَغَيْرهم لِأَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ، #الْـمُخَالِفِ_لِـمَنْهَجِ_الْسَّلَفِ_أَهْلِ_الْسُّنَّة_وَالْجَمَاعَةِ، الْقَائِم عَلَى إِثْبَاتِ مَا أَثْبَتَهُ الله لِنَفْسِهِ فِي الكِتَابِ والسُّنَّة الصَّحِيحَة مِنَ الأَسْمَاءِ والصِّفَاتِ، دُونَ تَأْوِيلٍ أَوْ تَعْطِيلٍ أَوْ تَشْبِيهٍ أَوْ تَمْثِيلٍ...)).بِحُرُوفِهِ(5)؟!
وَهَكَذَا كَانَ الْشَّأْن طِوَال تَأْوِيْلاَتِ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس لِلْرَّحْمَةِ بِلاَزِمِهَا، فَفِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾[الفرقان:63]، تَأَوَّلَ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس فَقَالَ: ((الْرَّحْمَٰن: الْـمُنْعِمُ الَّذِي تَتَجَدَّدُ نِعَمُهُ فِي كُلِّ آنٍ))(6)، سَارَعَ (الْـتَّيْمِي) فِي لَوْكِ نَفْس الدَّنْدنَةِ الْـمَعْرُوفَةِ وَالشَّنْشَنَةِ الْـمَفْضُوحَةِ، فَقَالَ (تَقَدَّم (ص15-16) أنَّ هَذَا #مِنْ_تَأْوِيلِ_الْأَشَاعِرَةِ_الْـمُخَالِفِ_لِـمَا_كَانَ_عَلَيْهِ_الْسَّلَفِ، فَانْظُر مَا عَلَّقْنَاهُ هُنَاكَ، وَاللهُ الْـمُوفِّقُ لاَ رَبَّ سِوَاهُ وَلاَ إِلَهَ غَيْرهُ)).بِحُرُوفِهِ(7) فَعَقِيدَة الشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي الْصِّفَاتِ ((#مُخَالِفَةٌ!)) لِعَقِيدَةِ الْسَّلَفِ وِفْقَ تَقْرِيرِ (الْتَّيْمِي!)؟!
وأَيْضًا فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلاَ: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[الفرقان:70]، قَالَ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس: ((الْرَّحِيمُ: الْـمُنْعِمُ الْدَّائِمُ الْإِنْعَامِ))( فَتَعَقَّبَهُ (الْـتَّيْمِي!)كَعَادَتِهِ وَقَالَ: ((أُنْظُر #لِزَامًا مَا عَلَّقْنَاهُ ص: 16-15 وَ82)).بِحُرُوفِهِ(9)؟!، وَأَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الْرَّحِيمِ﴾[يس:5]، قَالَ الْشَّيْخ ابْنُ بَادِيس: ((الْرَّحِيم: الْـمُنْعِم الْدَّائِم الْإِنْعَامِ وَالْإِحْسَانِ))(10) تَعقَّبَهُ (الْـتَّيْمِي!): ((أُنْظُر #لِـزَامًا مَا عَلَّقْنَاهُ ص: 16-15 و82))(11)؟!
وَهَكَذَا؛ فَتَأْوِيل الْظَّوَاهِر الْـمُوهِمَة لِلْتَّشْبِيهِ مَنْهَجٌ سَلِيمٌ وِفْقَ مُؤَدَّى الاِجْتِهَادِ حَسْبَ نَظَرِ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس...وَلَكِنَّهُ عَيْن مَنْهَجِ (#الْمُبْتَدِعَةِ!) عِنْدَ الْتَّيْمِيَّة وَالْوَهَّابِيَّة مِنْ أَدْعِيَاء الْسَّلَفِيَّة؟!...وَاسْتَمِع لِشَيْخ الْوَهَّابِيَّة ابْن الْعُثَيْمِين وَهُوَ يُجَلِّي هَذِهِ الْحَقِيقَة حَيْثُ قَالَ وَبِيسَ مَا قَالَ: ((هُنَاكَ مُبْتَدِعَةٌ لاَ يُثْبِتُونَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِالرَّحْمَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ القُرْآنَ مَمْلُوءٌ مِنْ هَذِهِ الصِّفَة للهِ...فَيَقُولُونَ -الْـمُبْتَدِعة-: إِنَّ الله تَعَالَى لَيْسَ لَهُ رَحْمَةٌ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالرَّحْمَةِ، وَالـمُرَادُ بِرَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى إِحْسَانَهُ إِلَى الـخَلْقِ فَقَط. فَيُفَسِّرُونَ هَذِهِ الصِّفَةَ بِآثَارِهَا دُونَ اِتِّصَاف اللهِ تَعَالَى بِهَا، أَوْ يَقُولُونَ: الـمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ إِرَادَة الإِحْسَانِ إِلَى الـخَلْقِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِرَادَة الإِحْسَان ثَمْرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ الرَّحْمَة، فَهَؤُلاَءِ لاَ يُمْكِنهُمْ إِنْكَار رَحْمَته مِنْ حَيْثُ الثُّبُوت، لَكِنْ أَنْكَرُوهَا مِنْ حَيْثُ التَّأْوِيل، وَقَالُوا: الـمُرَادُ بِهَا كَذَا كَذَا))(12)؟!
يُتْبَعُ بِإِذْنِ اللهِ...
________________________
(1) الآثَار (1/159)، وَزَارَة الثَّقَافَة-الجَزَائِر، والْشِّهَاب: ج 12 م 6، شَعْبَان: 1349هـ-جَانْفِي:1930م
(2) مَجْمُوعُ فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (6/، دَار الْوَفَاء لِلْطِّبَاعَةِ والْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ -ج.م.ع- الْـمَنْصُورَة، الْطَّبْعَةُ الثَّالِثَةِ
(3) تَفْسِيرُ ابْنِ بَادِيس (هَامِش: 1/300)، اعْتَنَى بِهِ وَخَرَّجَ أَحَادِيثَهُ وَآثَاره أَبُو عَبْد الْرَّحْمَن مَحْمُود، دَارُ الْرَّشِيد لِلْكِتَابِ وَالْنَّشْرِ-الجَزَائِر
(4) الآثَار (1/231)، وَزَارَة الثَّقَافَة-الجَزَائِر، وَالْشِّهَاب: ج 3 م 13، رَبِيع الأَوَّل:1356هـ-مَاي:1937م
(5) تَفْسِيرُ ابْنِ بَادِيس (هَامِش: 2/15-16)، اعْتَنَى بِهِ وَخَرَّجَ أَحَادِيثَهُ وَآثَاره أَبُو عَبْد الْرَّحْمَن مَحْمُود، دَارُ الْرَّشِيد لِلْكِتَابِ وَالْنَّشْرِ-الجَزَائِر
(6) الآثَار (1/271)، وَزَارَة الثَّقَافَة-الجَزَائِر، وَالْشِّهَاب: ج 6 م 8، صَفَر: 1351هـ-جوَان:1932م
(7) تَفْسِيرُ ابْنِ بَادِيس (هَامِش: 2/82)، اعْتَنَى بِهِ وَخَرَّجَ أَحَادِيثَهُ وَآثَاره أَبُو عَبْد الْرَّحْمَن مَحْمُود، دَارُ الْرَّشِيد لِلْكِتَابِ وَالْنَّشْرِ-الجَزَائِر
( الآثَار (1/304)، وَزَارَة الثَّقَافَة-الجَزَائِر، وَالْشِّهَاب: ج 12 م 8، شَعْبَان: 1351هـ-دِيسَمْبَر:1932م
(9) تَفْسِيرُ ابْنِ بَادِيس (هَامِش: 2/143)، اعْتَنَى بِهِ وَخَرَّجَ أَحَادِيثَهُ وَآثَاره أَبُو عَبْد الْرَّحْمَن مَحْمُود، دَارُ الْرَّشِيد لِلْكِتَابِ وَالْنَّشْرِ-الجَزَائِر
(10) الآثَار (1/364)، وَزَارَة الثَّقَافَة-الجَزَائِر، وَالْشِّهَاب: ج 2 م 10، شَوَّال: 1352هـ-جَانْفِي:1934م
(11) تَفْسِيرُ ابْنِ بَادِيس (هَامِش: 2/262)، اعْتَنَى بِهِ وَخَرَّجَ أَحَادِيثَهُ وَآثَاره أَبُو عَبْد الْرَّحْمَن مَحْمُود، دَارُ الْرَّشِيد لِلْكِتَابِ وَالْنَّشْرِ-الجَزَائِر
(12) فَتَاوَى نُورٌ عَلَى الدَّرْبِ لاِبْن الْعُثَيْمِين (1/688-689)، مِنْ إِصْدَارَات مُؤَسَّسَة مُحَمَّد بن صَالِح الْعُثَيْمِين الْـخَيْرِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: رَبِيع الأَوَّل 1434هـ
قَالَ رَئِيس جَمْعِيَّة الْعُلَمَاء الْـمُسْلِمِينَ الْـجَزَائِرِيِّينَ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾[الإسراء:57]، مَا نَصُّهُ: (( "#أَقْرَبُ": أَيْ فِي: #الْـمَكَانَةِ_وَالْـمَنْـزِلَةِ، "يَرْجُونَ #رَحْمَتَهُ": يَنْتَظِـرُونَ #إِنْـعَامَـاتِهِ لاِفْتِقَارِهِم إلَيْهِ))(1)
الْتَّعْلِيق:
أَوَّلاً: هَذَا (#تَنْبِيهٌ!) مِنْ الشَّيْخ ابْن بَادِيس عَلَى تَأْوِيل ظَاهِر (#الْقُرْبِ!) مِنْهُ تَعَالَى، وَأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى: #الْــمَكَانَةِ_وَالْــمَنْزِلَةِ فَقَط لاَ أَنَّ (#الْقُرْبَ!) مِنْهُ تَعَالَى يَكُونُ بِـ: (#الْـمَكَانِ!) وَ(#الْجِهَةِ!) أَيْضًا؟!، فَالْقُرْبُ مِنْ اللهِ مَعْنَوِي لاَ حِسَّي كَمَا يَدَّعِي الْـمُجَسِّمَةُ الْتَّيْمِيَّةُ حَيْثُ يَقُولُ الْـمُنَافِحُ عَنْهُم ابْنُ تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي (ت:728هـ): ((الثَّالِثُ: قَوْلُ: أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، الَّذِينَ يُثْبِتُونَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى الْعَرْشِ، وَأَنَّ حَمَلَةَ الْعَرْشِ #أَقْرَبُ_إلَيْهِ مِمَّنْ دُونَهُمْ، وَأَنَّ مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا #أَقْرَبُ_إلَى_اللَّهِ مِنْ مَلَائِكَةِ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عُرِجَ بِهِ إلَى السَّمَاءِ صَارَ #يَزْدَادُ_قُرْبًا_إلَى_رَبِّهِ_بِعُرُوجِهِ_وَصُعُودِهِ؛ وَكَانَ عُرُوجُهُ إلَى اللَّهِ، لَا إلَى مُجَرَّدِ خَلْقٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَنَّ رُوحَ الْمُصَلِّي تَقْرُبُ إلَى اللَّهِ فِي السُّجُودِ، وَإِنْ كَانَ بَدَنُهُ مُتَوَاضِعًا. وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ))(2)؟!
فَرَائِدُ الفَضَاءِ -فَرَضًا!- وِفْقَ تَقْرِيرِ هَذَا الْـمُشَيَّخِ عَلَى الإِسْلاَمِ: يَبْدَأُ بِشَقِّ الْـمَسَافَةِ الْـمَزْعُومَةِ انْطِلاَقًا مِنْ نُقْطَةِ مُعَيَّنَةٍ دَاخِلَ (جِسْم!) هَذَا الْعَالَـمِ (الْـمَحْدُودِ!) وَيَمْضِي صُعُداً لِيَخْرِقَ (حُدُود!) السَّمَاءِ الأُوْلَى فَالْثَّانِيَةِ وَهَكَذَا حَتَّى يَصِلَ إِلَى آخِرِ نُقْطَةٍ مِنْ (حَيِّزِ!) أَوْ (حُدُودِ!) هَذَا الْـعَالَـمِ الْـمَخْلُوقِ وَالَّتِي يَبْدَأُ بَعْدَهَا مُبَاشَرَةً (#حَيِّزُ!) أَوْ (#حُدُودُ!) وَ(#مِسَاحَة!) الْذَّاتِ الْوَاجِبِ جَلَّ وَعَزَّ؟! فَرَبُّ ابْن تَيْمِيَّة: (#مُلاَصِقٌ!) مِنْ جَانِبِهِ الْتَّحْتَانِي تَعَالَى لِلْصَّفْحَةِ الْعُلْيَا مِنَ الْعَالَـمِ أَيْ: الْعَرْش؟!، تَعَالَى اللهُ عَنْ (#الْتَّجْسِيمِ!)...
ثَانِيًا: تَأْوِيلُ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس لِلْرَّحْمَةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى بِلاَزِمِهَا: (("يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ": يَنْتَظِـرُونَ إِنْـعَامَـاتِهِ لاِفْتِقَارِهِم إلَيْهِ))، وَهَذَا وَاضِحٌ وُضُوح الشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ وَلاَ يُنْكِرُهُ إِلاَّ جاحِدٌ أَوْ مُعَانِدٌ...وَلَـمَّا لَـمْ يَكُن هَذَا الْتَّأوِيلُ عَلَى وِفْقِ مَشْرَبِ (#الْتَّيْمِي!) الْـمُعَلِّق عَلَى تَفْسِيرِ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي طَبْعَةِ "دَار الْرَّشِيدِ بِالْجَزَائِرِ" نبَّهَ فِي الْهَامِش هُنَاكَ قَائِلاً: ((أُنْظُر مَا سَيَأْتِي الْتَّعْلِيق عَلَيْهِ فِي 2/15-16 وَ82))(3)؟!
وَلَـمَّا أَصَرَّ الْشَّيخ ابْن بَادِيس عَلَى تَأْوِيلِ الْرَّحْمَة بِلاَزِمِهَا وِفْقَ تَقْرِير الْسَّادَة الأَشَاعِرَة تَعَقَّبهُ الْـمُعَلِّق الْـمَذْكُور وَاتَّهَمَهُ ضِمْنًا بِالْـخُضُوعِ لِتَأْوِيْلاَتِ (#أَهْلِ_الْبِدَعِ)؟! وَالِانْجِرَارِ وَرَاءِ الْـمُخَالِفِينَ لِـمَنْهَجِ الْسَّلَفِ أَهْلِ الْسُّنَّةِ وَالْـجَمَاعَةِ؟!
نَعَمْ؛ فَعِنْدَ تَفْسِير قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾[الْفُرْقَان:6]، قَالَ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس مَا نَصُّهُ: ((رَحِيمًا: دَائِم الْإِفَاضَة بِالْنِّعَمِ))(4)...فَهَرْوَلَ الْـمُعَلِّق (التَّيْمِيُّ!) لِتَسْجِيلِ امْتِعَاضِهِ وَمُعَارَضَتِهِ، فَقَالَ(هَذَا مِنْ تَفْسِيرِ اللَّفْظِ #بِلاَزِمِهِ، وَهُو مِنْ #تَأْوِيلِ_الْأَشَاعِرَةِ وَغَيْرهم لِأَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ، #الْـمُخَالِفِ_لِـمَنْهَجِ_الْسَّلَفِ_أَهْلِ_الْسُّنَّة_وَالْجَمَاعَةِ، الْقَائِم عَلَى إِثْبَاتِ مَا أَثْبَتَهُ الله لِنَفْسِهِ فِي الكِتَابِ والسُّنَّة الصَّحِيحَة مِنَ الأَسْمَاءِ والصِّفَاتِ، دُونَ تَأْوِيلٍ أَوْ تَعْطِيلٍ أَوْ تَشْبِيهٍ أَوْ تَمْثِيلٍ...)).بِحُرُوفِهِ(5)؟!
وَهَكَذَا كَانَ الْشَّأْن طِوَال تَأْوِيْلاَتِ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس لِلْرَّحْمَةِ بِلاَزِمِهَا، فَفِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾[الفرقان:63]، تَأَوَّلَ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس فَقَالَ: ((الْرَّحْمَٰن: الْـمُنْعِمُ الَّذِي تَتَجَدَّدُ نِعَمُهُ فِي كُلِّ آنٍ))(6)، سَارَعَ (الْـتَّيْمِي) فِي لَوْكِ نَفْس الدَّنْدنَةِ الْـمَعْرُوفَةِ وَالشَّنْشَنَةِ الْـمَفْضُوحَةِ، فَقَالَ (تَقَدَّم (ص15-16) أنَّ هَذَا #مِنْ_تَأْوِيلِ_الْأَشَاعِرَةِ_الْـمُخَالِفِ_لِـمَا_كَانَ_عَلَيْهِ_الْسَّلَفِ، فَانْظُر مَا عَلَّقْنَاهُ هُنَاكَ، وَاللهُ الْـمُوفِّقُ لاَ رَبَّ سِوَاهُ وَلاَ إِلَهَ غَيْرهُ)).بِحُرُوفِهِ(7) فَعَقِيدَة الشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي الْصِّفَاتِ ((#مُخَالِفَةٌ!)) لِعَقِيدَةِ الْسَّلَفِ وِفْقَ تَقْرِيرِ (الْتَّيْمِي!)؟!
وأَيْضًا فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلاَ: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[الفرقان:70]، قَالَ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس: ((الْرَّحِيمُ: الْـمُنْعِمُ الْدَّائِمُ الْإِنْعَامِ))( فَتَعَقَّبَهُ (الْـتَّيْمِي!)كَعَادَتِهِ وَقَالَ: ((أُنْظُر #لِزَامًا مَا عَلَّقْنَاهُ ص: 16-15 وَ82)).بِحُرُوفِهِ(9)؟!، وَأَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الْرَّحِيمِ﴾[يس:5]، قَالَ الْشَّيْخ ابْنُ بَادِيس: ((الْرَّحِيم: الْـمُنْعِم الْدَّائِم الْإِنْعَامِ وَالْإِحْسَانِ))(10) تَعقَّبَهُ (الْـتَّيْمِي!): ((أُنْظُر #لِـزَامًا مَا عَلَّقْنَاهُ ص: 16-15 و82))(11)؟!
وَهَكَذَا؛ فَتَأْوِيل الْظَّوَاهِر الْـمُوهِمَة لِلْتَّشْبِيهِ مَنْهَجٌ سَلِيمٌ وِفْقَ مُؤَدَّى الاِجْتِهَادِ حَسْبَ نَظَرِ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس...وَلَكِنَّهُ عَيْن مَنْهَجِ (#الْمُبْتَدِعَةِ!) عِنْدَ الْتَّيْمِيَّة وَالْوَهَّابِيَّة مِنْ أَدْعِيَاء الْسَّلَفِيَّة؟!...وَاسْتَمِع لِشَيْخ الْوَهَّابِيَّة ابْن الْعُثَيْمِين وَهُوَ يُجَلِّي هَذِهِ الْحَقِيقَة حَيْثُ قَالَ وَبِيسَ مَا قَالَ: ((هُنَاكَ مُبْتَدِعَةٌ لاَ يُثْبِتُونَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِالرَّحْمَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ القُرْآنَ مَمْلُوءٌ مِنْ هَذِهِ الصِّفَة للهِ...فَيَقُولُونَ -الْـمُبْتَدِعة-: إِنَّ الله تَعَالَى لَيْسَ لَهُ رَحْمَةٌ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالرَّحْمَةِ، وَالـمُرَادُ بِرَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى إِحْسَانَهُ إِلَى الـخَلْقِ فَقَط. فَيُفَسِّرُونَ هَذِهِ الصِّفَةَ بِآثَارِهَا دُونَ اِتِّصَاف اللهِ تَعَالَى بِهَا، أَوْ يَقُولُونَ: الـمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ إِرَادَة الإِحْسَانِ إِلَى الـخَلْقِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِرَادَة الإِحْسَان ثَمْرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ الرَّحْمَة، فَهَؤُلاَءِ لاَ يُمْكِنهُمْ إِنْكَار رَحْمَته مِنْ حَيْثُ الثُّبُوت، لَكِنْ أَنْكَرُوهَا مِنْ حَيْثُ التَّأْوِيل، وَقَالُوا: الـمُرَادُ بِهَا كَذَا كَذَا))(12)؟!
يُتْبَعُ بِإِذْنِ اللهِ...
________________________
(1) الآثَار (1/159)، وَزَارَة الثَّقَافَة-الجَزَائِر، والْشِّهَاب: ج 12 م 6، شَعْبَان: 1349هـ-جَانْفِي:1930م
(2) مَجْمُوعُ فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (6/، دَار الْوَفَاء لِلْطِّبَاعَةِ والْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ -ج.م.ع- الْـمَنْصُورَة، الْطَّبْعَةُ الثَّالِثَةِ
(3) تَفْسِيرُ ابْنِ بَادِيس (هَامِش: 1/300)، اعْتَنَى بِهِ وَخَرَّجَ أَحَادِيثَهُ وَآثَاره أَبُو عَبْد الْرَّحْمَن مَحْمُود، دَارُ الْرَّشِيد لِلْكِتَابِ وَالْنَّشْرِ-الجَزَائِر
(4) الآثَار (1/231)، وَزَارَة الثَّقَافَة-الجَزَائِر، وَالْشِّهَاب: ج 3 م 13، رَبِيع الأَوَّل:1356هـ-مَاي:1937م
(5) تَفْسِيرُ ابْنِ بَادِيس (هَامِش: 2/15-16)، اعْتَنَى بِهِ وَخَرَّجَ أَحَادِيثَهُ وَآثَاره أَبُو عَبْد الْرَّحْمَن مَحْمُود، دَارُ الْرَّشِيد لِلْكِتَابِ وَالْنَّشْرِ-الجَزَائِر
(6) الآثَار (1/271)، وَزَارَة الثَّقَافَة-الجَزَائِر، وَالْشِّهَاب: ج 6 م 8، صَفَر: 1351هـ-جوَان:1932م
(7) تَفْسِيرُ ابْنِ بَادِيس (هَامِش: 2/82)، اعْتَنَى بِهِ وَخَرَّجَ أَحَادِيثَهُ وَآثَاره أَبُو عَبْد الْرَّحْمَن مَحْمُود، دَارُ الْرَّشِيد لِلْكِتَابِ وَالْنَّشْرِ-الجَزَائِر
( الآثَار (1/304)، وَزَارَة الثَّقَافَة-الجَزَائِر، وَالْشِّهَاب: ج 12 م 8، شَعْبَان: 1351هـ-دِيسَمْبَر:1932م
(9) تَفْسِيرُ ابْنِ بَادِيس (هَامِش: 2/143)، اعْتَنَى بِهِ وَخَرَّجَ أَحَادِيثَهُ وَآثَاره أَبُو عَبْد الْرَّحْمَن مَحْمُود، دَارُ الْرَّشِيد لِلْكِتَابِ وَالْنَّشْرِ-الجَزَائِر
(10) الآثَار (1/364)، وَزَارَة الثَّقَافَة-الجَزَائِر، وَالْشِّهَاب: ج 2 م 10، شَوَّال: 1352هـ-جَانْفِي:1934م
(11) تَفْسِيرُ ابْنِ بَادِيس (هَامِش: 2/262)، اعْتَنَى بِهِ وَخَرَّجَ أَحَادِيثَهُ وَآثَاره أَبُو عَبْد الْرَّحْمَن مَحْمُود، دَارُ الْرَّشِيد لِلْكِتَابِ وَالْنَّشْرِ-الجَزَائِر
(12) فَتَاوَى نُورٌ عَلَى الدَّرْبِ لاِبْن الْعُثَيْمِين (1/688-689)، مِنْ إِصْدَارَات مُؤَسَّسَة مُحَمَّد بن صَالِح الْعُثَيْمِين الْـخَيْرِيَّة، الطَّبْعَة الأُولَى: رَبِيع الأَوَّل 1434هـ
رد: أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين
#أَضْوَاءٌ_عَلَى_عَقِيدَةِ_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاءِ_الـمُسْلِمِينَ_الـجَزَائِرِيِّينَ 12!
(فِي هَذَا الْـمَقَال بَيَان تَهَافُتِ مَنْهَجِ بَعْض الدَّكَاتِرَةِ الْوَهَّابِيَة فِي الْعَقِيدَةِ عِنْدَنَا فِي الْجَزَائِر...وَبِالْخُصُوصِ: "الدُّكْتُور فَرْكُوس"؟!)
فِي تَفْسِير الْشَّيْخ ابْن بَادِيس عَلَى الْـحَدِيث الْـمَعْرُوف وَالَّذِي نَصُّهُ: "عَن أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ فَلَمَّا وَقَفَا عَلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَا فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ: فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ"...قَالَ -الْشَّيْخ ابْن بَادِيس-: ((آوَاهُ: آوَاهُ أَنْزَلَهُ مَنْزِلَهُ وَأَدْخَلَهُ مَسْكَنَهُ، #وَآوَاهُ_اللهُ: #قَبِلَهُ_وَضَمَّهُ_إِلَى_أَهلِ_مَجْلِسِ_ذِكْرِهِ #وَأَنَالَهُ_مَا_يُنِيلهُم_مِنْ_رَحْمَتِهِ. اِسْتَحْيَا: الْـحَيَاء #تَغَيُّرٌ_وَانْكِسَارٌ يَعْتَرِي الإِنْسَان عِنْدَ خَوْفِ مَا يُذَمُّ بِهِ أَوْ يُلاَمُ عَلَيْهِ فَيَمْنَعهُ مِنْهُ، فَاسْتَحْيَا هذَا مَعْنَاهُ: اِمْتَنَعَ مِنْ الْذَّهَابِ كَمَا ذَهَبَ صَاحِبهُ أَوْ تَرَكَ الْـمُزَاحَمَة فِي الْـحَلْقَةِ. #فَاسْتَحْيَا_اللَّهُ_مِنْهُ: #تَرَكَ_عِقَابَهُ_وَلَمْ_يَحْرِمهُ_مِنْ_ثَوَابٍ. أَعْرَضَ: اِلْتَفَتَ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَذَهَبَ إِلَيْهَا. #فَأَعْرَضَ_اللَّهُ_عَنْهُ: #حَرَمَهُ_مِنَ_الْثَّوَابِ))(1)
الْتَّعْقِيب:
أَوَّلاً: صَرْفُ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس صِفَات: "الاِسْتِحْيَاءِ" وَ "الإِعْرَاضِ" وَ "الإِيوَاءِ" فِي حَقِّهِ جَلَّ وَعَزَّ عَنْ ظَوَاهِرِهَا اللُّغَوِيَّة الْـمَعْرُوفَةِ، وَاقْتِصَارِهِ عَلَى تَفْسِيرِهَا بِلَوَازِمِهَا مِنْ دُونِ تَعْرِيجٍ مِنْهُ عَلَى إِرَادَةِ أَصْلِ الْـمَعْنَى فِي مِثْلِ هَذَا الْـمَقَامِ الَّذِي يَقْتَضِي الْبَيَان وَنُصْرَة طَرِيقَة أَهْلِ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ الْصِّفَاتِ، دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ تَأْوِيل الْظَّوَاهِر الْـمُوهِمَة لِلْتَّشْبِيهِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى وِفْقِ مَا جَاءَ فِي أَحَدِ طَرِيقَي أَهْلِ الْسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْسَّادَة الْأَشَاعِرَة وَالْـمَاتُرِيدِيَّة وَفُضَلاَء أَهْلِ الْحَدِيث فِي الْإِثْبَاتِ، هُوَ طَرِيقٌ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ الْرَّجُل...
قَالَ الْحَافِظ جَلاَل الْدِّين الْسُّيُوطِي (ت:911هـ) مُوَضِّحًا هَذِهِ الْقَاعِدَة السُّنِّيَّة الْسَّنِيَّة فِي التَّنْزِيهِ وَالَّتِي نَسَجَ عَلَى مِنْوَالِهَا الْشَّيْخ ابْن بَادِيس، مَا نَصُّهُ: ((وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: كُلُّ صِفَةٍ #يَسْتَحِيلُ_حَقِيقَتُهَا_عَلَى_اللَّهِ تَعَالَى #تُفَسَّرُ_بِلَازِمِهَا، قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: جَمِيعُ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ -أَعْنِي : الرَّحْمَةَ وَالْفَرَحَ وَالسُّرُورَ وَالْغَضَبَ وَالْحَيَاءَ وَالْمَكْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ-: لَهَا أَوَائِلُ وَلَهَا غَايَاتٌ، مِثَالُهُ: الْغَضَبُ، فَإِنَّ أَوَّلَهُ: غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ، وَغَايَتُهُ: إِرَادَةُ إِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ، فَلَفْظُ الْغَضَبِ فِي حَقِّ اللَّهِ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَوَّلِهِ الَّذِي هُوَ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ، بَلْ عَلَى غَرَضِهِ الَّذِي هُوَ إِرَادَةُ الْإِضْرَارِ. وَكَذَلِكَ: الْحَيَاءُ، لَهُ أَوَّلٌ وَهُوَ: انْكِسَارٌ يَحْصُلُ فِي النَّفْسِ، وَلَهُ غَرَضٌ وَهُوَ: تَرْكُ الْفِعْلِ، فَلَفْظُ الْحَيَاءِ فِي حَقِّ اللَّهِ يُحْمَلُ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ لَا عَلَى انْكِسَارِ النَّفْسِ.انْتَهَى))(2)...
فَالسَّادَة الْأَشَاعِرَة يُثْبِتُونَ صِفَات الأَفْعَال كَالْغَضَب وَالْرِّضَى وَغَيْرهَا، وَلَكِنَّهُم يَنْفُونَ الْـمَعْنَى الْبَاطِل عَنْهَا وَهُوَ هُنَا: الْاِنْفِعَال وَالْتَّغَيُّر، فِي حِين يُفَسِّرُونَ الْصِّفَة بِلَوَازِمِهِا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مِنَ الْنَّقْلِ. وَهَذَا مَا عَبَّرَ عَنْهُ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس بِقَوْلِهِ: ((اِسْتَحْيَا: #الْـحَيَاء_تَغَيُّرٌ_وَانْكِسَارٌ يَعْتَرِي الإِنْسَان عِنْدَ خَوْفِ مَا يُذَمُّ بِهِ أَوْ يُلاَمُ عَلَيْهِ فَيَمْنَعهُ مِنْهُ)) فَالظَّاهِر اللُّغَوِي لِلاِسْتِحْيَاء تَغَيُّرٌ وَقَوْلٌ بِحُلُولِ الْحَوَادِثِ فِي الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ، وَهَذَا الْـمَعْنَى يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ جَلَّ شَأْنُهُ، فَسُبْحَانَ مَنْ يُغَيِّر وَلاَ يَتَغَيَّر، لِأَجْلِ هَذَا الْتَّنْزِيه فَسَّرَ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس الاِسْتِحْيَاء فِي حَقِّ الْـمَخْلُوق بِظَاهِرِهِ اللُّغَوِي أَيْ: بِالْتَّغَيُّر الَّذِي يَحْدُث فِي نَفْسيَّةِ الاِنْسَانِ، فِي حِين نَفَى هَذَا الْتَّغَيُّر عَنْ اللهِ فَفَسَّرَ الاِسْتِحْيَاء وَالْصِّفَات الأُخْرَى فِي حَقِّ الْخَالِقِ بِلَوَازِمِهَا فَقْط مِنْ دُونِ زِيَادَةٍ، فِي مَقَامٍ يَقْتَضِي مِنْهُ الْتَّنْصِيص عَلَى مَا يُسَمِّيهِ الْـمُخَالِف بِـ: (الْصِّفَاتِ!)؟ !وَقَدْ تَقَرَّرَ بِأنَّهُ: لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ وَالْسُّكُوت فِي مَعْرِضِ الْحَاجَةِ بَيَانٌ...وَكُلُّ هَذَا: تَأْوِيلٌ سَاطِعٌ مِنْ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس وَتَنْزِيهٌ قَاطِعٌ للهِ عَنْ قِيَامِ الْحَوَادِثِ...
ثَانِيًا: لَـمْ يَكُن الْشَّيْخ ابْن بَادِيس بِدْعًا فِي تَأْوِيلاَتِهِ هَذِهِ بَلْ هُوَ مُتَّبِعٌ لِجَهَابِذَة عُلَمَاء الإِسْلاَم...وَنَذْكُر مِنْهُم عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ لاَ الْحَصْرِ:
قَالَ الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر (ت:463هـ): ((وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ "آوَى إِلَى اللَّهِ" يَعْنِي فَعَلَ مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ فَحَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ مِنَ اللَّهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلاَم: "الْدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا مَا آوَى إِلَى اللَّهِ" يَعْنِي: مَا كَانَ لِلَّهِ وَرَضِيَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْثَّانِي فَاسْتَحْيَ "فَاسْتَحْيَ اللَّهُ مِنْهُ" فَهُوَ: مِنِ اتِّسَاعِ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي أَلْفَاظِهِمْ وَفَصِيحِ كَلَامِهِمْ وَالْمَعْنَى فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ اسْتَحْيىَ اللَّهُ مِنْهُ لَمْ يُعَذِّبْهُ بِذَنْبِهِ وَغَفَرَ لَهُ بَلْ لَمْ يُعَاتِبْهُ عَلَيْهِ فَكَانَ الْمَعْنَى فِي الْأَوَّلِ أَنَّ فِعْلَهُ أَوْجَبَ لَهُ حَسَنَةً وَالْآخَرُ أَوْجَبَ لَهُ فِعْلُهُ مَحْوَ سَيِّئَةٍ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الثَّالِثِ فَأَعْرَضَ "فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ" فَإِنَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَرَادَ أَعْرَضَ عَنْ عَمَلِ الْبِرِّ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْثَّوَابِ))(3)...
وَقَالَ حَافِظ الْدُّنْيَا ابْن حَجَر الْعَسْقَلاَنِي (ت:852هـ): ((وَمَعْنَى "فَآوَاهُ اللَّهُ" أَيْ: جَازَاهُ بِنَظِيرِ فِعْلِهِ بِأَنْ ضَمَّهُ إِلَى رَحْمَتِهِ وَرِضْوَانِهِ،...قَوْلُهُ "فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ" أَيْ: رَحِمَهُ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ. قَوْلُهُ: "فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ" أَيْ: سَخِطَ عَلَيْهِ،...وَإِطْلَاقُ الْإِعْرَاضِ وَغَيْرِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ وَالْمُشَاكَلَةِ، فَيُحْمَلُ كُلُّ لَفْظٍ مِنْهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَفَائِدَةُ إِطْلَاقِ ذَلِكَ بَيَانُ الْشَّيْءِ بِطَرِيقٍ وَاضِحٍ))(4)...
ثَالِثًا: حَاوَلَ الْدُّكْتُور الْوَهَّابِي فَرْكُوس إِيْجَاد مَخْرَجٍ لِهَذِهِ الْتَّأْوِيلاَتِ مِنْ الْشَيْخ ابْن بَادِيس...فَادَّعَى فِي فَتْوَى لَهُ مَنْشُورَة عَلَى مَوْقِعهِ الْإِلِكْتْرُونِي مَا يَعْكِسُ الْمَنْهَج (الْزِّئْبَقِي!) (الْـمُهَلْهَل!) عِنْدَ الْقَوْم...وَهَا نَحْنُ نَذْكُرُ بَعْض مَا نَحْتَاجهُ فِي مَوْضُوعِنَا هَذَا ثُـمَّ نُعَقِّبُ عَلَيْهِ بِمَا يَلِيق...
اسْتَهَلَّ الْوَهَّابِي كَلاَمهُ بِالتَّأْكِيدِ عَلَى إِثْبَاتِ هَذِهِ الْصِّفَاتِ فَقَالَ: ((فَالحديثُ المذكورُ يدلُّ على إثباتِ صفتَيِ الاستحياءِ والإعراضِ للهِ تعالى على وجهٍ لا نَقْصَ فيه كما يَلِيقُ بجلالِه وعظمتِه، و"الحييُّ" اسْمٌ مِن أسمائِه سبحانَه وتعالى... وصفةُ الاستحياءِ والإعراضِ وغيرها ـ في النصوصِ الشرعيةِ ـ هي صفاتٌ حقيقيةٌ يُوصَفُ بها ربُّنا سبحانَه وتعالى على ما يَلِيقُ به، ولا يَلْزَمُ مِن إثباتِها ووصفِه بها تشبيهُه بالمخلوقاتِ ولا تمثيلُه بها))(5) ثُـمَّ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ: ((فاستحياؤُه سبحانَه ليس كاستحياءِ المخلوقين، #الذي_هو_تغيُّرٌ_وانكسارٌ يعتري الشخصَ عند خوفِ ما يُعابُ أو يُذَمُّ، وليس إعراضُه سبحانَه كإعراضِ المخلوقين، الذي هو الصدُّ عن المُعْرَضِ عنه والذهابُ عَرْضًا وطولًا؛ فإنَّ هذه الحالاتِ مِن الأمورِ الفطريةِ الإنسانيةِ التي لا تَلِيقُ باللهِ عزَّ وجلَّ...))(6)
وَهَذَا الْتَّقْرِير مِنْ هَذَا الدُّكْتُور: قِمَّةٌ فِي الْتَّنَاقُضِ مَعَ مَذْهَبِهِ الَّذِي يُنَافِح عَنْهُ؟!...فَحَمْلُ الْصِّفَاتِ فِي حَقِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى ظَاهِرِهَا اللُّغَوِي الْـمَعْرُوف هُوَ أَصْلٌ أَصِيلٌ فِي مَذْهَبِ الْتَّيْمِيَّةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْقَاصِي وَالْدَّانِي...وَلَكِنَّ الْرَّجُل حَاوَلَ التَّنَكُّرَ هَهُنَا لِـمَذْهَبِهِ هَذَا الَّذِي طَالَـمَا دَنْدَنَ حَوْلَهُ؟!...لِذَلِكَ تَجِدْهُ مِنْ جِهَةٍ يُصَرِّحُ بِحَمْلِ الْصِّفَاتِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى عَلَى ظَاهِرِهَا اللُّغَوِي الْـمَعْرُوف: كَحَمْلِهِ الاِسْتِوَاء عَلَى الاِسْتِقْرَارِ وَالْجُلُوسِ وَالْعُلُوِّ الْحِسِّي؟! وَهُوَ مَا يَقْضِي بِإِثْبَاتِ هَذَا الْرَّجُل لِلْتَّغَيُّر فِي الْذَّاتِ الْعَلِيَّةِ لِأَنَّ "الاِسْتِقْرَار" صِفَةٌ حَادِثَةٌ طَرَأَت عَلَى اللهِ بَعْد خَلْقِ الْعَرْشِ؟! وَكَذَلِكَ قُل فِي الْنُّزُولِ وَالَّذِي هُوَ (حَرَكَةٌ!) وِفْقَ أُصُولِهِ وَعِنْدَ قَوْمِهِ؟!...وَكَذَلِكَ حَمْله "الْيَد" وَ"الْسَّاق" وَغَيْرهَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَعْضَاء وَالْجَوَارِح وَالأَجْزاء الَّتِي لاَ تَنْفَصِل أَزَلاً وَأَبَداً؟! وَقَوْله أَيْضًا بِقِيَامِ الْحَوَادِث بِالْذَّاتِ الْعَلِيَّة؟!...وَالآن وَلَـمَّا تَعَلَّقَ الأَمْر بِالْشَّيخ ابْن بَادِيس تَنَكَّرَ الْرَّجُل لِـطِرِيقِهِ الْـمَشِين هَذَا فِي (الْتَّشْبِيهِ!) وَ(الْتَّجْسِيمِ!) وَ(نَاقَضَ!) نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ وَحَاوَلَ (الْتَّلْبِيسَ!) وَكَأَنَّهُ يُوَافِقُ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي تَنْزِيه الله عَنْ لُحُوق (الْتَّغَيُّر!) بِذَاتِهِ جَلَّ وَعَزَّ؟!...وَرُبَّمَا يَخْرُج عَلَيْنَا أَحَدُ الْـمُغْرَمِينَ بِالْسَّفْسَطَةِ وَيَدَّعِي أَنَّ الرَّجُلَ نَفَى الْتَّغَيُّر بِقَيْدٍ وَلَـمْ يَنْفِ مُطْلَقَ الْتَّغَيُّر عَنْ ذَاتِ الْوَاجِب؟!...
وَإِنْ تَعْجَب فَاعْجَب لِقَوْلِ الْوَهَّابِي بَعْدَ ذَلِكَ: ((هذا، والمعطِّلةُ الذين عَدَلوا عن ظاهِرِ اللفظ مِن غيرِ مُوجِبٍ إنَّما دَفَعَهم تَوَهُّمُهم أنَّ إثباتَ صفتَيِ الاستحياءِ والإعراضِ يَسْتَلْزِمُ التشبيهَ والتمثيلَ؛ لذلك مَنَعوا أَنْ يُوصَفَ ربُّنا عزَّ وجلَّ بهاتين الصفتين وغيرِهما مِن الصفاتِ على جهةِ الحقيقةِ، بل أوَّلوها بما تَسْتَلْزِمُهُ مِن مَعَانٍ ومُقْتَضَياتٍ))(7)؟!...
وَلَكَ أَنْ تَتَسَاءَل بِحَقٍّ: مَنْ عَدَلَ عَنْ ظَاهِر اللَّفْظ؟! حَضْرَة الْدُّكْتُور الَّذِي رَفَضَ تَفْسِير الاِسْتِحْيَاء فِي حَقِّهِ تَعَالَى بِظَاهِرِهِ اللُّغَوِي أَيْ: الْتَّغَيُّرِ أَمْ مَنْ يُسَمِّيهِم بِـ: (الْـمُعَطِّلَة!)؟!...ثُمَّ مَا الَّذِي مَنَعَ هَذَا الْوَهَّابِي مِنْ إِيرَادِ مَعْنَى: "الاِسْتَحْيَاء" وَ"الإِعْرَاضِ" وَ"الإِيوَاءِ" فِي حَقِّهِ تَعَالَى؟! أَوَلَيْسَتْ مَعَانِي هَذِهِ الْصِّفَات كُلّهَا مَعْلُومَة عِنْدَهُ؟! كَمَا هُوَ الْحَال فِي الْاِسْتِوَاء وَالْنُّزُول وَالْيَد وَ...الخ؟! أَوَلَيْسَ الْوَاجِب أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ الْصِّفَات عَلَى أَصْلِهَا مِنْ حَيْثُ الْوَضْعِ اللُّغَوِي كَمَا هُوَ مَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الْقَوْم؟!...فَأَيْنَ إِذًا: وَجَدَ الْوَهَّابِي بِأَنَّ "الْحَيَاء" فِي اللُّغَة لاَ يَقْتَضِي: (تَغَيُّراً!)؟!...ثُـمَّ؛ مَا هُوَ الْفَرْق بَيْنَ طَرِيقَة إِثْبَاتِهِ هَذِهِ وَبَيْنَ طَرِيقَة الْـمُفَوِّضَة لِلْمَعْنَى مِنْ أَهْلِ السُّنَّة الأَشَاعِرَةِ وَالَّتِي يعِيبهَا هَذَا الْرَّجُل وَأَمْثَاله؟!...
ثُـمَّ قَالَ الْدُّكْتُور الْوَهَّابِي: ((وأمَّا اكتفاءُ الشيخِ عبدِ الحميدِ بنِ باديسَ ـ رحمه اللهُ ـ في شرحِه للحديثِ بإثباتِ ما تَقْتَضِيهِ صفةُ الاستحياءِ والإعراضِ دون التعرُّضِ للصفةِ ذاتِها؛ فإنه لا يَلْزَمُ مِن عَدَمِ تَعَرُّضِه لها نفيُه أو تعطيلُه لها؛ لأنه ـ رحمه اللهُ ـ لم يُصَرِّحْ بنفيِ الصفةِ، وقد يكون ذاهلًا عنها، أو لأنَّ صفاتِ اللهِ وأسماءَه معلومةُ الإثباتِ ونفيِ المُماثَلةِ للمخلوقين، على ما قرَّره ـ رحمه اللهُ ـ في كتابِه: «العقائد الإسلامية» في الأسماءِ والصفاتِ مِن «عقيدةِ الإثباتِ والتنزيهِ»، كما نصَّ على ذلك ـ بوضوحٍ ـ في قولِه: «نُثْبِتُ له تعالى ما أَثْبَتَهُ لنَفْسِه على لسانِ رسولِه مِن ذاتِه وصفاتِه وأسمائِه وأفعالِه، وننتهي عند ذلك ولا نزيد عليه، ونُنَزِّهُه في ذلك عن مُماثَلةِ أو مُشابَهةِ شيءٍ مِن مخلوقاتِه»))(
وَهَذَا الْكَلاَم مِنْ أَمْحَلِ الْتَّبْرِيرَاتِ...فَالْشَيْخ ابْن بَادِيس يُنَزِّهُ الله أَيْضًا عَنِ مُشَابَهَةِ الْـمَخْلُوقَاتِ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَيُنَزِّهُ الله جُمْلَةً وَتَفْصِيلاً عَنِ الْصُّورَةِ اللاَّزِمَة لِإِثْبَاتِ الْحُدُود وَالْغَايَاتِ وَالأَعْضَاء لَهُ جَلَّ وَعَزَّ، وَيَتَأَوَّلُ أَيْضًا صِفَة الْرَّحْمَة بِلاَزِمِهَا وَ...الخ، فَهَل كُلُّ هَذِهِ الْعَقَائِد هِيَ الأُخْرَى ذَهَلَ عَنْ عَوَاقِبِ الْقَوْلِ بِهَا الْشَّيْخ ابْن بَادِيس؟! عُجْبِي؟!...وَلاَ نُطِيل فِي مُنَاقَشَة الْوَهَّابِي فِيمَا ذَكَرَهُ هَهُنَا مِنْ تَنَاقُضٍ وَتَدْلِيسٍ وَنُؤَخِّرُهُ إِلَى وَقْتٍ لاَحِقٍ...وَنَكْتَفِي هَهُنَا بِذِكْرِ مَا يَنْسِفُ صِحَّةِ دَعْوَاه هَذِهِ بِعَرْضِ بَعْضِ كَلاَمِ مَشَايِخِهِ الْتَّيْمِيَّة الْوَهَّابِيَّة فِي الْـمَسْأَلَةِ:
قَامَ الْتَّيْمِي "أَبُو عَبْد الْرَّحْمَن مَحْمُود الْـجَزَائِرِي" بِتَحْقِيقِ كِتَابِ "مَجَالِسُ الْتَّذْكِيرِ مِنْ حَدِيثِ الْبَشِيرِ الْنَّذِيرِ" لِلْشَّيْخ ابْن بَادِيس...وَلَـمَّا لَـمْ يَكُن مَنْهَج الْشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي تَأْوِيلِ الْصِّفَاتِ الْـمَذْكُورَةِ آنِفًا عَلَى وَفْقِ مَشْرَبِ الْتَّيْمِيَّة الْوَهَّابِيَّة فِي الأَخْذِ بِالْظَّاهِرِ اللُّغَوِي...سَارَعَ الْـمُحَقِّق إِلَى تَسْجِيلِ مُخَالَفَة عَقِيدَة الْـمُؤَلِّف "الْشَّيْخ ابْن بَادِيس" لِـعَقِيدَةِ مَنْ يُسَمِّيهِم بِـ: (الْسَّلَفِ!) وَاسْتَعَانَ الْتَّيْمِي الْـمَذْكُور بِتَقِرِيرِ كَبِير مَشَايِخ الْوَهَّابِيَّةِ فِي هَذَا الْصَّدَدِ، فَقَالَ هُنَاكَ عَلَى الْهَامِش: (("فِي هَذَا الْتَّفْسِير لِلاِسْتِحْيَاءِ وَالإِعْرَاضِ مِنْ اللهِ: #عُدُولٌ_عَنْ_ظَاهِرِ_اللَّفْظِ_مِنْ_غَيْرِ_مُوجِبٍ، وَالْـحَامِلِ عَلَى هَذَا الْتَّفْسِيرِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ هُوَ: اِعْتِقَادُهُ أَنَّ الله لاَ يُوصَفُ بِالْـحَيَاءِ أَوْ الْإِعْرَاضِ حَقِيقَةً، لِتَوَهُّمِ أَنَّ إِثْبَات ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْتَّشْبِيه، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْقَوْل فِي الْاِسْتِحْيَاءِ وَالْإِعْرَاض كَالْقَوْلِ فِي سَائِر مَا أَثْبَتَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لِنَفْسِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ مِنْ الْصِّفَاتِ، وَالْوَاجِب فِي جَمِيعِ ذَلِكَ هُوَ الإِثْبَات مَعَ نَفْي مُـمَاثَلةِ الـمَخْلُوقَات، وقَد وَرَدَ فِي الْـحَدِيثِ: إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً".[أَخْرَجهُ أَبُو دَاوُد وَالْتِّرْمِذِي وَحَسَّنَهُ] أَفَادَهُ الْشَّيْخ عَبْد الْرَّحْمَن الْبَرَّاك -حفظه الله- فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى "فَتْح البَارِي":"1/278")).بِحُرُوفِهِ(9)؟!...
ومِـمَّا يَزِيدُ الأَمْرَ وُضُوحًا وَجَلاَءً وَيَقْطَعُ بِمُخَالَفَةِ الْدُّكْتُور الْوَهَّابِي فَرْكُوس لِـمَنْهَجِ مَشَايِخِهِ...مَا جَاءَ أَيْضًا فِي تَعْقِيب مُفْتِي الْوَهَّابِيَّة ابْن بَاز عَلَى كَلاَمِ الْـحَافِظ ابْن حَجَر فِي الْفَتْحِ...حَيْثُ قَالَ الْحَافِظُ هُنَاكَ: ((قَوْلهُ: "إِنَّ الله لَا يَسْتَحي مِنَ الْحَقِّ": قَدَّمَتْ هَذَا الْقَوْلَ تَمْهِيدًا لِعُذْرِهَا فِي ذِكْرِ مَا يسْتَحْيى مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِالْحَيَاءِ هُنَا مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، إِذِ الْحَيَاءُ الشَّرْعِيُّ خَيْرٌ كُلُّهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَنَّ الْحَيَاءَ لُغَةً: تَغَيُّرٌ وَانْكِسَارٌ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَيُحْمَلُ هُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اللَّهَ لا يأمر بِالْحَيَاءِ فِي الْحَقِّ، أَوْ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذِكْرِ الْحَقِّ، وَقَدْ يُقَالُ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّأْوِيل فِي الإِثبات وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّفْيِ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَفْهُومُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْتَحْيِي مِنْ غَيْرِ الْحَقِّ عَادَ إِلَى جَانِبِ الْإِثْبَاتِ فاحتيج إِلَى تَأْوِيله، قَالَه بن دَقِيقِ الْعِيدِ))(10) فَقَالَ ابْن بَاز عَلَى الْهَامِش: ((الْصَّوَابُ أنَّه لاَ حَاجَة إِلَى الْتَّأوِيلِ مُطْلَقًا، فَإِنَّ الله يُوصَفُ بِالْـحَيَاءِ الَّذِي يَلِيق بِهِ وَلَا يُشَابِهُ فِيهِ خَلْقهُ كَسَائِر صِفَاتهِ. وقَد وَرَدَ وَصْفهُ بِذَلِكَ فِي نُصُوصٍ كَثِيرَةٍ فَوَجَبَ إِثْبَاتهُ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيق بِهِ. وَهَذَا قَوْل أَهْل الْسُّنَّة فِي جَمِيعِ الْصِّفَات الْوَارِدَة فِي الْكِتَابِ وَالْسُّنَّةِ الْصَّحِيحَةِ، وَهُوَ طَرِيقُ الْنَّجَاةِ، #فَتَنَبَّهْ_وَاحْذَرْ. وَالله أَعْلَم)).بِحُرُوفِهِ(11)؟!...
بَل؛ وَلَقَد اعْتَبَر كَبِير مَشَايخ الْوهَّابيَّة "عَبْد الله بن سَعْدِي الغَاِمدِي العَبْدَلِي" هَذِهِ الْتَّأْوِيلاَتِ مِنْ "الأَخْطَاءِ ((#الأَسَاسِيَّة!)) فِي الْعَقِيدَةِ!" لِحَافِظِ الْدُّنْيَا ابْن حَجَر الْعَسْقَلاَنِي؟! كَمَا تَجِدْهُ فِي رِسَالَتِهِ (الْـمَشْؤُومَةِ!) الْـمَوْسُومَةِ: "الأَخْطَاء #الأَسَاسِيَّة_فِي_الْعَقِيدَةِ_وَتَوْحِيدِ_الأُلُوهِيَّةِ مِنْ كِتَابِ "فَتْح الْبَارِي بِشَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِي": (ص:5)، حَيْث اسْتَهَلَّ الغَامِدِي الْوَهَّابِي رِسَالَته بِقَوْلِهِ: ((بَيَانٌ بِمَا وُجِدَ مِنْ الأَخْطَاءِ فِي الْعَقِيدَةِ وَتَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ، فِي الأَجْزَاءِ الَّتِي قَدْ اطَّلَعْتُ عَلَيْهَا مِنْ "فَتْح الْبَارِي بِشَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِي" تَأْلِيف: أَحْمَد ابْن حَجَر الْعَسْقَلاَنيِ:...))(12) وَهَذِه جُرْأَةٌ وَوَقَاحَةٌ قَلَّ أَنْ تَجِد لَهَا مِنْ نَظِيرٍ إِلاَّ عِنْدَ خَوَارِج الْعَصْر التَّيْمِيَّة الْوَهَّابِيَّة؟!، نَسْأَل الله الْسَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ...
وَكَذَلِكَ نَسَجَ عَلَى نَفْسِ مِنْوَالِ الْقَوْمِ شَيْخ الْوَهَّابِيَّة عَبْد الْعَزِيز الْرَّاجِحِي، فَقَال: ((وَفِي الْـحَدِيث إِثْبَات هَذِهِ الْصِّفَات الْفِعْلِيَّةِ للهِ: "آوَى" وَ"اسْتَحْيَا" وَ"أَعْرَضَ"، فَهَذِهِ مِنْ الْصِّفاتِ الْفِعْلِيَّة...الْصِّفَةُ الأُوْلَى: الإِيْوَاءُ، "فَأَوَى إِلَى اللهِ فَآوَاهُ اللهِ"، فنُثْبِتُ للهِ الْإِيوَاء، وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيوَاء أنَّ الله: رَحِمَهُ وَأَدْخَلَهُ فِي رِضْوَانِهِ، فَهَذَا مِنْ ثَمَرَاتِ الْصِّفَة وَمِنْ آثَارِهَا وَلَيْسَ هُوَ الْصِّفَة. وَهَذَا غَيْر مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْشَّارِح [الْحَافِظ ابْن حَجَر] مِنْ أنَّ هَذَا مِنْ الْـمُجَازَاةِ، وَأَنَّ الله رَضِي عَنْهُ. فَهَذا الإِيوَاء صِفَةٌ فِعْلِيَّةٌ لله لَكِن مِن ثَمَرَاتِهَا أنَّهُ جُوزِيَ بِالْرَّحْمَة، ومِنْ ثَـمَرَاتهَا الْرِّضَا، وَإِلاَّ فَهِيَ صِفَةٌ تَلِيقُ بِجَلاَلِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ،
وَالْصِّفَةُ الثَّانِيَة: الْـحَيَاءُ، "فَاسْتَحيَا فَاسْتَحيَا اللهُ مِنْهُ"، فِيهِ وَصْف الله بالْـحَيَاءِ...فَهَذَا وَصْف لله بِالْحَيَاءِ كَمَا يَلِيقُ بِجَلاَلِهِ وَعَظَمَتِهِ، لاَ يُشَابهه أَحَدٌ مِنْ الْـمَخْلُوقِينَ، وَمْن ثَمَرَاتِ الْصِّفَة أَنَّ الله رَحِـمـَهُ وَلَـمْ يُعَاقِبْهُ، فَتَفْسِير الْـحَيَاء بَأَنَّ الله رَحِمَهُ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ لَيْسَ هُوَ الْصِّفَة وَلَكِن مِنْ ثَمَرَاتِ الْصِّفَة وَمِنْ آثَارِهَا.
وَالْصِّفَة الْثَّالِثَة: الإِعْرَاضُ، "فَأَعْرَض فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ"، وَمِنْ آثَارِ الْصِّفَةِ أَنَّ الله سَخِطَ عَلَيْهِ وَغَضِبَ.
فَالله سُبْحَانَهُ آوَى وَاسْتَحْيَا وأَعْرَضَ كَمَا يَليقُ بِجَلاَلِهِ وَعَظَمَتِهِ لاَ يُشَابههُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَارِئ لَهُ صِفَات تَلِيقُ بِهِ، وَالْـمَخْلُوق لَهُ صِفَات تَلِيق بِهِ))(13)
وَلاَ يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ مَا فِي هَذَا الْكَلاَمِ مِنْ خَبْطٍ وَخَلْطٍ وَتَهَافُتٍ وَتَنَاقُضٍ، وَهُرُوبٍ وَاضِحٍ مِنْ إِيرَادِ مَعَانِي هَذِهِ الْظَّوَاهِر فِي حَقِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَعَ مُحَاوَلَة الْتَّمْوِيهِ بِتَفْسِيرِهَا بِلَوَازِمِهَا فَقَط؟! مَعَ أَنَّ حَمْلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا اللُّغَوِي كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْقَوْمِ يَقْضِي بِالْقَوْلِ بِالتَّشْبِيهِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى...
يُتْبَعُ بِإِذْنِ اللهِ...
________________
(1) الآثَار (2/68)، وزارة الثَّقافة-الجَزَائِر، وَالْشِّهَاب: ج 3 م 13، غَرَّة شَعْبَان: 1356هـ-ماي:1937م
(2) الاِتْقَانُ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ لِلْحَافِظ جَلاَل الْدِّين الْسِّيُوطِي (2/، مَطْبَعَة حجَازِي بِالْقَاهِرَة
(3) الْتَّمْهيد لِلْحَافِظ ابْن عَبْد البَّر (1/316-317)، الْنَّاشِر: وَزَارَة الأَوْقَاف وَالْشُّؤُونِ الْإِسْلاَمِيَّةِ – الْـمَمْلَكَةُ الْـمَغْربِيَّةِ
(4) فَتْحُ الْبَارِي بِشَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِي لِحَافِظِ الْدُّنْيَا ابْن حَجَر الْعَسْقَلَانِي (1/278-279)، عَلَيْهِ تَعْلِيقَات الْوَهَّابِيَّة: ابْن بَاز - عَبْد الْرَّحْمَن بن نَاصر الْبَرَّاك، دَارُ طَيْبَة لِلْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ-الْرِّيَاض، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1426هـ-2005م
(5)، (6)، (7) وَ( فَتْوَى رَقْم: (1094) فِي مَوْقِعهِ عَلَى الْرَّابِط: http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1094
(9) مَجَالِسُ الْتَّذْكِيرِ مِنْ حَدِيثِ الْبَشِيرِ الْنَّذِيرِ لِلْشَّيْخِ ابْنِ بَادِيس، (هَامِش: ص:281)، اعْتَنَى بِهَا وَخَرَّج أَحَادِيثهَا وَآثَارهَا: أَبُو عَبْد الرَّحْمَن مَحْمُود، دَارُ الْفَضِيلَة لِلْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ-الْجَزَائِر، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1435هـ-2014م. وَالْغَرِيب فِي الأَمْر أَنَّ الْـمُعَلِّق التَّيْمِي كَشَيْخِه الْوَهَّابِي الْبَرَّاك لَـمْ يُعَرِّجْ عَلَى مَا يُطْلِق عَلَيْه وِفْق قَاعِدَة "الاِضَافَاتِ" الْتَّيْمِيَّة: "صِفَة الإِيوَاءِ"؟!
(10) وَ(11) فَتْحُ الْبَارِي بِشَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِي لِحَافِظِ الْدُّنْيَا ابْن حَجَر الْعَسْقَلَانِي (1/660)، عَلَيْهِ تَعْلِيقَات الْوَهَّابِيَّة: ابْن بَاز - عَبْد الْرَّحْمَن بن نَاصر الْبَرَّاك، دَارُ طَيْبَة لِلْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ-الْرِّيَاض، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1426هـ-2005م
(12) "أَخْطَاء فَتْح الْبَارِي فِي الْعَقِيدَة" رِسَالَتَانِ: الأُوْلَى: لِعَبْدِ الله بن مُحَمَّد بن أَحْمَد الدُّوَيْش، وَالْثَّانِيَة: لِعَبْد الله بن سَعْدِي الْغَامِدِي الْعَبْدَلِي، وَبِحَاشِيتِهِمَا تَعْلِيقَات: عَبْد الْعَزِيز ابْن بَاز-مُحِب الْدِّين الْخَطِيب، إِعْدَاد: أَبِي يُوسُف بن يَحْيَ الْـمَرْزُوقِي، مَكْتَبَة أَسَدِ الْسُّنَّة لِلْنَّشْر وَالْتَّوْزِيع-الْقَاهِرَة، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1426هـ-2005م
(13) مِنْحَةُ الـمَلِك الْجَلِيل شَرْح صَحِيح مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل (1/222-223)، عَبْد الْعَزِيز الرَّاجِحِي، دَارُ الْتَّوْحِيد لِلْنَّشْرِ-الرِّيَاض، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1434هـ-2013م
(فِي هَذَا الْـمَقَال بَيَان تَهَافُتِ مَنْهَجِ بَعْض الدَّكَاتِرَةِ الْوَهَّابِيَة فِي الْعَقِيدَةِ عِنْدَنَا فِي الْجَزَائِر...وَبِالْخُصُوصِ: "الدُّكْتُور فَرْكُوس"؟!)
فِي تَفْسِير الْشَّيْخ ابْن بَادِيس عَلَى الْـحَدِيث الْـمَعْرُوف وَالَّذِي نَصُّهُ: "عَن أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ فَلَمَّا وَقَفَا عَلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَا فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ: فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ"...قَالَ -الْشَّيْخ ابْن بَادِيس-: ((آوَاهُ: آوَاهُ أَنْزَلَهُ مَنْزِلَهُ وَأَدْخَلَهُ مَسْكَنَهُ، #وَآوَاهُ_اللهُ: #قَبِلَهُ_وَضَمَّهُ_إِلَى_أَهلِ_مَجْلِسِ_ذِكْرِهِ #وَأَنَالَهُ_مَا_يُنِيلهُم_مِنْ_رَحْمَتِهِ. اِسْتَحْيَا: الْـحَيَاء #تَغَيُّرٌ_وَانْكِسَارٌ يَعْتَرِي الإِنْسَان عِنْدَ خَوْفِ مَا يُذَمُّ بِهِ أَوْ يُلاَمُ عَلَيْهِ فَيَمْنَعهُ مِنْهُ، فَاسْتَحْيَا هذَا مَعْنَاهُ: اِمْتَنَعَ مِنْ الْذَّهَابِ كَمَا ذَهَبَ صَاحِبهُ أَوْ تَرَكَ الْـمُزَاحَمَة فِي الْـحَلْقَةِ. #فَاسْتَحْيَا_اللَّهُ_مِنْهُ: #تَرَكَ_عِقَابَهُ_وَلَمْ_يَحْرِمهُ_مِنْ_ثَوَابٍ. أَعْرَضَ: اِلْتَفَتَ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَذَهَبَ إِلَيْهَا. #فَأَعْرَضَ_اللَّهُ_عَنْهُ: #حَرَمَهُ_مِنَ_الْثَّوَابِ))(1)
الْتَّعْقِيب:
أَوَّلاً: صَرْفُ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس صِفَات: "الاِسْتِحْيَاءِ" وَ "الإِعْرَاضِ" وَ "الإِيوَاءِ" فِي حَقِّهِ جَلَّ وَعَزَّ عَنْ ظَوَاهِرِهَا اللُّغَوِيَّة الْـمَعْرُوفَةِ، وَاقْتِصَارِهِ عَلَى تَفْسِيرِهَا بِلَوَازِمِهَا مِنْ دُونِ تَعْرِيجٍ مِنْهُ عَلَى إِرَادَةِ أَصْلِ الْـمَعْنَى فِي مِثْلِ هَذَا الْـمَقَامِ الَّذِي يَقْتَضِي الْبَيَان وَنُصْرَة طَرِيقَة أَهْلِ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ الْصِّفَاتِ، دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ تَأْوِيل الْظَّوَاهِر الْـمُوهِمَة لِلْتَّشْبِيهِ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى وِفْقِ مَا جَاءَ فِي أَحَدِ طَرِيقَي أَهْلِ الْسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْسَّادَة الْأَشَاعِرَة وَالْـمَاتُرِيدِيَّة وَفُضَلاَء أَهْلِ الْحَدِيث فِي الْإِثْبَاتِ، هُوَ طَرِيقٌ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ الْرَّجُل...
قَالَ الْحَافِظ جَلاَل الْدِّين الْسُّيُوطِي (ت:911هـ) مُوَضِّحًا هَذِهِ الْقَاعِدَة السُّنِّيَّة الْسَّنِيَّة فِي التَّنْزِيهِ وَالَّتِي نَسَجَ عَلَى مِنْوَالِهَا الْشَّيْخ ابْن بَادِيس، مَا نَصُّهُ: ((وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: كُلُّ صِفَةٍ #يَسْتَحِيلُ_حَقِيقَتُهَا_عَلَى_اللَّهِ تَعَالَى #تُفَسَّرُ_بِلَازِمِهَا، قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: جَمِيعُ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ -أَعْنِي : الرَّحْمَةَ وَالْفَرَحَ وَالسُّرُورَ وَالْغَضَبَ وَالْحَيَاءَ وَالْمَكْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ-: لَهَا أَوَائِلُ وَلَهَا غَايَاتٌ، مِثَالُهُ: الْغَضَبُ، فَإِنَّ أَوَّلَهُ: غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ، وَغَايَتُهُ: إِرَادَةُ إِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ، فَلَفْظُ الْغَضَبِ فِي حَقِّ اللَّهِ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَوَّلِهِ الَّذِي هُوَ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ، بَلْ عَلَى غَرَضِهِ الَّذِي هُوَ إِرَادَةُ الْإِضْرَارِ. وَكَذَلِكَ: الْحَيَاءُ، لَهُ أَوَّلٌ وَهُوَ: انْكِسَارٌ يَحْصُلُ فِي النَّفْسِ، وَلَهُ غَرَضٌ وَهُوَ: تَرْكُ الْفِعْلِ، فَلَفْظُ الْحَيَاءِ فِي حَقِّ اللَّهِ يُحْمَلُ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ لَا عَلَى انْكِسَارِ النَّفْسِ.انْتَهَى))(2)...
فَالسَّادَة الْأَشَاعِرَة يُثْبِتُونَ صِفَات الأَفْعَال كَالْغَضَب وَالْرِّضَى وَغَيْرهَا، وَلَكِنَّهُم يَنْفُونَ الْـمَعْنَى الْبَاطِل عَنْهَا وَهُوَ هُنَا: الْاِنْفِعَال وَالْتَّغَيُّر، فِي حِين يُفَسِّرُونَ الْصِّفَة بِلَوَازِمِهِا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مِنَ الْنَّقْلِ. وَهَذَا مَا عَبَّرَ عَنْهُ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس بِقَوْلِهِ: ((اِسْتَحْيَا: #الْـحَيَاء_تَغَيُّرٌ_وَانْكِسَارٌ يَعْتَرِي الإِنْسَان عِنْدَ خَوْفِ مَا يُذَمُّ بِهِ أَوْ يُلاَمُ عَلَيْهِ فَيَمْنَعهُ مِنْهُ)) فَالظَّاهِر اللُّغَوِي لِلاِسْتِحْيَاء تَغَيُّرٌ وَقَوْلٌ بِحُلُولِ الْحَوَادِثِ فِي الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ، وَهَذَا الْـمَعْنَى يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ جَلَّ شَأْنُهُ، فَسُبْحَانَ مَنْ يُغَيِّر وَلاَ يَتَغَيَّر، لِأَجْلِ هَذَا الْتَّنْزِيه فَسَّرَ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس الاِسْتِحْيَاء فِي حَقِّ الْـمَخْلُوق بِظَاهِرِهِ اللُّغَوِي أَيْ: بِالْتَّغَيُّر الَّذِي يَحْدُث فِي نَفْسيَّةِ الاِنْسَانِ، فِي حِين نَفَى هَذَا الْتَّغَيُّر عَنْ اللهِ فَفَسَّرَ الاِسْتِحْيَاء وَالْصِّفَات الأُخْرَى فِي حَقِّ الْخَالِقِ بِلَوَازِمِهَا فَقْط مِنْ دُونِ زِيَادَةٍ، فِي مَقَامٍ يَقْتَضِي مِنْهُ الْتَّنْصِيص عَلَى مَا يُسَمِّيهِ الْـمُخَالِف بِـ: (الْصِّفَاتِ!)؟ !وَقَدْ تَقَرَّرَ بِأنَّهُ: لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ وَالْسُّكُوت فِي مَعْرِضِ الْحَاجَةِ بَيَانٌ...وَكُلُّ هَذَا: تَأْوِيلٌ سَاطِعٌ مِنْ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس وَتَنْزِيهٌ قَاطِعٌ للهِ عَنْ قِيَامِ الْحَوَادِثِ...
ثَانِيًا: لَـمْ يَكُن الْشَّيْخ ابْن بَادِيس بِدْعًا فِي تَأْوِيلاَتِهِ هَذِهِ بَلْ هُوَ مُتَّبِعٌ لِجَهَابِذَة عُلَمَاء الإِسْلاَم...وَنَذْكُر مِنْهُم عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ لاَ الْحَصْرِ:
قَالَ الْحَافِظ ابْن عَبْد الْبَّر (ت:463هـ): ((وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ "آوَى إِلَى اللَّهِ" يَعْنِي فَعَلَ مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ فَحَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ مِنَ اللَّهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلاَم: "الْدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا مَا آوَى إِلَى اللَّهِ" يَعْنِي: مَا كَانَ لِلَّهِ وَرَضِيَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْثَّانِي فَاسْتَحْيَ "فَاسْتَحْيَ اللَّهُ مِنْهُ" فَهُوَ: مِنِ اتِّسَاعِ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي أَلْفَاظِهِمْ وَفَصِيحِ كَلَامِهِمْ وَالْمَعْنَى فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ اسْتَحْيىَ اللَّهُ مِنْهُ لَمْ يُعَذِّبْهُ بِذَنْبِهِ وَغَفَرَ لَهُ بَلْ لَمْ يُعَاتِبْهُ عَلَيْهِ فَكَانَ الْمَعْنَى فِي الْأَوَّلِ أَنَّ فِعْلَهُ أَوْجَبَ لَهُ حَسَنَةً وَالْآخَرُ أَوْجَبَ لَهُ فِعْلُهُ مَحْوَ سَيِّئَةٍ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الثَّالِثِ فَأَعْرَضَ "فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ" فَإِنَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَرَادَ أَعْرَضَ عَنْ عَمَلِ الْبِرِّ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْثَّوَابِ))(3)...
وَقَالَ حَافِظ الْدُّنْيَا ابْن حَجَر الْعَسْقَلاَنِي (ت:852هـ): ((وَمَعْنَى "فَآوَاهُ اللَّهُ" أَيْ: جَازَاهُ بِنَظِيرِ فِعْلِهِ بِأَنْ ضَمَّهُ إِلَى رَحْمَتِهِ وَرِضْوَانِهِ،...قَوْلُهُ "فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ" أَيْ: رَحِمَهُ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ. قَوْلُهُ: "فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ" أَيْ: سَخِطَ عَلَيْهِ،...وَإِطْلَاقُ الْإِعْرَاضِ وَغَيْرِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ وَالْمُشَاكَلَةِ، فَيُحْمَلُ كُلُّ لَفْظٍ مِنْهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَفَائِدَةُ إِطْلَاقِ ذَلِكَ بَيَانُ الْشَّيْءِ بِطَرِيقٍ وَاضِحٍ))(4)...
ثَالِثًا: حَاوَلَ الْدُّكْتُور الْوَهَّابِي فَرْكُوس إِيْجَاد مَخْرَجٍ لِهَذِهِ الْتَّأْوِيلاَتِ مِنْ الْشَيْخ ابْن بَادِيس...فَادَّعَى فِي فَتْوَى لَهُ مَنْشُورَة عَلَى مَوْقِعهِ الْإِلِكْتْرُونِي مَا يَعْكِسُ الْمَنْهَج (الْزِّئْبَقِي!) (الْـمُهَلْهَل!) عِنْدَ الْقَوْم...وَهَا نَحْنُ نَذْكُرُ بَعْض مَا نَحْتَاجهُ فِي مَوْضُوعِنَا هَذَا ثُـمَّ نُعَقِّبُ عَلَيْهِ بِمَا يَلِيق...
اسْتَهَلَّ الْوَهَّابِي كَلاَمهُ بِالتَّأْكِيدِ عَلَى إِثْبَاتِ هَذِهِ الْصِّفَاتِ فَقَالَ: ((فَالحديثُ المذكورُ يدلُّ على إثباتِ صفتَيِ الاستحياءِ والإعراضِ للهِ تعالى على وجهٍ لا نَقْصَ فيه كما يَلِيقُ بجلالِه وعظمتِه، و"الحييُّ" اسْمٌ مِن أسمائِه سبحانَه وتعالى... وصفةُ الاستحياءِ والإعراضِ وغيرها ـ في النصوصِ الشرعيةِ ـ هي صفاتٌ حقيقيةٌ يُوصَفُ بها ربُّنا سبحانَه وتعالى على ما يَلِيقُ به، ولا يَلْزَمُ مِن إثباتِها ووصفِه بها تشبيهُه بالمخلوقاتِ ولا تمثيلُه بها))(5) ثُـمَّ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ: ((فاستحياؤُه سبحانَه ليس كاستحياءِ المخلوقين، #الذي_هو_تغيُّرٌ_وانكسارٌ يعتري الشخصَ عند خوفِ ما يُعابُ أو يُذَمُّ، وليس إعراضُه سبحانَه كإعراضِ المخلوقين، الذي هو الصدُّ عن المُعْرَضِ عنه والذهابُ عَرْضًا وطولًا؛ فإنَّ هذه الحالاتِ مِن الأمورِ الفطريةِ الإنسانيةِ التي لا تَلِيقُ باللهِ عزَّ وجلَّ...))(6)
وَهَذَا الْتَّقْرِير مِنْ هَذَا الدُّكْتُور: قِمَّةٌ فِي الْتَّنَاقُضِ مَعَ مَذْهَبِهِ الَّذِي يُنَافِح عَنْهُ؟!...فَحَمْلُ الْصِّفَاتِ فِي حَقِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى ظَاهِرِهَا اللُّغَوِي الْـمَعْرُوف هُوَ أَصْلٌ أَصِيلٌ فِي مَذْهَبِ الْتَّيْمِيَّةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْقَاصِي وَالْدَّانِي...وَلَكِنَّ الْرَّجُل حَاوَلَ التَّنَكُّرَ هَهُنَا لِـمَذْهَبِهِ هَذَا الَّذِي طَالَـمَا دَنْدَنَ حَوْلَهُ؟!...لِذَلِكَ تَجِدْهُ مِنْ جِهَةٍ يُصَرِّحُ بِحَمْلِ الْصِّفَاتِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى عَلَى ظَاهِرِهَا اللُّغَوِي الْـمَعْرُوف: كَحَمْلِهِ الاِسْتِوَاء عَلَى الاِسْتِقْرَارِ وَالْجُلُوسِ وَالْعُلُوِّ الْحِسِّي؟! وَهُوَ مَا يَقْضِي بِإِثْبَاتِ هَذَا الْرَّجُل لِلْتَّغَيُّر فِي الْذَّاتِ الْعَلِيَّةِ لِأَنَّ "الاِسْتِقْرَار" صِفَةٌ حَادِثَةٌ طَرَأَت عَلَى اللهِ بَعْد خَلْقِ الْعَرْشِ؟! وَكَذَلِكَ قُل فِي الْنُّزُولِ وَالَّذِي هُوَ (حَرَكَةٌ!) وِفْقَ أُصُولِهِ وَعِنْدَ قَوْمِهِ؟!...وَكَذَلِكَ حَمْله "الْيَد" وَ"الْسَّاق" وَغَيْرهَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَعْضَاء وَالْجَوَارِح وَالأَجْزاء الَّتِي لاَ تَنْفَصِل أَزَلاً وَأَبَداً؟! وَقَوْله أَيْضًا بِقِيَامِ الْحَوَادِث بِالْذَّاتِ الْعَلِيَّة؟!...وَالآن وَلَـمَّا تَعَلَّقَ الأَمْر بِالْشَّيخ ابْن بَادِيس تَنَكَّرَ الْرَّجُل لِـطِرِيقِهِ الْـمَشِين هَذَا فِي (الْتَّشْبِيهِ!) وَ(الْتَّجْسِيمِ!) وَ(نَاقَضَ!) نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ وَحَاوَلَ (الْتَّلْبِيسَ!) وَكَأَنَّهُ يُوَافِقُ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي تَنْزِيه الله عَنْ لُحُوق (الْتَّغَيُّر!) بِذَاتِهِ جَلَّ وَعَزَّ؟!...وَرُبَّمَا يَخْرُج عَلَيْنَا أَحَدُ الْـمُغْرَمِينَ بِالْسَّفْسَطَةِ وَيَدَّعِي أَنَّ الرَّجُلَ نَفَى الْتَّغَيُّر بِقَيْدٍ وَلَـمْ يَنْفِ مُطْلَقَ الْتَّغَيُّر عَنْ ذَاتِ الْوَاجِب؟!...
وَإِنْ تَعْجَب فَاعْجَب لِقَوْلِ الْوَهَّابِي بَعْدَ ذَلِكَ: ((هذا، والمعطِّلةُ الذين عَدَلوا عن ظاهِرِ اللفظ مِن غيرِ مُوجِبٍ إنَّما دَفَعَهم تَوَهُّمُهم أنَّ إثباتَ صفتَيِ الاستحياءِ والإعراضِ يَسْتَلْزِمُ التشبيهَ والتمثيلَ؛ لذلك مَنَعوا أَنْ يُوصَفَ ربُّنا عزَّ وجلَّ بهاتين الصفتين وغيرِهما مِن الصفاتِ على جهةِ الحقيقةِ، بل أوَّلوها بما تَسْتَلْزِمُهُ مِن مَعَانٍ ومُقْتَضَياتٍ))(7)؟!...
وَلَكَ أَنْ تَتَسَاءَل بِحَقٍّ: مَنْ عَدَلَ عَنْ ظَاهِر اللَّفْظ؟! حَضْرَة الْدُّكْتُور الَّذِي رَفَضَ تَفْسِير الاِسْتِحْيَاء فِي حَقِّهِ تَعَالَى بِظَاهِرِهِ اللُّغَوِي أَيْ: الْتَّغَيُّرِ أَمْ مَنْ يُسَمِّيهِم بِـ: (الْـمُعَطِّلَة!)؟!...ثُمَّ مَا الَّذِي مَنَعَ هَذَا الْوَهَّابِي مِنْ إِيرَادِ مَعْنَى: "الاِسْتَحْيَاء" وَ"الإِعْرَاضِ" وَ"الإِيوَاءِ" فِي حَقِّهِ تَعَالَى؟! أَوَلَيْسَتْ مَعَانِي هَذِهِ الْصِّفَات كُلّهَا مَعْلُومَة عِنْدَهُ؟! كَمَا هُوَ الْحَال فِي الْاِسْتِوَاء وَالْنُّزُول وَالْيَد وَ...الخ؟! أَوَلَيْسَ الْوَاجِب أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ الْصِّفَات عَلَى أَصْلِهَا مِنْ حَيْثُ الْوَضْعِ اللُّغَوِي كَمَا هُوَ مَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الْقَوْم؟!...فَأَيْنَ إِذًا: وَجَدَ الْوَهَّابِي بِأَنَّ "الْحَيَاء" فِي اللُّغَة لاَ يَقْتَضِي: (تَغَيُّراً!)؟!...ثُـمَّ؛ مَا هُوَ الْفَرْق بَيْنَ طَرِيقَة إِثْبَاتِهِ هَذِهِ وَبَيْنَ طَرِيقَة الْـمُفَوِّضَة لِلْمَعْنَى مِنْ أَهْلِ السُّنَّة الأَشَاعِرَةِ وَالَّتِي يعِيبهَا هَذَا الْرَّجُل وَأَمْثَاله؟!...
ثُـمَّ قَالَ الْدُّكْتُور الْوَهَّابِي: ((وأمَّا اكتفاءُ الشيخِ عبدِ الحميدِ بنِ باديسَ ـ رحمه اللهُ ـ في شرحِه للحديثِ بإثباتِ ما تَقْتَضِيهِ صفةُ الاستحياءِ والإعراضِ دون التعرُّضِ للصفةِ ذاتِها؛ فإنه لا يَلْزَمُ مِن عَدَمِ تَعَرُّضِه لها نفيُه أو تعطيلُه لها؛ لأنه ـ رحمه اللهُ ـ لم يُصَرِّحْ بنفيِ الصفةِ، وقد يكون ذاهلًا عنها، أو لأنَّ صفاتِ اللهِ وأسماءَه معلومةُ الإثباتِ ونفيِ المُماثَلةِ للمخلوقين، على ما قرَّره ـ رحمه اللهُ ـ في كتابِه: «العقائد الإسلامية» في الأسماءِ والصفاتِ مِن «عقيدةِ الإثباتِ والتنزيهِ»، كما نصَّ على ذلك ـ بوضوحٍ ـ في قولِه: «نُثْبِتُ له تعالى ما أَثْبَتَهُ لنَفْسِه على لسانِ رسولِه مِن ذاتِه وصفاتِه وأسمائِه وأفعالِه، وننتهي عند ذلك ولا نزيد عليه، ونُنَزِّهُه في ذلك عن مُماثَلةِ أو مُشابَهةِ شيءٍ مِن مخلوقاتِه»))(
وَهَذَا الْكَلاَم مِنْ أَمْحَلِ الْتَّبْرِيرَاتِ...فَالْشَيْخ ابْن بَادِيس يُنَزِّهُ الله أَيْضًا عَنِ مُشَابَهَةِ الْـمَخْلُوقَاتِ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَيُنَزِّهُ الله جُمْلَةً وَتَفْصِيلاً عَنِ الْصُّورَةِ اللاَّزِمَة لِإِثْبَاتِ الْحُدُود وَالْغَايَاتِ وَالأَعْضَاء لَهُ جَلَّ وَعَزَّ، وَيَتَأَوَّلُ أَيْضًا صِفَة الْرَّحْمَة بِلاَزِمِهَا وَ...الخ، فَهَل كُلُّ هَذِهِ الْعَقَائِد هِيَ الأُخْرَى ذَهَلَ عَنْ عَوَاقِبِ الْقَوْلِ بِهَا الْشَّيْخ ابْن بَادِيس؟! عُجْبِي؟!...وَلاَ نُطِيل فِي مُنَاقَشَة الْوَهَّابِي فِيمَا ذَكَرَهُ هَهُنَا مِنْ تَنَاقُضٍ وَتَدْلِيسٍ وَنُؤَخِّرُهُ إِلَى وَقْتٍ لاَحِقٍ...وَنَكْتَفِي هَهُنَا بِذِكْرِ مَا يَنْسِفُ صِحَّةِ دَعْوَاه هَذِهِ بِعَرْضِ بَعْضِ كَلاَمِ مَشَايِخِهِ الْتَّيْمِيَّة الْوَهَّابِيَّة فِي الْـمَسْأَلَةِ:
قَامَ الْتَّيْمِي "أَبُو عَبْد الْرَّحْمَن مَحْمُود الْـجَزَائِرِي" بِتَحْقِيقِ كِتَابِ "مَجَالِسُ الْتَّذْكِيرِ مِنْ حَدِيثِ الْبَشِيرِ الْنَّذِيرِ" لِلْشَّيْخ ابْن بَادِيس...وَلَـمَّا لَـمْ يَكُن مَنْهَج الْشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي تَأْوِيلِ الْصِّفَاتِ الْـمَذْكُورَةِ آنِفًا عَلَى وَفْقِ مَشْرَبِ الْتَّيْمِيَّة الْوَهَّابِيَّة فِي الأَخْذِ بِالْظَّاهِرِ اللُّغَوِي...سَارَعَ الْـمُحَقِّق إِلَى تَسْجِيلِ مُخَالَفَة عَقِيدَة الْـمُؤَلِّف "الْشَّيْخ ابْن بَادِيس" لِـعَقِيدَةِ مَنْ يُسَمِّيهِم بِـ: (الْسَّلَفِ!) وَاسْتَعَانَ الْتَّيْمِي الْـمَذْكُور بِتَقِرِيرِ كَبِير مَشَايِخ الْوَهَّابِيَّةِ فِي هَذَا الْصَّدَدِ، فَقَالَ هُنَاكَ عَلَى الْهَامِش: (("فِي هَذَا الْتَّفْسِير لِلاِسْتِحْيَاءِ وَالإِعْرَاضِ مِنْ اللهِ: #عُدُولٌ_عَنْ_ظَاهِرِ_اللَّفْظِ_مِنْ_غَيْرِ_مُوجِبٍ، وَالْـحَامِلِ عَلَى هَذَا الْتَّفْسِيرِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ هُوَ: اِعْتِقَادُهُ أَنَّ الله لاَ يُوصَفُ بِالْـحَيَاءِ أَوْ الْإِعْرَاضِ حَقِيقَةً، لِتَوَهُّمِ أَنَّ إِثْبَات ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْتَّشْبِيه، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْقَوْل فِي الْاِسْتِحْيَاءِ وَالْإِعْرَاض كَالْقَوْلِ فِي سَائِر مَا أَثْبَتَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لِنَفْسِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ مِنْ الْصِّفَاتِ، وَالْوَاجِب فِي جَمِيعِ ذَلِكَ هُوَ الإِثْبَات مَعَ نَفْي مُـمَاثَلةِ الـمَخْلُوقَات، وقَد وَرَدَ فِي الْـحَدِيثِ: إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً".[أَخْرَجهُ أَبُو دَاوُد وَالْتِّرْمِذِي وَحَسَّنَهُ] أَفَادَهُ الْشَّيْخ عَبْد الْرَّحْمَن الْبَرَّاك -حفظه الله- فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى "فَتْح البَارِي":"1/278")).بِحُرُوفِهِ(9)؟!...
ومِـمَّا يَزِيدُ الأَمْرَ وُضُوحًا وَجَلاَءً وَيَقْطَعُ بِمُخَالَفَةِ الْدُّكْتُور الْوَهَّابِي فَرْكُوس لِـمَنْهَجِ مَشَايِخِهِ...مَا جَاءَ أَيْضًا فِي تَعْقِيب مُفْتِي الْوَهَّابِيَّة ابْن بَاز عَلَى كَلاَمِ الْـحَافِظ ابْن حَجَر فِي الْفَتْحِ...حَيْثُ قَالَ الْحَافِظُ هُنَاكَ: ((قَوْلهُ: "إِنَّ الله لَا يَسْتَحي مِنَ الْحَقِّ": قَدَّمَتْ هَذَا الْقَوْلَ تَمْهِيدًا لِعُذْرِهَا فِي ذِكْرِ مَا يسْتَحْيى مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِالْحَيَاءِ هُنَا مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، إِذِ الْحَيَاءُ الشَّرْعِيُّ خَيْرٌ كُلُّهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَنَّ الْحَيَاءَ لُغَةً: تَغَيُّرٌ وَانْكِسَارٌ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَيُحْمَلُ هُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اللَّهَ لا يأمر بِالْحَيَاءِ فِي الْحَقِّ، أَوْ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذِكْرِ الْحَقِّ، وَقَدْ يُقَالُ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّأْوِيل فِي الإِثبات وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّفْيِ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَفْهُومُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْتَحْيِي مِنْ غَيْرِ الْحَقِّ عَادَ إِلَى جَانِبِ الْإِثْبَاتِ فاحتيج إِلَى تَأْوِيله، قَالَه بن دَقِيقِ الْعِيدِ))(10) فَقَالَ ابْن بَاز عَلَى الْهَامِش: ((الْصَّوَابُ أنَّه لاَ حَاجَة إِلَى الْتَّأوِيلِ مُطْلَقًا، فَإِنَّ الله يُوصَفُ بِالْـحَيَاءِ الَّذِي يَلِيق بِهِ وَلَا يُشَابِهُ فِيهِ خَلْقهُ كَسَائِر صِفَاتهِ. وقَد وَرَدَ وَصْفهُ بِذَلِكَ فِي نُصُوصٍ كَثِيرَةٍ فَوَجَبَ إِثْبَاتهُ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيق بِهِ. وَهَذَا قَوْل أَهْل الْسُّنَّة فِي جَمِيعِ الْصِّفَات الْوَارِدَة فِي الْكِتَابِ وَالْسُّنَّةِ الْصَّحِيحَةِ، وَهُوَ طَرِيقُ الْنَّجَاةِ، #فَتَنَبَّهْ_وَاحْذَرْ. وَالله أَعْلَم)).بِحُرُوفِهِ(11)؟!...
بَل؛ وَلَقَد اعْتَبَر كَبِير مَشَايخ الْوهَّابيَّة "عَبْد الله بن سَعْدِي الغَاِمدِي العَبْدَلِي" هَذِهِ الْتَّأْوِيلاَتِ مِنْ "الأَخْطَاءِ ((#الأَسَاسِيَّة!)) فِي الْعَقِيدَةِ!" لِحَافِظِ الْدُّنْيَا ابْن حَجَر الْعَسْقَلاَنِي؟! كَمَا تَجِدْهُ فِي رِسَالَتِهِ (الْـمَشْؤُومَةِ!) الْـمَوْسُومَةِ: "الأَخْطَاء #الأَسَاسِيَّة_فِي_الْعَقِيدَةِ_وَتَوْحِيدِ_الأُلُوهِيَّةِ مِنْ كِتَابِ "فَتْح الْبَارِي بِشَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِي": (ص:5)، حَيْث اسْتَهَلَّ الغَامِدِي الْوَهَّابِي رِسَالَته بِقَوْلِهِ: ((بَيَانٌ بِمَا وُجِدَ مِنْ الأَخْطَاءِ فِي الْعَقِيدَةِ وَتَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ، فِي الأَجْزَاءِ الَّتِي قَدْ اطَّلَعْتُ عَلَيْهَا مِنْ "فَتْح الْبَارِي بِشَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِي" تَأْلِيف: أَحْمَد ابْن حَجَر الْعَسْقَلاَنيِ:...))(12) وَهَذِه جُرْأَةٌ وَوَقَاحَةٌ قَلَّ أَنْ تَجِد لَهَا مِنْ نَظِيرٍ إِلاَّ عِنْدَ خَوَارِج الْعَصْر التَّيْمِيَّة الْوَهَّابِيَّة؟!، نَسْأَل الله الْسَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ...
وَكَذَلِكَ نَسَجَ عَلَى نَفْسِ مِنْوَالِ الْقَوْمِ شَيْخ الْوَهَّابِيَّة عَبْد الْعَزِيز الْرَّاجِحِي، فَقَال: ((وَفِي الْـحَدِيث إِثْبَات هَذِهِ الْصِّفَات الْفِعْلِيَّةِ للهِ: "آوَى" وَ"اسْتَحْيَا" وَ"أَعْرَضَ"، فَهَذِهِ مِنْ الْصِّفاتِ الْفِعْلِيَّة...الْصِّفَةُ الأُوْلَى: الإِيْوَاءُ، "فَأَوَى إِلَى اللهِ فَآوَاهُ اللهِ"، فنُثْبِتُ للهِ الْإِيوَاء، وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيوَاء أنَّ الله: رَحِمَهُ وَأَدْخَلَهُ فِي رِضْوَانِهِ، فَهَذَا مِنْ ثَمَرَاتِ الْصِّفَة وَمِنْ آثَارِهَا وَلَيْسَ هُوَ الْصِّفَة. وَهَذَا غَيْر مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْشَّارِح [الْحَافِظ ابْن حَجَر] مِنْ أنَّ هَذَا مِنْ الْـمُجَازَاةِ، وَأَنَّ الله رَضِي عَنْهُ. فَهَذا الإِيوَاء صِفَةٌ فِعْلِيَّةٌ لله لَكِن مِن ثَمَرَاتِهَا أنَّهُ جُوزِيَ بِالْرَّحْمَة، ومِنْ ثَـمَرَاتهَا الْرِّضَا، وَإِلاَّ فَهِيَ صِفَةٌ تَلِيقُ بِجَلاَلِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ،
وَالْصِّفَةُ الثَّانِيَة: الْـحَيَاءُ، "فَاسْتَحيَا فَاسْتَحيَا اللهُ مِنْهُ"، فِيهِ وَصْف الله بالْـحَيَاءِ...فَهَذَا وَصْف لله بِالْحَيَاءِ كَمَا يَلِيقُ بِجَلاَلِهِ وَعَظَمَتِهِ، لاَ يُشَابهه أَحَدٌ مِنْ الْـمَخْلُوقِينَ، وَمْن ثَمَرَاتِ الْصِّفَة أَنَّ الله رَحِـمـَهُ وَلَـمْ يُعَاقِبْهُ، فَتَفْسِير الْـحَيَاء بَأَنَّ الله رَحِمَهُ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ لَيْسَ هُوَ الْصِّفَة وَلَكِن مِنْ ثَمَرَاتِ الْصِّفَة وَمِنْ آثَارِهَا.
وَالْصِّفَة الْثَّالِثَة: الإِعْرَاضُ، "فَأَعْرَض فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ"، وَمِنْ آثَارِ الْصِّفَةِ أَنَّ الله سَخِطَ عَلَيْهِ وَغَضِبَ.
فَالله سُبْحَانَهُ آوَى وَاسْتَحْيَا وأَعْرَضَ كَمَا يَليقُ بِجَلاَلِهِ وَعَظَمَتِهِ لاَ يُشَابههُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَارِئ لَهُ صِفَات تَلِيقُ بِهِ، وَالْـمَخْلُوق لَهُ صِفَات تَلِيق بِهِ))(13)
وَلاَ يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ مَا فِي هَذَا الْكَلاَمِ مِنْ خَبْطٍ وَخَلْطٍ وَتَهَافُتٍ وَتَنَاقُضٍ، وَهُرُوبٍ وَاضِحٍ مِنْ إِيرَادِ مَعَانِي هَذِهِ الْظَّوَاهِر فِي حَقِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَعَ مُحَاوَلَة الْتَّمْوِيهِ بِتَفْسِيرِهَا بِلَوَازِمِهَا فَقَط؟! مَعَ أَنَّ حَمْلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا اللُّغَوِي كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْقَوْمِ يَقْضِي بِالْقَوْلِ بِالتَّشْبِيهِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى...
يُتْبَعُ بِإِذْنِ اللهِ...
________________
(1) الآثَار (2/68)، وزارة الثَّقافة-الجَزَائِر، وَالْشِّهَاب: ج 3 م 13، غَرَّة شَعْبَان: 1356هـ-ماي:1937م
(2) الاِتْقَانُ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ لِلْحَافِظ جَلاَل الْدِّين الْسِّيُوطِي (2/، مَطْبَعَة حجَازِي بِالْقَاهِرَة
(3) الْتَّمْهيد لِلْحَافِظ ابْن عَبْد البَّر (1/316-317)، الْنَّاشِر: وَزَارَة الأَوْقَاف وَالْشُّؤُونِ الْإِسْلاَمِيَّةِ – الْـمَمْلَكَةُ الْـمَغْربِيَّةِ
(4) فَتْحُ الْبَارِي بِشَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِي لِحَافِظِ الْدُّنْيَا ابْن حَجَر الْعَسْقَلَانِي (1/278-279)، عَلَيْهِ تَعْلِيقَات الْوَهَّابِيَّة: ابْن بَاز - عَبْد الْرَّحْمَن بن نَاصر الْبَرَّاك، دَارُ طَيْبَة لِلْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ-الْرِّيَاض، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1426هـ-2005م
(5)، (6)، (7) وَ( فَتْوَى رَقْم: (1094) فِي مَوْقِعهِ عَلَى الْرَّابِط: http://ferkous.com/home/?q=fatwa-1094
(9) مَجَالِسُ الْتَّذْكِيرِ مِنْ حَدِيثِ الْبَشِيرِ الْنَّذِيرِ لِلْشَّيْخِ ابْنِ بَادِيس، (هَامِش: ص:281)، اعْتَنَى بِهَا وَخَرَّج أَحَادِيثهَا وَآثَارهَا: أَبُو عَبْد الرَّحْمَن مَحْمُود، دَارُ الْفَضِيلَة لِلْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ-الْجَزَائِر، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1435هـ-2014م. وَالْغَرِيب فِي الأَمْر أَنَّ الْـمُعَلِّق التَّيْمِي كَشَيْخِه الْوَهَّابِي الْبَرَّاك لَـمْ يُعَرِّجْ عَلَى مَا يُطْلِق عَلَيْه وِفْق قَاعِدَة "الاِضَافَاتِ" الْتَّيْمِيَّة: "صِفَة الإِيوَاءِ"؟!
(10) وَ(11) فَتْحُ الْبَارِي بِشَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِي لِحَافِظِ الْدُّنْيَا ابْن حَجَر الْعَسْقَلَانِي (1/660)، عَلَيْهِ تَعْلِيقَات الْوَهَّابِيَّة: ابْن بَاز - عَبْد الْرَّحْمَن بن نَاصر الْبَرَّاك، دَارُ طَيْبَة لِلْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ-الْرِّيَاض، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1426هـ-2005م
(12) "أَخْطَاء فَتْح الْبَارِي فِي الْعَقِيدَة" رِسَالَتَانِ: الأُوْلَى: لِعَبْدِ الله بن مُحَمَّد بن أَحْمَد الدُّوَيْش، وَالْثَّانِيَة: لِعَبْد الله بن سَعْدِي الْغَامِدِي الْعَبْدَلِي، وَبِحَاشِيتِهِمَا تَعْلِيقَات: عَبْد الْعَزِيز ابْن بَاز-مُحِب الْدِّين الْخَطِيب، إِعْدَاد: أَبِي يُوسُف بن يَحْيَ الْـمَرْزُوقِي، مَكْتَبَة أَسَدِ الْسُّنَّة لِلْنَّشْر وَالْتَّوْزِيع-الْقَاهِرَة، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1426هـ-2005م
(13) مِنْحَةُ الـمَلِك الْجَلِيل شَرْح صَحِيح مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل (1/222-223)، عَبْد الْعَزِيز الرَّاجِحِي، دَارُ الْتَّوْحِيد لِلْنَّشْرِ-الرِّيَاض، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1434هـ-2013م
رد: أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين
#أَضْوَاءٌ_عَلَى_عَقِيدَةِ_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاءِ_الـمُسْلِمِينَ_الـجَزَائِرِيِّينَ 13!
قَالَ مُدِيرُ جَرِيدَةِ "الْبَصَائِر" لِسَان حَالِ جَمْعِيَّة الْـعُلَمَاءِ الْـمُسْلِمِينَ الْـجَزَائِرِيِّينَ وَأَمِينُ الْـمَالِ فِيهَا الْشَّيْخ مُبَارَك الْـمِيلِي (ت:1945م) تَحْتَ عُنْوَانِ "الْـمَحَبَّة فِي الْقُرْآنِ": ((قَوْلهُ تَعَالَى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾[الـمَائِدَة:54] #فَمَحَبَّةُ_اللَّه تَعَالَى لِلْعَبْدِ: #إِنْعَامهُ_عَلَيْهِ...وَقَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ #يُحِبُّ التَّوَّابِينَ #وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة:222] أَيْ: #يُثِيبهُم_وَيُنْعِم_عَلَيْهِم))(1)
الْتَّعْلِيق:
أَوَّلاً: تَفْسِير الْشَّيْخ مُبَارَك الْـمِيلِي لِلْمَحَبَّةِ الْوَارِدَةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى #بِلاَزِمِهَا، #تَأْوِيلٌ صَريحٌ مِنْهُ لِـمَا يُسَمِّيهِ الْتَّيْمِيَّة الْوَهَّابِيَة بِـ: (#الْصِّفَاتِ!)؟!...وَهُوَ أَيْضًا عُدُولٌ وَاضِحٌ مِنْ الْشَّيْخ الْـمِيلِي عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْظَّوَاهِر الْـمُوهِمَةِ لِلْتَّشْبِيهِ بِـمَا يَقْتَضِي إِثْبَات حُدُوث #الْتَّغَيُّر فِي الْذَّاتِ الْعَلِيَّةِ، في مَقَامٍ يَقْتَضِي مِنْهُ إِثْبَات الْـمَعْنَى عَلَى ظَاهِرِهِ اللُّغَوِي، وَهَذَا فِيهِ تَنْزِيهٌ للهِ عَنْ #قِيَامِ_الْحَوَادِثِ...
ثَانِيًا: لاَ بَأْسَ بِذِكْرِ بَعْضِ أَقْوَالِ كِبَارِ مَشَايِخِ الْوَهَّابِيَّةِ فِي الْحُكْمِ بِضَلاَلِ كُلّ مَنْ يَتَأَوَّل مَا يُسَمُّونَهُ بِـ: (الْصِّفَاتِ!) وَيَصْرِفهَا عَنْ مَعْنَاهَا الْظَّاهِر اللُّغَوِي الْـمَعْرُوفِ؟!...وَأَنَّ تَأْوِيلِ الْمَحَبَّةِ فيِ حَقِّهِ تَعَالَى بِلاَزِمِهَا كَمَا جَاءَ فِي تَقْرِيرِ الْشَّيْخ مُبَارَك الْـمِيلِي هُوَ هُوَ: عَقِيدَة أَهْلِ (الْبِدَعِ!) الأَشَاعِرَة؟!...
قَالَ كَبِيرُ مَشَايِخ الْوَهَّابِيَّة عَبْد الْرَّحْمَن الْبَرَّاك مُتَعَقِّبًا حَافِظ الْدُّنْيَا ابْن حَجَر الْعَسْقَلاَنِي فِي تَأْوِيلِ الْـمَحَبَّةِ مُضَافَةً إِلَيْهِ تَعَالَى كَمَا جَاءَ فِي تَأْوِيلِ الْشَّيْخ مُبَارَك الْـمِيلِي الْـمَذْكُورِ سَابِقًا، مَا نَصُّهُ: ((قَوْلُهُ [الْحَافِظ]: "#وَالْـمُرَادُ_بِمَحَبَّةِ_اللهِ: #إِرَادَة_الْخَيْرِ..."الخ: هَذَا صَرْفٌ لِلَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَهَذَا هُوَ #الْتَّأْوِيلُ_الْـمَذْمُومُ الَّذِي يَسْلُكُهُ #نُفَاةُ_الْصِّفَاتِ، أَوْ بَعْضهَا #كَالأَشَاعِرَةِ؛ فَإِنَّ مَذْهَبهُم نَفَي حَقِيقَة الْـمَحَبَّةِ عَنِ اللهِ تَعَالَى زَاعِمِينَ أَنَّ إِثْبَاتهَا يَسْتَلْزِمُ الْتَّشْبِيهَ))(2)؟!...
وَحِينَمَا أَلْزَمَ الـشَّيْخ مُحَمَّد عَلِي الْصَّابُونِي أَدْعِيَاء الْسَّلَفِيَّة بِتَضْلِيلِ كِبَار عُلَمَاءِ أُمَّة الإِسْلاَم لِأَنَّهُم مُؤَوِّلَة، ردَّ عَلَيْهِ شَيْخ الْوَهَّابِيَةِ الْفَوْزَان قَائِلاً: ((نَعَم؛ مَنْ أَوَّلَ الصِّفَات عَنْ #مَدْلُولهَا_إِلَى_غَيْرِ_مَعَانِيهَا؛ #فَهُوَ_ضَالٌّ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وَمِنَ #الإِلْحَادِ_فِيهَا صَرْفهَا عَمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ، #وَهَذَا_ضَلاَلٌ)) ؟!(3) بِشَيْنِهِ وَمَيْنِهِ؟!...
يُتْبَعُ بِإِذْنِ اللهِ...
___________________
(1) رِسَالَة الْشِّرْكِ وَمَظَاهِرُهُ لِلْشَّيْخِ مُبَارَك بْن مُحَمَّد الْـمِيلِي (ص:262)، تَحْقِيق وَتعْلِيق (الْتَّيْمِي!): أَبِي عَبْد الْرَّحْمَن مَحْمُود الْجَزَائِرِي، دَارُ الْرَّايَةِ لِلْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ-الْسُّعُودِيَّة، الْطَّبْعَةُ الأُوْلَى: 1422هـ-2001م
(2) فَتْحُ الْبَارِي بِشَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِي لِحَافِظِ الْدُّنْيَا ابْن حَجَر الْعَسْقَلَانِي (هَامِش عَلَى: 13/595)، عَلَيْهِ تَعْلِيقَات الْوَهَّابِيَّة: ابْن بَاز - عَبْد الْرَّحْمَن بن نَاصر الْبَرَّاك، دَارُ طَيْبَة لِلْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ-الْرِّيَاض، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1426هـ-2005م
(3) الْبَيَانُ لِأَخْطَاءِ بَعْض الْكُتَّابِ (1/39)، بِقَلَمِ: صَالِح بن فَوْزَان بن عَبْد الله الْفَوْزَان عُضْو هَيْئَة كِبَار الْعُلَمَاء وَعُضْو اللَّجْنَة الْدَّائِمَة لِلْبُحُوثِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْإِفْتَاءِ، دَارُ ابْن الْـجُوزِي لِلْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ-الْسُّعُودِيَّة، الْطَّبْعَةُ الْثَّالِثَة: 1427هـ
قَالَ مُدِيرُ جَرِيدَةِ "الْبَصَائِر" لِسَان حَالِ جَمْعِيَّة الْـعُلَمَاءِ الْـمُسْلِمِينَ الْـجَزَائِرِيِّينَ وَأَمِينُ الْـمَالِ فِيهَا الْشَّيْخ مُبَارَك الْـمِيلِي (ت:1945م) تَحْتَ عُنْوَانِ "الْـمَحَبَّة فِي الْقُرْآنِ": ((قَوْلهُ تَعَالَى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾[الـمَائِدَة:54] #فَمَحَبَّةُ_اللَّه تَعَالَى لِلْعَبْدِ: #إِنْعَامهُ_عَلَيْهِ...وَقَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ #يُحِبُّ التَّوَّابِينَ #وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة:222] أَيْ: #يُثِيبهُم_وَيُنْعِم_عَلَيْهِم))(1)
الْتَّعْلِيق:
أَوَّلاً: تَفْسِير الْشَّيْخ مُبَارَك الْـمِيلِي لِلْمَحَبَّةِ الْوَارِدَةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى #بِلاَزِمِهَا، #تَأْوِيلٌ صَريحٌ مِنْهُ لِـمَا يُسَمِّيهِ الْتَّيْمِيَّة الْوَهَّابِيَة بِـ: (#الْصِّفَاتِ!)؟!...وَهُوَ أَيْضًا عُدُولٌ وَاضِحٌ مِنْ الْشَّيْخ الْـمِيلِي عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْظَّوَاهِر الْـمُوهِمَةِ لِلْتَّشْبِيهِ بِـمَا يَقْتَضِي إِثْبَات حُدُوث #الْتَّغَيُّر فِي الْذَّاتِ الْعَلِيَّةِ، في مَقَامٍ يَقْتَضِي مِنْهُ إِثْبَات الْـمَعْنَى عَلَى ظَاهِرِهِ اللُّغَوِي، وَهَذَا فِيهِ تَنْزِيهٌ للهِ عَنْ #قِيَامِ_الْحَوَادِثِ...
ثَانِيًا: لاَ بَأْسَ بِذِكْرِ بَعْضِ أَقْوَالِ كِبَارِ مَشَايِخِ الْوَهَّابِيَّةِ فِي الْحُكْمِ بِضَلاَلِ كُلّ مَنْ يَتَأَوَّل مَا يُسَمُّونَهُ بِـ: (الْصِّفَاتِ!) وَيَصْرِفهَا عَنْ مَعْنَاهَا الْظَّاهِر اللُّغَوِي الْـمَعْرُوفِ؟!...وَأَنَّ تَأْوِيلِ الْمَحَبَّةِ فيِ حَقِّهِ تَعَالَى بِلاَزِمِهَا كَمَا جَاءَ فِي تَقْرِيرِ الْشَّيْخ مُبَارَك الْـمِيلِي هُوَ هُوَ: عَقِيدَة أَهْلِ (الْبِدَعِ!) الأَشَاعِرَة؟!...
قَالَ كَبِيرُ مَشَايِخ الْوَهَّابِيَّة عَبْد الْرَّحْمَن الْبَرَّاك مُتَعَقِّبًا حَافِظ الْدُّنْيَا ابْن حَجَر الْعَسْقَلاَنِي فِي تَأْوِيلِ الْـمَحَبَّةِ مُضَافَةً إِلَيْهِ تَعَالَى كَمَا جَاءَ فِي تَأْوِيلِ الْشَّيْخ مُبَارَك الْـمِيلِي الْـمَذْكُورِ سَابِقًا، مَا نَصُّهُ: ((قَوْلُهُ [الْحَافِظ]: "#وَالْـمُرَادُ_بِمَحَبَّةِ_اللهِ: #إِرَادَة_الْخَيْرِ..."الخ: هَذَا صَرْفٌ لِلَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَهَذَا هُوَ #الْتَّأْوِيلُ_الْـمَذْمُومُ الَّذِي يَسْلُكُهُ #نُفَاةُ_الْصِّفَاتِ، أَوْ بَعْضهَا #كَالأَشَاعِرَةِ؛ فَإِنَّ مَذْهَبهُم نَفَي حَقِيقَة الْـمَحَبَّةِ عَنِ اللهِ تَعَالَى زَاعِمِينَ أَنَّ إِثْبَاتهَا يَسْتَلْزِمُ الْتَّشْبِيهَ))(2)؟!...
وَحِينَمَا أَلْزَمَ الـشَّيْخ مُحَمَّد عَلِي الْصَّابُونِي أَدْعِيَاء الْسَّلَفِيَّة بِتَضْلِيلِ كِبَار عُلَمَاءِ أُمَّة الإِسْلاَم لِأَنَّهُم مُؤَوِّلَة، ردَّ عَلَيْهِ شَيْخ الْوَهَّابِيَةِ الْفَوْزَان قَائِلاً: ((نَعَم؛ مَنْ أَوَّلَ الصِّفَات عَنْ #مَدْلُولهَا_إِلَى_غَيْرِ_مَعَانِيهَا؛ #فَهُوَ_ضَالٌّ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وَمِنَ #الإِلْحَادِ_فِيهَا صَرْفهَا عَمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ، #وَهَذَا_ضَلاَلٌ)) ؟!(3) بِشَيْنِهِ وَمَيْنِهِ؟!...
يُتْبَعُ بِإِذْنِ اللهِ...
___________________
(1) رِسَالَة الْشِّرْكِ وَمَظَاهِرُهُ لِلْشَّيْخِ مُبَارَك بْن مُحَمَّد الْـمِيلِي (ص:262)، تَحْقِيق وَتعْلِيق (الْتَّيْمِي!): أَبِي عَبْد الْرَّحْمَن مَحْمُود الْجَزَائِرِي، دَارُ الْرَّايَةِ لِلْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ-الْسُّعُودِيَّة، الْطَّبْعَةُ الأُوْلَى: 1422هـ-2001م
(2) فَتْحُ الْبَارِي بِشَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِي لِحَافِظِ الْدُّنْيَا ابْن حَجَر الْعَسْقَلَانِي (هَامِش عَلَى: 13/595)، عَلَيْهِ تَعْلِيقَات الْوَهَّابِيَّة: ابْن بَاز - عَبْد الْرَّحْمَن بن نَاصر الْبَرَّاك، دَارُ طَيْبَة لِلْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ-الْرِّيَاض، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى: 1426هـ-2005م
(3) الْبَيَانُ لِأَخْطَاءِ بَعْض الْكُتَّابِ (1/39)، بِقَلَمِ: صَالِح بن فَوْزَان بن عَبْد الله الْفَوْزَان عُضْو هَيْئَة كِبَار الْعُلَمَاء وَعُضْو اللَّجْنَة الْدَّائِمَة لِلْبُحُوثِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْإِفْتَاءِ، دَارُ ابْن الْـجُوزِي لِلْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ-الْسُّعُودِيَّة، الْطَّبْعَةُ الْثَّالِثَة: 1427هـ
رد: أَضْوَاء_عَلَى_عَقِيدَة_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاء_الـمُسْلِمِين_الْـجَزَائِرِيِّين
#أَضْوَاءٌ_عَلَى_عَقِيدَةِ_مَشَايِخ_جَمْعِيَّة_العُلَمَاءِ_الـمُسْلِمِينَ_الـجَزَائِرِيِّينَ 14!
فِي هَذَا الْبَحْث:
(أ) ذِكْرُ عَقِيدَة الْشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي مَسْأَلَةِ قِدَمِ الْـعَالَـمِ، وَمَا يَتَرتَّب عَلَى هَذِهِ الْـعَقِيدَةِ الْـفَيْصَلِيَّةِ مِنْ تَنْزِيه الله عَنْ مُشَابَهَةِ سِمَاتِ الْـمُحْدَثَاتِ...
(ب) بَيَانُ مُخَالَفَةِ عَقِيدَة مَشَايِخِ الْجَمْعِيَّةِ لِعَقِيدَة الْتَّيْمِيَّة فِي هَذِهِ الْـمَسْأَلَةِ، وَمَا يَتبعهُ مِنْ تَبَايُنٍ كَبِيرٍ عَلَى مُسْتَوَى الْعَقَدِي بَيْنَ الْطَّرَفَيْنِ...
(ت) بَيَانُ خُطُورَةِ وَبُطْلاَنِ عَقِيدَة الْتَّيْمِيَّة فِي هَذِهِ الْـمَسْأَلَةِ...
(ث) ذِكْرُ أَقْوَال بَعْض أَدْعِيَاء الْسَّلَفِيَّة فِي رَفْضِ تَوَجُّهِ شَيْخِهِم ابْن تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي فِي هَذِهِ الْعَقِيدَة الْفَيْصَلِيَّة...
(ج) ذِكْرُ أَقْوَالِ الْتَّيْمِيَّة الْوَهَّابِيَّة مِنْ مَصَادِرِهَا فِي هَذِهِ الْـمَسْأَلَةِ...
بِسْمِ اللهِ وَالْصَّلاَة وَالْسَّلاَمِ عَلَى خَيْرِ خَلْقِ الله...
قَالَ الْرَّئِيسُ الْأَوَّلُ لِجَمْعِيَّةِ الْعُلَمَاءِ الْـمُسْلِمِينَ الْجَزَائِرِيِّينَ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس (1889م-1940م): ((وَهُوَ [الله] الْمَوْجُودُ الَّذِي سَبَقَ وُجُودُهُ كُلَّ وُجُودٍ، #فَكَانَ_تَعَالَى_وَحْدَهُ_وَلاَ_شَيْءَ_مَعَهُ، #ثُمَّ_خَلَقَ_مَا_شَاءَ_مِنْ_مَخْلُوقَاتِهِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ﴾[الْحَدِيد:3]، ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾[الفرقان:59]، ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان:2]))(1)
وَقَالَ رَئِيس لَـجْنَة الْفَتْوَى فِي جَمْعِيَّةِ الْعُلَمَاء الْـمُسْلِمِينَ الْـجَـَزَائِرِيِّينَ الْشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الْسَّعِيد الْزَّوَاوِي (1862م-1952م): ((فَيَا أَيُّهَا الْـمُؤْمِنُ الْـمُعْتَبِرُ وَالْإِنْسَانُ الْـمُتَفَكِّرُ قَدْ كَانَ اللهُ جَلَّ شَأْنُهُ #وَلاَ_شَيْءَ_غَيْرُهُ))(2)
الْتَّعْلِيق:
أَوَّلاً: هَذِهِ نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ مِنْ كِبَارِ مَشَايِخِ جَمْعِيَّة الْعُلَمَاءِ الْـمُسْلِمِينَ الْجَزَائِرِيِّينَ تُؤَكِّدُ الْتِزَامهم بِعَقِيدَةِ أَهْلِ الْسُّنَةِ وَالْجَمَاعَةِ الْسَّادَة الْأَشَاعِرَةِ وَالْـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْل الْحَدِيثِ: فِي نَفْيِ قِدَمِ الْـعَالَـمِ بِالْنَّوْعِ أَوْ الْعَيْنِ مَعَ الْخَالِقِ.
نَعَمْ؛ فَالْقَوْل بِأَنَّهُ: "كَانَ تَعَالَى وَحْدَهُ وَلاَ شَيْءَ مَعَهُ، ثُمَّ خَلَقَ مَا شَاءَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ" كَمَا جَاءَ فِي عَقِيدَةِ الْشَّيْخ ابْنِ بَادِيس، قَاضٍ فِي اعْتِقَادِ هَذَا الْأَخِير بِأَنَّ الله كَانَ وَحْدَهُ لاَ فِي زَمَان وَلاَ فِي مَـكَان، فَلَمْ يَكُنْ جَلَّ وَعَزَّ مُتَّصِلاً بِالْعَالَـمِ وَلاَ مُنْفَصِلاً عَنْهُ، لاَ قَرِيبًا بِالْـمَسَافَةِ مِنْ شَيْءٍ وَلاَ بَعِيداً عَنْهُ كَذَلِكَ، لاَ مُـمَّاسًا لِشَيْءٍ وَلاَ مُحَايِثًا لَهُ، لاَ مُـجَامِعًا لِشَيْءٍ وَلاَ مُفَارِقًا لَهُ، فَلاَ كَانَ رَبُّنَا فَوْقَ الْعَالَـمِ، وَلاَ تَحْتَهُ، وَلاَ أَمَامَهُ، وَلاَ خَلْفَهُ، وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلاَ عَنْ يَسَارِهِ؟!، فَهَذِهِ هِيَ عَقِيدَة أَهْلِ الْحَقِّ بِخَلاَفِ الْـمُجَسِّمَةِ الْتَّيْمِيَّةِ فَعِنْدَهُم هَذِهِ الْأَوْصَاف هِيَ بِعَيْنهَا: صِفَة الْـمَعْدُومِ لاَ الْـمَوْجُودِ، كَمَا صَرَّح شَيْخهم ابْن تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي بِهَذَا فِي تَوَالِيفِهِ؟!...
نَعَمْ؛ فَعَقِيدَة الْشَّيْخ ابْن بَادِيس هَذِهِ عَلَى الْنَّقِيضِ تَمَامًا مِنْ عَقِيدَةِ الْتَّيْمِيَّةِ وَأَدْعِيَاءِ الْسَّلَفِيَّةِ الْقَائِمَةِ عَلَى إِثْبَاتِ قِدَمِ الْعَالَـمِ بِالْنَّوْعِ، وَالْقَوْل بِحُدُوثِ مَا يُسَمُّونَهُ بِالْأَفْعَالِ الاِخْتِيَارِيَةِ الَّتِي يُحْدِثُهَا رَبُّهُم وَيُفْنِيهَا فِي ذَاتِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا تَبَعًا لِحَالِ الْمَخْلُوقِ؟!، وَالْعِيَاذُ بِاللهِ...
ثَانِيًا: فَهَؤُلاَءِ الْـمُبْتَدِعَة يَزْعُمُونَ كَشَيْخِهِم ابْنِ تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي حَامِل لِوَاء هَذِهِ الْبِدْعَة الْخَطِيرَة، بِأَنَّ رَبَّهُم لاَ زَالَ بِـمَعِيَّةِ مَخْلُوقَاتِهِ؟!، بِـمَعْنَى مَا مِنْ مَخْلُوقٍ إِلاَّ وَقَبْلَهُ مَخْلُوقٌ آخَر وَهَكَذَا الْتَّسَلْسُل فِي الْـمَاضِي إِلَى لاَ نِهَايَةٍ؟!، وَأَنَّ هَذَا الْهَذَيَان مِنْ تَمَامِ إِثْبَاتِ الْكَمَال لِرَبِّهِم؟!، إِذْ عِنْدَهُم: الْقَوْل بِأَنَّ: "الله كَانَ وَلاَ مَخْلُوق": يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ مُعَطَّلاً عَنِ الْفِعْلِ ثُـمَّ صَارَ فَاعِلاً؟!...وَهَذَا فِيهِ نِسْبَة الْنَّقْصِ لِلْرَّبِّ "عَدَم الْفِعْلِ" حَسْبَ فَهْمِهِم الْـمَنْكُوس؟!...
لِأَجْلِ هَذَا الْتَزَمَ الْـمُشَيَّخ عَلَى الْإِسْلاَمِ ابْن تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي الْقَوْلَ بِـ: "قِدَمِ الْعَالَـمِ بِالْنَّوْعِ وَحُدُوثِهِ بِالْعَيْنِ": فَقَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللهُ عَيْن هَذَا الْعَالَـم، كَانَ هُنَاكَ عَالَـمًا غَيْر هَذَا، خَلَقَهُ اللهُ ثُـمَّ أَفْنَاهُ لِيَخْلُقَ هَذَا الْـمُشَاهَد، وَقَبْلَ ذَاكَ الْعَالَـم الْـمُعْدَم كَانَ عَالَـمًا غَيْره خَلَقَهُ اللهُ لِيَفْنِيه فِيمَا بَعْدُ، وَهَكَذَا الْسِّلْسِلَة: يَخْلُق الله عَالَـمًا ثُـمَّ يُفْنِيهِ إِلَى لاَ بِدَايَةٍ فِي الْـمَاضِي؟!...فَالله عِنْدَ ابْنِ تَيْمِيَّة يَجِبُ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا بِالْفِعْلِ وَإِلاَّ فَيَلْزَمُ نِسْبَة الْنَّقْص لَهُ تَعَالَى؟!، وَمَشِيئَة اللهِ عِنْدَهُ قَدِيْمَة الْنَّوْع حَادِثَة الْأَفْرَادِ، فَاللهُ عِنْدَهُ (أَحْدَثَ!) فِي نَفْسِهِ مَشِيْئَةً لِيَخْلُقَ الْعَالَـم؟!، فَلَزِمَهُ الْقَوْل بِخَلْقِ الله لِصِفَاتِهِ وَإِنْ حَاوَلَ الْتَّمَلُّصَ مِنْ هَذَا بِطَرِيقَةٍ بَيِّنَة الْعَوَارِ؟!، فَاللهُ عِنْدَهُ يَنْفَعِل بِمَخْلُوقَاتِهِ؟!، وَالْـمَخْلُوقَات تُؤَثِّرُ فِي الْكَمَالاَتِ الْإِلَهِيَّةِ؟!، فَاللهُ يَكْتَسِب كَمَالاَتٍ حَادِثَةٍ بَعْدَ خَلْقِ الْعَالَـمِ؟!، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْهَذَيَان إِثْبَات الْنَّقْص لَهُ تَعَالَى؟!: فَاللهُ (أَكْمَلُ!) بَعْدَ خَلْقِ الْـمَخْلُوقَاتِ مِنْهُ قَبْلُ؟!، وَمُلْتَزِم نِسْبَة الْنَّقْص لِلْخَالِقِ كَافِرٌ بِاتِّفَاقٍ...
ثَالِثًا: وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذِهِ شُبْهَةٌ سَاقِطَةٌ تَقْدَحُ بِشَكْلٍ قَبِيحٍ فِي أَصْلِ الْعَقِيدَةِ الْإِسْلاَمِيَّة؟!، فَلاَ مِصْدَاقَ لِوُجُودِ الْوَاجِبِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهَذِهِ الْطَّامَّةِ إِلاَّ بِـمَعِيَّةِ غَيْرِهِ مِنْ الْـمُمْكِنَاتِ؟!، وَهَذَا فِيهِ مَا فِيهِ؟!،...وَالْقَوْل بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْبِدْعَة الْخَطِيرَة يَسْتَلْزِمُ إِثْبَات (الْشِّرْكَةِ!) فِي صِفَةِ الْأَوَّلِيَّةِ الْثَّابِتَةِ لِلْبَارِي جَلَّ وَعَلاَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ﴾[الْحَدِيد:3]؟!،...وَيَسْتَلْزِمُ أَيْضًا إِنْكَار وُجُود بِدَايَةٍ لِلْخَلْقِ مَعَ أَنَّ الْقُرْآن يُؤَكِّد قَائِلاً: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾[الْعَنْكَبُوت:19] وَيَقُولُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾[الْرُّوم:27]؟!...وَيَسْتَلْزِمُ إِنْكَار وُجُود أَوَّل الْـمَخْلُوقَاتِ مَعَ أَنَّ الْقُرْآن يَقُول: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾[الْأَنْبِيَاء:104] وَالْـمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم يَقُول فِي الْحَدِيث الْصَّحِيح كَمَا جَاءَ عِنْدَ الْبُخَارِي (3191): "كَانَ اللَّهُ وَلَـمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ"؟!...
وَلِهَذَا رَدَّ الْحَافِظ ابْن حَجَر فِي الْفَتْح عَلَى هَذَا الْحَرَّانِي فَقَال: ((قَوْلُهُ: "كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ" تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ بِلَفْظِ: "وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ" وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: "كَانَ اللَّهُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ" وَهُوَ بِمَعْنَى: "كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ" وَهِيَ أَصَرْحُ فِي الْرَّدِّ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا مِنْ رِوَايَةِ الْبَابِ، وَهِيَ مِنْ مُسْتَشْنَعِ الْمَسَائِلِ الْمَنْسُوبَةِ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَوَقَفْتُ فِي كَلَامٍ لَهُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ يُرَجِّحُ الْرِّوَايَةَ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى غَيْرِهَا، مَعَ أَنَّ قَضِيَّةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْرِّوَايَتَيْنِ تَقْتَضِي حَمْلَ هَذِهِ عَلَى الَّتِي فِي بَدْءِ الْخَلْقِ لَا الْعَكْسَ، وَالْجَمْعُ يُقَدَّمُ عَلَى الْتَّرْجِيحِ بِالِاتِّفَاقِ))(3)...
وَالْحَقِيقَة، أَنَّ هُنَاكَ:
(أ) فَاعِلٌ قَدِيمٌ كَصِفَاتِهِ غَيْر مَسْبُوقٍ بِعَدَمٍ، وَهُوَ اللهُ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾[الْفُرْقَان:2]، مَوْصُوفٌ بِصِفَاتٍ قَدِيْمَةٍ يَصْدُرُ عَنْهَا الْفِعْل: الْقُدْرَة عِنْدَ الْسَّادَةِ الْأَشَاعِرَةِ، وَالْتَّكْوِين عِنْدَ الْسَّادَة الْـمَاتُرِيدِيَّةِ،...فَالْبَارِي مُتَّصِفٌ بِهَذِهِ الْصِّفَاتِ أَزَلاً وَأَبَداً، وَلاَ يَتَوَقَّفُ وَصْفهُ بِهَا جَلَّ وَعَزَّ عَلَى وُجُودِ آثَارِهَا بِالْفِعْلِ،...فَهِيَ صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ قِدَم الْذَّاتِ الْعَلِيَّةِ الْـمَوْصُوفَةِ بِهَا، فَلاَ يَسْبَقهَا وَلاَ يَلْحَقُهَا عَدَمٌ، لِأَنَّهُ تَعَالَى كَامِلٌ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ أَزَلاً وَأَبَداً،...فَكَمَالُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَاتِي لاَ يَفْتَقِرُ لِلْأَغْيَارِ، فَهُوَ إِذًا جَلَّ وَعَزَّ مَوْصُوفٌ بِالْـخَالِقِيَّةِ مَثَلاً أَزَلاً وَأَبَداً قَبْل أَنْ يَخْلُقَ الْعَالَـم وَبَعْدَ خَلْقِهِ، وَسَوَاء أَخَلْقَ الْـمَخْلُوقَات أَمْ لاَ، فَصِفَاتُهُ تَعَالَى كَذَاتِهِ لاَ تَتَأَثَّر بِوُجُودِ الْـمَخْلُوق الْـمُمْكِن وَلاَ بِعَدَمِهِ، فَلاَ يَلْحَقُ صِفَاتهُ تَعَالَى الْتَّبَدُّل وَلاَ الْتَّغَيُّر لِأَنَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾[الْعَنْكَبُوت:6]...
(ب) فِعْلٌ حَادِثٌ، وَهُوَ تَأْثِيرُ الْصِّفَةِ فِي تَخْصِيصِ الْـمَخْلُوقِ بِبَعْضِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنْ أَوْجُهِ الْـمُمْكِنَاتِ مِنَ: الْإِيْجَادِ وَالْإِمْدَادِ وَالْإِعْدَامِ، فَالْفِعْل يَقُومُ بِالْـمَخْلُوقِ لاَ بِالْخَالِقِ، لِأَنَّ الله -كَمَا سَبَقَ الْتَّنْوِيه إِلَيْهِ- مَوْصُوفٌ أَزَلاً وَأَبَداً بِإِحْيَاءِ الْـمَوْتَى مَثَلاً، وَهُوَ تَعَالَى: الْـمُحْيِي لِلْمَوْتَى حَقًّا قَبْلَ فِعْلِ الْإِحْيَاءِ. وَهُوَ تَعَالَى الْـمَوْصُوفُ أَزَلاً وَأَبَداً بِالْإِمَاتَةِ وَهُوَ الْـمُمِيتُ حَقًّا قَبْل صُدُورِ فِعْل الْإِمَاتَةِ. وَالْبَارِي مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ هُوَ الْشَّافِي، وَهُوَ الْشَّافِي حَقًّا أَزَلاً وَأَبَداً قَبْلَ إِشْفَاءِ الْـمَرْضَى، وَاللهُ مَوْصُوفٌ أَزَلاً وَأَبَداً بِالْتَّرْزيقِ وَهُوَ الْرَّزَّاقُ قَبْل فِعْلِ الْتَّرْزِيقِ، وَهَكَذَا.
(ت) مَفْعُولٌ: حَادِثٌ، وَهُوَ نَتِيجَة الْفِعْل أَيْ: الْـمَخْلُوق...
فَقَوْل الْـمُسْلِمُ: أَحْيَا اللهُ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، مَعْنَاهُ أَنَّ:
الْفَاعِلَ: هُوَ الْبَارِي الْفَعَّالُ لِـمَا يُرِيد، وَالْصِّفَة: هِيَ "الْإِحْيَاء" قَدِيْمَةٌ وَلَيْسَت حَادِثَةً لِأَنَّ الله مَوْصُوفٌ بِـ: "إِحْيَاءِ الْأَرْضِ" قَبْلَ فِعْل "الْإِحْيَاءِ"، وَالْفِعْلُ: "إِحْيَاء الْأَرْض"، وهُوَ حَادِثٌ حَدَثَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَرْضِ...وَعَلَى هَذَا فَالْحَادِث هُوَ الْفِعْل: إِحْيَاء، إِمَاتَة...الخ، وَلَيْسَتْ الْصِّفَة الْقَدِيْمَة: الْإِحْيَاء، وَالْإِمَاتَة وَ...الخ.
فَكَمَا تَرَى، فَالْصِّفَة قَدِيْمَةٌ وَالْحَادِث هُوَ أَثَرُ الْصِّفَةِ أَيْ: الْـمَفْعُول الْـمَخْلُوق، فَلاَ إِشْكَال كَمَا يُهَوِّشُ ابْن تَيْمِيَّة وَمَنْ نَحَا نَحْوهُ؟!، وَلِهَذَا قَالَ الْطَّحَاوِي فِي عَقِيدَتِهِ الْـمَشْهُورَة : "لَيْسَ مُنْذُ خَلَقَ الخَلْقَ اسْتَفَادَ اسْمَ الخَالِقِ وَلا بِإِحْدَاثِهِ البَرِيَّةَ اسْتَفَادَ اسْمَ البَارِي لَهُ مَعْنَى الرُّبُوْبِيَّةِ وَلا مَرْبُوْبٌ، وَ مَعْنَى الخَالِقِ وَلا مَخْلُوْقٌ كَمَا أَنَّهُ "مُحْيِي المَوْتَى" بَعْدَمَا أَحْيَاهُم اسْتَحَقَّ هَذَا الاسْمَ قَبْلَ إِحْيَائِهِمْ كَذلِكَ اسْتَحَقَّ اسْمَ الخَالِقِ قَبْلَ إِنْشَائِهِمْ ذَلِكَ: بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَيْـهِ فَقِيْرٌ وكل أَمْرٍ عَلَيْهِ يَسِيْرٌ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشُّورى:11]"...
وَقَالَ الْعَلاَّمَة الْشَّيْخ سَلاَمَة الْقُضَاعِي الْعَزَّامِي الْشَّافِعِي (ت:1376هـ): ((وَقَوْلُ الْسَّلَفِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم: إِنَّهُ تَعَالَى لَـمْ يَتَجَدَّد لَهُ بِخَلْقِ الْأَشْيَاءِ اسْم الْخَالِقِ. أَرَدُوا بِهَذَا الاِسْم الْشَّرِيف أَنَّهُ: الْقَادِرُ عَلَى الْخَلْقِ إِذَا شَاءَ. كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ الآنَ بِأَنَّهُ بَاعِثٌ مَنْ فِي الْقُبُورِ. بِمَعْنَى: أَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ إِذَا شَاءَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ﴾[الاِنْسَان:22] أَيْ: الاِنْسَان. وَهَكَذَا الْكَلاَم فِي كُلِّ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْفِعْلِيَّةِ. كَالْرَّازِقِ وَالْـمُحْيِ وَالْـمُمِيت. فَهُوَ مَوْصُوفٌ بِهَا: أَزَلاً. بِمَعْنَى: أَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ إِذَا شَاءَ. وَقَدْ أَرَادُوا رَحِمَهُم اللهُ بِهَذَا أَنْ يُبَيِّنُوا لِلْأُمَّةِ أَنَّ تَأْخِيرَهُ تَعَالَى لِلْأَشْيَاءِ إِلَى مَوَاقِيتِهَا الَّتِي حَدَّدَهَا بِإِرَادَتِهِ لَيْسَ عَنْ عَجْزٍ مِنْهُ -تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ- وَإِنَّمَا هَذَا الْتَّأْخِيرُ لِأَنَّهُ هَكَذَا شَاءَهُ، فَهُوَ إِذَا قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ لَمْ يَكُن ذَلِكَ عَنْ ضُعْفٍ فِي قُدْرَتِهِ، أَوْ قُصُورٍ فِي نُفُوذِ إِرَادَتِهِ جَلَّ وَعَزَّ. بَلْ بـِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَانَ مَا شَاءَ عَلَى مَا شَاءَ))(4)...
ثُـمَّ إِنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾[الْقَصَص:68]، فَاللهُ يَخْلُقُ بِالْـمَشِيئَةِ وَالِاخْتِيَارِ، فَلَوْ شَاءَ رَبُّنَا أَلاَّ يَخْلُقَ الْعَالَـم أَصْلاً فَلاَ رَادَّ لِـمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ تَعَالَى. فَعِنْدَئِذٍ يُقَالُ لاِبْنِ تَيْمِيَّة: هَبْ أَنَّ اللهَ لَـمْ يَشَأْ خَلْق الْعَالَـمِ...فَهَل سَيَكُون حِينَهَا تَعَالَى نَاقِصًا فِي كَمَالِهِ أَمْ لاَ؟!، فَإِنْ قُلْتَ: لاَ؛ بَطَلَ تَفَلْسُفَكَ فِي قِدَمِ الْعَالَـمِ بِالْنَّوْعِ؟!، وَإنْ قُلْتَ: نَعَم، فَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقٍ؟!...
رَابِعًا: بَعْض الْتَّيْمِيَّةِ يَرْفُضُونَ عَقِيدَة شَيْخهم ابْن تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي فِي إِثْبَاتِ تَسَلْسُل الْحَوادِث فِي الْـمَاضِي إِلَى لاَ بِدَايَةٍ:
ثُـمَّ إِنَّ الْسِّلْسِلَة لَيْسَت إِلاَّ مَجْمُوع أَفْرَاد مُجْتَمِعَةٍ، وَكُلُّ فَرْدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْرَاد فَهُو مَخْلُوقٌ حَادِثٌ بَعْدَ عَدَمٍ، فَيَلْزَمُ قَطْعًا حُدُوث الْـجُمْلَة؟!، وَلِهَذَا قَالَ الْهَرَّاس (الْتَّيْمِي!): ((وَلَكِنَّنَا نَتَعَجَّل فَنَقُولُ إِنَّ ابْن تَيْمِيَّة قَدْ بَنَى عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَة: "قِدَم الـجِنْسِ وَحُدُوث الأَفْرَادِ" كَثِيراً مِنَ الْعَقَائِد وَجَعَلَهَا مِفْتَاحًا لِـحَلِّ مَشَاكِلَ كَثِيرَةٍ فِي عِلْم الْكَلاَمِ، وَهِيَ قَاعِدَةٌ لاَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا الْعَقْل كَثِيراً، فَإِنَّ الْـجُمْلَةَ لَيْسَت شَيْئًا أَكْثَر مِنَ الْأَفْرَادِ مُـجْتَمِعَة، فَإِذَا فَرَضَ أَنَّ كُلّ فَرْدٍ مِنْهَا حَادِثٌ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ حُدُوث الْـجُمْلَةِ قَطْعًا))؟!(5)...
وَقَالَ أَيْضًا: ((وَهَكَذَا كَانَتْ مَسْأَلَة كَلاَم الله تَعَالَى صَعْبَة شَائِكَة لاَ يَطْمَئِنُّ فِيهَا الْإِنْسَان إِلَى رَأْيٍ، فَإِنَّ ابْن تَيْمِيَّة بَعْد أَنْ أَوْرَدَ الْـمَذَاهِب الْـمُخْتَلِفَة فِيهَا وَنَقَدَهَا كَـمَا سَبَقَ، أَخَذَ فِي تَقْرِيرِ مَذْهَبه الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ مَذْهَب الْسَّلَفِ. وَلَكِنْ عَلَيْهِ مِنَ الْـمَآخِذِ مَا سَبَقَ أَنْ أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ تَجْوِيزِ قِيَام الْـحَوَادِثِ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَابْتِنَائِهِ عَلَى تِلْكَ الْقَاعِدَة الْفَلْسَفِيَّة الَّتِي تَقُولُ: بِـ: "قِدَمِ الْـجِنْسِ مَعَ حُدُوثِ أَفْرَادِهِ" وَهِيَ قَاعِدَةٌ يَصْعُبُ تَصَوُّرهَا كَمَا قُلْنَا))(6)...
وَقَالَ أَيْضًا: ((وَلَكِنْ كَيْفَ يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَّة بِقِدَمِ جِنْس الْصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ مَعَ حُدُوثِ آحَادِهَا، وَهَلْ الْـجِنْس شَيْءٌ آخَر غَيْر الأَفْرَادِ مُجْتَمِعَة كَمَا قَرَّرْنَا، وَهَلْ لِلْكُلِّيِّ وُجُودٌ إِلاَّ فِي ضِمْنِ جُزْئِيَّاتِهِ، فَإِذَا كَانَ كُلّ جُزْئِي مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ حَادِثًا فَكَيْفَ يَكُون الْكُلِّي قَدِيـمًا؟!))(7)...
وَقَالَ الأَلْبَانِي: ((وَلَقَدْ أَطَالَ ابْن تَيْمِيَّة رَحِمَهُ الله فِي الكَلاَم فِي رَدِّهِ عَلَى الفَلاَسِفَة مُحَاوِلاً إِثْبَات حَوَادِث لاَ أَوَّلَ لَـهَا، وَجَاءَ فِي أَثْنَاء ذَلِكَ بِـمَا تَـحَارُ فِيهِ العُقُول وَلاَ تَقْبَلهُ أَكْثَر القُلُوب، حَتَّى اتَّـهَمَهُ خُصُومهُ بِأَنَّهُ يَقُول بِأَنَّ الـمَخْلُوقَات قَدِيـمَة لاَ أَوَّل لَـهَا، مَعَ أَنَّهُ يَقُول وَيُصَرِّحُ بِأَنَّ مَا مِنْ مَـخْلُوقٍ إِلاَّ وَهُوَ مَسْبُوقٌ بِالعَدَمِ، وَلِكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَقُول بِتَسَلْسُل الـحَوَادِث إِلَى مَا لاَ بِدَايَة لَهُ(، كَمَا يَقُول هُوَ وَغَيْرهُ بِتَسَلْسُل الـحَوَادِث إِلَى مَا لاَ نِهَايَة؛ فَذَلِكَ القَوْل مِنْهُ غَيْر مَقْبُولٍ بَلْ هُوَ مَرْفُوضٌ...وَكَمْ كُنَّا نَوَدُّ أَنْ لاَ يَلِج ابْن تَيْمِيَّة رَحِمَهُ الله هَذَا الـمَوْلِـج؛ لِأَنَّ الكَلاَم فِيهِ شَبِيهٌ بِالفَلْسَفَةِ وَعِلْم الكَلاَم الَّذِي تَعَلَّمْنَا مِنْهُ التَّحْذِير وَالتَّنْفِير مِنْهُ))؟!(9)...وَتَأَمَّل كَيْفَ يَلِين وَيُرْخِي الْطَّرف هَذَا الْأَلْبَانِي أَمَام اِنْتِهَاك شَيْخِهِ ابْن تَيْمِيَّة لِسِيَاجِ أُصُولِ الْعَقِيدَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ، فَيَقُول: ((وَكَمْ كُنَّا نَوَدُّ أَنْ لاَ يَلِج...)) وَكَأَنَّ الْرَّجُل خَالَفَ فِي الْفُرُوعِ؟!...مَعَ أَنَّ هَذَا الْأَلْبَانِي يُقِيم الْدُّنْيَا وَلاَ يُقْعِدهَا عَلَى مَسَائِل كَإِحْيَاءِ لَيْلَة الْـمَوْلِد وَغَيْرِهَا مِنْ الْفَرْعِيَّاتِ؟!، فَانْظُر مَاذَا تَرَى؟!...
خَامِسًا: بَعْض أَقْوَال ابْن تَيْمِيَّة وَأَتْبَاعه فِي إِثْبَات هَذِهِ الْبِدْعَة الْخَطِيرَة:
لَـمَّا ذَكَر ابْن حَزْم الظَّاهِرِي فِي كِتَابِهِ "مَرَاتِب الإِجْمَاع" إِجْمَاع أُمَّة التَّوْحِيد عَلَى أَنَّ لَـمْ يَزَل وَحْدَهُ ثُـمَّ خَلَق الْـمَخْلُوقَاتِ وَحَكَى الْحُكْم بِكُفْرِ كُلِّ مَنْ يُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْعَقِيدَة الْبَيِّنَةِ فَقَالَ: ((اِتَّفَقُوا أَنَّ اللهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ غَيْرهُ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَـمْ يَزَلْ وَحْدَهُ، وَلاَ شَيْءَ غَيْرهُ مَعَهُ، ثُـمَّ خَلَقَ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا كَـمَا شَاءَ، وَأَنَّ النَّفْسَ مَخْلُوقَةٌ، وَالعَرْشَ مَـخْلُوقٌ، وَالعَالَـمُ كُلّهُ مَـخْلُوقٌ))(10) تَعقَّبهُ ابْنَ تَيْمِيَّة مُمَهِّداً لِحَشْوِ مُعْتَقَده الْفَاسِدِ، فَقَال: ((وَأَعْجَب مِنْ ذَلِكَ حِكَايَتهُ الإِجْمَاع عَلَى كُفْرِ مَنْ نَازَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَـمْ يَزَلْ وَحْدَهُ وَلاَ شَيْء غَيْرهُ مَعَهُ، ثُـمَّ خَلَقَ الأَشْيَاءَ كَـمَا شَاءَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَة لَيْسَتْ فِي كِتَاب الله، ولاَ تُنْسَب إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ))(11)؟!...ثُـمَّ وَضِّحَ الْحَرَّانِي عَقِيدَتَهُ أَكْثَر ليَصِلَ إلَى أَنَّهُ لاَ مَحْذُور فِي اِعْتِقَاد قِدَم جِنْس الْـمَخْلُوقَاتِ مَعَ الله!، فَقَالَ: ((وَلَكِن الْإِجْماعَ الْـمَعْلُوم هُوَ مَا عَلِمَتْ الْأُمَّةُ أَنَّ الله بَيَّنَهُ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ أَنَّ خَلْقَ الْسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، كَـمَا أَخْبَرَ اللهُ بِذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْر مَوْضِعٍ، فَإِذَا اِدَّعَى الْـمُدَّعِي الْإِجْمَاع عَلَى هَذَا، وَتَكْفِير مَنْ خَالَفَ هَذَا، كَانَ قَوْلهُ مُتَوَجّهًا، وَلَيْسَ فِي خَبَر اللهِ، أَنَّهُ خَلَقَ الْسَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، مَا يَنْفِي وُجُود مَـخْلُوقٍ قَبْلَهُمَا، وَلاَ يَنْفِي أَنَّهُ خَلَقَهُمَا مِنْ مَادَّةٍ كَانَتْ قَبْلَهُمَا))(12)؟!...
بَلْ إِنَّ ابْنَ تَيْمِيَّة يُصَرِّح أَلاَّ مَحْذُور شَرْعِي وَلاَ عَقْلِي فِي اعْتِقَاد قِدَم نَوْعِ الْـمَخْلُوقَات مَعَ الله وَأَنَّ هَذِهِ الْـمَعِيَّة (كَمَالٌ!) فِي حَقِّهِ جَلَّ وَعَزَّ!، فيَقُول: ((وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ نَوْعَهَا [يَقْصِدُ نَوْع الْـمَخْلُوقَاتِ] لَمْ يَزَلْ مَعَهُ، فَهَذِهِ الْمَعِيَّةُ لَمْ يَنْفِهَا شَرْعٌ وَلَا عَقْلٌ، بَلْ هِيَ مِنْ كَمَالِهِ))(13)؟!...وَهُو لاَ يَجِدُ أَيّ غَضَاضَةٍ فِي أَنْ يُلَقِّفَ لِلْسَّلَف بِأَنَّهُ لَـمْ يَزَل تَعَالَى يُقَلِّبُ الْـمَادَّة لِلْخَلْق! فَهُو جَلَّ وعَزَّ يَخْلُق الْـخَلْق مِنْ خَلْقٍ قَبْله وَهَكَذَا إِلَى مَا لاَ بِدايَةٍ!؟، قَالَ: ((وَهَذَا الْقَوْلُ وَهُوَ الْقَوْلُ: "فِي خَلْقِ اللَّهِ لِلْأَجْسَامِ الَّتِي يُشَاهَدُ حُدُوثَهَا أَنَّهُ يُقَلِّبُهَا وَيُحِيلُهَا مِنْ جِسْمٍ إِلَى جِسْمٍ"، هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ قَاطِبَةً وَالْجُمْهُورُ))(14)؟!...
وَيُؤَكِّدُ ابْن تَيْمِيَّة أَنَّ الله لَـمْ يَذْكُر فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ جَلَّ وَعزَّ يَخْلُقُ مِنْ عَدَمٍ؟! بَلْ إِنَّ الْـمُشَاهَد أَنَّ الله يَخْلُقُ الخَلْقَ مِنْ خَلْقٍ آخَر وَهَلُمَّ جَرًّا؟! قَالَ: ((وَالْـمَشْهُود الْـمَعْلُوم لِلْنَّاسِ إِنَّـمَا هُوَ إِحْدَاثهُ لِـمَا يُحْدِثهُ مِنْ غَيْرِهِ، لاَ إِحْدَاثًا مِنْ غَيْرِ مَادَّةٍ، وَلِـهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئَاً﴾[مَرْيَم:9] وَلَـمْ يَقُلْ: خَلَقْتُكَ لاَ مِنْ شَيْءٍ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾[النُّور:45] وَلَـمْ يَقُلْ: خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ لاَ مِنْ شَيْءٍ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْـمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾[الأَنْبِيَاء:30]))(15)؟!، وَقَالَ أَيْضًا: ((فَكَوْن الْشَّيْءِ مَـخْلُوقًا مِنْ مَادَّةٍ وَعُنْصُرٍ، أَبْلَغ فِي الْعُبُودِيَّةِ مِنْ كَوْنِهِ خُلِقَ لاَ مِنْ شَيْءٍ))(16)؟!...
وَقَالَ شَيْخ الْوَهَّابِيَّة صَالَح بن عَبْد الْعَزِيز آل الْشَّيْخ: ((إِنَّ الْعَوَالِـمَ الَّتِي سَبَقَتْ هَذَا الْعَالَـمَ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ لاَ نَعْلَمهَا، اللهُ عَزَّ وجَلَّ يَعْلَمُهَا. وهَذَا مَا قِيلَ: إِنَّهُ يُسَمَّى بِقِدَمِ جِنْس الْـمَخْلُوقَاتِ، أَوْ مَا يُسَمَّى بِالْقِدَم الْنَّوْعِي لِلْمَخْلُوقَاتِ...الْـمُهِم أَنْ يَتَقَرَّر فِي ذِهْنِكَ أَنَّ مَذْهَب أَهْل الْـحَدِيث وَالأَثَرِ فِي هَذِهِ الْـمَسْأَلَة لِأَجْلِ كَـمَالِ الرَّب عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ غَيْرَ قَوْلِـهِم فِيهِ تَنَقُّصٌ لِلْرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ بِكَوْنِهِ مُعَطَّلاً عَنْ صِفَاتِهِ أَوْ بِكَوْنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُعَطَّلاً أَنْ يَفْعَل، وَأَنْ تَظْهَر آثَار أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ قَبْلَ خَلْقِ هَذَا العَالَـمِ الْـمَعْلُوم أَوْ الْـمَنْظُورِ))(17)؟!...وَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْـمَفْضُوحِ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ وَيَكْفِي فِي كَشْفِ زَيْفِهِ قَوْل الْإِمَام الْطَّحَاوِي فِي عَقِيدَتِهِ الـمَشْهُورَةِ؟!...
وَقَالَ شَيْخ الْوَهَّابِيَّة عَبْد الرَّحْمَن بَن نَاصِر الْبَرَّاك مُتَعَقِّبًا الْإِمَام الْطَّحَاوِي فِي قَوْلهِ بِوُجُودِ أَوَّل الْـمَخْلُوقَاتِ: ((وَقَوْلهُ [الإِمَام الطَّحَاوِي]: "لَيْسَ بَعْدَ خَلْق الْـخَلْقِ اسْتَفَادَ اسْم الْـخَالِقِ" يَحْتَمِل أَنَّهُ يَـمْنَع تَسَلْسُلَ الْـحَوَادِث فِي الْـمَاضِي؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: "لَيْسَ بَعْدَ خَلْقِ الْـخَلْقِ"، "وَلَهُ مَعْنَى الْرُّبُوبِيَّةِ وَلاَ مَرْبُوب" كَأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ لِـجِنْسِ الْـمَخْلُوقَاتِ بِدَايَة؟!(18)، لَكِنْ هَلْ يَقُول: إِنَّ دَوَام الْـحَوَادِث فِي الْأَزَلِ مُمْتَنعٌ؟ أَوْ يَقُول: إِنَّهُ مُـمْكِنٌ لَكِنَّهُ غَيْر وَاقِعٍ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ. وَالْـمُنكَر هُوَ القَوْل بِامْتِنَاع تَسَلْسُل الْـحَوَادِث فِي الْـمَاضِي، لَكِنْ هَلْ هُوَ وَاقِعٌ -أَيْ: أَنَّ الـمَخْلُوقَات لَـمْ تَزَلْ فِعْلاً- أَوْ هُوَ مُـمْكِنٌ لَكِنَّهُ لَـمْ يَقَع؟ الأَمْر فِي هَذَا وَاسِعٌ))(19)؟!...إذًا: فَكِبَار مَشَايِخِ الْوَهَّابِيَّة يَعْتَبِرُونَ عَقِيدَة الْـمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ الله كَانَ وَحْدَهُ، مِنَ الْعَقَائِدِ الْـمُنْكَرَة؟!...
وَقَالَ شَيْخ الْوَهَّابِيَّة عَبْد العَزِيز الرَّاجِحِي: ((فَالْـمَخْلُوقَات مِثْل: الْنَّبَات، وَالْـحَيَوَان، وَالْأَشْجَار، وَالْطُّيُور، وَالْـحَيَوَانَات، وَالْسَّمَاوَات، وَالْأَرَضِينَ...إِلَى غَيْرهَا؛ تُسَمَّى: حَوَادِث مُتَسَلْسِلَة. وَأَهْل السُّنَّة يَقُولُونَ: الْـحَوَادِثُ مُتَسَلْسِلَةٌ -أَيْ: مُسْتَمِرَّةٌ- فِي الْـمَاضِي؛ بِـمَعْنَى: أَنَّ الْرَّب لَـمْ يَزَلْ يَفْعَلُ وَيَـخْلُقُ خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ إِلَى مَا لاَ نِـهَايَةٍ فِي الْأَزَلِ، وَلَكِن كُلّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ هَذِهِ الْـمَخْلُوقَاتِ، مَسْبُوقٌ بِالعَدَمِ، مَوْجُودٌ بِإِيـجَادِ الله لَهُ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وُجُودٌ وَلاَ عَدَمٌ...وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَأَهْلِ الكَلاَمِ: إِلَى أَنَّ الْـحَوَادِثَ مُتَسَلْسِلَةٌ فِي الْـمُسْتَقْبَلِ، إِلاَّ أَنَّـهَا غَيْر مُتَسَلْسِلَةٍ فِي الْـمَاضِي، وَأَثْبَتُوا فَتْرَةً كَانَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ فِيهَا مُعَطَّلاً عَنِ الْعَمَل وَالْفِعْلِ وَالْكَلاَمِ))(20)؟!...وَتَأَمَّل قَوْله: ((وَأَثْبَتُوا فَتْرَةً كَانَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ فِيهَا مُعَطَّلاً)) فَالْأَشَاعِرَة يُثْبِتُونَ صِفَة الْأَوَّلِيَّة لله بِـمَعْنَى سَلْب سِبْق الْعَدَم عَنْ وُجُودِهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ كَانَ وَحْدَهُ وَلاَ زَمَانَ وَلاَ مَكَانَ، وَهَذَا الْجَاهِلُ يَدَّعِي أَنَّهُم يُثْبِتُونَ وُجُوده تَعَالَى فِي (فَتْرَةٍ!) زَمَنِيَّةٍ؟!...
وَقَالَ شَيْخ الْوَهَّابِيَّة ابْن الْعُثَيْمِين: ((لَكِنْ لِيَكُنْ مَعْلُومًا أَنَّ اللهَ لَـمْ يَزَلْ وَلاَ يَزَالُ خَلاَّقًا، وَأَنَّ هُنَاكَ مَـخْلُوقَاتٍ غَيْر الْسَّمَاءِ وَالأَرْضِ...فَهُنَاكَ مَخْلُوقَاتٍ قَبْلَ الْسَّمَوَاتِ وَقَبْلَ الْعَرْشِ لاَ نَعْرِفُ مَا هِيَ، لِأَنَّ اللهَ لَـمْ يَزَلْ وَلاَ يَزَالُ فَعَّالاً، وَلاَ يَلْزَم مِنْ هَذَا أَنَّ قِدَمَ الْـمَفْعُول كَقِدَمِ الْفَاعِل؛ لِأَنَّهُ بِاتِّفَاق الْعُقَلاَء أَنَّ الْـمَفْعُول مَسْبُوقٌ بِالْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْـمَفْعُول نَتِيجَة فِعْل الْفَاعِل...وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يَلْزمُ مِنْ قَوْلِنَا بِقِدَمِ الْـحَوَادِثِ أَنْ تَكُونَ قَدِيـمَةً كَقِدَمِ اللهِ، وَأَنْ تَكُون شَرِيكَةً للهِ فِي الوُجُود...وَقَوْل الْـمُؤَلِّف [الإمَام الْسَّفَّارِينِي الْـحَنْبَلِي]: "وَضَلَّ مَنْ أَثْنَى عَلَيْهَا بِالقِدَمِ" إنْ أَرَادَ مَنْ أَثْنَى عَلَيْهَا بِالنَّوْعِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ أَرَادَ مَنْ أَثْنَى عَلَيْهَا بِالعَيْنِ فَهَذَا صَحِيحٌ))(21)؟!...وَهَذِهِ سَفْسَطَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ لاَ يُحْتَاجُ فِي رَدِّهَا أَكْثَر مِنْ حِكَايَتِهَا؟!...
وَقَالَ شَيْخ الْوَهَّابِيَّةِ ابْنُ جَبْرِين: ((وَالْوَاجِب عَلَى الْـمُسْلِم أَنْ يَكُون مُعْتَقِداً لِـمَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ، مِنْ كَوْنه هُوَ الْـحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لَـمْ يَزَلْ وَلاَ يَزَالُ...وَيَعْتَقِد أَيْضًا أَنَّهُ هُوَ الْـمُتَفَرِّدُ بِإِيـجَادِهِم وَحْدهُ وَلَـمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ أَوْجَدهُم غَيْرهُ. وَكَوْنهُ يَعْتَقِد أَنَّ قَبْلَهُم خَلْقٌ غَيْرهم، وَقَبْل الـخَلْقِ خَلْقٌ، وَقَبْلَ الأَوَّلِينَ أَوَّلُونَ، هَذَا مِنَ الأُمُور الغَيْبِيَّة الَّتِي لَـمْ يُطْلِعْنَا اللهُ عَلَيْهَا، فَاللهُ أَعْلَمُ بـِمَنْ كَانَ قَبْل ذَلِكَ، وبِأَفْعَاله قَبْل ذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّنَا نَعْتَقِد أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِـهَذِهِ الصِّفَاتِ وَإِنْ لَـمْ تَظْهَر آثَارهَا، كَمَا مَرَّ بِنَا فِي قَوْل الـمَاتِنْ -الإمام الطَّحَاوي-: "لَيْسَ بَعْدَ خَلْقِ الْـخَلْقِ اِسْتَفَادَ اِسْم الْـخَالِقِ، وَلاَ بِإِحْدَاثِهِ الْبَرِيَّةَ اسْتَفَادَ اسْم البَارِي"، بَلْ هُوَ مُتَسَمَّى بِالـخَالِقِ قَبْل أَنْ يَبْدَأ بِالـخَلْق، وَمُتَسَمَّى بِالْرَّازِقِ قَبْلَ أَنْ يُوجِدَ الْخَلْق الَّذِينَ يَرْزقهُم؛ لِأَنَّهُ خَالِقٌ بِالْقُوَّةِ وَإِنْ لَـمْ يَكُنْ خَالِقًا بِالْفِعْلِ. وَنَتَوَقَّفُ عَنْ تَسَلْسُلِ الـحَوَادِث فِي الْـمَاضِي، وَنَقُول: الأَمْر غَيْبٌ، وَلَـمْ يُـخْبِرنَا الله تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَنَا الْتَّدُخُّلُ فِي هَذِهِ الْأُمُور؛ لِأَنَّهَا مِنَ الأُمُور الَّتِي لاَ يَضرُّ جَهْلهَا، وَلاَ يُفِيد عِلْمهَا، وَقَدْ تُوقِعُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْـحَيْرَةِ وَالاِضْطِرَابِ، وَالْـمُسْلِم عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصِر عَلَى مَا فِيهِ فَائِدَةٌ لَهُ فِي الْعَقِيدَة))(22)؟!...وَهَذَا مِنْ جِهَةٍ فِيهِ رَدٌّ عَلَى ابْن تَيْمِيَّة وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُ الْبَاطِل فِي الْـمَسْأَلَة، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فِيهِ مُحَاوَلَة الْتَّوَقُّف فِي الْـمَسْأَلَةِ؟!...وَلاَ يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْتَّذَبْذُبِ مِنْ تَنَاقُضٍ بَيِّنِ الْعَوَارِ...
وَفَذْلَكَةُ الْكَلاَمِ، أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَال جَمِيعهَا بِدَعٌ خَطِيرَةٌ تَقْدَحُ فِي أَصْلِ الْعَقِيدَةِ الْإِسْلاَمِيَّة...
يُتْبَعُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى...
_________________________
(1) رِسَالَةُ الْعَقَائِد الْإِسْلاَمِيَةِ لِلْشَّيْخِ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايةِ وَتَعْلِيقِ تِلْمِيذِهِ: مُحَمَّد الْصَّالَح رَمْضَان (ص:70)، مَكْتَبَة الْشَّرِكَة الْجَزَائِرِيَّة مِرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(2) جَرِيدَةُ الْبَلاَغ الْـجَزَائِرِي: 1349هـ-1931م الْعَدَد:203، نَقْلاً عَنْ: [الْشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (2/219)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالْتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(3) فَتْحُ الْبَارِي شَرْح صَحِيح الْبُخَارِي (13/410)، الْمَطْبَعَةُ الْسَّلَفِيَّةِ
(4) الْبَرَاهِينُ الْسَّاطِعَةِ فِي رَدِّ بَعْضِ الْبِدَعِ الْشَّائِعَةِ (ص:496) لِلْعَلاَّمَةِ الْـمُحَدِّثُ الْفَقِيهُ الْصُّوفِي الْأُسْتَاذ الْشَّيْخ سَلاَمَة الْقُضَاعِي الْعَزَّامِي الْشَّافِعِي (ت:1376هـ)، مَطْبَعَةُ الْسَّعَادَةِ
(5) ابْن تَيْمِيَّة الْسَّلَفِي (ص:122)، تَألِيف: مُحَمَّد خَلِيل هَرَّاس، دَارُ الكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ-بَيْرُوت
(6) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: ابْن تَيْمِيَّة الْسَّلَفِي (ص:124)
(7) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: ابْن تَيْمِيَّة الْسَّلَفِي (ص:127-128)
( يَقُول الدُّكتُور الْوَهَّابِي سَفر الـحَوَالِي فِي ثَنَايَا مُنَاقَشَتهِ لكَلام الأَلْبَانِي الـمَذكُور: ((وَيَبْدُو لِي أَنَّ الشَّيْخ الأَلْبَانِي لَـمْ يَقْرَأ كَلاَمَ شَيْخ الإِسْلاَم فَهُو يُحِيل عُمُومًا إِلَى كُتُبِهِ عُمُومًا وَأَجْزِمُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَهُ مَعَ مَا أُوتِيَ مِنَ التَّجَرُّدِ وَدِقَّة الفَهْم لَأَقَرَّهُ وَأَيَّدَهُ))؟! مِنْ تَقْدِيم الدُّكْتُور لِكِتَاب ["قِدَم العَالَـم وَتَسَلسُل الـحَوَادِث" لِكَاملَة الكوَارِي (هَامش ص:21)]. وَيَلزم مِنْ هَذَا الْتَّصْريح اِتِّهَام الْأَلْبَانِي بِالْـخَوْضِ فِي الْـمَسَائل الْعَقَدِيَّة العَوِيصَة بِدُونِ عِلْمٍ وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ؟!
(9) سِلْسِلَة الأَحَادِيث الْصَّحِيحَة وشَيْء مِنْ فِقْهِهَا وَفَوَائِدهَا (1/258)، مَكْتَبَة الْـمَعَارف لِلْنَّشْر وَالْتَّوْزِيع-الْرِّيَّاض، الْطَّبْعَة الأُوْلَى
(10) مَرَاتِبُ الْإِجْمَاعِ لِابْنِ حَزْم الْظَّاهِرِي وَمَعَهُ: نَقْدُ مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ لِابْن تَيْمِيَّة (ص:220)، مَنْشُورَات دَار الآفَاقِ الْـجَدِيدَةِ
(11) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: (ص:221)
(12) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: (ص:222)
(13) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (18/135)، دَارُ الْوَفَاءِ لِلْطِّبَاعَةِ وَالْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ -ج.م.ع- الْـمَنْصُورَة، الْطَّبْعَة الْثَّالِثَة
(14) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (17/137)
(15) الْنُّبُوَّات لِابْنِ تَيْمِيَّة (1/322)، مَكْتَبَةُ أَضْوَاءِ الْسَّلَفِ-الْرِّيَاض، الْطَّبْعَةُ الأُوْلَى
(16) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: (1/325)
(17) شَرْحُ الْطَّحَاوِيَّةِ، لِلْدُّكْتُور صَالِح بن عَبْد الْعَزِيز بن مُحَمَّد آل الْشَّيْخ (1/110-111)، دَارُ الْـمَوَدَّة لِلْنَّشْر وَالْتَّوْزِيعِ-الْـمَنْصُورَة
(18) تَأَمَّل الاِسْتِغْراب!
(19) شَرْحُ الْطَّحَاوِيَّةِ لِعَبْدِ الْرَّحْمَن بن نَاصِر الْبَرَّاك (ص:62)، دَارُ الْتَّدْمُرِيَّةِ: الْرِّيَّاض، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى
(20) الْـهِدَايَةُ الْرَّبَّانِيَّة فِي شَرْحِ الْعَقِيدَة الطَّحَاوِيَّةِ لِعَبْد الْعَزِيز بن عَبْد الله الْرَّاجِحِي (1/78)، دَارُ الْتَّوْحِيدِ، الْطَّبْعَةُ الأُوْلَى
(21) شَرْحُ الْعَقِيدَةِ الْسَّفَّارِينِيَّة لِابْن الْعُثَيْمِين (ص:317-318)، دَارُ الْوَطَن لِلْنَّشر: الْرِّيَّاض، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى:1426هـ
(22) الْرِّيَاضُ الْنَّدِيَّةِ عَلَى شَرْحِ الْعَقِيدَةِ الْطَّحَاوِيَّةِ لِعَبْدِ الله الْـجَبْرِين (1/453-454)، دار الْصُّمَيْعِي لِلْنَّشر وَالْتَّوْزِيعِ
فِي هَذَا الْبَحْث:
(أ) ذِكْرُ عَقِيدَة الْشَّيْخ ابْن بَادِيس فِي مَسْأَلَةِ قِدَمِ الْـعَالَـمِ، وَمَا يَتَرتَّب عَلَى هَذِهِ الْـعَقِيدَةِ الْـفَيْصَلِيَّةِ مِنْ تَنْزِيه الله عَنْ مُشَابَهَةِ سِمَاتِ الْـمُحْدَثَاتِ...
(ب) بَيَانُ مُخَالَفَةِ عَقِيدَة مَشَايِخِ الْجَمْعِيَّةِ لِعَقِيدَة الْتَّيْمِيَّة فِي هَذِهِ الْـمَسْأَلَةِ، وَمَا يَتبعهُ مِنْ تَبَايُنٍ كَبِيرٍ عَلَى مُسْتَوَى الْعَقَدِي بَيْنَ الْطَّرَفَيْنِ...
(ت) بَيَانُ خُطُورَةِ وَبُطْلاَنِ عَقِيدَة الْتَّيْمِيَّة فِي هَذِهِ الْـمَسْأَلَةِ...
(ث) ذِكْرُ أَقْوَال بَعْض أَدْعِيَاء الْسَّلَفِيَّة فِي رَفْضِ تَوَجُّهِ شَيْخِهِم ابْن تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي فِي هَذِهِ الْعَقِيدَة الْفَيْصَلِيَّة...
(ج) ذِكْرُ أَقْوَالِ الْتَّيْمِيَّة الْوَهَّابِيَّة مِنْ مَصَادِرِهَا فِي هَذِهِ الْـمَسْأَلَةِ...
بِسْمِ اللهِ وَالْصَّلاَة وَالْسَّلاَمِ عَلَى خَيْرِ خَلْقِ الله...
قَالَ الْرَّئِيسُ الْأَوَّلُ لِجَمْعِيَّةِ الْعُلَمَاءِ الْـمُسْلِمِينَ الْجَزَائِرِيِّينَ الْشَّيْخ ابْن بَادِيس (1889م-1940م): ((وَهُوَ [الله] الْمَوْجُودُ الَّذِي سَبَقَ وُجُودُهُ كُلَّ وُجُودٍ، #فَكَانَ_تَعَالَى_وَحْدَهُ_وَلاَ_شَيْءَ_مَعَهُ، #ثُمَّ_خَلَقَ_مَا_شَاءَ_مِنْ_مَخْلُوقَاتِهِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ﴾[الْحَدِيد:3]، ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾[الفرقان:59]، ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفرقان:2]))(1)
وَقَالَ رَئِيس لَـجْنَة الْفَتْوَى فِي جَمْعِيَّةِ الْعُلَمَاء الْـمُسْلِمِينَ الْـجَـَزَائِرِيِّينَ الْشَّيْخ أَبُو يَعْلَى الْسَّعِيد الْزَّوَاوِي (1862م-1952م): ((فَيَا أَيُّهَا الْـمُؤْمِنُ الْـمُعْتَبِرُ وَالْإِنْسَانُ الْـمُتَفَكِّرُ قَدْ كَانَ اللهُ جَلَّ شَأْنُهُ #وَلاَ_شَيْءَ_غَيْرُهُ))(2)
الْتَّعْلِيق:
أَوَّلاً: هَذِهِ نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ مِنْ كِبَارِ مَشَايِخِ جَمْعِيَّة الْعُلَمَاءِ الْـمُسْلِمِينَ الْجَزَائِرِيِّينَ تُؤَكِّدُ الْتِزَامهم بِعَقِيدَةِ أَهْلِ الْسُّنَةِ وَالْجَمَاعَةِ الْسَّادَة الْأَشَاعِرَةِ وَالْـمَاتُرِيدِيَّةِ وَفُضَلاَءِ أَهْل الْحَدِيثِ: فِي نَفْيِ قِدَمِ الْـعَالَـمِ بِالْنَّوْعِ أَوْ الْعَيْنِ مَعَ الْخَالِقِ.
نَعَمْ؛ فَالْقَوْل بِأَنَّهُ: "كَانَ تَعَالَى وَحْدَهُ وَلاَ شَيْءَ مَعَهُ، ثُمَّ خَلَقَ مَا شَاءَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ" كَمَا جَاءَ فِي عَقِيدَةِ الْشَّيْخ ابْنِ بَادِيس، قَاضٍ فِي اعْتِقَادِ هَذَا الْأَخِير بِأَنَّ الله كَانَ وَحْدَهُ لاَ فِي زَمَان وَلاَ فِي مَـكَان، فَلَمْ يَكُنْ جَلَّ وَعَزَّ مُتَّصِلاً بِالْعَالَـمِ وَلاَ مُنْفَصِلاً عَنْهُ، لاَ قَرِيبًا بِالْـمَسَافَةِ مِنْ شَيْءٍ وَلاَ بَعِيداً عَنْهُ كَذَلِكَ، لاَ مُـمَّاسًا لِشَيْءٍ وَلاَ مُحَايِثًا لَهُ، لاَ مُـجَامِعًا لِشَيْءٍ وَلاَ مُفَارِقًا لَهُ، فَلاَ كَانَ رَبُّنَا فَوْقَ الْعَالَـمِ، وَلاَ تَحْتَهُ، وَلاَ أَمَامَهُ، وَلاَ خَلْفَهُ، وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلاَ عَنْ يَسَارِهِ؟!، فَهَذِهِ هِيَ عَقِيدَة أَهْلِ الْحَقِّ بِخَلاَفِ الْـمُجَسِّمَةِ الْتَّيْمِيَّةِ فَعِنْدَهُم هَذِهِ الْأَوْصَاف هِيَ بِعَيْنهَا: صِفَة الْـمَعْدُومِ لاَ الْـمَوْجُودِ، كَمَا صَرَّح شَيْخهم ابْن تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي بِهَذَا فِي تَوَالِيفِهِ؟!...
نَعَمْ؛ فَعَقِيدَة الْشَّيْخ ابْن بَادِيس هَذِهِ عَلَى الْنَّقِيضِ تَمَامًا مِنْ عَقِيدَةِ الْتَّيْمِيَّةِ وَأَدْعِيَاءِ الْسَّلَفِيَّةِ الْقَائِمَةِ عَلَى إِثْبَاتِ قِدَمِ الْعَالَـمِ بِالْنَّوْعِ، وَالْقَوْل بِحُدُوثِ مَا يُسَمُّونَهُ بِالْأَفْعَالِ الاِخْتِيَارِيَةِ الَّتِي يُحْدِثُهَا رَبُّهُم وَيُفْنِيهَا فِي ذَاتِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا تَبَعًا لِحَالِ الْمَخْلُوقِ؟!، وَالْعِيَاذُ بِاللهِ...
ثَانِيًا: فَهَؤُلاَءِ الْـمُبْتَدِعَة يَزْعُمُونَ كَشَيْخِهِم ابْنِ تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي حَامِل لِوَاء هَذِهِ الْبِدْعَة الْخَطِيرَة، بِأَنَّ رَبَّهُم لاَ زَالَ بِـمَعِيَّةِ مَخْلُوقَاتِهِ؟!، بِـمَعْنَى مَا مِنْ مَخْلُوقٍ إِلاَّ وَقَبْلَهُ مَخْلُوقٌ آخَر وَهَكَذَا الْتَّسَلْسُل فِي الْـمَاضِي إِلَى لاَ نِهَايَةٍ؟!، وَأَنَّ هَذَا الْهَذَيَان مِنْ تَمَامِ إِثْبَاتِ الْكَمَال لِرَبِّهِم؟!، إِذْ عِنْدَهُم: الْقَوْل بِأَنَّ: "الله كَانَ وَلاَ مَخْلُوق": يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ مُعَطَّلاً عَنِ الْفِعْلِ ثُـمَّ صَارَ فَاعِلاً؟!...وَهَذَا فِيهِ نِسْبَة الْنَّقْصِ لِلْرَّبِّ "عَدَم الْفِعْلِ" حَسْبَ فَهْمِهِم الْـمَنْكُوس؟!...
لِأَجْلِ هَذَا الْتَزَمَ الْـمُشَيَّخ عَلَى الْإِسْلاَمِ ابْن تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي الْقَوْلَ بِـ: "قِدَمِ الْعَالَـمِ بِالْنَّوْعِ وَحُدُوثِهِ بِالْعَيْنِ": فَقَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللهُ عَيْن هَذَا الْعَالَـم، كَانَ هُنَاكَ عَالَـمًا غَيْر هَذَا، خَلَقَهُ اللهُ ثُـمَّ أَفْنَاهُ لِيَخْلُقَ هَذَا الْـمُشَاهَد، وَقَبْلَ ذَاكَ الْعَالَـم الْـمُعْدَم كَانَ عَالَـمًا غَيْره خَلَقَهُ اللهُ لِيَفْنِيه فِيمَا بَعْدُ، وَهَكَذَا الْسِّلْسِلَة: يَخْلُق الله عَالَـمًا ثُـمَّ يُفْنِيهِ إِلَى لاَ بِدَايَةٍ فِي الْـمَاضِي؟!...فَالله عِنْدَ ابْنِ تَيْمِيَّة يَجِبُ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا بِالْفِعْلِ وَإِلاَّ فَيَلْزَمُ نِسْبَة الْنَّقْص لَهُ تَعَالَى؟!، وَمَشِيئَة اللهِ عِنْدَهُ قَدِيْمَة الْنَّوْع حَادِثَة الْأَفْرَادِ، فَاللهُ عِنْدَهُ (أَحْدَثَ!) فِي نَفْسِهِ مَشِيْئَةً لِيَخْلُقَ الْعَالَـم؟!، فَلَزِمَهُ الْقَوْل بِخَلْقِ الله لِصِفَاتِهِ وَإِنْ حَاوَلَ الْتَّمَلُّصَ مِنْ هَذَا بِطَرِيقَةٍ بَيِّنَة الْعَوَارِ؟!، فَاللهُ عِنْدَهُ يَنْفَعِل بِمَخْلُوقَاتِهِ؟!، وَالْـمَخْلُوقَات تُؤَثِّرُ فِي الْكَمَالاَتِ الْإِلَهِيَّةِ؟!، فَاللهُ يَكْتَسِب كَمَالاَتٍ حَادِثَةٍ بَعْدَ خَلْقِ الْعَالَـمِ؟!، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْهَذَيَان إِثْبَات الْنَّقْص لَهُ تَعَالَى؟!: فَاللهُ (أَكْمَلُ!) بَعْدَ خَلْقِ الْـمَخْلُوقَاتِ مِنْهُ قَبْلُ؟!، وَمُلْتَزِم نِسْبَة الْنَّقْص لِلْخَالِقِ كَافِرٌ بِاتِّفَاقٍ...
ثَالِثًا: وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذِهِ شُبْهَةٌ سَاقِطَةٌ تَقْدَحُ بِشَكْلٍ قَبِيحٍ فِي أَصْلِ الْعَقِيدَةِ الْإِسْلاَمِيَّة؟!، فَلاَ مِصْدَاقَ لِوُجُودِ الْوَاجِبِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهَذِهِ الْطَّامَّةِ إِلاَّ بِـمَعِيَّةِ غَيْرِهِ مِنْ الْـمُمْكِنَاتِ؟!، وَهَذَا فِيهِ مَا فِيهِ؟!،...وَالْقَوْل بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْبِدْعَة الْخَطِيرَة يَسْتَلْزِمُ إِثْبَات (الْشِّرْكَةِ!) فِي صِفَةِ الْأَوَّلِيَّةِ الْثَّابِتَةِ لِلْبَارِي جَلَّ وَعَلاَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ﴾[الْحَدِيد:3]؟!،...وَيَسْتَلْزِمُ أَيْضًا إِنْكَار وُجُود بِدَايَةٍ لِلْخَلْقِ مَعَ أَنَّ الْقُرْآن يُؤَكِّد قَائِلاً: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾[الْعَنْكَبُوت:19] وَيَقُولُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾[الْرُّوم:27]؟!...وَيَسْتَلْزِمُ إِنْكَار وُجُود أَوَّل الْـمَخْلُوقَاتِ مَعَ أَنَّ الْقُرْآن يَقُول: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾[الْأَنْبِيَاء:104] وَالْـمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم يَقُول فِي الْحَدِيث الْصَّحِيح كَمَا جَاءَ عِنْدَ الْبُخَارِي (3191): "كَانَ اللَّهُ وَلَـمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ"؟!...
وَلِهَذَا رَدَّ الْحَافِظ ابْن حَجَر فِي الْفَتْح عَلَى هَذَا الْحَرَّانِي فَقَال: ((قَوْلُهُ: "كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ" تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ بِلَفْظِ: "وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ" وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ: "كَانَ اللَّهُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ" وَهُوَ بِمَعْنَى: "كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ" وَهِيَ أَصَرْحُ فِي الْرَّدِّ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا مِنْ رِوَايَةِ الْبَابِ، وَهِيَ مِنْ مُسْتَشْنَعِ الْمَسَائِلِ الْمَنْسُوبَةِ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَوَقَفْتُ فِي كَلَامٍ لَهُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ يُرَجِّحُ الْرِّوَايَةَ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى غَيْرِهَا، مَعَ أَنَّ قَضِيَّةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْرِّوَايَتَيْنِ تَقْتَضِي حَمْلَ هَذِهِ عَلَى الَّتِي فِي بَدْءِ الْخَلْقِ لَا الْعَكْسَ، وَالْجَمْعُ يُقَدَّمُ عَلَى الْتَّرْجِيحِ بِالِاتِّفَاقِ))(3)...
وَالْحَقِيقَة، أَنَّ هُنَاكَ:
(أ) فَاعِلٌ قَدِيمٌ كَصِفَاتِهِ غَيْر مَسْبُوقٍ بِعَدَمٍ، وَهُوَ اللهُ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾[الْفُرْقَان:2]، مَوْصُوفٌ بِصِفَاتٍ قَدِيْمَةٍ يَصْدُرُ عَنْهَا الْفِعْل: الْقُدْرَة عِنْدَ الْسَّادَةِ الْأَشَاعِرَةِ، وَالْتَّكْوِين عِنْدَ الْسَّادَة الْـمَاتُرِيدِيَّةِ،...فَالْبَارِي مُتَّصِفٌ بِهَذِهِ الْصِّفَاتِ أَزَلاً وَأَبَداً، وَلاَ يَتَوَقَّفُ وَصْفهُ بِهَا جَلَّ وَعَزَّ عَلَى وُجُودِ آثَارِهَا بِالْفِعْلِ،...فَهِيَ صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ قِدَم الْذَّاتِ الْعَلِيَّةِ الْـمَوْصُوفَةِ بِهَا، فَلاَ يَسْبَقهَا وَلاَ يَلْحَقُهَا عَدَمٌ، لِأَنَّهُ تَعَالَى كَامِلٌ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ أَزَلاً وَأَبَداً،...فَكَمَالُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَاتِي لاَ يَفْتَقِرُ لِلْأَغْيَارِ، فَهُوَ إِذًا جَلَّ وَعَزَّ مَوْصُوفٌ بِالْـخَالِقِيَّةِ مَثَلاً أَزَلاً وَأَبَداً قَبْل أَنْ يَخْلُقَ الْعَالَـم وَبَعْدَ خَلْقِهِ، وَسَوَاء أَخَلْقَ الْـمَخْلُوقَات أَمْ لاَ، فَصِفَاتُهُ تَعَالَى كَذَاتِهِ لاَ تَتَأَثَّر بِوُجُودِ الْـمَخْلُوق الْـمُمْكِن وَلاَ بِعَدَمِهِ، فَلاَ يَلْحَقُ صِفَاتهُ تَعَالَى الْتَّبَدُّل وَلاَ الْتَّغَيُّر لِأَنَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾[الْعَنْكَبُوت:6]...
(ب) فِعْلٌ حَادِثٌ، وَهُوَ تَأْثِيرُ الْصِّفَةِ فِي تَخْصِيصِ الْـمَخْلُوقِ بِبَعْضِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنْ أَوْجُهِ الْـمُمْكِنَاتِ مِنَ: الْإِيْجَادِ وَالْإِمْدَادِ وَالْإِعْدَامِ، فَالْفِعْل يَقُومُ بِالْـمَخْلُوقِ لاَ بِالْخَالِقِ، لِأَنَّ الله -كَمَا سَبَقَ الْتَّنْوِيه إِلَيْهِ- مَوْصُوفٌ أَزَلاً وَأَبَداً بِإِحْيَاءِ الْـمَوْتَى مَثَلاً، وَهُوَ تَعَالَى: الْـمُحْيِي لِلْمَوْتَى حَقًّا قَبْلَ فِعْلِ الْإِحْيَاءِ. وَهُوَ تَعَالَى الْـمَوْصُوفُ أَزَلاً وَأَبَداً بِالْإِمَاتَةِ وَهُوَ الْـمُمِيتُ حَقًّا قَبْل صُدُورِ فِعْل الْإِمَاتَةِ. وَالْبَارِي مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ هُوَ الْشَّافِي، وَهُوَ الْشَّافِي حَقًّا أَزَلاً وَأَبَداً قَبْلَ إِشْفَاءِ الْـمَرْضَى، وَاللهُ مَوْصُوفٌ أَزَلاً وَأَبَداً بِالْتَّرْزيقِ وَهُوَ الْرَّزَّاقُ قَبْل فِعْلِ الْتَّرْزِيقِ، وَهَكَذَا.
(ت) مَفْعُولٌ: حَادِثٌ، وَهُوَ نَتِيجَة الْفِعْل أَيْ: الْـمَخْلُوق...
فَقَوْل الْـمُسْلِمُ: أَحْيَا اللهُ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، مَعْنَاهُ أَنَّ:
الْفَاعِلَ: هُوَ الْبَارِي الْفَعَّالُ لِـمَا يُرِيد، وَالْصِّفَة: هِيَ "الْإِحْيَاء" قَدِيْمَةٌ وَلَيْسَت حَادِثَةً لِأَنَّ الله مَوْصُوفٌ بِـ: "إِحْيَاءِ الْأَرْضِ" قَبْلَ فِعْل "الْإِحْيَاءِ"، وَالْفِعْلُ: "إِحْيَاء الْأَرْض"، وهُوَ حَادِثٌ حَدَثَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَرْضِ...وَعَلَى هَذَا فَالْحَادِث هُوَ الْفِعْل: إِحْيَاء، إِمَاتَة...الخ، وَلَيْسَتْ الْصِّفَة الْقَدِيْمَة: الْإِحْيَاء، وَالْإِمَاتَة وَ...الخ.
فَكَمَا تَرَى، فَالْصِّفَة قَدِيْمَةٌ وَالْحَادِث هُوَ أَثَرُ الْصِّفَةِ أَيْ: الْـمَفْعُول الْـمَخْلُوق، فَلاَ إِشْكَال كَمَا يُهَوِّشُ ابْن تَيْمِيَّة وَمَنْ نَحَا نَحْوهُ؟!، وَلِهَذَا قَالَ الْطَّحَاوِي فِي عَقِيدَتِهِ الْـمَشْهُورَة : "لَيْسَ مُنْذُ خَلَقَ الخَلْقَ اسْتَفَادَ اسْمَ الخَالِقِ وَلا بِإِحْدَاثِهِ البَرِيَّةَ اسْتَفَادَ اسْمَ البَارِي لَهُ مَعْنَى الرُّبُوْبِيَّةِ وَلا مَرْبُوْبٌ، وَ مَعْنَى الخَالِقِ وَلا مَخْلُوْقٌ كَمَا أَنَّهُ "مُحْيِي المَوْتَى" بَعْدَمَا أَحْيَاهُم اسْتَحَقَّ هَذَا الاسْمَ قَبْلَ إِحْيَائِهِمْ كَذلِكَ اسْتَحَقَّ اسْمَ الخَالِقِ قَبْلَ إِنْشَائِهِمْ ذَلِكَ: بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَيْـهِ فَقِيْرٌ وكل أَمْرٍ عَلَيْهِ يَسِيْرٌ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشُّورى:11]"...
وَقَالَ الْعَلاَّمَة الْشَّيْخ سَلاَمَة الْقُضَاعِي الْعَزَّامِي الْشَّافِعِي (ت:1376هـ): ((وَقَوْلُ الْسَّلَفِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم: إِنَّهُ تَعَالَى لَـمْ يَتَجَدَّد لَهُ بِخَلْقِ الْأَشْيَاءِ اسْم الْخَالِقِ. أَرَدُوا بِهَذَا الاِسْم الْشَّرِيف أَنَّهُ: الْقَادِرُ عَلَى الْخَلْقِ إِذَا شَاءَ. كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفٌ الآنَ بِأَنَّهُ بَاعِثٌ مَنْ فِي الْقُبُورِ. بِمَعْنَى: أَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ إِذَا شَاءَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ﴾[الاِنْسَان:22] أَيْ: الاِنْسَان. وَهَكَذَا الْكَلاَم فِي كُلِّ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْفِعْلِيَّةِ. كَالْرَّازِقِ وَالْـمُحْيِ وَالْـمُمِيت. فَهُوَ مَوْصُوفٌ بِهَا: أَزَلاً. بِمَعْنَى: أَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ إِذَا شَاءَ. وَقَدْ أَرَادُوا رَحِمَهُم اللهُ بِهَذَا أَنْ يُبَيِّنُوا لِلْأُمَّةِ أَنَّ تَأْخِيرَهُ تَعَالَى لِلْأَشْيَاءِ إِلَى مَوَاقِيتِهَا الَّتِي حَدَّدَهَا بِإِرَادَتِهِ لَيْسَ عَنْ عَجْزٍ مِنْهُ -تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ- وَإِنَّمَا هَذَا الْتَّأْخِيرُ لِأَنَّهُ هَكَذَا شَاءَهُ، فَهُوَ إِذَا قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ لَمْ يَكُن ذَلِكَ عَنْ ضُعْفٍ فِي قُدْرَتِهِ، أَوْ قُصُورٍ فِي نُفُوذِ إِرَادَتِهِ جَلَّ وَعَزَّ. بَلْ بـِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَانَ مَا شَاءَ عَلَى مَا شَاءَ))(4)...
ثُـمَّ إِنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾[الْقَصَص:68]، فَاللهُ يَخْلُقُ بِالْـمَشِيئَةِ وَالِاخْتِيَارِ، فَلَوْ شَاءَ رَبُّنَا أَلاَّ يَخْلُقَ الْعَالَـم أَصْلاً فَلاَ رَادَّ لِـمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ تَعَالَى. فَعِنْدَئِذٍ يُقَالُ لاِبْنِ تَيْمِيَّة: هَبْ أَنَّ اللهَ لَـمْ يَشَأْ خَلْق الْعَالَـمِ...فَهَل سَيَكُون حِينَهَا تَعَالَى نَاقِصًا فِي كَمَالِهِ أَمْ لاَ؟!، فَإِنْ قُلْتَ: لاَ؛ بَطَلَ تَفَلْسُفَكَ فِي قِدَمِ الْعَالَـمِ بِالْنَّوْعِ؟!، وَإنْ قُلْتَ: نَعَم، فَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقٍ؟!...
رَابِعًا: بَعْض الْتَّيْمِيَّةِ يَرْفُضُونَ عَقِيدَة شَيْخهم ابْن تَيْمِيَّة الْحَرَّانِي فِي إِثْبَاتِ تَسَلْسُل الْحَوادِث فِي الْـمَاضِي إِلَى لاَ بِدَايَةٍ:
ثُـمَّ إِنَّ الْسِّلْسِلَة لَيْسَت إِلاَّ مَجْمُوع أَفْرَاد مُجْتَمِعَةٍ، وَكُلُّ فَرْدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْرَاد فَهُو مَخْلُوقٌ حَادِثٌ بَعْدَ عَدَمٍ، فَيَلْزَمُ قَطْعًا حُدُوث الْـجُمْلَة؟!، وَلِهَذَا قَالَ الْهَرَّاس (الْتَّيْمِي!): ((وَلَكِنَّنَا نَتَعَجَّل فَنَقُولُ إِنَّ ابْن تَيْمِيَّة قَدْ بَنَى عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَة: "قِدَم الـجِنْسِ وَحُدُوث الأَفْرَادِ" كَثِيراً مِنَ الْعَقَائِد وَجَعَلَهَا مِفْتَاحًا لِـحَلِّ مَشَاكِلَ كَثِيرَةٍ فِي عِلْم الْكَلاَمِ، وَهِيَ قَاعِدَةٌ لاَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا الْعَقْل كَثِيراً، فَإِنَّ الْـجُمْلَةَ لَيْسَت شَيْئًا أَكْثَر مِنَ الْأَفْرَادِ مُـجْتَمِعَة، فَإِذَا فَرَضَ أَنَّ كُلّ فَرْدٍ مِنْهَا حَادِثٌ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ حُدُوث الْـجُمْلَةِ قَطْعًا))؟!(5)...
وَقَالَ أَيْضًا: ((وَهَكَذَا كَانَتْ مَسْأَلَة كَلاَم الله تَعَالَى صَعْبَة شَائِكَة لاَ يَطْمَئِنُّ فِيهَا الْإِنْسَان إِلَى رَأْيٍ، فَإِنَّ ابْن تَيْمِيَّة بَعْد أَنْ أَوْرَدَ الْـمَذَاهِب الْـمُخْتَلِفَة فِيهَا وَنَقَدَهَا كَـمَا سَبَقَ، أَخَذَ فِي تَقْرِيرِ مَذْهَبه الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ مَذْهَب الْسَّلَفِ. وَلَكِنْ عَلَيْهِ مِنَ الْـمَآخِذِ مَا سَبَقَ أَنْ أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ تَجْوِيزِ قِيَام الْـحَوَادِثِ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَابْتِنَائِهِ عَلَى تِلْكَ الْقَاعِدَة الْفَلْسَفِيَّة الَّتِي تَقُولُ: بِـ: "قِدَمِ الْـجِنْسِ مَعَ حُدُوثِ أَفْرَادِهِ" وَهِيَ قَاعِدَةٌ يَصْعُبُ تَصَوُّرهَا كَمَا قُلْنَا))(6)...
وَقَالَ أَيْضًا: ((وَلَكِنْ كَيْفَ يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَّة بِقِدَمِ جِنْس الْصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ مَعَ حُدُوثِ آحَادِهَا، وَهَلْ الْـجِنْس شَيْءٌ آخَر غَيْر الأَفْرَادِ مُجْتَمِعَة كَمَا قَرَّرْنَا، وَهَلْ لِلْكُلِّيِّ وُجُودٌ إِلاَّ فِي ضِمْنِ جُزْئِيَّاتِهِ، فَإِذَا كَانَ كُلّ جُزْئِي مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ حَادِثًا فَكَيْفَ يَكُون الْكُلِّي قَدِيـمًا؟!))(7)...
وَقَالَ الأَلْبَانِي: ((وَلَقَدْ أَطَالَ ابْن تَيْمِيَّة رَحِمَهُ الله فِي الكَلاَم فِي رَدِّهِ عَلَى الفَلاَسِفَة مُحَاوِلاً إِثْبَات حَوَادِث لاَ أَوَّلَ لَـهَا، وَجَاءَ فِي أَثْنَاء ذَلِكَ بِـمَا تَـحَارُ فِيهِ العُقُول وَلاَ تَقْبَلهُ أَكْثَر القُلُوب، حَتَّى اتَّـهَمَهُ خُصُومهُ بِأَنَّهُ يَقُول بِأَنَّ الـمَخْلُوقَات قَدِيـمَة لاَ أَوَّل لَـهَا، مَعَ أَنَّهُ يَقُول وَيُصَرِّحُ بِأَنَّ مَا مِنْ مَـخْلُوقٍ إِلاَّ وَهُوَ مَسْبُوقٌ بِالعَدَمِ، وَلِكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَقُول بِتَسَلْسُل الـحَوَادِث إِلَى مَا لاَ بِدَايَة لَهُ(، كَمَا يَقُول هُوَ وَغَيْرهُ بِتَسَلْسُل الـحَوَادِث إِلَى مَا لاَ نِهَايَة؛ فَذَلِكَ القَوْل مِنْهُ غَيْر مَقْبُولٍ بَلْ هُوَ مَرْفُوضٌ...وَكَمْ كُنَّا نَوَدُّ أَنْ لاَ يَلِج ابْن تَيْمِيَّة رَحِمَهُ الله هَذَا الـمَوْلِـج؛ لِأَنَّ الكَلاَم فِيهِ شَبِيهٌ بِالفَلْسَفَةِ وَعِلْم الكَلاَم الَّذِي تَعَلَّمْنَا مِنْهُ التَّحْذِير وَالتَّنْفِير مِنْهُ))؟!(9)...وَتَأَمَّل كَيْفَ يَلِين وَيُرْخِي الْطَّرف هَذَا الْأَلْبَانِي أَمَام اِنْتِهَاك شَيْخِهِ ابْن تَيْمِيَّة لِسِيَاجِ أُصُولِ الْعَقِيدَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ، فَيَقُول: ((وَكَمْ كُنَّا نَوَدُّ أَنْ لاَ يَلِج...)) وَكَأَنَّ الْرَّجُل خَالَفَ فِي الْفُرُوعِ؟!...مَعَ أَنَّ هَذَا الْأَلْبَانِي يُقِيم الْدُّنْيَا وَلاَ يُقْعِدهَا عَلَى مَسَائِل كَإِحْيَاءِ لَيْلَة الْـمَوْلِد وَغَيْرِهَا مِنْ الْفَرْعِيَّاتِ؟!، فَانْظُر مَاذَا تَرَى؟!...
خَامِسًا: بَعْض أَقْوَال ابْن تَيْمِيَّة وَأَتْبَاعه فِي إِثْبَات هَذِهِ الْبِدْعَة الْخَطِيرَة:
لَـمَّا ذَكَر ابْن حَزْم الظَّاهِرِي فِي كِتَابِهِ "مَرَاتِب الإِجْمَاع" إِجْمَاع أُمَّة التَّوْحِيد عَلَى أَنَّ لَـمْ يَزَل وَحْدَهُ ثُـمَّ خَلَق الْـمَخْلُوقَاتِ وَحَكَى الْحُكْم بِكُفْرِ كُلِّ مَنْ يُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْعَقِيدَة الْبَيِّنَةِ فَقَالَ: ((اِتَّفَقُوا أَنَّ اللهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ غَيْرهُ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَـمْ يَزَلْ وَحْدَهُ، وَلاَ شَيْءَ غَيْرهُ مَعَهُ، ثُـمَّ خَلَقَ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا كَـمَا شَاءَ، وَأَنَّ النَّفْسَ مَخْلُوقَةٌ، وَالعَرْشَ مَـخْلُوقٌ، وَالعَالَـمُ كُلّهُ مَـخْلُوقٌ))(10) تَعقَّبهُ ابْنَ تَيْمِيَّة مُمَهِّداً لِحَشْوِ مُعْتَقَده الْفَاسِدِ، فَقَال: ((وَأَعْجَب مِنْ ذَلِكَ حِكَايَتهُ الإِجْمَاع عَلَى كُفْرِ مَنْ نَازَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَـمْ يَزَلْ وَحْدَهُ وَلاَ شَيْء غَيْرهُ مَعَهُ، ثُـمَّ خَلَقَ الأَشْيَاءَ كَـمَا شَاءَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَة لَيْسَتْ فِي كِتَاب الله، ولاَ تُنْسَب إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ))(11)؟!...ثُـمَّ وَضِّحَ الْحَرَّانِي عَقِيدَتَهُ أَكْثَر ليَصِلَ إلَى أَنَّهُ لاَ مَحْذُور فِي اِعْتِقَاد قِدَم جِنْس الْـمَخْلُوقَاتِ مَعَ الله!، فَقَالَ: ((وَلَكِن الْإِجْماعَ الْـمَعْلُوم هُوَ مَا عَلِمَتْ الْأُمَّةُ أَنَّ الله بَيَّنَهُ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ أَنَّ خَلْقَ الْسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، كَـمَا أَخْبَرَ اللهُ بِذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْر مَوْضِعٍ، فَإِذَا اِدَّعَى الْـمُدَّعِي الْإِجْمَاع عَلَى هَذَا، وَتَكْفِير مَنْ خَالَفَ هَذَا، كَانَ قَوْلهُ مُتَوَجّهًا، وَلَيْسَ فِي خَبَر اللهِ، أَنَّهُ خَلَقَ الْسَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، مَا يَنْفِي وُجُود مَـخْلُوقٍ قَبْلَهُمَا، وَلاَ يَنْفِي أَنَّهُ خَلَقَهُمَا مِنْ مَادَّةٍ كَانَتْ قَبْلَهُمَا))(12)؟!...
بَلْ إِنَّ ابْنَ تَيْمِيَّة يُصَرِّح أَلاَّ مَحْذُور شَرْعِي وَلاَ عَقْلِي فِي اعْتِقَاد قِدَم نَوْعِ الْـمَخْلُوقَات مَعَ الله وَأَنَّ هَذِهِ الْـمَعِيَّة (كَمَالٌ!) فِي حَقِّهِ جَلَّ وَعَزَّ!، فيَقُول: ((وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ نَوْعَهَا [يَقْصِدُ نَوْع الْـمَخْلُوقَاتِ] لَمْ يَزَلْ مَعَهُ، فَهَذِهِ الْمَعِيَّةُ لَمْ يَنْفِهَا شَرْعٌ وَلَا عَقْلٌ، بَلْ هِيَ مِنْ كَمَالِهِ))(13)؟!...وَهُو لاَ يَجِدُ أَيّ غَضَاضَةٍ فِي أَنْ يُلَقِّفَ لِلْسَّلَف بِأَنَّهُ لَـمْ يَزَل تَعَالَى يُقَلِّبُ الْـمَادَّة لِلْخَلْق! فَهُو جَلَّ وعَزَّ يَخْلُق الْـخَلْق مِنْ خَلْقٍ قَبْله وَهَكَذَا إِلَى مَا لاَ بِدايَةٍ!؟، قَالَ: ((وَهَذَا الْقَوْلُ وَهُوَ الْقَوْلُ: "فِي خَلْقِ اللَّهِ لِلْأَجْسَامِ الَّتِي يُشَاهَدُ حُدُوثَهَا أَنَّهُ يُقَلِّبُهَا وَيُحِيلُهَا مِنْ جِسْمٍ إِلَى جِسْمٍ"، هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ قَاطِبَةً وَالْجُمْهُورُ))(14)؟!...
وَيُؤَكِّدُ ابْن تَيْمِيَّة أَنَّ الله لَـمْ يَذْكُر فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ جَلَّ وَعزَّ يَخْلُقُ مِنْ عَدَمٍ؟! بَلْ إِنَّ الْـمُشَاهَد أَنَّ الله يَخْلُقُ الخَلْقَ مِنْ خَلْقٍ آخَر وَهَلُمَّ جَرًّا؟! قَالَ: ((وَالْـمَشْهُود الْـمَعْلُوم لِلْنَّاسِ إِنَّـمَا هُوَ إِحْدَاثهُ لِـمَا يُحْدِثهُ مِنْ غَيْرِهِ، لاَ إِحْدَاثًا مِنْ غَيْرِ مَادَّةٍ، وَلِـهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئَاً﴾[مَرْيَم:9] وَلَـمْ يَقُلْ: خَلَقْتُكَ لاَ مِنْ شَيْءٍ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾[النُّور:45] وَلَـمْ يَقُلْ: خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ لاَ مِنْ شَيْءٍ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْـمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾[الأَنْبِيَاء:30]))(15)؟!، وَقَالَ أَيْضًا: ((فَكَوْن الْشَّيْءِ مَـخْلُوقًا مِنْ مَادَّةٍ وَعُنْصُرٍ، أَبْلَغ فِي الْعُبُودِيَّةِ مِنْ كَوْنِهِ خُلِقَ لاَ مِنْ شَيْءٍ))(16)؟!...
وَقَالَ شَيْخ الْوَهَّابِيَّة صَالَح بن عَبْد الْعَزِيز آل الْشَّيْخ: ((إِنَّ الْعَوَالِـمَ الَّتِي سَبَقَتْ هَذَا الْعَالَـمَ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ لاَ نَعْلَمهَا، اللهُ عَزَّ وجَلَّ يَعْلَمُهَا. وهَذَا مَا قِيلَ: إِنَّهُ يُسَمَّى بِقِدَمِ جِنْس الْـمَخْلُوقَاتِ، أَوْ مَا يُسَمَّى بِالْقِدَم الْنَّوْعِي لِلْمَخْلُوقَاتِ...الْـمُهِم أَنْ يَتَقَرَّر فِي ذِهْنِكَ أَنَّ مَذْهَب أَهْل الْـحَدِيث وَالأَثَرِ فِي هَذِهِ الْـمَسْأَلَة لِأَجْلِ كَـمَالِ الرَّب عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ غَيْرَ قَوْلِـهِم فِيهِ تَنَقُّصٌ لِلْرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ بِكَوْنِهِ مُعَطَّلاً عَنْ صِفَاتِهِ أَوْ بِكَوْنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُعَطَّلاً أَنْ يَفْعَل، وَأَنْ تَظْهَر آثَار أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ قَبْلَ خَلْقِ هَذَا العَالَـمِ الْـمَعْلُوم أَوْ الْـمَنْظُورِ))(17)؟!...وَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْـمَفْضُوحِ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ وَيَكْفِي فِي كَشْفِ زَيْفِهِ قَوْل الْإِمَام الْطَّحَاوِي فِي عَقِيدَتِهِ الـمَشْهُورَةِ؟!...
وَقَالَ شَيْخ الْوَهَّابِيَّة عَبْد الرَّحْمَن بَن نَاصِر الْبَرَّاك مُتَعَقِّبًا الْإِمَام الْطَّحَاوِي فِي قَوْلهِ بِوُجُودِ أَوَّل الْـمَخْلُوقَاتِ: ((وَقَوْلهُ [الإِمَام الطَّحَاوِي]: "لَيْسَ بَعْدَ خَلْق الْـخَلْقِ اسْتَفَادَ اسْم الْـخَالِقِ" يَحْتَمِل أَنَّهُ يَـمْنَع تَسَلْسُلَ الْـحَوَادِث فِي الْـمَاضِي؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: "لَيْسَ بَعْدَ خَلْقِ الْـخَلْقِ"، "وَلَهُ مَعْنَى الْرُّبُوبِيَّةِ وَلاَ مَرْبُوب" كَأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ لِـجِنْسِ الْـمَخْلُوقَاتِ بِدَايَة؟!(18)، لَكِنْ هَلْ يَقُول: إِنَّ دَوَام الْـحَوَادِث فِي الْأَزَلِ مُمْتَنعٌ؟ أَوْ يَقُول: إِنَّهُ مُـمْكِنٌ لَكِنَّهُ غَيْر وَاقِعٍ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ. وَالْـمُنكَر هُوَ القَوْل بِامْتِنَاع تَسَلْسُل الْـحَوَادِث فِي الْـمَاضِي، لَكِنْ هَلْ هُوَ وَاقِعٌ -أَيْ: أَنَّ الـمَخْلُوقَات لَـمْ تَزَلْ فِعْلاً- أَوْ هُوَ مُـمْكِنٌ لَكِنَّهُ لَـمْ يَقَع؟ الأَمْر فِي هَذَا وَاسِعٌ))(19)؟!...إذًا: فَكِبَار مَشَايِخِ الْوَهَّابِيَّة يَعْتَبِرُونَ عَقِيدَة الْـمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ الله كَانَ وَحْدَهُ، مِنَ الْعَقَائِدِ الْـمُنْكَرَة؟!...
وَقَالَ شَيْخ الْوَهَّابِيَّة عَبْد العَزِيز الرَّاجِحِي: ((فَالْـمَخْلُوقَات مِثْل: الْنَّبَات، وَالْـحَيَوَان، وَالْأَشْجَار، وَالْطُّيُور، وَالْـحَيَوَانَات، وَالْسَّمَاوَات، وَالْأَرَضِينَ...إِلَى غَيْرهَا؛ تُسَمَّى: حَوَادِث مُتَسَلْسِلَة. وَأَهْل السُّنَّة يَقُولُونَ: الْـحَوَادِثُ مُتَسَلْسِلَةٌ -أَيْ: مُسْتَمِرَّةٌ- فِي الْـمَاضِي؛ بِـمَعْنَى: أَنَّ الْرَّب لَـمْ يَزَلْ يَفْعَلُ وَيَـخْلُقُ خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ إِلَى مَا لاَ نِـهَايَةٍ فِي الْأَزَلِ، وَلَكِن كُلّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ هَذِهِ الْـمَخْلُوقَاتِ، مَسْبُوقٌ بِالعَدَمِ، مَوْجُودٌ بِإِيـجَادِ الله لَهُ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وُجُودٌ وَلاَ عَدَمٌ...وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَأَهْلِ الكَلاَمِ: إِلَى أَنَّ الْـحَوَادِثَ مُتَسَلْسِلَةٌ فِي الْـمُسْتَقْبَلِ، إِلاَّ أَنَّـهَا غَيْر مُتَسَلْسِلَةٍ فِي الْـمَاضِي، وَأَثْبَتُوا فَتْرَةً كَانَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ فِيهَا مُعَطَّلاً عَنِ الْعَمَل وَالْفِعْلِ وَالْكَلاَمِ))(20)؟!...وَتَأَمَّل قَوْله: ((وَأَثْبَتُوا فَتْرَةً كَانَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ فِيهَا مُعَطَّلاً)) فَالْأَشَاعِرَة يُثْبِتُونَ صِفَة الْأَوَّلِيَّة لله بِـمَعْنَى سَلْب سِبْق الْعَدَم عَنْ وُجُودِهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ كَانَ وَحْدَهُ وَلاَ زَمَانَ وَلاَ مَكَانَ، وَهَذَا الْجَاهِلُ يَدَّعِي أَنَّهُم يُثْبِتُونَ وُجُوده تَعَالَى فِي (فَتْرَةٍ!) زَمَنِيَّةٍ؟!...
وَقَالَ شَيْخ الْوَهَّابِيَّة ابْن الْعُثَيْمِين: ((لَكِنْ لِيَكُنْ مَعْلُومًا أَنَّ اللهَ لَـمْ يَزَلْ وَلاَ يَزَالُ خَلاَّقًا، وَأَنَّ هُنَاكَ مَـخْلُوقَاتٍ غَيْر الْسَّمَاءِ وَالأَرْضِ...فَهُنَاكَ مَخْلُوقَاتٍ قَبْلَ الْسَّمَوَاتِ وَقَبْلَ الْعَرْشِ لاَ نَعْرِفُ مَا هِيَ، لِأَنَّ اللهَ لَـمْ يَزَلْ وَلاَ يَزَالُ فَعَّالاً، وَلاَ يَلْزَم مِنْ هَذَا أَنَّ قِدَمَ الْـمَفْعُول كَقِدَمِ الْفَاعِل؛ لِأَنَّهُ بِاتِّفَاق الْعُقَلاَء أَنَّ الْـمَفْعُول مَسْبُوقٌ بِالْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْـمَفْعُول نَتِيجَة فِعْل الْفَاعِل...وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يَلْزمُ مِنْ قَوْلِنَا بِقِدَمِ الْـحَوَادِثِ أَنْ تَكُونَ قَدِيـمَةً كَقِدَمِ اللهِ، وَأَنْ تَكُون شَرِيكَةً للهِ فِي الوُجُود...وَقَوْل الْـمُؤَلِّف [الإمَام الْسَّفَّارِينِي الْـحَنْبَلِي]: "وَضَلَّ مَنْ أَثْنَى عَلَيْهَا بِالقِدَمِ" إنْ أَرَادَ مَنْ أَثْنَى عَلَيْهَا بِالنَّوْعِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ أَرَادَ مَنْ أَثْنَى عَلَيْهَا بِالعَيْنِ فَهَذَا صَحِيحٌ))(21)؟!...وَهَذِهِ سَفْسَطَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ لاَ يُحْتَاجُ فِي رَدِّهَا أَكْثَر مِنْ حِكَايَتِهَا؟!...
وَقَالَ شَيْخ الْوَهَّابِيَّةِ ابْنُ جَبْرِين: ((وَالْوَاجِب عَلَى الْـمُسْلِم أَنْ يَكُون مُعْتَقِداً لِـمَا أَخْبَرَ اللهُ بِهِ، مِنْ كَوْنه هُوَ الْـحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لَـمْ يَزَلْ وَلاَ يَزَالُ...وَيَعْتَقِد أَيْضًا أَنَّهُ هُوَ الْـمُتَفَرِّدُ بِإِيـجَادِهِم وَحْدهُ وَلَـمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ أَوْجَدهُم غَيْرهُ. وَكَوْنهُ يَعْتَقِد أَنَّ قَبْلَهُم خَلْقٌ غَيْرهم، وَقَبْل الـخَلْقِ خَلْقٌ، وَقَبْلَ الأَوَّلِينَ أَوَّلُونَ، هَذَا مِنَ الأُمُور الغَيْبِيَّة الَّتِي لَـمْ يُطْلِعْنَا اللهُ عَلَيْهَا، فَاللهُ أَعْلَمُ بـِمَنْ كَانَ قَبْل ذَلِكَ، وبِأَفْعَاله قَبْل ذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّنَا نَعْتَقِد أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِـهَذِهِ الصِّفَاتِ وَإِنْ لَـمْ تَظْهَر آثَارهَا، كَمَا مَرَّ بِنَا فِي قَوْل الـمَاتِنْ -الإمام الطَّحَاوي-: "لَيْسَ بَعْدَ خَلْقِ الْـخَلْقِ اِسْتَفَادَ اِسْم الْـخَالِقِ، وَلاَ بِإِحْدَاثِهِ الْبَرِيَّةَ اسْتَفَادَ اسْم البَارِي"، بَلْ هُوَ مُتَسَمَّى بِالـخَالِقِ قَبْل أَنْ يَبْدَأ بِالـخَلْق، وَمُتَسَمَّى بِالْرَّازِقِ قَبْلَ أَنْ يُوجِدَ الْخَلْق الَّذِينَ يَرْزقهُم؛ لِأَنَّهُ خَالِقٌ بِالْقُوَّةِ وَإِنْ لَـمْ يَكُنْ خَالِقًا بِالْفِعْلِ. وَنَتَوَقَّفُ عَنْ تَسَلْسُلِ الـحَوَادِث فِي الْـمَاضِي، وَنَقُول: الأَمْر غَيْبٌ، وَلَـمْ يُـخْبِرنَا الله تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَنَا الْتَّدُخُّلُ فِي هَذِهِ الْأُمُور؛ لِأَنَّهَا مِنَ الأُمُور الَّتِي لاَ يَضرُّ جَهْلهَا، وَلاَ يُفِيد عِلْمهَا، وَقَدْ تُوقِعُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْـحَيْرَةِ وَالاِضْطِرَابِ، وَالْـمُسْلِم عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصِر عَلَى مَا فِيهِ فَائِدَةٌ لَهُ فِي الْعَقِيدَة))(22)؟!...وَهَذَا مِنْ جِهَةٍ فِيهِ رَدٌّ عَلَى ابْن تَيْمِيَّة وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُ الْبَاطِل فِي الْـمَسْأَلَة، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فِيهِ مُحَاوَلَة الْتَّوَقُّف فِي الْـمَسْأَلَةِ؟!...وَلاَ يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْتَّذَبْذُبِ مِنْ تَنَاقُضٍ بَيِّنِ الْعَوَارِ...
وَفَذْلَكَةُ الْكَلاَمِ، أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَال جَمِيعهَا بِدَعٌ خَطِيرَةٌ تَقْدَحُ فِي أَصْلِ الْعَقِيدَةِ الْإِسْلاَمِيَّة...
يُتْبَعُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى...
_________________________
(1) رِسَالَةُ الْعَقَائِد الْإِسْلاَمِيَةِ لِلْشَّيْخِ ابْن بَادِيس مِنْ رِوَايةِ وَتَعْلِيقِ تِلْمِيذِهِ: مُحَمَّد الْصَّالَح رَمْضَان (ص:70)، مَكْتَبَة الْشَّرِكَة الْجَزَائِرِيَّة مِرَازْقَه بُودَاوُد وَشُرَكَاؤُهُمَا
(2) جَرِيدَةُ الْبَلاَغ الْـجَزَائِرِي: 1349هـ-1931م الْعَدَد:203، نَقْلاً عَنْ: [الْشَّيخ أَبُو يَعْلَى الزَّوَاوِي حَيَاتُهُ وأَعْمَالُهُ (2/219)، دَارُ زَمُّورَة لِلْنَّشْر وَالْتَّوْزِيع-الجَزَائِر، طَبْعَة خَاصَّة: 2013م]
(3) فَتْحُ الْبَارِي شَرْح صَحِيح الْبُخَارِي (13/410)، الْمَطْبَعَةُ الْسَّلَفِيَّةِ
(4) الْبَرَاهِينُ الْسَّاطِعَةِ فِي رَدِّ بَعْضِ الْبِدَعِ الْشَّائِعَةِ (ص:496) لِلْعَلاَّمَةِ الْـمُحَدِّثُ الْفَقِيهُ الْصُّوفِي الْأُسْتَاذ الْشَّيْخ سَلاَمَة الْقُضَاعِي الْعَزَّامِي الْشَّافِعِي (ت:1376هـ)، مَطْبَعَةُ الْسَّعَادَةِ
(5) ابْن تَيْمِيَّة الْسَّلَفِي (ص:122)، تَألِيف: مُحَمَّد خَلِيل هَرَّاس، دَارُ الكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ-بَيْرُوت
(6) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: ابْن تَيْمِيَّة الْسَّلَفِي (ص:124)
(7) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: ابْن تَيْمِيَّة الْسَّلَفِي (ص:127-128)
( يَقُول الدُّكتُور الْوَهَّابِي سَفر الـحَوَالِي فِي ثَنَايَا مُنَاقَشَتهِ لكَلام الأَلْبَانِي الـمَذكُور: ((وَيَبْدُو لِي أَنَّ الشَّيْخ الأَلْبَانِي لَـمْ يَقْرَأ كَلاَمَ شَيْخ الإِسْلاَم فَهُو يُحِيل عُمُومًا إِلَى كُتُبِهِ عُمُومًا وَأَجْزِمُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَهُ مَعَ مَا أُوتِيَ مِنَ التَّجَرُّدِ وَدِقَّة الفَهْم لَأَقَرَّهُ وَأَيَّدَهُ))؟! مِنْ تَقْدِيم الدُّكْتُور لِكِتَاب ["قِدَم العَالَـم وَتَسَلسُل الـحَوَادِث" لِكَاملَة الكوَارِي (هَامش ص:21)]. وَيَلزم مِنْ هَذَا الْتَّصْريح اِتِّهَام الْأَلْبَانِي بِالْـخَوْضِ فِي الْـمَسَائل الْعَقَدِيَّة العَوِيصَة بِدُونِ عِلْمٍ وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ؟!
(9) سِلْسِلَة الأَحَادِيث الْصَّحِيحَة وشَيْء مِنْ فِقْهِهَا وَفَوَائِدهَا (1/258)، مَكْتَبَة الْـمَعَارف لِلْنَّشْر وَالْتَّوْزِيع-الْرِّيَّاض، الْطَّبْعَة الأُوْلَى
(10) مَرَاتِبُ الْإِجْمَاعِ لِابْنِ حَزْم الْظَّاهِرِي وَمَعَهُ: نَقْدُ مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ لِابْن تَيْمِيَّة (ص:220)، مَنْشُورَات دَار الآفَاقِ الْـجَدِيدَةِ
(11) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: (ص:221)
(12) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: (ص:222)
(13) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (18/135)، دَارُ الْوَفَاءِ لِلْطِّبَاعَةِ وَالْنَّشْرِ وَالْتَّوْزِيعِ -ج.م.ع- الْـمَنْصُورَة، الْطَّبْعَة الْثَّالِثَة
(14) مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّة (17/137)
(15) الْنُّبُوَّات لِابْنِ تَيْمِيَّة (1/322)، مَكْتَبَةُ أَضْوَاءِ الْسَّلَفِ-الْرِّيَاض، الْطَّبْعَةُ الأُوْلَى
(16) الْـمَصْدَر الْسَّابِق: (1/325)
(17) شَرْحُ الْطَّحَاوِيَّةِ، لِلْدُّكْتُور صَالِح بن عَبْد الْعَزِيز بن مُحَمَّد آل الْشَّيْخ (1/110-111)، دَارُ الْـمَوَدَّة لِلْنَّشْر وَالْتَّوْزِيعِ-الْـمَنْصُورَة
(18) تَأَمَّل الاِسْتِغْراب!
(19) شَرْحُ الْطَّحَاوِيَّةِ لِعَبْدِ الْرَّحْمَن بن نَاصِر الْبَرَّاك (ص:62)، دَارُ الْتَّدْمُرِيَّةِ: الْرِّيَّاض، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى
(20) الْـهِدَايَةُ الْرَّبَّانِيَّة فِي شَرْحِ الْعَقِيدَة الطَّحَاوِيَّةِ لِعَبْد الْعَزِيز بن عَبْد الله الْرَّاجِحِي (1/78)، دَارُ الْتَّوْحِيدِ، الْطَّبْعَةُ الأُوْلَى
(21) شَرْحُ الْعَقِيدَةِ الْسَّفَّارِينِيَّة لِابْن الْعُثَيْمِين (ص:317-318)، دَارُ الْوَطَن لِلْنَّشر: الْرِّيَّاض، الْطَّبْعَة الْأُوْلَى:1426هـ
(22) الْرِّيَاضُ الْنَّدِيَّةِ عَلَى شَرْحِ الْعَقِيدَةِ الْطَّحَاوِيَّةِ لِعَبْدِ الله الْـجَبْرِين (1/453-454)، دار الْصُّمَيْعِي لِلْنَّشر وَالْتَّوْزِيعِ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى