الشيخ البشير الابراهمي
صفحة 1 من اصل 1
الشيخ البشير الابراهمي
اسمه ونسبه
هو محمّد البشير بن محمّد السعدي بن عمر بن محمّد السعدي بن عبد الله بن عمر الإبراهيمي نسبة إلى قبيلة عربية ذات أفخاذ وبطون تعرف بـ"أولاد ابراهم"، التي ترجع إلى "إبراهيم بن يحيى بن مُساهل" ذي النسب الشريف سليل الجد الأول للأشراف الأدراسة "إدريس بن عبد الله" المشهور باسم "إدريس الأكبر" مؤسس دولة الأدارسة في المغرب الأقصى، وترجع إليه أنساب الأشراف الحسنيِّين في المغربين الأقصى والأوسط.
وموطن قبيلة "أولاد ابراهم" في سفوح الأطلس الأكبر الشمالية المتصلة بقمم جبال أوراس وموقعها الغرب المائل للجنوب لمدينة قسنطينة، وقد أقام أجداد "محمّد البشير الإبراهيمي" بهذه المنطقة حقبة طويلة في التاريخ، وكانوا كبقية قبائل الأطلس يحترفون الفلاحة وتربية الماشية.. وكان لأجداده تاريخ قديم في العلم يرجع إلى قرون، وقد خرج من عمود نسب أسرته خمسة من العلماء الأجلاء، عاشوا ما بين المائة التاسعة والمائة الثالثة عشر للهجرة، وغيرهم من نوابغ الأسرة المعروفين، علماء أفذاذ في العلوم العربية، ومرجعا في الفتيا الدينية، والصلح بين العشائر، وملاذا لطالبي العلم يرحلون إليهم من أقاصي البلاد، منهم : الشيخ محمّد الشريف العمري الإبراهيمي، الشيخ المبارك الإبراهيمي والشيخ القريشي الإبراهيمي وجده لأبيه الشيخ عمر الإبراهيمي وعمه شقيق أبيه الأصغر الشيخ محمّد المكّي الإبراهيمي.
مولده ونشأته
ولد "محمد البشير الإبراهيمي" يوم الخميس عند طلوع الشمس في الرابع عشر من شهر شوّال سنة 1306 هجرية، يوافق الثالث عشر من جوان سنة 1889 ميلاديّة، بمنطقة "أولاد ابراهم" (بلدية تابعة لدائرة رأس الوادي بولاية برج بوعريريج) وهو الذكر الوحيد الذي عاش لوالديه.
نشأ "محمد البشير" في بيت والده كما ينشأ أبناء البيوت العلمية الريفية، فبدأ التعلم وحفظ القرآن الكريم في الثالثة من عمره على التقليد المتّبع في أسرته والشائع في قريته، على يد جماعة من أقربائه من حفاظ القرآن يشرف عليهم إشرافا كلياً عالم الأسرة عمه الشيخ محمّد المكّي الإبراهيمي.
فلما بلغ السابعة من عمره استلمه عمه من معلمي القرآن، وتولى تربيته وتعليمه بنفسه على طريقة خاصة له في ذلك، فأكمل معه حفظ القرآن حفظًا متقنًا مع فهم مفرداته وغريبه وهو في آخر الثامنة من عمره، وتعلّم قواعد النحو ومتون العلم الكبيرة، حتى إنه ليحفظ وهو في سن التاسعة قدرًا كبيرًا من متون اللغة، وعددًا من دواوين فحول الشعراء، ويقف على علوم البلاغة والفقه والأصول. فكان له بذلك أعظم سلوى عن عاهة العرج التي أصابت رجله اليسرى في ذات السن بسبب الإهمال في متابعة المرض والبعد عن التطبيب المنظم.
وعندما بلغ سن الرابعة عشر مات عمّه، ولقد ختم عليه دراسة بعض الكتب وهو على فراش المرض الذي مات فيه وأجازه الإجازة المعروفة عامة، وأوصاه أن يخلفه في التدريس، فتصدر دون سنّ التصدّر، وقُدّر له أن يكون شيخاً في سنّ الصبا.
في سن العشرين هاجر إلى المدينة النبويّة بأمر من أبيه الذي سبقه إليها سنة 1908 م واستقر بها، فلحق به متخفيًا أواخر سنة 1911 م، فمرَّ على القاهرة وأقام بها ثلاثة أشهر، طاف فيها بحلق الدروس في الأزهر وعرف أشهر علمائه، وحضر عدة دروس في دار الدعوة والإرشاد التي أسسها الشيخ رشيد رضا، وزار أمير الشعراء أحمد شوقي واجتمع بشاعر النيل حافظ إبراهيم في بعض أندية القاهرة.
ثم سافر إلى المدينة المنورة واجتمع بوالده، وفيها عكف على القراءة والإقراء، حتى بلغ في مدّة خمس سنوات وشهور غايته من أشهر المكتبات الجامعة بها حفظًا وإطلاعًا، وكان ينفق وقته الزائد في إلقاء عدّة دروس متطوعًا كالنحو والصرف والعقائد والأدب..
واختار من مشايخ الحرم النبوي أبرعهم في العلم وأعلاهم كَعْبًا فيه، فلازم الشيخ محمد العزيز بوعتور (الوزير التونسي) ما يقارب ست سنوات، وأخذ عنه الموطأ وفقه مالك والتوضيح لابن هشام. وكان يتردد على دروس المحدثين فلازم الشيخ حسين أحمد الفيض أبادي الهندي في درسه لصحيح مسلم.. كما أخد أيام مجاورته بالمدينة علم التفسير عن الشيخ الجليل إبراهيم الاسكوبي، وأخذ الجرح والتعديل وأسماء الرجال عن الشيخ أحمد البرزنجي الشهرزوري في داره أيام انقطاعه عن التدريس في الحرم النبوي، وأخذ أنساب العرب وأدبهم الجاهلي والسيرة النبوية عن الشيخ محمد عبد الله زيدان الشنقيطي، وأتمم معلوماته في علم المنطق عن الشيخ عبد الباقي الأفغاني في منزله.
وتذاكر مع صاحبيه الشيخ أحمد خيرات الشنقيطي سنين عديدة في اللغة والشعر الجاهلي، ومنه المعلّقات العشر، ومع الشيخ محمد العمري الجزائري أمهات الأدب المشهور خصوصًا الكامل للمبرد، والبيان والتبيين للجاحظ وكتاب الأغاني.
هو محمّد البشير بن محمّد السعدي بن عمر بن محمّد السعدي بن عبد الله بن عمر الإبراهيمي نسبة إلى قبيلة عربية ذات أفخاذ وبطون تعرف بـ"أولاد ابراهم"، التي ترجع إلى "إبراهيم بن يحيى بن مُساهل" ذي النسب الشريف سليل الجد الأول للأشراف الأدراسة "إدريس بن عبد الله" المشهور باسم "إدريس الأكبر" مؤسس دولة الأدارسة في المغرب الأقصى، وترجع إليه أنساب الأشراف الحسنيِّين في المغربين الأقصى والأوسط.
وموطن قبيلة "أولاد ابراهم" في سفوح الأطلس الأكبر الشمالية المتصلة بقمم جبال أوراس وموقعها الغرب المائل للجنوب لمدينة قسنطينة، وقد أقام أجداد "محمّد البشير الإبراهيمي" بهذه المنطقة حقبة طويلة في التاريخ، وكانوا كبقية قبائل الأطلس يحترفون الفلاحة وتربية الماشية.. وكان لأجداده تاريخ قديم في العلم يرجع إلى قرون، وقد خرج من عمود نسب أسرته خمسة من العلماء الأجلاء، عاشوا ما بين المائة التاسعة والمائة الثالثة عشر للهجرة، وغيرهم من نوابغ الأسرة المعروفين، علماء أفذاذ في العلوم العربية، ومرجعا في الفتيا الدينية، والصلح بين العشائر، وملاذا لطالبي العلم يرحلون إليهم من أقاصي البلاد، منهم : الشيخ محمّد الشريف العمري الإبراهيمي، الشيخ المبارك الإبراهيمي والشيخ القريشي الإبراهيمي وجده لأبيه الشيخ عمر الإبراهيمي وعمه شقيق أبيه الأصغر الشيخ محمّد المكّي الإبراهيمي.
مولده ونشأته
ولد "محمد البشير الإبراهيمي" يوم الخميس عند طلوع الشمس في الرابع عشر من شهر شوّال سنة 1306 هجرية، يوافق الثالث عشر من جوان سنة 1889 ميلاديّة، بمنطقة "أولاد ابراهم" (بلدية تابعة لدائرة رأس الوادي بولاية برج بوعريريج) وهو الذكر الوحيد الذي عاش لوالديه.
نشأ "محمد البشير" في بيت والده كما ينشأ أبناء البيوت العلمية الريفية، فبدأ التعلم وحفظ القرآن الكريم في الثالثة من عمره على التقليد المتّبع في أسرته والشائع في قريته، على يد جماعة من أقربائه من حفاظ القرآن يشرف عليهم إشرافا كلياً عالم الأسرة عمه الشيخ محمّد المكّي الإبراهيمي.
فلما بلغ السابعة من عمره استلمه عمه من معلمي القرآن، وتولى تربيته وتعليمه بنفسه على طريقة خاصة له في ذلك، فأكمل معه حفظ القرآن حفظًا متقنًا مع فهم مفرداته وغريبه وهو في آخر الثامنة من عمره، وتعلّم قواعد النحو ومتون العلم الكبيرة، حتى إنه ليحفظ وهو في سن التاسعة قدرًا كبيرًا من متون اللغة، وعددًا من دواوين فحول الشعراء، ويقف على علوم البلاغة والفقه والأصول. فكان له بذلك أعظم سلوى عن عاهة العرج التي أصابت رجله اليسرى في ذات السن بسبب الإهمال في متابعة المرض والبعد عن التطبيب المنظم.
وعندما بلغ سن الرابعة عشر مات عمّه، ولقد ختم عليه دراسة بعض الكتب وهو على فراش المرض الذي مات فيه وأجازه الإجازة المعروفة عامة، وأوصاه أن يخلفه في التدريس، فتصدر دون سنّ التصدّر، وقُدّر له أن يكون شيخاً في سنّ الصبا.
في سن العشرين هاجر إلى المدينة النبويّة بأمر من أبيه الذي سبقه إليها سنة 1908 م واستقر بها، فلحق به متخفيًا أواخر سنة 1911 م، فمرَّ على القاهرة وأقام بها ثلاثة أشهر، طاف فيها بحلق الدروس في الأزهر وعرف أشهر علمائه، وحضر عدة دروس في دار الدعوة والإرشاد التي أسسها الشيخ رشيد رضا، وزار أمير الشعراء أحمد شوقي واجتمع بشاعر النيل حافظ إبراهيم في بعض أندية القاهرة.
ثم سافر إلى المدينة المنورة واجتمع بوالده، وفيها عكف على القراءة والإقراء، حتى بلغ في مدّة خمس سنوات وشهور غايته من أشهر المكتبات الجامعة بها حفظًا وإطلاعًا، وكان ينفق وقته الزائد في إلقاء عدّة دروس متطوعًا كالنحو والصرف والعقائد والأدب..
واختار من مشايخ الحرم النبوي أبرعهم في العلم وأعلاهم كَعْبًا فيه، فلازم الشيخ محمد العزيز بوعتور (الوزير التونسي) ما يقارب ست سنوات، وأخذ عنه الموطأ وفقه مالك والتوضيح لابن هشام. وكان يتردد على دروس المحدثين فلازم الشيخ حسين أحمد الفيض أبادي الهندي في درسه لصحيح مسلم.. كما أخد أيام مجاورته بالمدينة علم التفسير عن الشيخ الجليل إبراهيم الاسكوبي، وأخذ الجرح والتعديل وأسماء الرجال عن الشيخ أحمد البرزنجي الشهرزوري في داره أيام انقطاعه عن التدريس في الحرم النبوي، وأخذ أنساب العرب وأدبهم الجاهلي والسيرة النبوية عن الشيخ محمد عبد الله زيدان الشنقيطي، وأتمم معلوماته في علم المنطق عن الشيخ عبد الباقي الأفغاني في منزله.
وتذاكر مع صاحبيه الشيخ أحمد خيرات الشنقيطي سنين عديدة في اللغة والشعر الجاهلي، ومنه المعلّقات العشر، ومع الشيخ محمد العمري الجزائري أمهات الأدب المشهور خصوصًا الكامل للمبرد، والبيان والتبيين للجاحظ وكتاب الأغاني.
رد: الشيخ البشير الابراهمي
الإبراهيمي يتحدث عن نفسه
لقد كُتِبَ العديد من الدراسات والأبحاث في سيرة الشيخ البشير الإبراهيمي الغراء. والأجزاء الخمسة التي جمعها وقدم لها نجله الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وسماها ( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي ) حافلة بالمقالات التي رَقَمَتْهَا يراعة الشيخ، والتي تصور شخصيته، وأطوار حياته.
كما أن تلك الأجزاء - وخصوصاً مقدماتها - قد تضمنت عدداً من الكتابات التي تناولت سيرة الشيخ بالدراسة والتحليل. بل إنه - رحمه الله - كتب عن سيرته الذاتية؛ حيث جاء في الجزء الخامس من ( الآثار ) ترجمتين كتبهما الشيخ عن نفسه.
أما الترجمة الأولى فهي في 5 / 163 - 170 . وقد جاءت بعنوان ( من أنا ) وهي في أصلها جواب عن أسئلة مجلة المصور المصرية، ونشرت في 1955م.
وأما الثانية فهي في 5 / 272 - 291 من الآثار، وعنوانها: ( خلاصة تاريخ حياتي العلمية والعملية ) وقد كتب هذه الترجمة بطلب من مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1961م عندما عين عضو عاماً فيها.
كما تحدث بشيء من سيرته في مقابلة مع مجلة الشبان المسلمين 1962م وهذه المقابلة في الآثار 5 / 298 - 302.
وإليكم نبذة موجزة عن بعض ما جاء في تلك الكتابات حول تلك السيرة، وذلك من خلال الوقفات التالية :
يقول الشيخ محمد البشير - رحمه الله -:عن نشأته، وبداية طلبه للعلم، ومحفوظاته: ((نشأت في بيت والدي كما ينشأ أبناء بيوت العلم، فبدأت التعلم وحفظ القرآن الكريم في الثالثة من عمري على التقليد المتبع في بيتنا، الشائع في بلدنا. وكان الذي يعلمنا الكتابة، ويلقننا حفظ القرآن جماعة من أقاربنا من حفاظ القرآن، ويشرف علينا إشرافاً كلياً عالم البيت، بل الوطن كله في ذلك الزمان عمي شقيق والدي الأصغر الشيخ محمد المكي الإبراهيمي - رحمه الله -. وكان حامل لواء الفنون العربية غير مدافع؛ من نحوها، وصرفها، واشتقاقها، ولغتها. أخذ كل ذلك عن البقية الصالحة من علماء هذه الفنون بإقليمنا)) .
ويقول - رحمه الله -: ((فلما بلغت سبع سنين استلمني عمي من معلمي القرآن، وتولى تربيتي وتعليمي بنفسه، فكنت لا أفارقه لحظة، حتى في ساعات النوم؛ فكان هو الذي يأمرنِي بالنوم، وهو الذي يوقظني على نظام مطرد في النوم، والأكل، والدراسة.
وكان لا يخليني من تلقين حتى حين أخرج معه، وأماشيه للفسحة، فحفظت فنون العلم المهمة في ذلك السن مع استمراري في حفظ القرآن؛ فما بلغت تسع سنين من عمري حتى كنت أحفظ القرآن مع فهم مفرداته وغريبه.
وكنت أحفظ معه ألفية ابن مالك، ومعظم الكافية له، وألفية ابن معطي الجزائري، وألفيتي الحافظ العراقي في السير والأثر، وأحفظ جمع الجوامع في الأصول، وتلخيص المفتاح للقاضي القزويني، ورقم الحلل في نظم الدول لابن الخطيب، وأحفظ الكثير من شعر أبي عبد الله بن خميس التلمساني شاعر المغرب والأندلس في المائة السابعة، وأحفظ معظم رسائل بلغاء الأندلس مثل ابن شهيد، وابن برد، وابن أبي الخصال، وأبي المطرف ابن أبي عميرة، وابن الخطيب.
ثم لفتني عمي إلى دواوين فحول المشارقة، ورسائل بلغائهم، فحفظت صدراً من شعر المتنبي، ثم استوعبته بعد رحلتي إلى المشرق، وصدراً من شعر الطائيين، وحفظت ديوان الحماسة، وحفظت كثيراً من رسائل سهل بن هارون، وبديع الزمان.
وفي عنفوان هذه الفترة حفظت بإرشاد عمي كتاب كفاية المتحفظ للأجدابي الطرابلسي، وكتاب الألفاظ الكتابيه للهمذاني، وكتاب الفصيح لـ: ثعلب، وكتاب إصلاح المنطق ليعقوب بن السكيت.
وهذه الكتب الأربعة هي التي كان لها معظم الأثر في مَلَكتي اللغوية.
ولم يزل عمي - رحمه الله - يتدرج بي من كتاب إلى كتاب تلقيناً وحفظاً ومدارسة للمتون والكتب التي حفظتها حتى بلغتُ الحادية عشرة، فبدأ لي في درس ألفية ابن مالك دراسة بحث، وتدقيق، وكان قبلها أقرأنِي كتب ابن هشام الصغيرة قراءةَ تفهُّمٍ وبحث، وكان يقرئني مع جماعة الطلاب المنقطعين عنده لطلب العلم على العادة الجارية في وطننا إذ ذاك، ويقرئني وحدي، ويقرئني وأنا أماشيه في المزارع، ويقرئني على ضوء الشمع، وعلى قنديل الزيت في الظلمة حتى يغلبني النوم.
ولم يكن شيء من ذلك يرهقني؛ لأن الله - تعالى - وهبني حافظة خارقة للعادة، وقريحة نَيِّرة، وذهناً صيوداً للمعاني ولو كانت بعيدة.
ولما بلغت أربع عشرة سنة مرض عمي مرض الموت، فكان لا يخليني من تلقين وإفادة وهو على فراش الموت؛ بحيث إني ختمت الفصول الأخيرة من ألفية ابن مالك عليه وهو على تلك الحالة))
ويقول في موضع آخر( ولقد حفظت وأنا في تلك السن - الرابعة عشرة- أسماء الرجال الذين تَرجم لهم نفح الطيب، وأخبارهم، وكثيراً من أشعارهم؛ إذ كان كتاب نفح الطيب - طبعة بولاق - هو الكتاب الذي تقع عليه عيني في كل لحظة منذ فتحت عيني على الكتب.
وما زلت أذكر إلى الآن مواقع الكلمات منذ الصفحات، وأذكر أرقام الصفحات من تلك الطبعة.
وكنت أحفظ عشرات الأبيات من سماع واحد، مما يحقق ما نقرؤه عن سلفنا من غرائب الحفظ.
وكان عمي يشغلني في ساعات النهار بالدروس المرتبة في كتب القواعد وحدي أو مع الطلبة، ويمتحنني ساعة من آخر كل يوم في فهم ما قرأت، فيطرب لصحة فهمي.
فإذا جاء الليل أملى علي من حفظه - وكان وسطاً - أو من كتاب ما يختار لي من الأبيات المفردة، أو من المقاطيع حتى أحفظ مائة بيت، فإذا طلبت المزيد انتهرنِي، وقال لي: إن ذهنك يتعب من كثرة المحفوظ كما يتعب بدنك من حمل الأثقال، ثم يشرح لي ظواهر المعانِي الشعرية، ثم يأمرنِي بالنوم - رحمه الله-)).
ثم يقول - رحمه الله - بصدق وصراحة: ((مات عمي سنة 1903م ولي من العمر أربع عشرة سنة، ولقد ختمت عليه دراسة بعض الكتب وهو على فراش المرض الذي مات فيه وأجازني الإجازة المعروفة عامة، وأمرنِي أن أخلفه في التدريس لزملائي الطلبة الذين كان حريصاً على نفعهم، ففعلت، ووفق الله، وأمدتني تلك الحافظة العجيبة بمستودعاتها، فتصدرت دون سن التصدر، وأرادت لي الأقدار أن أكون شيخاً في سن الصبا.
وما أشرفت على الشباب حتى أصبت بشرِّ آفة يصاب بها مثلي، وهي آفة الغرور والإعجاب بالنفس؛ فكنت لا أرى نفسي تَقْصُر عن غاية حفَّاظ اللغة وغريبها، وحفاظ الأنساب والشعر، وكدت أهلك بهذه الآفة لولا طبع أدبي كريم، ورحلة إلى الشرق كان فيها شفائي من تلك الآفة)) .
هذا وقد أشار - رحمه الله - في بعض المواضع إلى أنه كان يحفظ المعلقات، والمفضليات، وكثيراً من شعر الرضي، وابن الرومي، وأبي تمام، والبحتري.
وأشار إلى أنه يحفظ موطأ مالك وغيره من الكتب.
لقد كُتِبَ العديد من الدراسات والأبحاث في سيرة الشيخ البشير الإبراهيمي الغراء. والأجزاء الخمسة التي جمعها وقدم لها نجله الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وسماها ( آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي ) حافلة بالمقالات التي رَقَمَتْهَا يراعة الشيخ، والتي تصور شخصيته، وأطوار حياته.
كما أن تلك الأجزاء - وخصوصاً مقدماتها - قد تضمنت عدداً من الكتابات التي تناولت سيرة الشيخ بالدراسة والتحليل. بل إنه - رحمه الله - كتب عن سيرته الذاتية؛ حيث جاء في الجزء الخامس من ( الآثار ) ترجمتين كتبهما الشيخ عن نفسه.
أما الترجمة الأولى فهي في 5 / 163 - 170 . وقد جاءت بعنوان ( من أنا ) وهي في أصلها جواب عن أسئلة مجلة المصور المصرية، ونشرت في 1955م.
وأما الثانية فهي في 5 / 272 - 291 من الآثار، وعنوانها: ( خلاصة تاريخ حياتي العلمية والعملية ) وقد كتب هذه الترجمة بطلب من مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1961م عندما عين عضو عاماً فيها.
كما تحدث بشيء من سيرته في مقابلة مع مجلة الشبان المسلمين 1962م وهذه المقابلة في الآثار 5 / 298 - 302.
وإليكم نبذة موجزة عن بعض ما جاء في تلك الكتابات حول تلك السيرة، وذلك من خلال الوقفات التالية :
يقول الشيخ محمد البشير - رحمه الله -:عن نشأته، وبداية طلبه للعلم، ومحفوظاته: ((نشأت في بيت والدي كما ينشأ أبناء بيوت العلم، فبدأت التعلم وحفظ القرآن الكريم في الثالثة من عمري على التقليد المتبع في بيتنا، الشائع في بلدنا. وكان الذي يعلمنا الكتابة، ويلقننا حفظ القرآن جماعة من أقاربنا من حفاظ القرآن، ويشرف علينا إشرافاً كلياً عالم البيت، بل الوطن كله في ذلك الزمان عمي شقيق والدي الأصغر الشيخ محمد المكي الإبراهيمي - رحمه الله -. وكان حامل لواء الفنون العربية غير مدافع؛ من نحوها، وصرفها، واشتقاقها، ولغتها. أخذ كل ذلك عن البقية الصالحة من علماء هذه الفنون بإقليمنا)) .
ويقول - رحمه الله -: ((فلما بلغت سبع سنين استلمني عمي من معلمي القرآن، وتولى تربيتي وتعليمي بنفسه، فكنت لا أفارقه لحظة، حتى في ساعات النوم؛ فكان هو الذي يأمرنِي بالنوم، وهو الذي يوقظني على نظام مطرد في النوم، والأكل، والدراسة.
وكان لا يخليني من تلقين حتى حين أخرج معه، وأماشيه للفسحة، فحفظت فنون العلم المهمة في ذلك السن مع استمراري في حفظ القرآن؛ فما بلغت تسع سنين من عمري حتى كنت أحفظ القرآن مع فهم مفرداته وغريبه.
وكنت أحفظ معه ألفية ابن مالك، ومعظم الكافية له، وألفية ابن معطي الجزائري، وألفيتي الحافظ العراقي في السير والأثر، وأحفظ جمع الجوامع في الأصول، وتلخيص المفتاح للقاضي القزويني، ورقم الحلل في نظم الدول لابن الخطيب، وأحفظ الكثير من شعر أبي عبد الله بن خميس التلمساني شاعر المغرب والأندلس في المائة السابعة، وأحفظ معظم رسائل بلغاء الأندلس مثل ابن شهيد، وابن برد، وابن أبي الخصال، وأبي المطرف ابن أبي عميرة، وابن الخطيب.
ثم لفتني عمي إلى دواوين فحول المشارقة، ورسائل بلغائهم، فحفظت صدراً من شعر المتنبي، ثم استوعبته بعد رحلتي إلى المشرق، وصدراً من شعر الطائيين، وحفظت ديوان الحماسة، وحفظت كثيراً من رسائل سهل بن هارون، وبديع الزمان.
وفي عنفوان هذه الفترة حفظت بإرشاد عمي كتاب كفاية المتحفظ للأجدابي الطرابلسي، وكتاب الألفاظ الكتابيه للهمذاني، وكتاب الفصيح لـ: ثعلب، وكتاب إصلاح المنطق ليعقوب بن السكيت.
وهذه الكتب الأربعة هي التي كان لها معظم الأثر في مَلَكتي اللغوية.
ولم يزل عمي - رحمه الله - يتدرج بي من كتاب إلى كتاب تلقيناً وحفظاً ومدارسة للمتون والكتب التي حفظتها حتى بلغتُ الحادية عشرة، فبدأ لي في درس ألفية ابن مالك دراسة بحث، وتدقيق، وكان قبلها أقرأنِي كتب ابن هشام الصغيرة قراءةَ تفهُّمٍ وبحث، وكان يقرئني مع جماعة الطلاب المنقطعين عنده لطلب العلم على العادة الجارية في وطننا إذ ذاك، ويقرئني وحدي، ويقرئني وأنا أماشيه في المزارع، ويقرئني على ضوء الشمع، وعلى قنديل الزيت في الظلمة حتى يغلبني النوم.
ولم يكن شيء من ذلك يرهقني؛ لأن الله - تعالى - وهبني حافظة خارقة للعادة، وقريحة نَيِّرة، وذهناً صيوداً للمعاني ولو كانت بعيدة.
ولما بلغت أربع عشرة سنة مرض عمي مرض الموت، فكان لا يخليني من تلقين وإفادة وهو على فراش الموت؛ بحيث إني ختمت الفصول الأخيرة من ألفية ابن مالك عليه وهو على تلك الحالة))
ويقول في موضع آخر( ولقد حفظت وأنا في تلك السن - الرابعة عشرة- أسماء الرجال الذين تَرجم لهم نفح الطيب، وأخبارهم، وكثيراً من أشعارهم؛ إذ كان كتاب نفح الطيب - طبعة بولاق - هو الكتاب الذي تقع عليه عيني في كل لحظة منذ فتحت عيني على الكتب.
وما زلت أذكر إلى الآن مواقع الكلمات منذ الصفحات، وأذكر أرقام الصفحات من تلك الطبعة.
وكنت أحفظ عشرات الأبيات من سماع واحد، مما يحقق ما نقرؤه عن سلفنا من غرائب الحفظ.
وكان عمي يشغلني في ساعات النهار بالدروس المرتبة في كتب القواعد وحدي أو مع الطلبة، ويمتحنني ساعة من آخر كل يوم في فهم ما قرأت، فيطرب لصحة فهمي.
فإذا جاء الليل أملى علي من حفظه - وكان وسطاً - أو من كتاب ما يختار لي من الأبيات المفردة، أو من المقاطيع حتى أحفظ مائة بيت، فإذا طلبت المزيد انتهرنِي، وقال لي: إن ذهنك يتعب من كثرة المحفوظ كما يتعب بدنك من حمل الأثقال، ثم يشرح لي ظواهر المعانِي الشعرية، ثم يأمرنِي بالنوم - رحمه الله-)).
ثم يقول - رحمه الله - بصدق وصراحة: ((مات عمي سنة 1903م ولي من العمر أربع عشرة سنة، ولقد ختمت عليه دراسة بعض الكتب وهو على فراش المرض الذي مات فيه وأجازني الإجازة المعروفة عامة، وأمرنِي أن أخلفه في التدريس لزملائي الطلبة الذين كان حريصاً على نفعهم، ففعلت، ووفق الله، وأمدتني تلك الحافظة العجيبة بمستودعاتها، فتصدرت دون سن التصدر، وأرادت لي الأقدار أن أكون شيخاً في سن الصبا.
وما أشرفت على الشباب حتى أصبت بشرِّ آفة يصاب بها مثلي، وهي آفة الغرور والإعجاب بالنفس؛ فكنت لا أرى نفسي تَقْصُر عن غاية حفَّاظ اللغة وغريبها، وحفاظ الأنساب والشعر، وكدت أهلك بهذه الآفة لولا طبع أدبي كريم، ورحلة إلى الشرق كان فيها شفائي من تلك الآفة)) .
هذا وقد أشار - رحمه الله - في بعض المواضع إلى أنه كان يحفظ المعلقات، والمفضليات، وكثيراً من شعر الرضي، وابن الرومي، وأبي تمام، والبحتري.
وأشار إلى أنه يحفظ موطأ مالك وغيره من الكتب.
رد: الشيخ البشير الابراهمي
مؤلفاته وأعماله
كان "البشير الإبراهيمي" واسع المعرفة شأنه، شأن السلف الأول من حملة الثقافة الإسلامية، فكتب في الأصول والتشريع الإسلامي، وألف في اللغة وقضاياها الدقيقة، وفي الأخلاق والفضائل الإسلامية، وهو كاتب بليغ ذو أسلوب بديع، يحمل نفس مجاهد وروح مصلح وخيال شاعر وقوة ثائر، وتشهد على ذلك مقالاته النارية التي كان يفتتح بها جريدة البصائر، وله ملحمة رجزية نظمها في الفترة التي كان فيها مبعدًا في آفلو، وهي تبلغ ستًا وثلاثين ألف بيت، تتضمن تاريخ الإسلام، ووصفًا لكثير من الفرق التي نشأت في عصره، ومحاورات أدبية بين الشيطان وأوليائه، ووصفًا للاستعمار ومكائده ودسائسه.
وهذا بيان بمؤلفات الشيخ :
· عيون البصائر : هي مجموعة مقالاته التي نشرت في جريدة (البصائر). صدر هذا الكتاب أول مرّة في القاهرة سنة 1963 بإشرافه في دار (المعارف) بالقاهرة، وتضمن مقالاته التي كانت (افتتاحيات) في السلسلة الثانية من (البصائر)، بين سنوات 1947 و1953.
· في قلبالمعركة : هو إضاءة جديدة لجوانب في فكر (الإبراهيمي) ومواقف (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) ودورها في ثورة التحرير، كما يتوفّر على عناصر ذات أهمية كبيرة فيكتابة تاريخ الثورة الجزائرية. في قلب المعركة (1954-1964) ضمّ كتابات (الإبراهيمي) في قضايا ساخنة، سواء أثناءالثورة التحريرية أو بعد الاستقلال، منها ما نشر سابقاً، ومنها ما لم ينشر، حتىكانت الفرصة في هذا الكتاب من إصدارات دار الأمة. وقد أشرف على جمع المادة في هذه المرة ابنه (د. أحمدطالب الإبراهيمي).
· النقابات والنفايات في لغة العرب : هو أثر لغوي يجمع كل ما هو على وزن فعالة من مأثور الشيء ومرذوله.
· أسرار الضمائر العربية.
· التسمية بالمصدر.
· الصفات التي جاءت على وزن فعل.
· الاطراد والشذود في العربية.
· رواية كاهنة أوراس.
· حكمة مشروعية الزكاة.
· شعب الإيمان (في الأخلاق والفضائل الإسلامية).
· الملحمة الرجزية في التاريخ.
· فتاوى متناثرة.
· وقد طبعت مجموعة من مؤلفات "البشير" في خمسة مجلدات تحت عنوان "آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي"، وأصدرته دار الغرب الإسلامي.
كان "البشير الإبراهيمي" واسع المعرفة شأنه، شأن السلف الأول من حملة الثقافة الإسلامية، فكتب في الأصول والتشريع الإسلامي، وألف في اللغة وقضاياها الدقيقة، وفي الأخلاق والفضائل الإسلامية، وهو كاتب بليغ ذو أسلوب بديع، يحمل نفس مجاهد وروح مصلح وخيال شاعر وقوة ثائر، وتشهد على ذلك مقالاته النارية التي كان يفتتح بها جريدة البصائر، وله ملحمة رجزية نظمها في الفترة التي كان فيها مبعدًا في آفلو، وهي تبلغ ستًا وثلاثين ألف بيت، تتضمن تاريخ الإسلام، ووصفًا لكثير من الفرق التي نشأت في عصره، ومحاورات أدبية بين الشيطان وأوليائه، ووصفًا للاستعمار ومكائده ودسائسه.
وهذا بيان بمؤلفات الشيخ :
· عيون البصائر : هي مجموعة مقالاته التي نشرت في جريدة (البصائر). صدر هذا الكتاب أول مرّة في القاهرة سنة 1963 بإشرافه في دار (المعارف) بالقاهرة، وتضمن مقالاته التي كانت (افتتاحيات) في السلسلة الثانية من (البصائر)، بين سنوات 1947 و1953.
· في قلبالمعركة : هو إضاءة جديدة لجوانب في فكر (الإبراهيمي) ومواقف (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) ودورها في ثورة التحرير، كما يتوفّر على عناصر ذات أهمية كبيرة فيكتابة تاريخ الثورة الجزائرية. في قلب المعركة (1954-1964) ضمّ كتابات (الإبراهيمي) في قضايا ساخنة، سواء أثناءالثورة التحريرية أو بعد الاستقلال، منها ما نشر سابقاً، ومنها ما لم ينشر، حتىكانت الفرصة في هذا الكتاب من إصدارات دار الأمة. وقد أشرف على جمع المادة في هذه المرة ابنه (د. أحمدطالب الإبراهيمي).
· النقابات والنفايات في لغة العرب : هو أثر لغوي يجمع كل ما هو على وزن فعالة من مأثور الشيء ومرذوله.
· أسرار الضمائر العربية.
· التسمية بالمصدر.
· الصفات التي جاءت على وزن فعل.
· الاطراد والشذود في العربية.
· رواية كاهنة أوراس.
· حكمة مشروعية الزكاة.
· شعب الإيمان (في الأخلاق والفضائل الإسلامية).
· الملحمة الرجزية في التاريخ.
· فتاوى متناثرة.
· وقد طبعت مجموعة من مؤلفات "البشير" في خمسة مجلدات تحت عنوان "آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي"، وأصدرته دار الغرب الإسلامي.
مواضيع مماثلة
» الشيخ محمد خير الدين
» ترجمة : فضيلة الشيخ محمد باي بلعالم ( الشيخ باي )
» البشير الابراهيمي و اليهود
» البشير بن الطالب امَحمد التواتي
» الشيخ محفوظ
» ترجمة : فضيلة الشيخ محمد باي بلعالم ( الشيخ باي )
» البشير الابراهيمي و اليهود
» البشير بن الطالب امَحمد التواتي
» الشيخ محفوظ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى